المحرر موضوع: كتاب" العصور القديمة " مَرجع مهم للمؤرخين  (زيارة 6678 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سالم إيليا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 263
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كتاب" العصور القديمة " مَرجع مهم للمؤرخين




بقلم : سالم إيليا

كُنتُ قد ذكرتُ في المقال السابق " هل إنّ أصل الحجاب آشوري " بأنني سأتطرق الى أحد المراجع الرئيسية التي إستقيتُ منها بعض الحقائق التاريخية عن أصل الحجاب وهو كتاب " العصور القديمة " للدكتور جايمس هنري براستد أستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو وعضو أكاديمية العلوم في برلين سنة 1926 م وهي سنة تعريب هذا المَرجع .

ومن خلال تصفحي وقراءتي لبعض الأقسام والفصول التي يحتويها الكتاب شعرتُ بالقيمة التاريخية والجهد الكبير الذي بذلهُ المؤلف والذي كان عالماً في الآثار والتاريخ الشرقي ، إذ يُعتبر في ذلك الزمان أعظم مؤرخ أمريكي كَتَبَ عن تاريخ الشرق .
وحيثُ أنّ هذا الكتاب بنسختهِ الإنكليزية كانَ قد الّفهُ الدكتور جايمس للإستفادةِ منهُ كمرجعٍ في تاريخ العصور القديمة للطلبة الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية معتمداً على المعطيات والبراهين العلمية والدلائل الآثارية التي تمّ العثور عليها والتي لا تقبل التأويل أو الشك ، لِذا أرتأت دائرة المعارف العراقية وشقيقتها في فلسطين تكليف الأستاذ هَرُلْد( هارولد ) نِلسن أحد أساتذة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية بتنقيح وتحرير هذا المرجع ليلائم الطلبة الدارسين في المدارس الثانوية في كلا البلدين ، حيثُ أوعزَ الأستاذ نِلسن بعد الإنتهاء من تنقيحه الى الأستاذ داود قربان والذي كان أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية الى ترجمتهِ الى اللغة العربية ، إذ إنتهى من ترجمتهِ في الخامس عشر من شهر آب سنة 1926 م وتمّ طبعه في نفس السنة ليكون في متناول أيدي الطلبة الدارسين في المدارس الثانوية في العراق وفلسطين .

يتألف الكتاب في نسخته الأصلية (الطبعة الأولى) من(487) صفحة تحتوي على ثمانية وعشرين فصلاً موزعة على خمسةِ أقسامٍ ، يُبين القسم الأول منها تاريخ الأوربيون الأقدمون والقسم الثاني يتكلم عن تاريخ بلاد الشرق ( تاريخ الفراعنة وبلاد آشور والكلدان ) ، أمّا القسم الثالث فيتكلم عن الحضارة اليونانية والقسم الرابع يتطرق الى تاريخ بلدان البحر المتوسط في العصر الهليني والإسكندر وجمهورية رومية وأمّا القسم الخامس والأخير فيغطي تاريخ الإمبراطورية الرومانية .

الكتاب بمحتواه يُعتبر وثيقة تاريخية ومرجع تاريخي مهم للأسباب التي سأوردها والتي جعلتني أعتمد على هذا المصدر في بحثيّ عن بعض المعلومات التاريخية المهمة والتي تخص منطقتنا الشرق أوسطية وآسيا الغربية بشكلٍ عام وبلاد ما بين النهرين بشكلٍ خاص ، حيثُ أنّ :

المؤلف الدكتور جايمس هنري براستد كانَ من أنزه وأعظم علماء التاريخ والآثار والمؤرخين الذين كتبوا في تاريخ العصور القديمة وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً وكانت لهُ مكانتهِ العلمية المرموقة في جامعات الولايات المتحدة وفي العالم ، وقد كان من علماء التاريخ القلائل الذين وقفوا بشدّة ضدّ َ تزوير التاريخ ونهب آثار الشرق والإتجار بها ، كما كان لهُ الفضل الكبير في تعريف الغرب على حضارة الشرق وتاريخهم القديم .

كما وإنّ تأليف الكتاب جاء في وقتٍ لم تكنْ فيهِ الصراعات الإثنية القومية والدينية والدولية السياسية قد أخذت الحيّز الكبير من إهتمام العالم ، لذا فمن المُستبعد أن يكون المؤلف قد تأثرَ بأي إتجاه أو ضغط من هذا الجانب أو ذاك ، وكما ذكرتُ فلقد إعتمدَ المؤلف في تأليفهِ لهذا المرجع على الإكتشافات التاريخية من آثارٍ عمرانيةٍ ومخطوطاتٍ وأدوات قديمةٍ كان قد إستخدمها الإنسان في ذلك الوقت كأدلّة مادية لإثبات بعض النظريات التي ذهبَ اليها علماء التاريخ في تفسيرهم لنشأة وتطور أولى الحضارات في العالم والتي تركزت معظمها في المنطقة الواقعة في الهلال المخضّب أو الخصيب وخصوصاً حضارة أجدادنا في بلاد ما بينَ النهرين ( سهل شِنعار الذي بات يُعرّف بسهل بابل ، وسهل نينوى ) وشمال أفريقيا (حضارة الفراعنة) .

