المحرر موضوع: عقلية المسلم بين أسر النص الديني وقضبان النقل الفكري .. 2-1..  (زيارة 1489 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Fatin Noor

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 138
    • مشاهدة الملف الشخصي
عقلية المسلم  بين أسر النص الديني وقضبان النقل الفكري ....1 من 2  ..
فاتن نور

سأبدأ من حيث ينتهي هذا  الجزء، بطرح سؤال تقليدي شغل الفكر الإنساني وما زال، رغم أن البعض يعتبره من الأسئلة المشككة ومن اللياقة أن لا يطرح، إلا اني سأطرحه وبكل ثقة وإيمان....
  من هو الله؟..
...لي وقفة مع هذا السؤال في الجزء الثاني  وبعد هذه المقدمة التي صنفتها كجزء أول.....

 غالبا ما يعتمد المسلم في حواراته على النصوص الدينية الواردة في القرآن، مستشهدا بالأحاديث النبوية، ومستنهلا مما  تحتويه حقيبة التراث الأسلامي من تفاسير وفقه واجتهادات وتأويلات،تلك الحقيبة هي ثمرة جهود أناس عاشوا في فترات متباينة من التاريخ ونقلوا لنا ما نقلوه من تفاسيريهم واجتهاداتهم، او ما جمعوه ودونوه نقلا عن الرسول عبر الرواة، جهود انسانية قيمة، لكنها لا ترتقي لمرتبة القداسة اطلاقا، فهي تتحمل الخطأ والصواب، اليقظة والغفلة، الزيادة والنقص،الركة والمتانة،..كما انها جهود لا يمكن فصلها وتجريدها من حقبها التاريخية، فلكل حقبة املاءاتها على الذهنية المفكرة وطبيعة الجهد المنتج،كون المفكر او المدون هو بالتالي انسان يتأثر بما يحيطه وبما حوله من معارف وعلوم فهو أبن المجتمع الذي ترعرع فيه بكل تلبساته الثقافية والسياسية والدينية وصراعاته المختلفة......

 عندما يقف المسلم محاورا  يقف بما  في جعبته،القرآن والتراث بما في ذلك السنة النبوية، التي هي جزء من التراث المنقول... بمعنى أن ما في جعبتة هو النص الديني المباشر، والتراثي المتمثل بجهود اناس فكروا وتفكروا وخرجوا بثمرة ما  او سلة ثمار، وبغض النظر عن مدى نضارة تلك الثمار ومدى صلاحيتها للهضم او ديمومتها للهضم عبر الزمن.....

..يؤسفني أن لا ارى في جعبة المسلم عقله ،وهو ما يجب ان يحمله في موضع الصدارة وفي عنق الجعبة...(..ولا ادري إن كان للجعبة عنقا فهذا من باب المداعبة والمجاز!...)..
.
يؤسفني ان لا ارى جهوده الفكرية ومحاولاته الذاتية في اي حوار، فهو دائب دؤوب في نقل النص ونقل التراث، وكأن عقله لا مكان له من الأعراب او كأنه معفى سلفا من التفكير وبذل الجهد،موظفا كل طاقاته العقيلة للإلتقاط من تلك السلال والبحث فيما يفيد منها لغرض المناورة في الجدال وتعضيد الرأي الذي هو بدوره كان قد ألتقط من أحدى السلال،تعضيده بالحجة التي لا تنتمي من قريب او بعيد الى جهده الشخصي...

.. قد نراه غارقا في النصوص الدينية داسا أنفه بين آية وأخرى منقبا عما يفيده لينتصر به على خصمه!.. وكأنه في ساحة وغى، وغرضه الوحيد هو ان يعود منتصرا، متناسيا ان الغرض الفعلي والأساسي من اي حوار هو التقرب من الحقيقة ومحاولة الخروج بالأفضل لصالح المجموع لا بالنصر او الهزيمة...

يؤسفني أن ارى تلك الجوهرة الثمينة- العقل- لا تعمل إلآ كلاقطة وأداة ناقلة لدى الكثير من المسلمين ولا توظف لإنتاج اي فكر او رؤية او إستنتاج عند النزول في حوار مع الآخر...

كثرما  نقف امام  اكداس من النصوص واكداس من مقولات التراث بأكداس من التفاسير يطرحها المسلم امام نظيره المختلف معه في امر ما  ليصرعه شر صرعة،وكذلك يفعل النظير..وعندما نبحث عن عقل هذا وذاك نكاد لا نراهما إلا كقرص مضغوط يختزن البيانات النصية الدينية، ويحتفظ بأرشيف مدور لنتاجات عقول فكرت ورحلت،وأياد دونت ومضت،لأسلاف صالحين او طالحين انتجوا ما انتجوه بإعمال عقولهم وبجهودهم الذاتية واضعين بصمات فكرهم وتفكرهم  وكل في حقبته التاريخية...

كأنه اصبح من الهراء أن نفكر، فقد فكر لنا من جاء قبلنا وغطى بتفكيره كل أحتياجات البشر واضعا النقاط على الحروف لكل ابجديات الحياة والممات وحتى ابد الآبدين،فلا وقت لدينا الآن ليهدر من أجل التفكير!!، فقد وصل التفكير مداه الأقصى وسقفه النهائي قبل نزولنا من الأرحام!! ، وما علينا سوى الإقرار والتطبيق!،وإن وددنا النقاش ما علينا إلا بتدوير القرص المضغوط  لنستعرض المكنون من الدرر....

