المحرر موضوع: الدستور . . والآمال المنتَظَرة !/1  (زيارة 1392 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدستور .  .  والآمال المنتَظَرة !
1 من 2
[/b]

                              د. مهند البراك

ظهرالدستور الحديث على اختلاف تسمياته، ان كانت قانوناً او لائحة اساسية، او بما دعي كقانون القوانين او القانون الأعلى  .  .  تلبية لحاجات وآفاق القوى المنتجة والفاعلة الداخلية من جهة، والحاجة الى بناء الدولة الحديثة ووضع حدود منظورة ملموسة للحقوق والواجبات، وتعبيراً عن الحاجة الى صياغة منجزات الفكر ونظرياته الحديثة وتفعيل تأثيرها في المجتمع القائم، الذي اخذ يحتاجها ويتطلّبها، ويدعو اليها .
ولقد تنوّعت اساليب وضع الدساتير ومحتواها وما دعت وتدعو اليه، وتداخلت وتفاعلت على مرّ الزمان، كاساليب تعلّقت بدرجة كبيرة ليس فقط بمفاهيم الديمقراطية ودرجاتها، وانما تعلّقت وتتعلّق  بالشعب المعني وتراثه وحضارته ودرجة ثقافاته وتطلعاته، ومصالح اوسع اوساطه وفئاته وطبقاته، اضافة الى شكل احلامه وسايكولوجيته، وفقاً للمراحل التاريخية الوطنية والأقليمية والدولية التي مرّت وتمر بها الشعوب والبلدان .
وعلى ذلك الأساس يرى المؤرخون، ان ظهور الدستور الحديث يشكّل ثمرة وحصيلة صراعات متنوعة من اجل ايجاد حلول لحاجات، قامت من اجلها ودعت لها ثورات، كالثورات البورجوازية على الأقطاعية، الثورة الصناعية، وكل الحركات التنويرية والأصلاحية والثورية التي رمت الى رفاه وازدهار الأوساط  الواسعة للمجتمعات ، والى الحقوق الأجتماعية وتعميقها.
 ويرى آخرون انه وليد طبيعي، لأنتصار الأنتفاضات الشعبية في انكلترة،  وللثورة الفرنسية العظمى عام 1789 والثورة الأميركية عام 1776 ، من اجل وضع اسس مكتوبة لحقوق وتساوي  المواطنين رجالاً ونساءاً، وواجباتهم  .  .  التي استمرت وجرت عليها محاولات التجديد والتغيير والأضافة، وفق المراحل والظروف المتجددة والحاجات، لصياغة آليات للحكم وبناء مؤسساته، في غمار السعي لأقامة الدولة التي تساعد على تحقيق الأمن والرفاه والسلام لعموم المجتمع بمكوناته، وعلى اساس اطلاق طاقاته الأقتصادية والأجتماعية والفكرية والثقافية والروحية في مرحلة تأريخية، الى آفاق اعلى وارحب نحو خير ورفاه، على اساس وثيقة ملموسة يجري التصويت عليها، لتصبح ملزمة لجميع المواطنين، وبعبارة اوضح ملزمة للحاكم والمحكوم .
وفي بلادنا، لعب الحكم الموروث المفروض الذي لم يجرِ اختياره، سواءاً كان عثمانياً، احتلالاً، انتداباً، ام حكم تابع، وردود الأفعال الشعبية التي تسببها عليه، من احتجاجات واضرابات وانتفاضات من اجل التحرر والحقوق ووجهت بالعنف .  . دوراً كبيراً في تشكيل الوعي الأجتماعي ـ السياسي بدرجاته المتنوعة، وفي تشكيل الموقف من الدولة وقوانينها، انعكاساً لخللات بنائها، تحيّزها، وماهية دورها والأساليب التي اتّبعتها.
