المحرر موضوع: شكراً... اسبوع المدى الثقافي  (زيارة 1573 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير خوراني

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 58
    • مشاهدة الملف الشخصي
شكراً... اسبوع المدى الثقافي
د. سمير خوراني
S_KHORANI@HOTMAIL.COM
SAMIRKHORANI@YAHOO.COM                 

   كنت من اشد المتشائمين والمحبطين من الوضع الذي آل اليه العراق، بعد ثلاث سنوات كاملة من سقوط الصنم في بغداد في 9من نيسان عام 2003 ، ذلك اليوم التاريخي الذي لا يشبهه يومٌ قبله ولا بعده، لقد غمرني التفاؤل وقتئذٍ، وكنت ابني احلامي على عراق جديد ديمقراطي متعدد، تراعى فيه حقوق الإنسان، ويعيش فيه العراقيون بخير وسلام ورفاهية، ولكن، كانت أحلامي تتبخر يوما بعد يوم، ولا سيما بعد أن طال مسلسل العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة، والقتل اليومي الجماعي، والإختطاف والسلب والنهب، فضلا عن مسلسل تصفية الحسابات بين الخاسرين من أيتام النظام والغالبين الجدد، والعبث والفساد الذي تقوم به ميليشيات مسلحة تنتمي إلى أحزاب سياسية وتيارات دينية تحت يافطة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)و( اجتثاث البعث)، مع تفاقم أزمة الخدمات الأساسية الوقود والكهرباء والماء وغلاء المواد وارتفاع معدلات التضخم، ناهيك عن السرقات التي تجري في وضح النهار للثروات العراقية، وأخيرها وربما ليس آخرها، أزمة الصراع على المناصب السيادية والوزارات وفق قانون المحاصصة، ومن ثم عدم تشكيل الحكومة بعد أكثر من اربعة اشهر على إجراء الإنتخابات، مما يدلِّل على عدم نضوج الساسة العراقيين، وتحجر عقولهم، بحيث يفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية والمذهبية والطائفية على مصلحة الوطن.
كل هذا جعلني محُبَطاً وفاقداً للأمل، إلى درجةٍ رحتُ أتحاشى فيها سماع نشرات الأخبار، او سماع تصريحات السياسيين العراقيين وبياناتهم التي تُغْني ولا تسمن من جوع، والتي كانت تؤكد لي المثل القائل: البطن الشبعى لا ترى البطن الجوعى.
ولكن فعاليات اسبوع المدى الثقافي التي جرت في مدينة أربيل لمدة اسبوع( من 22 إلى 27 نيسان الجاري)، واللقاءات التي جرت على هامشه قد غيرت من قناعاتي المتشائمة الكثير، فعاد لي تفاؤلي المشوب بالحذر من مستقبل زاهر للعراق، ولو بعد عقدين من الزمن.
ما أريد ان اتحدث عنه هنا هو أمران: الأول، محاضرة الدكتور فالح عبد الجبار (الباحث في الشؤون الإستراتيجية، والخبير في علم الإجتماع السياسي) في جمعية الثقافة الكلدانية حول الرؤى والتصورات المستقبلية للوضع السياسي العراقي، فقد كان يؤكد بالتحليل العلمي و بالأدلة والبراهين والقرائن والتمثيل بتجارب الأمم الأخرى، من أن الوضع في العراق يسير بصورة طبيعية، مع وجود تلكؤ نتيجة انفلات الوضع الأمني، وأن الديمقراطية آتية لا محالة في المطاف الأخير ولو بعد حين، وإن ما يجري من تخبط وفوضى سياسية مسألة طبيعية في الفترة المسماة بالإنتقالية التي مرت بها كل الشعوب دون استثناء، وخصوصاً بعد حكم نظام دكتاتوري توتاليتاري حَكَم بالحديد والنار،ونهب ثروات البلد ودمر اقتصاده، ولم يترك فيه غير الخراب.
اسئلة المداخلين من الحضور كانت كلها تصب في مصب اليأس من صلاح أحوال العراق، بعد كل ما جرى ويجري، ولكن الدكتور فالح عبد الجبار يرد بكل هدوء وبرودة اعصاب، فيزيل الغمامة السوداء التي غشيت عيوننا، ويُقشِّع الغبار الذي حولها، ويطمئن الحاضرين بمستقبل العراق، ولسان حاله يقول: كل شيء على ما يرام.
الأمر الثاني هو تلك الأمسية الجميلة التي لن تغيب عن البال والتي جمعتنا بنخبة من المثقفين والباحثين والأدباء والشعراء والفنانين العراقيين المعروفين، أذكر منهم: الدكتور كاظم حبيب، والدكتور الناقد عبد الإله أحمد، والشاعر الخطاط محمد سعيد الصكار، والدكتور الباحث محمد حسين الأعرجي، والأستاذ فائق بطي، والروائي زهير الجزائري، والفنان الملحن المقتدر كوكب حمزة والفنان المطرب الرائع كريم منصور (الذي ملأ القاعة بصوته الشجي حتى ساعات متاخرة من الليل، والذي أعادنا إلى الغناء العراقي الأصيل بعد موجة الغناء الهابط والمبتذل الذي تمثله موضة أغاني البرتقالة والتفاحة والرمانة والمشمشة وما تلاها من البيدجانة والكوسة والفلفلاية والدولمة وهلمّ جر)، والفنان المعروف الدكتور فاضل خليل، والفنان والمخرج حيدر منعثر والفنانتين القديرتين فاطمة الربيعي وغزوة الخالدي، والفنانة الصاعدة زهرة بدن، وغيرهم لا تحضرني اسماءهم.
ما استرعى انتباهي في هذه الأمسية، من خلال نقاشاتنا واحاديثنا الجانبية ان الجميع واثق ومتيقن من مستقبل العراق، وان جيوش الظلام وأشباح الموت الأصفر وخفافيش الكهوف ودعاة العيش في القرون الوسطى لن تقوى على هزيمتنا، وان الحياة ستكون لمن يحبها. ولاحظت علامات الأمل والتفاؤل مرتسمة على جباه الضيوف، حينها عاد لي الأمل واستعدت تفاؤلي المفقود، ولكن المشوب بالحذر..
شكراً ... اسبوع المدى الثقافي
شكراً ... فنانينا وأدباءنا وشعراءنا ومثقفينا
شكراً ... مدينتنا أربيل التي احتضنت المهرجان، فمنحتنا الفرصة لكي نلتقي بهذه الوجوه الطيبة. [/b] [/size] [/font]