المحرر موضوع: أبرشية نصيبين ومدرستها الشهيرة والعريقة في تاريخ كنيسة المشرق  (زيارة 1357 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل nori mando

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 174
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أبرشية نصيبين ومدرستها الشهيرة والعريقة في تاريخ كنيسة المشرق

                                                                        الشماس: نوري إيشوع مندو
تنويه: تحت عنوان " نصيبين في تاريخ ميزوبوتاميا " أقامت بلدية نصيبين مؤتمراً بتاريخ 8 _ 9 أيار 2010 شارك فيه العديد من الباحثين والمستشرقين وعدد كبير من محبي التاريخ للتحدث عن تاريخ هذه المدينة. ولم يتطرق المؤتمر بشكل جدي عن تاريخ الكنيسة ومؤسساتها في هذه الأبرشية العريقة. لذا رأيت من المفيد أن أنشر هذا المقال لإفادة محبي التاريخ. علماً أنني شاركت في هذا المؤتمر وكنت قد حضرت هذه الدراسة وكلفت مترجماً للغة التركية لترجمتها، وقدمت المقال وترجمته التركية لراعية المؤتمر رئيسة بلدية نصيبين. وبعد أن اطلعت عليها اعتذرت بسبب ضيق الوقت. ربما لم يروق لها حقيقة تاريخ نصيبين. بل ستبقى كل قطعة حجر في نصيبيبن ومحيطها تتحدث عن تاريخها المجيد منذ فجر المسيحية وحتى تاريخ إبادة مسيحييها سنة 1915. 
   المقدمة: نصيبين هي إحدى مدن ما بين النهرين وهي مدينة عريقة في القدم، جاء اسمها في العهد القديم، وقال عنها مار أفرام النصيبيني إنها " أكاد " المذكورة في سفر التكوين، وينسب تأسيسها إلى نمرود الجبار .
   أما اسمها الخاص عند سكان ما بين النهرين " صوبا " أو " نصيبين " وهي مشتقة من اسم " نصو "           " غلات " ومعناها نصب أو زرع. وقد دعيت بهذا لما فيها من البساتين والجنان.
   ويعتقد المؤرخون أن تأسيسها يعود إلى سنة 4000 ق.م. وقد دعاها السومريون  " تريو "، وفي زمن حكم حمورابي  ملك بابل  دعيت " آراميس " وتعني الحديقة أو البستان. أما في المصادر الآشورية  فقد دعيت    " نابولا ".
    أما اليونان  فقد دعوها " أنطاكية مقدونية ". وكان المقدونيين  في القرن الثالث قبل الميلاد قد جعلوا نصيبين مركزاً لسك العملة، فازدهرت اقتصادياً وقد أطلقوا على المدينة اسم " أنتيموسيا " وتعني           " مدينة الزهور "، ودعوا النهر الذي يمر بها " مقدونيا " أو " لميكدونيوس ".
   وتذكر المصادر الرومانية موقع نصيبين في " الجزيرة العليا " ضمن منطقة " ميزوبوتاميا " أي " بين النهرين ".
    وفي القرن الأول الميلادي كانت نصيبين تحت حكم الأرمن ، وكان " أردوس " شقيق الملك ديكران  والياً عليها. وفي عهده سكب عملة في نصيبين عرفت باسم الملك ديكران.
    أما الرومان فقد جعلوها قلعة الشرق الحصينة ومقراً لقائد بلاد ما بين النهرين. ثم أصبحت عاصمة ديار ربيعة . وبحكم موقعها كحد فاصل بين المملكتين الرومانية  والفارسية  دعيت مدينة التخوم أو مدينة الحدود، بسبب أهمية موقعها المتميز كبوابة لمرور القوافل بين الشرق والغرب.
   احتلها المسلمون عندما فتحها عياض بن غنم سنة 640م، وقد حكمها الأمراء الحمدانيون  في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، واحتلها صلاح الدين الأيوبي  سنة 1188م، واستولى عليها المماليك  سنة 1193م، واجتاحها تيمورلنك  سنة 1395م، وخضعت لسلطة العثمانيين  سنة 1515م ولا زالت حتى يومنا هذا ضمن حدود الدولة التركية . ويبلغ عدد سكانها اليوم نحو 75000 نسمة، وهي مركز قائممقامية تابعة لولاية ماردين.
