المحرر موضوع: إجازة طويلة جدا للدماغ...قصة قصيرة جدا ً بقلم اكرام هرمز عيسو  (زيارة 751 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. بهنام عطااالله

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1509
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصة قصيرة

                                     إجازة طويلة جدا للدماغ...

                                                                 إكرام هرمز عيسو / بخديدا

                          نشرت في مجلة (الإبداع السرياني) العدد الثامن  ك1 2009
   
      الجو حار،والكهرباء مقطوعة، جلس عصام على أريكته القديمة المبتلة،مسح العرق عن جبينه ،ثم اخرج من الكيس الذي عاد به للمنزل علبتا سجائر وأربع بطاريات وعلبة من حبوب "البندول"...تناول البطاريات وأبدلها بالتالفة وشغل الراديو،ولكن ؛ مع الأسف انتهى موجز الأخبار وعليه أن ينتظر ساعة اخرى لسماع النشرة...رفع قدميه فوق الطاولة وأشعل سيجارة وراح يرتشف الدخان،شعر بلذة وراحة كما لو أن موكب حياته وقافلة أيامه توقفوا للحظة ليرتوّا من جدول عذب ثم يواصلوا رحلتهم...
     عاد برنامج "BBC EXTRA" يواصل طرح مواضيعه بعد الموجز وكان اليوم الموضوع عن الأشخاص الذين لايعيرون الانتباه لحياتهم ولأخطائهم ومثالهم الأكبر هم المدخنون الذين يقرؤون على غلاف سجائرهم دائما عبارة:
"تحذير،التدخين سبب رئيسي لأمراض القلب والرئة..."ومع ذلك يدخنون...
     ابتسم عصام ابتسامة عريضة ،أطفا الراديو،فلا حاجة لصرف البطاريات بمواضيع غير ذات قيمة ،فكر قليلا...نظر إلى علبة السجائر ،قلبها لبحث عن هذه العبارة ،وجدها ،سأل نفسه:- الم يلاحظ هذه العبارة من قبل ؟لاشك في انه قد لاحظها كثيرا ...حسنا،هل قرأها بإمعان وفكر فيها يوما؟ أجاب نفسه بالنفي...
     تأمل قليلا...خمسة عشر عاما وهو يدخن،خمسة عشر عاما ولم يستطع أن يفهم جملة تقع على ناظره كل يوم ...تُرى ماذا فاته أن يلاحظ أيضا خلال هذه الخمسة عشر عاما ؟ هل قيلت جمل اُخرى أو كتبت ولم يلاحظها أيضا؟ هل نصحه احد أو اهتم لأمره أو حتى لاطفه ولا يلاحظ؟؟ لم يستطع الإجابة...
     عاد وارتشف السيجارة مرة اخرى ،لكن هذه المرة أحس بنكهة دخان خانقة ومزعجة ...لماذا لم يحس بها طوال تلك السنين؟؟ انزل رجليه من الطاولة، تناول المرآة ونظر فيها، ترقرقت دمعة من عينه ، مسحها بسرعة ،لكن صورته في المرآة قالت له :-" أنا حزينة وأريد أن ابكي، دع الدمعة وشأنها..."
أجاب صورته بأنه قوي...
قالت الصورة:-"لكن خمسة عشر عاما إجازة طويلة جدا للدماغ يا عزيزي...!!!"
أجاب صورته بسرعة :-"ولكني اُفضل أن لا اعلم بأخطائي وافعلها على أن اعلم بها وافعلها... ففي هذا بعض الهوان..."
أجابته صورته :-"ولكن انظر اليّ ،لقد تعبت، ابيض شعري وظهرت التجاعيد فيّ ، لا أرى حولي سوى البؤس ولا اسمع شيئا سوى الشفقة ،لا أشم سوى رائحة السجائر الكريهة ولااتذوق غير الطعام المعجون بطعم المرارة..."
أجاب الصورة:-"إنها قسوة الزمن"
قالت له:-"حقا...!!! انظر جيدا إذن..."
تطلع عصام في المرآة جيدا ورأى وجها آخر يعرفه جيدا ،وجه مفعم بالحيوية والمرح والأمل ...تذكر أنها صورته وهو عائد إلى بيته ليخبر أمه انه حصل على شهادة البكليريوس ،وأنها صورته هو عندما بدأ بأول يوم عمل له وإنها نفس الصورة عندما احتفل بخطوبته...
أغمض عينيه لثانية ،ثم فتحها فلم يرى سوى وجهه القبيح... صاح بمرآته :-" أين  ذهبت تلك الصورة ؟ أعيديها..."
أجابته المرآة :-" آسفة لا استطيع،لقد دفَنتَ هذه الصورة جيدا في ثنايا ذاكرتك ولم تحاول استعادتها يوما أو حتى التفكير في أيامها..."
قَلَبَ عصام المرآة على الطاولة بهدوء،طفق يبكي،شعر لأول مرة منذ سنين بأن قلبه عاد يتحدث مع عقله،وان إنسانيته عادت تستمع للاثنين ...يااااه انه زمن طويل لم يُجري فيه مثل هذا الحديث... دقت الساعة الثانية،كان ينتظرها ليسمع نشرة الأخبار ،لكن؛لا حاجة ألان إلى ذلك ،فلماذا يهتم بصراعات الدول إن لم يحل صراع مكونات نفسه ؟ولماذا يهتم بالاقتصاد والصحة والاكتشافات بعد اكتشافه الخطير الذي حققه اليوم ؟؟ دقت الساعة الثالثة والرابعة والخامسة ياااه انه زمن طويل لم يفكر فيه كل هذا الوقت ...
وفجأة نهض من أريكته ،بدل ملابسه وحلق ذقنه ،اخذ مفتاحه وعلبة السجائر ووضعهما في جيبه، مشى خطوتين ،ثم عاد واخرج علبة السجائر، تأمل فيها ،وبحركة سريعة رماها في سلة المهملات ...
وقال في صوت مسموع :-"يكفي،لقد انتهت إجازتك الطويلة..."
ومضى يبحث عن آماله...