المحرر موضوع: طارق عزيز إنما الأمم الأخلاق ما بقيت..  (زيارة 1234 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذير حبش

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 61
    • مشاهدة الملف الشخصي
طارق عزيز
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت..

مواقفنا تجاه نظام صدام حسين ، وتجاه صدام بشخصه، تختلف من شخص إلى آخر مهما كانت مراتبنا، من مواطنين بسطاء ، وأنا أحدهم ، إلى رجال سياسة ومجتمع بارزين لهم تاريخهم السياسي الطويل ودورهم الإجتماعي المؤثر. فقد كان صدام حسين بشخصه السبب الأول والرئيسي في ضياع الوطن والحكم وتشرذمه ، وتقديمه على طبق من ذهب للشعوب الفارسية الدخيلة، وما آلت إليه الأمور وتقسيمه بينها ، لتخلف صدام العقلي ومرضه النفسي.

لم يستطع أن يستوعب هذا الرجل ما آل إليه الواقع العالمي بعد نوفبر 1989 أي سقوط جدار برلين ، وانتهاء الحرب الباردة الإقتصادية ، لتحل محلها (ألمنافسة ) الإقتصادية لأن برأينا أن الحرب الباردة ( العسكرية النووية المحتملة ) كانت قد ت منذ إنتهاء ما سميّ حينها بأزمة (خليج الخنازير) أي حينها سقط الخيار النووي كحرب محتملة ما بين المعسكر الشيوعي بقيادة الإتحاد السوفياتي وبين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. فتحولت إلى حرب المصالح الإقتصادية والضرب تحت الحزام بطرق عقلانية في المناطق المتنافس عليها إقتصاديا ، بوسائل أيديولوجية والحروب الصغيرة بالإنابة.

سقوط جدار برلين أنهى القرن العشرين عملياً، وأدخل العالم القرن الواحد والعشرين بواقع سياسي عالمي ذو منطق مختلف تمام الإختلاف عن منطق القرن العشرن، ففصل العصرين ، عصر ما قبل جدار برلين وعصر ما بعده. لم يستطع أن يستوعب صدام حسين ، ومن أين له أن يستوعب ذلك !؟!

فيما نشرته الصحافة بأن الرجل الوحيد الذي دعا إلى الإحتكام لمنطق العقل ، وطلب من صدام ـ الذي لم يكن أحد ليجرأ الجهر بمخالفة أفكاره خوفاً من أن يفصل رأسه عن جسده ـ ألرجل الوحيد كان طارق عزيز ، الذي خالفه الرأي وطلب من صدام العمل على التفاوض مع الأمريكان ، لإدراكه اليقين بأن قوانين العصر تغيرت وأصبح عصر أمريكا ـ حينها بلا منازع ـ ويمكن للعراق ـ حينها ـ أن يحتفظ بالثوابت وما يُحرص عليه، أي عدم فقدان الهوية الحضارية للوطن والحفاظ على السلطة بيد أولاد البلد الأصليين ومع الحفاظ على الكرامة ، مقابل القدرة على التضحية بالأشياء الزائلة كالنفط الذي كان ، وسوف يبقى حتى نضوبه ،  (كلمة السر).

أسهبت الصحافة فيما يخص رد صدام حسين على موقف طارق عزيز برسالة قيل حينها استغرقت أربعين صفحة  ضمّنها العتاب وعبر فيها صدام عن عدم الرضى. ألمؤلم أن نقول : أُحتل العراق ودّنس هيكل الربة الأم ـ بغداد ـ والأشخاص زائلون والعاقل لا يعير أهمية لأشخاص زائلين ـ ولكن أيضاً سقطوا الأشخاص كأسرى حرب بيد قوات الإحتلال ـ الأمريكان والفرس ـ أي الإحتلال الحالي لبلدنا العزيز ، صدام حسين وفريقه ، وطارق عزيز هو واحد من هذا الفريق الذي اُسر.

بعد أن أُشيع مرة ، أن طارق عزيز وافق على الإدلاء بشهادته ضد صدام حسين ، جلس طارق عزيز اليوم 24 ـ 5 ـ 2006 ، وزير الأمس أسير اليوم ، جلس هزيل الجسد عليله ، غاب عنه السيكار والبذلة الأنيقة ، والعيون الواثقة عاضت عنها نظرات غير مستقرة، والزائر الثقيل بات قاب قوسين أو أدنى ، لكن الحاضر الذي لم يغب عنه هويته السريانية العريقة ـ تحت أية تسمية كانت : كلدان آشور إلخ ـ دون أن ننسى ألمسيحية إحدى دوائر هذه الهوية.

هويته السريانية العظيمة كانت حاضرة بما تمثله من أخلاق نبيلة عالية ـ أخلاق الإلتزام تجاه الحضارة وأولادها ، وتجاه إختياراتنا ، صائبة كانت تلك الإختيارات أم خاطئة ـ يحمل قيم التاريخ النبيلة وعظمة الإنجازات الحضارية الراقية التي أسست للحضارة البشرية هذه ، والتاريخ السرياني على مر العصور الذي يبتذل الخيانة ، خيانة الوطن وأهله ، أو النجاة بالنفس عند الهزيمة وترك المعركة. جلس طارق عزيز فارساً ـ إختلفنا مع خياراته السياسية أم لم نختلف ـ جلس فارساً سيفه لسانه الوطني يدافع عن زملائه ـ الذي اختار الطريق معهم بالأمس ـ فالتزم اليوم لهم ، وإن كان الجميع أسرى ، فارساً يمتطي جواد الأخلاق ، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ..

ألعرب كانوا وما زالو الإمتداد الطبيعي للأمة السريانية ، فإن أفل  ـ لبعض الوقت ـ نجمهم ، لا تحيد الفرسان عنهم. أما الديموقراطية لمن تداخل  معنا في الوطن فنحن لا ننكر لهم هذا الحق ، لأنه من حق كل إنسان  في الوقت المعاصر ، عصر الحضارة والإنسانية ، لا عصر الهمجية ، في العيش بحرية وكرامة في البلد الذي يعيش فيه ، إن كان من أهل البلاد الأصليين أو لم يكن.

أما إلى أؤلئك الجاهلين بحقيقة التاريخ والحضارة ، اللذين يوجهون أسلحتهم  إلى كنائس وهياكل بني عمومتهم ، ندعوهم إلى التمييز ما بين العدو وأهل البلد الأصليين من بني عمومتهم ، من مسيحيين أو صابئة أو غيرهم .

نذير حبش