المحرر موضوع: إجابات كاظم حبيب عن أسئلة صفحة المثقف حول الانتخابات العراقية القادمة.  (زيارة 447 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

إجابات كاظم حبيب عن أسئلة صفحة المثقف حول الانتخابات العراقية القادمة.


يقف العراق أمام طلائع مرحلة جديدة لم تتبلور معالمها بعد, كما لم يتبلور وعي الإنسان العراقي بإبعاد هذه المرحلة ومضامينها واتجاهات تطورها, وهي وليدة تناقضات وصراعات عميقة داخل المجتمع وفي كل فرد في, وبالتالي فالفرد والمجتمع سيحتاجان إلى فترة أطول لوعي هذا الواقع والمشاركة في تغييره ومن ثم تطوير الوعي الفردي والجمعي معه , إذ أن عملية وعي الواقع والتفاعل مع المتغيرات الجديدة بحركتها البطيئة الراهنة التي ترتبط بدورها بعمق التخلف والتشوهات التي عاشها المجتمع والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي خلال أربعة عقود منصرمة على نحو خاص, كما ترتبط عضوياً بأهمية وضرورة التحولات المطلوبة في البنية الاقتصادية للاقتصاد العراقي وتكوين الدخل القومي وعملية توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي, وما ينشأ عن كل ذلك من تغيرات بنيوية عميقة في التركيبة الطبقية للمجتمع وفي عملية التنوير الاجتماعي والديني المرتبطة بدورها بواقع التناقضات الاجتماعية والصراعات السياسية الجارية في المجتمع وداخل كل فرد فيه, تناقضات وصراعات بين الماضي والحاضر المتطلع نحو مستقبل أفضل, بين القديم والجديد, بين الفكر العلماني المدني والديمقراطي وبين الفكر الديني الغيبي المتخلف, بين حرية الإنسان وحقوقه وبين سلب إرادة الإنسان وغمط حقوقه, بين الحلول السلمية والتفاوضية لمشكلات العراق وبين العنف والقوة والإرهاب, بين فكر وأعمل, وبين لا تفكر لها مدبر!
والانتخابات القادمة لا تجسد إلا النزر اليسير من عملية الصيرورة والسيرورة المتفاعلة في رحم المجتمع, ليست سوى حلقة واحدة, رغم أهميتها, في مجمل العملية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الجارية في العراق.
علينا أن نكون شفافين صريحين في رؤيتنا للواقع العراقي ولعلاقة الإنسان بالدولة والمجتمع. ليس الإنسان كفرد حراً في العراق, رغم توفر الحد الأدنى من الحرية, ففكر الإنسان عموماً لا يزال مشدوداً إلى خيوط وقيود شديدة الاستحكام تجره إلى الوراء في وجهة التفكير والممارسة, والإنسان العراقي في الغالب الأعظم ليس حراً لأنه مشدود إلى واقعه المعيشي المتخلف الذي يجبره على مد يده أو قبول ما يُمد له من قبل أيدٍي أخرى غير نظيفة تشتري صوته وهو ليس حراً بمنحها. والإنسان في العراق لا يزال مشدوداً إلى بعض المرجعيات الدينية التي لا تحترم إرادته بل تفرض إرادتها عليه من خلال تأييدهاً سراً أو علناً لقوى سياسية معينة في المجتمع.
والإنسان العراقي في غالبيته لا يزال محكوماً بدينه وطائفته, إذ تراجع مبدأ المواطنة المتساوية والوطن لصالح الدين والطائفة والمدينة والمحلة والعشيرة وشيخها. لم يعد مفهوم المواطنة يحتل مركز الصدارة, بل الطائفة رغم شجب الكثير من البشر لها, فهم لا زالوا يلهثون خلفها!
ورغم التحسن النسبي في وعي الإنسان وموقفه من قوى الإسلام السياسية نتيجة تصرفات وسلوكيات تلك القوى خلال الأعوام السبعة السابقة دون استثناء, فأنها سوف تحوز على نسبة عالية من أصوات الناخبين الذي عاشوا في الشهرين المنصرمين أجواء التصعيد الطائفي بصيغ جديدة وغبية على المدى البعيد رغم ربحيتها على المدى القصير. فالطائفية قائمة ولم تختف, رغم التغييرات التي جرت على تسميات القوائم وأدخلت رتوشات عليها بأسماء علمانية وديمقراطية, ورغم الشروخ التي أصيبت بها من جراء سلوك تلك القوى وميليشياتها المسلحة, سواء أكانت شيعية أم سنية. لقد سعى الكثير من حكام العراق الحاليين إلى تعميق وتشديد الاستقطاب الطائفي خلال الأسابيع المنصرمة لصالح القوى الطائفية رغم استخدامهم لأساليب أخرى في الطرح, وغالباً ما سعى هؤلاء إلى جعل الانتخابات تحصل على مقربة زمنية من مناسبات دينية طائفية بحيث يتأثر منح الصوت بالعاطفة الدينية أو الطائفية المتغلبة حالياً على عقل الإنسان وعلى تصرفاته.