فبالرغم مما جلبه المحتل ـ ثم المهيمن ـ معه من مفاهيم جديدة وحديثة للأدارة، ومؤسسات لتنظيم الحكم والدولة .  .  . من برلمان وانتخابات ومفاهيم جديدة، ودستور ذي نصوص ديمقراطية المظهر والتنظيم ونصوص اكّدت على مبادئ وأسس دستورية متعارف عليها في دول العالم، التي حرّكت المجتمع وايقظته من سبات وليل طويل، واوجدت حياة برلمانية ولو شكلية غطّت النصف الأول من القرن الماضي .  .  ونظّمت الواقع القائم آنذاك، وساعدت على تكوين اجهزة ودوائر حكم على طرازاحدث من السابق، الاّ انها ابقت على مضمون لم يكن يعبّر عن تطلعات اكثرية مكونات المجتمع، في وقت كانت المطالبة فيه بالديمقراطية وتشريع دستور يقره الشعب ويلبي حاجات اوسع الفئات والشرائح الكادحة، تزداد يوماً بعد يوم،  تبعاً لتنامي الوعي الوطني،القومي، الأجتماعي والطبقي.
اضافة الى دور الواقع الشبه الأقطاعي الأبوي، الشبه الرأسمالي التجاري، الذي استمر تكريسه، الذي لم يُشجّع فيه التطوّر الأقتصادي، بل أُعيق ووضعت العصي في طريق تطوّر البرجوازية الوطنية، التي كانت ولاتزال تشقّ طريقها بمشقة كبيرة بل ومتزايدة .  .  في مناخ صراع عنيف للقوى العظمى على البلاد وفي الشرق الأوسط، اضافة الى تكريس الدوائر الغربية المتنوعة نزعات ومفاهيم محافظة ضيّقة انعزالية، قومية، دينية، طائفية او فئوية  .  .  سواءاً في مواجهتها للشارع وللحركات الشعبية او في مواجهتها للدوائر الشرقية المتصارعة معها، الذي ترك آثارا ضارة على المجتمع وعلى القوميات والطوائف غير العربية وغير الأسلامية وغيرها بسبب سياسة التمييز.(1)
   حيث لم يستطع الدستور والنظام البرلماني الناشئ آنذاك، ان يعبّر عن صحة التمثيل الشعبي من جهة، ومن وضع حل لمشاكل الفقر والبطالة والجهل والمرض وحلّ المعضلات الكبيرة التي كانت تواجهها البلاد من جهة اخرى. حتى صارالدستور وثيقة لايُدرَك معناها وتأثيرها وفعلها، لأنها لم تكن شيئاً يمكن من خلاله فعل او تغيير شئ  .  . ولم تستطع الدولة من خلاله التقرّب من المواطن وتقديم العون له، بل استمرت بلعب دور المتسلط عليه، ممارسة (ثقافة القهر)، مستسهلة التلاعب بالقوانين، باستمرار لم يترك الاّ انطباعات عن كونها تلعب دور الخصم، الأمر الذي تم توارثه من صورة ودور الحاكم، والذي استمرّ في التفاقم.
وفيما تكللت نضالات الشعب العراقي، بانتصار ثورة 14 تموز 1958 واعلان الجمهورية، التي فتحت عهداً جديداً وسنّت دستوراً (2) عبّر عن واقع المرحلة الجديدة التي افتتحت قبل نصف قرن، و عبّرت مفاهيمه عن الواقع العراقي والأمال، واحتفظت بصحّتها وحيويتها، بدلالة انها وجدت التعبير المستمر والمناسب عنها في قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية النافذ المفعول الآن  .  .  الاّ ان المرحلة انقطعت بانقلاب شباط الدموي عام 1963 ، الذي فتح مرحلة طغى عليها توالي الأنقلابات العسكرية والعنفية، في مناخ الحرب الباردة التي كانت تسود العالم آنذاك، شكّلت بلادنا ومنطقتنا فيها احدى ساحاتها الأكثراحتداماً.
