المحرر موضوع: اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية  (زيارة 934 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح هرمز

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 29
    • مشاهدة الملف الشخصي
اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية

مثلما عول كافكا على الفانتازيا لاشاعة السوداوية في قصصه ووظف ماركيز الاسطورة السحرية في رواياته كذلك فقد سعى فاضل العزاوي من خلال مزج الواقع بالخرافي الكائن في لاوعي الانسان الشرقي ان يجد لروايته اخر الملائكة اسلوبا خاصا يشي بما هو حلمي وسحري او بما يسعنا ان نطلق عليه اسلوب الميتا- الواقعي السحري وذلك بمغازلة اسلوبي كافكا وماركيز والتململ بينهما ولكن دون ان يقع تحت تاثيرهما ويسير على نهجهما بل الافادة من عملية التزاوج بين تقنياتهما والخروج منها بتقنية انضج.
وعلى هذا الاساس يترك شخصياته المستمدة من صلب الواقع ان تتطور كلما اتسع حجم الرواية وتكتسب ابعاداً غير مالوفة وذلك بفعل زجها في امكنة غريبة وامواجهتها لكائنات غير معقولة كالجن والملائكة والشياطين وتحركها ضمن احداث تتسم بادق التفصيلات.
ولتحقيق هذا الهدف يعمد الى اثارة حدث صغير تتفرع منه وتتفجر احداثاً كبيرة كما حدث لحميد نايلون في الفصل الاول من الرواية عندما فصل من وظيفته كسائق في شركة (i.P.C) ان تحول هذا الحدث العادي الى خروج اهالي محلة جقور في مظاهرة احتجاجية كبيرة وتطوره الى خروجهم الى اطراف المدينة طلباً لهطول المطر وبموازاة نفس الخيط الدرامي لاحداث الفصل الاول المالوفة التي يتقبلها الى احداث غير مالوفة يستعين بما هو كائن في لاوعي الانسان الساذج من خرافي كمدخل لتعميمه على بقية فصول الرواية جاعلاً من هذا الكائن في الشعور الباطني لزوجة حميد نايلون في عدم حبلها انموذجاً لذلك ويعزز هذا الحدث لاكسابه قوة المنحى الاول تعقيب احمد الصابونجي للقطتين اللتين تتحولان الى رجلين هما هارون واحسان ده لي بهدف منحهما سمة الملوكية وصفات تتجاوز الانسان الاعتيادي واذا تتبعنا كل فصول الرواية المتكونة من اثنتي عشر فصلاً فان فصولها الاحد عشر المتبقية تنحو هذا المنحى.
ففي الفصل الثاني يثير من قضية معاناة اهالي محلة (جقور) من الفقر والعفاريت عثور برهان عبدالله الصبي على الصندوق الخشبي وخروج الشيوخ الثلاثة منه وتنبؤ والده بنبوءته نبوة ابنه برهان وارتباط هذا التنبؤ بنهاية الرواية عندما ياخذ بالارتفاع من الارض كما تطير بطلة ماركيز في روايته (مائة عام من العزلة) وهي تنشر الغسيل وتحقيق الكائن في الشعور الجماعي الباطن بانتقال اللعنة الى محلة جقور بانتقال (هداية) ام خضر موسى اليها عبر تعرض دار حميد نايلون الى التفتيش من قبل رجال الشرطة لانتماءه الى الشيوعية والقاء القبض على عباس علوان بسبب قتله للراقصة التي تعمل في ملهى الكواكب ثم اغلاق هذا الملهى وذلك بعد هجوم نساء محلة جقور عليه واطلاق سراح عباس علوان وعدم تقديمه للمحاكمة واستقباله كما يستقبل الحجاج الذين يعودون من مكة بالطبول والدفوف.