لو ألقينا نظرة على الحملة الانتخابية لواجهتنا الوقائع التالية:
** قوى حاكمة تمتلك القدرة الفعلية على استخدام فعال لأجهزة الإعلام الحكومية وأجهزة الأمن والحماية, وخاصة رئيس الوزراء وبعض القوى المالكة لمواقع مهمة في الحكومة, في تسيير حملتهم الانتخابية. وكذا الحال لأحزاب أخرى في الحكم ومنهم عمار الحكيم.
** قوى مالكة للأموال وتصرف بسخاء لا مثيل له في العراق قبل الآن, وكأن السماء قد أمطرت عليها أموالاً, أو أنزلت السماء لها أكياساً من الذهب الخالص بالزنبيل, وهي قادرة على شراء ضمائر الناس (أصواتهم) بأبخس الأثمان العطايا!
** هذه القوى "تمتلك" قنوات تلفزيونية وتمتلك مواقع إلكترونية وتمتلك صحفاً وصحفيين, وتمتلك العربات الفارهة التي يمكنها سلب لُبّ الناخبين وجلبهم للتصويت لها.
** هذه القوى المتحكمة تجرأت على اتهام الأمم المتحدة على تزوير الانتخابات, في وقت كانت ولا تزال هي المتهمة بذلك, فهل تسير على قاعدة الهجوم خير وسيلة للدفاع أو "اتغدى بيهم قبل أن يتعشوا بينه!".
** اتهموا الولايات المتحدة  باحتمال قيامها بتزوير الانتخابات وهم اقرب الناس إليها وعلى  صلة بها, والحال أن المتهم هو من يوجه مثل هذا الاتهام و"اللي جوه أبطه عنز يبغج".     
في مقابل هذا هناك العديد من القوائم والمرشحين من لا يمتلك كل تلك الإمكانيات التي يمتلكها الآخرون من حكام العراق, ولكنه يخوض الانتخابات مؤملاً أن لا تُزور بشكل واسع وأن يحصل على قدر معقول من الأصوات والمقاعد في البرلمان.
ربما وأتمنى أن تكون الانتخابات القادمة أفضل من سابقتها, وأن تكون اقل تزويراً من سابقتها, وأن تكون نتائج الانتخابات أفضل في بنية توزيع النواب من بنية المجلس الراهنة. ولكني واثق تماماً بأن سيكون هناك تزوير, وسيكون هناك تجاوز على قواعد النشاط الانتخابي, وستكون هناك رشوات وعطايا ومنح من أمثال مسدسات رئيس الوزراء وبطانيات جلال الصغير وصوباته أو الوعود بمنح بعثات وزمالات دراسية أو وظائف حكومية ومستشارية أو توزيع أراضي الدولة الأميرية على شيوخ العشائر وكبار الموظفين أو قطع سكنية, أو استخدام الإساءات الطائفية كما فعلها بهاء الأعرجي.
الفترة الراهنة شهدت تراكماً مستمراً في المشاهد المثيرة للإنسان العراقي, سواء على صعيد فتاوى التحريم الكثيرة التي أصدرتها قوى الإسلام السياسية ضد حرية الإنسان وإرادته الحرة, كما في الموقف من المشروبات الروحية أو فرض الحجاب في دوائر الدولة أو المدارس, أو المشاركة بالفساد أو تعطيل البناء وإعادة الإعمار ...الخ, أم على صعيد التصرف الطائفي في أجهزة الدولة والتعيين والتوظيف, أم على صعيد الفساد المالي والإداري أم على صعيد نقص الخدمات وعدم العناية بالأرامل والأطفال والتعليم والصحة والخدمات الأخرى, وخاصة الكهرباء. وأدرك الناس طبيعة العوامل والقوى الكامنة وراء هذه الظواهر السلبية. ولكن هذا التراكم الكمي لم يتحول بعد إلى حالة جديدة, إلى حصول تغيير كيفي في رؤية الإنسان للوضع وفي الموقف الفكري والممارسة الفعلية منها, بل هي بحاجة إلى فترة أطول وعملية أكثر عمقاً وأكثر تحريكاً من جانب القوى الديمقراطية.