وفي الوقت الذي انتجت فيه المرحلة الماضية نزعة استئثار الحزب الحاكم ثم الدكتاتور الأوحد بالسلطة، وادّت الى الأرهاب والى دولة المخابرات الساعية لتجميل نفسها بالشعارات استرضاءاً للشارع، في ظروف تزايد فيها تبلور الدولة الريعية العائشة على الخامات النفطية، اللامبالية بتحفيز الأقتصاد وتنشيط الدورة الأقتصادية والرفاه الأجتماعي، بقدر اهتمامها بالتسلّح وبزيادة الأنفاق العسكري الذي اخذ يرهق الميزانية الحكومية، ويساهم بشكل خطير في زيادة معدّلات الفقر .  .  اضافة الى حروبها وعقوبات نتائجها وخسائرها بالأرواح والثروات وتشويه المجتمع ! وانتشار السوق السوداء وبروز القطط السمان وضباع الحروب ومافيات الجنس والدعارة والجريمة المنظمة، واستشراء التعامل بالعنف والعنف المضاد، على ارضية من تفاقم رهيب للهبوط الأجتماعي، وللتخلف الفكري والسياسي  .  .
فانها انتجت التزييف والخديعة، بطرحها لـ ( دستور الطاغية صدام ومؤسساته وبرلمانه)، على اساس ( ان القانون ورقة يوقعها صدام حسين !) وعلى اساس (اجماع ؟) الشعب على انتخابه كرئيس بنسبة 99,9 % من اصوات الناخبين التي لاتتحقق الاّ في احلام الطغاة .  .  لأكثر من دورة انتخابية؟!  الأمر الذي شكّل اضافة الى خداع الشعب، شكّل جزءاً من جهوده الشيطانية لأمتلاك نفط العراق وجعلها له ولعائلته من بعده وفقاً للـ (القانون)، اعتماداً على تجربة احدى الدول النفطية العملاقة، وعلى خبرات الأحتكارات النفطية وشبكاتها القانونية، وشخصيات مدفوعة الثمن.
وبينما يرى عدد من الخبراء والمراقبين الدوليين، انه لم يستطع الحصول بتلك الطريقة سوى على حصة كولبنكيان من النفط العراقي، يرى آخرون انه استطاع بتلك اللعبة (الدستورية)، ان يسرق اموالاً اسطورية من النفط الخام باعتباره ( مالك العراق وخيراته باجماع الشعب دستورياً عليه ؟ وفق العادات والأعراف العربية جداً المعمول بها في البلاد ؟! )، وابرامه عقوداً لايزال عدد منها نافذاً بتلك الصفة بدعم، بخديعة او احراج وتواطؤ اطراف وجهات نفطية ومالية مصرفية، وايداعها  .  .  الذي يلقي ضمن مايلقي، ضوءاً على خلفيات معنى استمرار ادّعائه بالشرعية وبكونه رئيساً دستورياً منتخباً؟ كما يحاول محاميه وهيئة دفاعه في خروجها غير مألوف عن دور المحامي المحدد والمعروف دولياً، بتقديرهم .
الأمر الذي اذا اشار الى استهتار الطاغية باموال الشعب وتصرفه بها له ولأولاده وفق (القانون) الذي سنّه هو كما مرّ .  .  فأنه يشبر الى الأهمية الفائقة لوجود دستور للبلاد يكتسب شرعيته من تصويت الشعب عليه، واهمية صياغاته واحكامه، لتقرير ماهية القوانين والأحكام التي ستتعامل بها الدولة ومسؤوليها وممثليها المنتخبون مع دول العالم، واهمية نجاح صياغات الدستور المنتظر، في الحفاظ على ثروات البلاد وحقوقها في التعامل مع دول العالم ومنظومة قواه الأقتصادية والسياسية والعسكرية، ويقطع الطريق على محاولات التصرّف الفردي بمقدرات البلاد وثرواتها، او نهبها عن طريق العجز القانوني او الثغرات القانونية.   