   وكان لهذه المدينة أهمية متميزة لأنها محطة قوافل، ومركز تجاري مرموق وبقعة زراعية خصبة، وكانت عاصمة لمملكة وطنية، جددها سلقوس الأول نيقاطور (355_280) ق.م، وقد دعاها اليونان " أنطاكية مقدونية "، وقعت سنة 297م بأيدي الرومان فجعلها ديوقلسيانس قلعة الشرق الحصينة، ومقراً لقائد بلاد ما بين النهرين. 
   وكانت الديانة المسيحية قد انتشرت فيها انتشاراً عجيباً، فبنيت فيها الكنائس الفاخرة وكثرت فيها وفي أطرافها الأديار، وفتحت فيها المدارس فسميت " ترس كل المدن المحصنة " و" رئيسة مابين النهرين "           و " رئيسة المغرب " و" أم العلوم " و" مدينة المعارف " و" أم الملافنة ". 
   تقع نصيبين على سفح جبل إيزلا ومعناه " الشبكة "، يخترقها نهر " مقدونيا " أو" الهرماس " ويعرف اليوم بنهر " الجغجغ "، وهي مختصرة من الجملة الأرمنية " جغجخوت " وتعني  " البحيرة البطيئة المياه "، وهذه إشارة لوجود البحيرة جنوب المدينة.
   وإلى شمالها يقع وادي " بونصرا "، ويعتقد البعض أن تسمية الوادي جاءت من اسم الملك " نبوخذنصر " الذي جمع في الوادي المذكور أعداداً كبيرة من سبايا اليهود.
   وقد تغنى الشاعر سيف الدين الحلي بطبيعة نصيبين، واصفاً البحيرة الطبيعية التي تقع جنوب المدينة، وكيف يتنقل السكان بواسطة الزوارق في هذه البحيرة. وهذا هو المصدر الوحيد الذي وجدته يذكر البحيرة، التي جفت مع الزمن وتحولت إلى وادي يفصل نصيبين عن القامشلي. وبالفعل إذا تمعن المرء في موقع مدينة القامشلي يجد أنها مبنية في وادي مما يؤكد هذه المعلومة.
   
   1_ نصيبين كما رآها الرحالون: تحدث العديد من الرحالة عن نصيبين في فترات متفاوتة نذكر منهم:
   جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي " نصيبين مدينة من بلاد الجزيرة، على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان، وعليها سور بنته الروم، وهي مدينة وبيئة لكثرة بساتينها ومياهها، ظاهرها مليح المنظر وباطنها قبيح المخبر، وينسب إلى نصيبين جماعة من العلماء والأعيان ".
   وجاء في صورة الأرض لابن حوقل " وكان من أجلّ بقاع الجزيرة وأحسن مدنها وأكثرها فواكه ومياهاً ومتنزهاتٍ وخضرةً ونضرة، إلى سعة غلات من الحبوب والقمح والشعير والكروم الرائعة الزائدة على حد الرخص، وهي مدينة كبيرة في مستواةٍ من الأرض، معروفة الفرسان مشهورة الشجعان، إلى ديارات للنصارى وبيعٍ وقلاَّياتٍ، تقصد للنزهة وتنتجع للفرحة والفرج ". 
   وجاء على لسان ابن جبير في رحلته " نصيبين شهيرة العتاقة والقِدم، ظاهرها شباب وباطنها هرم، جميلة المنظر، متوسطة بين الكبر والصغر، يمتد أمامها وخلفها بسيط أخضر مد البصر، قد أجرى الله فيها مذانب من الماء تسقيه، وتحف بها عن يمين وشمال بساتين ملتفة الأشجار يانعة الثمار، ينساب بين يديها نهر قد انعطف عليها انعطاف السوار، والحدائق تنتظم بحافتيه، وتفيء ظلالها الوارفة عليه. فخارجها رياضي الشمائل، أندلسي الخمائل، يرف غضارة ونضارة، ويتألق رونق الحضارة، فرحم الله أبا نواس حيث يقول:
           طابتْ نصيبينُ لي يوماً فطبتُ لها              يا ليت حظي من الدنيا نصيبينُ ".   
