المحرر موضوع: ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب  (زيارة 2159 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل hannanishou

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 17
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 
________________________________________    "النهار"
الاحد 3 تموز 2005
ذوقوا ما أطيب الرَّب
 
نتخبط اليوم بين تيارات ومذاهب تكاد تجعل من الحياة نفسها عبئاً علينا، واصبحت قدرة المعلومات الهائلة التي تنهال على عقولنا قوية كقوة تسونامي، لا بل تعقّدت الحياة حتى وصلنا فيها الى مرحلة اللاعودة. و"المخاض" اصبح العنوان الحقيقي لهواجس البشرية المتصارعة بين الوجود واللاوجود، بين الايمان والالحاد. أما بالنسبة للقلق فحدّث ولا حرج، فقد صار من السهولة بمكان أن نتحدى العالم في امتلاكه الطمأنينة، لندرتها، وشحيح وجودها، ولكن هل هذه هي النهاية؟
لندخل الى كثير من الكنائس اليوم، نجد في جنباتها كل شيء ما عدا الحياة، ولو صدف ان وجدنا الحياة في احدى الزوايا البعيدة جداً لرأينا عينيها حزينتين ووجهها امتلأ بغبار خطايانا. سنجد كراسي لم يُبدع مثلها يوسف النجار، واقمشة وستائر لم يحلم بولس الرسول يوماً بجمالها، وحجارة تُضاهي بجمالها حجارة هيكل سليمان، وسنجد ايضاً شباكاً كشباك بطرس الفارغة، ذاك التلميذ الذي جاهد طوال الليل محاولاً ملء شباكه، لكنها بقيت فارغة. اذا حاولنا ان نتأمل في بطرس تلك الليلة سنجده مشبعاً باليأس والاحباط. واذا تابعنا قليلاً لوجدنا ان النجاح كان واقفاً على بُعد خطوة واحدة، على الطرف الآخر من السفينة، حيث الشباك بدأت تتمزّق من كثرة الاسماك التي اصطادتها. قبل الفرح بغنيمة الصيد، علينا ان نتذكر ما طلبته الحياة من بطرس: "ادخل الى العمق". ستبقى شباكنا فارغة وسلالنا تهبّ فيها الريح وكنائسنا بجمالها دون روحها، ما لم ندخل الى العمق اليوم. لم نعد نحتاج الى كلمات براقة تُلهب الاذهان، ولا أيقونات ميتة، ولا هياكل نسجت فوقها عناكب اللامبالاة شباكاً فارغة.
دعونا نسأل مريم أخت ألعازر عن سبب تركها العالم والتصاقها بالوحيد الأوحد، هل تعلمون ماذا ستقول؟ ستخبرنا انه اكثر جمالاً من جميع بني البشر، وفي فمي اطيب من العسل، وفي حلقي ألذّ من الشهد، لا بل ستصرخ فينا: ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. ايعقل أن تكون هذه الصفات مجتمعة في شخص ما؟ او يصحّ ان يجتمع كل هذا الجمال في انسان؟ نعم انها الحياة القابعة في قاع قلوبنا المغلقة، في قاع نفوسنا المعتمة.
كم نحتاج اليوم الى من يُعيد السلام والطمأنينة والفرح الى وجوهنا وقلوبنا، كما نشتاق الى من يُلملم شتاتنا واشلاءنا من عالم يتمرغ في الآثام، يُعيد الينا صورتنا التي أفقدها الهمّ شكلها وقداستها. وأنا أشاهد تلك النفوس التائهة الباحثة عمن ينجيها، أجد هدوءا  لا تعتريه شوائب يفتح ذراعيه كالآب الحنون أمام ولده الضال، وأسمع صوتاً كالبرق يقول: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم. لا تخف انه هو، لا تخف فهو لا يطلب المستحيل ولا الكثير، انما كل ما يطلبه هو فقط: انظر الى آلامه وستحيا وترتاح.
الأب اندراوس بحي
راعي كنيسة مار بولس للسريان الارثوذكس في سان دييغو