وفي الفصل الثالث يتطور الحدث من القاء القبض على الملا زين عابدين القادري بتهمة الشيوعية الى اضراب كاورباغي هذا الاضراب الذي يظهر فيه حميد نايلون شجاعة نادرة ويلتحق اثر ذلك ب(خولة بيسة) لاقناعه بالقيام بالثورة على غرار ثورة ماوتسي تونغ وتحول خضر موسى من بائع للاغنام في الفصل الرابع الى بائع الاسلحة ثم الى الصلاة وحضور طقوس الذكر عند الدراويش فالبحث عن شقيقيه المفقودين في الحرب العثمانية ونزوله معهما بالمنطاد القادم من روسيا في محلة جقور واستقبالهم من قبل المتصرف وتقليدهم وسام الرافدين على ايدي الملك فيصل الثاني ويحول في الفصل الخامس مشكلة نية البلدية بشق طريق عبر المقبرة القديمة من محلة المصلى الى اتخاذ القرار بالتظاهر او الالتقاء بالمتصرف والعدول عن القرار الاول وتشكيل وفد لطرح هذه المشكلة على المتصرف ولعدم وجود المتصرف في داره يقوم الوفد بالاتصال هاتفياً بالملك الذي يحيل قضيتهم الى رئيس الوزراء ومباغتة الوفد في الفصل السادس واثناء عودته من بغداد بهجوم اهالي جقور على موظفي البلدية واشتباكهم في معركة حامية مع رجال الشرطة وقتل قرة قول وارتفاع جثته الى السماء وتحولها الى سرب الطيور ومواجهتها لرجال الشرطة واخراج جثته من القبر وتشييعها في موكب مهيب وذبح قاتله من قبل ولديه واقامة ضريح له وفي الفصل السابع تتقاطر الناس لزيارة ضريح قرة قول الذي صعد الى السماء على البراق داخل غيمة من نور واهداء ضريحه بعيناتهم واموالهم بما في ذلك شاه ايران والملك ابن سعود الذي اهداه عربة ذهبية وتعيين الملا زين العابدين القادري مديراً عاماً للضريح ونومه داخل تابوت في الضريح واهمال الرجال لاعمالهم وهروب التلاميذ المراهقين من مدارسهم ليحوموا حول الضريح لاصطياد الزائرات القادمات لطلب شفاعة قره قول ونشوب الخلاف بين الملا وزوجة قره قول على اموال الضريح.
وفي الفصل الثامن يفقد الملا القادري القدرة على الكلام لمباغتته بوجود قره قول الميت في فناء داره اثناء اقترابه من قتحة الباب محدقاً بعين واحدة والشجار الحاصل بينه وبين زوجة قره قول واطفالها وانقطاعه عن الذهاب الى الدائرة وصلاة العشاء وترديده لجملة (لقد رأيته هناك) اثناء فحصه من قبل الطبيب ثم سيره نحو الضريح والجميع وراءه وعانق الجميع مودعاً وهو يقول اريد ان اقضى ليلتي هنا قريباً من قره قول ويتمدد في التابوت طالباً ان يطفئوا النور لانه يريد ان ينام ثم اغلق عينيه وغفا وفي الفصل التاسع يجعل من عدم العثور على ثروة ضريح قره قول ذريعة لعودة حميد نايلون من الثورة عن طريق برهان عبد الله الذي يرشده الى الملائكة الثلاثة لاهدائه الى موقع اخفاءها.
وفي الفصل العاشر تنبعث الحياة في القرى المجاورة لكركوك نتيجة اهتداء حميد نايلون الى ثروة الضريح ويفلح في كسب العشائر والأغوات ويؤلف كتاباً باسم انور مصطفى واذ يجد حميد نايلون ان الحكومة تتعمد الى اغفال ثورته يقوم باختطاف الزوجة التي طردته من الشركة مع زوجها الانكليزي وبعد خضوع الحكومة لشروطه يدخل مع عشرين من افراده مدينة كركوك ويدعون الى وليمة المتصرف حيث يعتقلون هناك بعد دس مادة المسهل لهم لهم وفي الفصل الحادي عشر يطلق سراح حميد نايلون من سجن نقرة سليمان ويقيم خضر موسى فوق التكية برجاً للمؤامرة التي كان الجيش يدبرها هذا البرج الذي اقترح درويش بهلول بناءه وفي يوم الثورة 14تموز 1958 يسافر درويش بهلول الى بغداد ويلتقي بالملك ويذكره بدنو ساعة موته ولجوء خضر موسى الى البرج القائم في التكية بعد ان ينزع بدلته العسكرية وينقطع عن الدنيا مكرساً ماتبقى من عمره لذكر الله مع صديقه ده ده هجري ودرويش بهلول اللذين انضما اليه بسبب الدمار الذي لحق بمدينته ونتيجة ذلك يطلق احد الرجال النار على احسان ده لى حتى تحول الى نافورة هائلة.
وفي الفصل الثاني عشر يظهر برهان عبدالله الذي هو المؤلف نفسه بعد غياب ست واربيعن سنة في مدينته وقد اصبح عجوزاً ولم بيق احد فيها يتجه حيث دفن الملائكة الثلاثة وقد اتكئوا على وسائد بيض وهم يدخنون ويرقصون امام جنود ياجوج ماجوج ثم ينقلبون الى شياطين بقرون منتصبة وذيولا يجرونها وراءهم وفي النهاية يشتد عليه الخناق ويحاصر في زاوية ثم سرعان مايرتفع عن الارض.
وبالناسبة فان الشخصية الملا زين العابدين القادري مستقاة من حادثة اعتقال الاب الشاعر يوسف سعيد بتهمة الشيوعية عام 1956 كما يذكر الكاتب في كتابه المرسوم (جيل الستينات في كركوك) تحديداً في الجزء المكرس منه لـ (جماعة اصدقاء السوء) كما واعتقد ان الشاعر التركماني ده ده هجري (احدى شخصيات هذه الرواية) كان مقيماً في كركوك في الفترة الي يتناولها الكاتب.