   وجاء على لسان ابن بطوطة في رحلته " نصيبين مدينة عتيقة متوسطة قد خرب أكثرها، وهي في بسيط أفيح فسيح فيه المياه الجارية، والبساتين الملتفة، والأشجار المنتظمة، والفواكه الكثيرة، وبها يصنع ماء الورد الذي لا نظير له في العطارة، ويدور بها نهر يعطف عليها انعطاف السوار، منبعه من عيون في جبل قريب منها، وينقسم انقساماً فيتخلل بساتينها، ويدخل المدينة فيجري في شوارعها ودورها. وبهذه المدينة مارستان ومدرستان، وأهلها أهل صلاح ودين وصدق وأمانة ". 
   وجاء في المنجد في الأعلام " نصيبين مدينة في ما بين النهرين، كانت منذ القرن الثالث مهد الآداب السريانية حتى سقوطها في أيدي الساسانين سنة 365م، ازدهرت فيها مدرسة نسطورية في أواخر القرن الخامس وحتى منتصف القرن السادس، لمع منها نرساي وبرصوما " 
ويتحدث المؤرخ المقدسي سنة 988 عن بيوت نصيبين الجميلة، وأسواقها الممتدة عبر كل المدينة، وحصنها وجامعها الذي يتوسط المدينة. وهذا الوصف للجامع هو الدليل الأول على تحويل كنيسة القديسة فبرونيا إلى جامع.
    وفي سنة 1766 مر السائح الدانمركي نيبوهر من نصيبين فوصفها بقوله:  " نصيبين بلدة مؤلفة من 150 بيت مشيدة من التراب، أما قلعتها فلم يبقى منها إلا بعض الحجارة المنحوتة. أما الجسر الذي فوق نهر الهرماس  " الجغجغ " الذي يخترقها والمشيد على 12 قاعدة فلا زال قائماً، لكن الشيء الذي يستوجب رؤيته فيها هو بقايا كنيسة مار يعقوب النصيبيني ".
    وفي سنة 1799 زار نصيبين الرحالة أوليفر فوصفها بقوله: " لا زال في نصيبين بعض الأنقاض ومنها بقايا قوس نصر عائد للرومان، كما أنه يوجد معبد مربع الشكل وضمن المعبد دهليز يحتوي لحد " قبر " غطاءه من مرمر أبيض. كما رأينا خمسة أعمدة حجرية لا زالت قائمة، وشاهدنا لوحة مرمرية تشير إلى موقع كان سابقاً ميداناً لسباق الخيل ".
   وقد تحدث الرحالة بادجر الذي زار نصيبين عدة مرات بين سنتي 1844_ 1850 عما يتداوله أهل المدينة عن تقليد ملتزمون به: " يزور المسلمون ضريح القديس يعقوب النصيبيني للتبرك منه قبل أن يتوجهوا لزيارة ضريح الإمام زين العابدين والصلاة في جامعه، لأن التقليد يقول أن الإمام زين العابدين مؤسس الجامع كان يصلي ووجهه باتجاه ضريح مار يعقوب عوض القبلة ". 

       2_ زمن انتشار المسيحية في نصيبين: وبعد دخول المسيحية إليها في الجيل الأول على يد مار أدي الرسول  أحد الأثنين والسبعين تلميذاً، تقلدت دوراً رائداً ومميزاً في المشرق.
   فبعد أن بشر أدي الرسول مدينة الرها، انحدر إلى نصيبين وبلاد الجزيرة، وهدى سكانها إلى الإيمان المسيحي. ويقول ماري بن سليمان في كتاب المجدل: " وتوجه أحي وماري إلى نصيبين وعمد أهلها، وأنفذ ماري إلى المشرق، وأحي إلى قردي دبازبدي ". وعليه تكون المسيحية منتشرة في نصيبين منذ القرن الأول.
   وهناك في متحف اللاتران بروما كتابة منقوشة على الحجر تعرف باسم " حجر ابرسيوس " يعود تاريخها إلى نحو سنة 200 م، دونها أسقف هيرابوليس في فيريجية الوسطى المدعو افيرسيوس مارسيللوس، فبعد أن طاف البلاد وسجل ملاحظاته بشأن المسيحيين قال: " رأيت أيضاً السهل السوري وكل المدن ونصيبين وما وراء الفرات، في كل مكان وجدت أخوة "، ويقصد بكلمة الأخوة المسيحيين.