 وهذا ينطبق على جموع الفقهاء والمفكرين والعلماء، فهم في نفس القوقعة من العوم والغوص بأفكار وجهود الأولين من تفاسير وأجتهادات وما الى ذلك، فهي سقفهم وميزانهم، ومن النشاز قد يبدو التفكير بعيدا عن سقف الأولين وموازينهم ،وكأنهم وضعوا لنا ضوابط التفكير وآفاقه وحدوده، وألزمونا بها ألزاما سرمديا لا مفر منه!.....
...ياليتنا نقتدي بهم فلقد فكروا وانتجوا ونقلوا  لنا جهودهم  كبشر،كأفراد مارسوا دورهم الفكري في الحياة ورحلوا.. وجاء دورنا لنفكر وننتج..
بالتأكيد أنه من الحماقة بمكان ان نلقي بتلك الجهود في عباب البحر فهي حصيلة لثقافة انسانية، ومحصلة فكرية لحقب تاريخية مختلفة وفيها ما فيها من منافع ومضار وبدلالات متباينة، إلا انه من الحماقة ايضا ان نصنع منها قضبانا فولاذية يقف العقل خلفها كالسجين، ولا يجاز له التحليق خارجها او حتى التفكير بهذا ..

قد لا يدرك المسلم بأنه فيما لو وضع عقله في الصدارة متقدما على ما في جعبته من نصوص دينية ومن معارف وعلوم تراثية ،قد يصل الى نتيجة اسرع في حواره مع الآخر في أمر من أمور الدين ، سيلهمه عقله او قد يلهمه بما نطلق علية - شورت كت- للوصول الى حقيقة ما دونما الخوض والإبحار في في دهاليز الدين والتراث التي قد تعضد من هم على طرفي نقيض!، فيبقى الخلاف كما هو، بل قد يصبح مدعما بحجج مستقاة من نفس المصادر وبعقول  ناقلة تأبى أن تفكر كي لا تخدش القضبان ........

يؤسفني ان ارى المسلم لا يحاور بعقله ومغيبا له مجروا بعقلية اسلافه وكأن عقله رجس من عمل الشياطين..
.
يؤسفني كل هذا إلا اني متفهمة أن الضرورة لها أحكام، فقد يضطر بعضنا للمناورة بالنص والتراث اذا كان المقابل لا يستسيغ إعمال العقل ولا يمتلكه كأداة للحوار!.... مثل هذا المقابل، يؤسفني حتما....


إعمال العقل قد يرفدنا بنتيجة سريعة، لا بأس ان نعرضها فيما بعد على نصوص الله لقياس مدى إنسجامها او تعارضها مع تلك النصوص..

ما الخلل في ان يكون العقل في المقدمة ثم العرض.. لماذا نغيّب العقل ونفعّل الإستعراض النقلي لرؤية في بطن التراث والإستشهاد التلقيني للنص الديني، فلا حضور لعقل المحاور ولا جهد فكري يذكر غير جهد الإستعراض والنقل... ماذا وهبنا الله..أعقلا ام  قرصا ممغنطا لاقطا يختزن جهود الأولين ويستعرض منها ما شاء في صالات الجدال والتحاور ومؤسسات البحوث والإجتهاد!.....


لتوضيح الفكرة لا بد من مثال .. سيكون حول " حد الردة"..وحدها " القتل" .. اقسى واعنف عقوبة ممكن ان ينالها مخلوق مثلما هو معلوم، والذي يتفق عليه الكثير من المسلمين وللأسف حتى يومنا هذا..

...موضوع الردة من المواضيع التي تطرح او تناقش برفد مهيب من النصوص الدينية والوقائع التاريخية والأحاديث النبوية المنقولة والمصادرالإسلامية التراثية والمراجع السلفية والكثير من هذا القبيل.، وبتحييد العقل او تغيبه تماما فلا حضور له في استنتاج او قياس او إستدلال لدى الأطراف المحاورة او الباحثة فهي تناور بالنص القرآني والتراثي للنقض او السند....

 
 سأضع عقلي  المتواضع في الصدارة وليس على الرف، وسأبتعد عن كل نص ديني وعن كل جهد بذل قديما وحديثا لتفنيد حد الردة او ترسيخة..سأعتمد على آلية بسيطة في الطرح لا تحتاج الى خلفية تاريخية او نصوص دينية - تراثية منقولة او فلسفات متجذرة بكل غليظ  وعسر..
  كل ما تحتاجه تلك الآلية هو أدوات بسيطة تبتعد عن المماطلة بما سلف، آلية تقترب من بديهيات الحياة والعلوم كبديهة الخط المستقيم الواصل بين نقطتين كونه الأقصر....

 آلية مبسطة بشقين.. الإيمان بأن الانسان مخلوق عاقل، هذا أولا.. اما ثانيا فمعرفة الله بماهيته الطبيعية كإله يرتقي بإلوهيته فوق كل القياسات البشرية...
 فهل سيرفض العقل السليم تلك الآلية البسيطة التي سأستخدمها"كمحاولة" لتفنيد حد الردة؟...


 لا اعتقد هناك خلاف على الشق الأول كون الإنسان هو" مخلوق عاقل"..

 أذن..لنتعرف على الشق الثاني من تلك الآلية، "على ماهيته الله" ( أكرر،بعيدا عن النصوص الدينية وما أنزله الله للتعريف بذاته الآلهية، فلا ننسى، العقل في موقع الصدارة هنا ولا مرجعية غير المنطق العقلاني البسيط )..

وكي نتعرف ببساطة موضوعية  وإيجاز لا بد أن نبدأ بطرح هذا السؤال: من هو الله؟.......

فاتن نور
06/04/11[/b][/size][/font]