لقد نادت القوى الوطنية العراقية الى قيام واعلاء القانون، بعد ان غاب عن حياتها رغم اشكال الأدعاءات والشعارات والصخب .  .  واخذت تهتف لقيام دستور باعتباره القانون الأساس الذي يمكن ان يحفظ العدل، رداًّ على مجتمع العنف واللاقانون والأستبداد الذي اخذت مخاطره تتضاعف على المجتمع اكثر، بظهور وتطبيق آليات الحكم الشمولي من جهة، ثم اندلاع الحرب وهروب الطاغية واعلان الأحتلال، واستمرار حالة الحرب. في ظروف تتزايد فيها الأستقطابات حدة، وفي منطقة تتفاقم فيها مخاطرة متنوعة ، على ارضية الفراغ السياسي الذي اجتاح العالم والمنطقة وردود الأفعال ذات الطابع الأصولي والأرهابي، اثر تشكّل العالم على اساس القطب الواحد من جهة، واثر تزايد الدور الستراتيجي للمنطقة في العالم من جهة اخرى .
وفيما يرى العديد ان بلادنا بحاجة الى تغيير كبير، يعيد اليها الحماس والأمل والتجدد في الحياة، ويشدّها لمواجهة التعصّب والأرهاب الغريب على حضارتها ونضالها من جهة، ويقويّ الموقف الوطني امام التحديات الأقتصادية والسياسية والعسكرية الخارجية واخطاء وتبعات الأحتلال من جهة اخرى، الذي لايمكن ان يتم الاّ بدور فاعل من مستوى اعلى جديد، للقوى والشخصيات والتجمعات السياسية والقومية والدينية والأجتماعية والفكرية، من التي نالت ثقة الناس، اضافة الى الجديدة الساعية لنيل ثقتها .  . 
يرون ضرورة قيام دستور فاعل  يؤشر وجهة تطوّر وحركة المجتمع، اقتصادياً، سياسياً اجتماعياً وفكرياً وسايكولوجياً .  .  يتناول تحديد آليات التحديث في المجتمع، على اساس ان المجتمع كائناً حياًّ وآليات التغيير فيه حية وليست جامدة، اضافة الى كونها ليست ارادوية فقط، ولابدّ وان تتعلّق بظروفه الذاتية القائمة وآفاق تطورها، ومدى تعلّقها بسمة العالم ووجهة تطوره وجوهر الآليات السائدة فيه، على تنوعها وشدة تناقضاتها ووحدتها، وبالتالي فعلها في بلادنا وواقعها الغني المتفاعل، بقومياتها واديانها وانماط فكرها وطبقاتها وفئاتها الأجتماعية، نفطها وثرواتها وموقعها بتأريخها وجغرافيتها .   
وفيما يجري النقاش والصراع حيوياً من اجل صياغة دستور حديث دائم للبلاد، من اجل قيام الدولة الحديثة، على اسس الحرية والديمقراطية والاستقرار والأمن، دستور يعترف ويحترم حقوق القوميات المشروعة على اساس الفدرالية ويرفض الفكر العنصري والشوفيني الضيّق، يرسّخ رفض العنف ويؤكّد مبادئ التداول السلمي للسلطة، وفق العقود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الأنسان  .  .  يكون بمثابة  القانون الاعلى في الدولة، الذي يخضع له الجميع ويحتكم اليه الحاكم والمحكوم، في سبيل تثبيت مقومات دولة القانون القائمة على مبدأ سيادته واحترام تدرج القواعد القانونية وحماية الحقوق العامة للمواطنين واستقلال القضاء ونزاهته. تقوم على اساس الفصل بين السلطات، وتنظّم العلاقات بينها من جهة، وبينها وبين الشعب من جهة اخرى . على اساس ان تكون مهمتها ادارة وتنظيم الصراع داخل المجتمع، بموافقة الشعب عليها بأغلبية معترف بها وعبر الاستفتاء العام.  (يتبع)

30 / 6 / 2005، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.   راجع تصريحات السيد سترو وزير الخارجية البريطاني حول الموضوع في تموز 2002 ، خطاب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في خطاب حال الأتحاد عام 2003 ، محاضرة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الجامعة الأميركية في القاهرة، في حزيران 2005  .
2.   رغم انه كان مؤقتا .