العنف في العراق قد مورس من منظمات إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية مثل القاعدة. ولكن العنف مورس أيضاً من أطراف في الحكم أيضاً, والبعض ممن هم في الحكم أو على هامشه مارسه خلال الفترة الأخيرة أيضاً من أجل مسح ما تحقق من منجزات تقليص العنف المنطلق من المليشيات الطائفية المسلحة. وهي التي ستقرر: هل ستعود إلى العنف من جديد أم تضعه جانباً وتستخدمه عند الحاجة؟ سيظهر هذا في أعقاب ظهور النتائج ومكانة كل منها في المجلس. ويعتمد على دول الجوار ومدى مكانة اللوبي المرتبط بها في المجلس وقدرته في التأثير على سير أعمال المجلس ومصالحها.
الواقع العراقي معقد ومركب, ويزيده تعقيداً ضعف الحكومة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا تنفع الخطب وحدها, فلو كانت كافية لما فشل الدكتور الجعفري في البقاء في السلطة ولما وصل نائبه إلى رئاسة الوزراء. وهكذا الحال بالنسبة للآخرين.
طبعاً سيبقى الدور الأمريكي والإيراني والسوري والسعودي والخليجي فاعلاً في هذه الانتخابات, ولا يمكن أن أتصور غير ذلك. ولكن سيختلف هذا الدور. سيكون دوراً يتسم بالفظاظة والوقاحة, كما في دور إيران وسوريا أو السعودية والخليج, وبين أن يكون بشكل غير مباشر, كما كان في الموقف الأمريكي الذي طرحه السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل قبل بضعة أيام, وكان في منتهى الصراحة والوضوح ووضع حداً لاتهام الإدارة الأمريكية برغبتها في مجيء البعثيين إلى الحكم. إن الاتهام الموجه للإدارة الأمريكية يتلخص في كونها كانت السبب وراء تسلط القوى الإسلامية السياسية الطائفية على الحكم في العراق وفي كافة الانتخابات التي جرى التزوير فيها لصالح هذه القوى وليس لغيرها. 
أتوقع أن تكون هناك مشاركة جيدة من جانب الناخبات والناخبين في هذه الدورة الانتخابية, ولا أتوقع حصول مقاطعة سياسية للانتخابات إذ لا معنى لها, ولكن سوف تبتعد نسبة غير قليلة عن التصويت لأنها لم تشعر بفائدتها خلال دورة 2005. وهو تقدير خاطئ يشجع عليه البعض.
أتمنى أن تزداد المشاركة, إذ أن المقاطعة تعني تكريس الواقع السلبي الراهن, والانتخابات القادمة ستجلب بعض التغيير, ولكن ببطء شديد ومحدود نسبياً, ومع ذلك فهو مطلوب ومفيد. والانتخابات القادمة ليست مصيرية ولا حاسمة, بل هي مهمة وخطوة هامة على طريق طويل في الصراع المتواصل من أجل مستقبل العراق ومستقبل الإنسان فيه, وهذا ما يستوجب النضال من أجل دفع الناس للمشاركة الأوسع بالانتخابات, مشاركة أولئك الصامتون والمغيبون من الساحة العامة في البلاد, أولئك المحرومون من العمل والعيش الكريم, أولئك الذين يشككلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي.           
البعثيون غير مرغوب بهم في العراق ولن يصلوا إلى الحكم بعد اليوم. وقد برهن الدكتور خضير المرشدي, ممثلهم في سوريا, على أنهم لم يتعلموا من وجودهم في الحكم طيلة 35 عاماً, وأنهم لم يدركوا أي درس مهم من دروس الفترة المنصرمة, وهم لا زالوا يتسمون بالعنجهية البعثية وبالصلافة غير الاعتيادية, ولم يقدموا أي اعتذار للشعب العراقي على الجرائم التي ارتكبوها في كل بيت عراقي, بل وفي بيوت جمهور من أعضاء وقياديي وكوادر حزبهم أيضاً, وأنهم كانوا السبب في الحروب وموت البشر والقبور الجماعية على امتداد أرض العراق وأنهم المسؤولون عن خراب البلاد ودمار الاقتصاد وعن الاحتلال ايضاً.
يفترض فتح العين ضد أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء وشرف وضمير الناس, ولكن لا يجوز رميهم في قدر واحد, بل لا بد من تنشيط عملية الصراع داخل كل بعثي ليتخلص من أردان الفترة المنصرمة ويعود إلى أحضان الشعب, ولكن ليس للطائفية المقيتة أو المشاركة في الصراعات الطائفية..الخ. 
إن حراكاً مهماً حصل في بنية التحالفات السابقة, كما حصلت اصطفافات جديدة على مستوى العراق كله, أي الوسط والجنوب وكردستان, وبالتالي سيؤثر كل ذلك وبهذا القدر أو ذاك على بنية وطبيعة التحالف الحكومي القادم, وسوف لن يكون أسوء مما نحن عليه الآن. 
برلين في 1/3/2010             د. كاظم حبيب