المحرر موضوع: فوضى القيم - اعداد سلوان ساكو  (زيارة 687 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ان فوضى القيم هي السمة البارزة التي تميز المرحلة الراهنة ،مرحلة عولمة الاستبداد الخارجي . وهي سمة شديد الوضوح على ملامح القوى السياسية العربية ، اليسارية منها خصوصاً . إن فوضى القيم جزء حيوي من منظومة عمل جهاز الاستعباد الدولي ، ظهرت عوارظه واضحة في التطبيق لدى القوى السياسية في مجتمعاتنا في هيئة فوضى في المعايير والمبادئ ومنظومات الأخلاق والمواقف . ولم يكن مستغربا حدوث ذلك .فهشاشة الجوهر النظري والتطبيقي لهذه القوى ، جعلتها مشلولة وعاجزة عن تبديل اتجاهاتها السلوكية والفكرية في عالم تبدلت فيه أوراق اللعبة السياسية تبدلاً سريعاً وحاسماً وجذرياً .إن التحجر وفقدان الأصالة النظرية والتطبيقية ، الذي طبع هذه القوى في مرحلة صراع القطبين الدوليين ، يظهر الآن في صورة تمزق سلوكي وفكري وأخلاقي ، يتطابق تماماً مع جوهر سياسة فوضى القيم ، التي تنشدها القوى المستبدة عالميا . لقد أفادت الدولة الاستبداية الكبرى من خدمات فئات كانت ولا تزال وستظل موضع عداء معها ، بحكم التناقض الايديولوجي ، كالأصوليين والإسلاميين سابقاً ولاحقاً ،والشيوعيين الآن، ولم تبد حرجا من امكان الاستفادة من خدمات تلك الجماعات ،حينما تمارس هذه الخدمات لصالح مشروعها الاستبدادي الدولي ، هذه المفارقة السياسية التاريخية المحزنة تجعلنا نعود مرغمين إلى بدايات الأسئلة ، إلى البحث عن رؤى جديدة وبحث وسائل جديدة ، لاعن مثل جديدة . لقد تغيرت المعايير والآسس النضال الرامية إلى فكفكة الاستبداد ، ولايستطيع أي مشروع سياسي أن يكون طليعياً ما لم يحقق التوازن الدقيق بين معادلة مواجهة المستبد المحلي بكل أشكال تجلياته الحزبية والأبوية والعسكرية ،وفي الوقت نفسه مواجهة المستبد  الدولي بكل تجلياته السافرة والمستترة ،الحرب ، الغزو ، الاحتلال ، الهيمنة السياسية والاقتصادية والروحية ،والعقاب الجماعي . إن مواجهة الاستبداد لا تحتاج إلى ذرائع بقدر ما تحتاج إلى استنباط معايير جديدة لتقويم الواقع . أن حقائق الحياة ترغمنا على العودة إلى الأسئلة التقليدية المتعلقة بالنضال من أجل مواجهة الاستبداد ، التي ضاعت في ظل الفوفضى السياسية وما رافقها من فوضى القيم ، والتي ولدت بسبب التخلخل التاريخي الناشئ من جراء سقوط قوة دولية عظمة وتسّيد أخرى بقيادة العالم سياسياً ،وأبرز هذه الأسئلة السؤال المتعلق ببدائل الديكتاتورية السياسية والتنظيمية ،وببدائل الديكتاتورية الروحية والعقلية والأخلاقية.
إن فوضى القيم والمفاهيم ما هي إلاعناصر مرحلية عابرة وسلبية في سلّم إعادة تجمع الفكر والمواقف تاريخياً. وهي عناصر قلق واضطراب تفيد منها القوى الاستبدادية الكبرى  والمحلية أكثر مما يفيد منها المتنورون الإنسانيون الساعون إلى ايجلد مجتمعات عصرية حيةّ ومتوازنة داخليا وفاعلة عالميا ، مجتمعات قابلة لأن تقود نفسها باستقلال تام عن هيمنة المستبد الكبير ، وأن تصون خصوصياتها الوطنية وتحمي سياسياً وقانونياً واقتصادياً وثقافياً حقوق المواطن الفرد بقدر حميتها لمصالح المجتمع بأسره .  فلم يعد هناك متسع في عالمنا المعاصر لبناء تايوان أخرى في مواجهة العدو الصيني ،أو بناء يابان أو ألمانيا أوكوريا في ماجهة الخطر السوفياتي وتقسيمات الحرب العالمية الثانية . ما يحدث الآن هو العكس .ما يحدث الان هو جر البلدان التي خرجت من محور الشر التاريخي (اليابان وألمانيا)،والتي دانها التاريخ ، وإعادة ترتيب لمحاور الشر التاريخية . إن أزهى ما يمكن تقديمه الآن هو النموذج العراقي والافغاني ، وهما نموذجان يذكرانى ببداية ولادة النماذج الاستعمارية القديمة الفوقية ، المشوهة ، التي خلقتها الدول الاستبدادية الكبرى في عصرالفتوحات الاستعمارية ، في مرحلة ما قبل اكتشاف الصورة التلفزيونية والانترنيت : جنوب اليمن والهند والسودان وغيرها .

المصادر : سلام عبود / من يصنع الديكتاتور