إضافة الى ذلك إحتواء المصدر على الخرائط والمخططات التوضيحية المهمة وكذلك الصور والرسوم والأشكال للأثار التاريخية التي وجدها الآثاريون أثناء بحثهم وتنقيبهم عن الآثار .

كذلك جلب إنتباهي حيادية الكتاب في طرحه للحقائق التاريخية المدعومة بالبراهين وذلك لإعتماد مؤلفه المهنية العالية في البحث والتقصي لبيان أصل الأقوام التي أنشأت أولى الحضارات في العالم ودورها الحضاري وإنعكاسه على الحضارات الحديثة .

وأخيراً إعتماد الكثير من المؤسسات العربية الأدبية المهمة وكتّابها على المعلومات التي وردت في "كتاب العصور القديمة" كمرجع مهم لبحوثهم ومقالاتهم ، حيثُ إعتمد الدكتور نجاح محمد في أحدى مقالاته والمعنونة بـ " صيرورة التزوير والتصحيح " والمنشورة في العدد الثالث السنة الأولى صيف 1998م في مجلّة الفكر السياسي الفصليّة التي تصدر عن إتحاد الكتّاب العرب بدمشق على كتاب الدكتور جايمس هنري براستد(1) . كذلك إعتمدت الكاتبة سامية عبد المطلب في مقالها " العلمانية الغربية الى أين؟ " الجزء الثاني والمنشور في مجلة أقلام مصرية في العدد 17 أغسطس/آب لسنة 2007م على نفس المصدر للإستدلال الى ما ذهبت اليهِ في مقالها.(2)

 إنّ الكتاب المترجم الى العربية بطبعتهِ الأولى والذي صدر في شهر آب سنة 1926م يُعتبر من المطبوعات والمراجع الفريدة وهو أول كتاب تاريخي معتمد أصدرته دائرة المعارف العراقية بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م يتكلم عن تاريخ العصور القديمة المُعتمِد على الإسلوب العلمي في سَرده للتاريخ والحضارات القديمة والذي أحتفظ بنسختهِ الأصلية التي ورثتها مع الإرث الأدبي الذي تركهُ لي والدي رحمه الله ، وإنني أجهل تماماً كم من النسخ الأصلية لا تزال موجودة وأماكن وجودها والتي أشك حتى وإن وجِدَتْ فهي ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد ، كما وإنني أشُكّ تماماً بإحتفاظ وزارة التربية العراقية في آرشيفها بنسخة أصلية من الكتاب.
كما وإن من المؤكد من أنّ الكتاب بطبعته الإنكليزية يحتوي على معلومات تفصيلية أكثر من طبعتهِ العربية ، إذ  نُقِـّحَت طبعتهِ الأنكليزية لتلائم الطلبة الدارسين في المدارس العراقية والفلسطينية.(3)   



الهوامش:

(1)   إعتمد د. نجاح محمد على الطبعة الحديثة لكتاب "العصور القديمة" والصادرة عن مؤسسة عزالدين  في
بيروت سنة 1983م ولنفس المترجم داود قربان غيرَ أنّ عدد صفحات النسخة الحديثة قد تجاوزت الـ (668) صفحة ، ولا أعلم هل أنّ زيادة صفحات النسخة الحديثة قد جاءت نتيجة تحديث الطباعة أو سعة الصفحة وحجم الكتاب بصورةٍ عامةٍ أم أضافة معلومات نُسِبت الى المؤلف؟
 
(2)   إستدلالي ببحوث بعض المؤسسات ومقالات بعض الكتّاب لا يعني بالضرورة تبنّي مواقفهم وآرائهم وإنما رغبتُ في بيان أهمية إعتماد هذا المصدر من قِبَلْ الباحثين والمهتمين.     

(3)   يذكر المحرّر الأستاذ هَرُلْد نلسن في مقدمتهِ " ولمّا كان المؤلف قد توخى في الطبعة الإنكليزية لهذا الكتاب فائدة الطلبة الأمريكان بنوع أخص إضطرّ المحرّر الى تنقيح الأصل الإنكليزي بالزيادة والحذف مُتوخياً في ذلك فائدة الطلبة من أبناء اللغة العربية ".