   ويخبرنا مطران نصيبين إيليا برشينايا في تاريخه: " سنة ستمائة واثنتي عشرة يونانية سيم بابو الأسقف الأول بنصيبين، ومن أجل لم تكن له منزلة المطرنة، رتب اسمه في الديوفاطخين، أي سفر الأحياء والأموات الذي يقرأ أثناء القداس بعد اسم مار يعقوب ". ويقابل هذا التاريخ اليوناني سنة 301 م. وهكذا نستطيع القول أن بداية القرن الرابع الميلادي هو بداية تاريخ أبرشية نصيبين.

   3_ حدود أبرشية نصيبين: إن حدود هذه الأبرشية يمتد من أطراف الموصل وحتى بلاد أرمينية. ونجد أحياناً عشرين أسقفاً يتبعون مطران نصيبين. وقد عين المطران أدي شير حدود هذه الأبرشية إذ قال: " أبرشية بيث عربايي، وتمتد من بيث زبداي ومن بلد إلى نصيبين، وقاعدتها نصيبين. والمراعيث المتعلقة بهذه المطرابوليطية هي: " ا_ بيث زبداي 2_ قردو 3_ بيث مكسايي  4_ أرزون 5_ أوستان أرزون 6_ بيث رحيماي 7_ قوبا أرزون 8_ طبياثا 9_ بلد 10_ آذورمية 11_ كفر زمار 12_ سنجار 13_ كانوش           14_ أخلاط 15_ ميافرقين 16_ آمد 17_ حران   18_ حصن كيبا 19_ رشعينا 20_ ماردين 21_ دارا     22_ دنيسر. وهذه المدن كلها في بلاد ما بين النهرين، ومواقعها معروفة ".
    وبعد أن كانت أبرشية نصيبين قبل عهد المطران عبديشوع الصوباوي " القرن 13 م " تدعى أبرشية نصيبين وأرمينية، وذلك لامتداد حدودها إلى بلاد أرمينية.، أضحت أسقفية في القرن السادس عشر. ويتضح ذلك من صورة إيمان البطريرك عبديشوع مارون(1555_ 1567) التي أعلنها أمام البابا بيوس الرابع، حيث يعد نصيبين بين الكراسي الأسقفية. وفي نهاية القرن السادس عشر أقيم يعقوب(1584_ 1615) مطراناً لنصيبين وماردين، ومقر كرسيه مدينة ماردين. لأنه سنة 1566 خربت نصيبين ولم يبق فيها إلا بيوت قليلة.
   ولبثت أبرشية نصيبين مأهولة بأبناء كنيسة المشرق، وكان مطرانها الأخير يدعى إبراهيم، نقله مار يوحنا هرمز النائب البطريركي يوحنا هرمز سنة 1789 إلى كرسي كركوك. وعليه نرى نهاية هذه الأبرشية العريقة التي استمرت أكثر من ستة عشر قرناً. وأصبحت نصيبين رعية تتبع أسقفية ماردين، يخدمها كاهن يقيم الخدمة الروحية في كنيسة مار يعقوب النصيبيني.
    وفي سنة 1913 كان في نصيبين 130 نسمة من أبناء كنيسة المشرق، يخدمهم الأب حنا شوحا، وكان يقيم الخدمة الدينية في مصلى، وإلى جانبه مدرسة لأبناء الرعية. وقد استشهد الأب شوحا خلال الحرب العالمية الأولى، سنة 1915. ولم يبق أحد من أبناء كنيسة المشرق في هذه المدينة العريقة والشهيرة عبر التاريخ.

   4_ مكانة أبرشية نصيبين في كنيسة المشرق: يعد مجمع مار اسحق، المنعقد في ساليق سنة 410 م بحضور ماروثا الميافرقيني، أول مجمع هام في تاريخ كنيسة المشرق. ويتناول القانون الأخير تحديد المقاطعات الكبرى في كنيسة المشرق. فكرسي الجاثليق هو في ساليق وقطيسفون وهي أبرشيته. وتعد أبرشية عيلام الأبرشية الأولى، تليها أبرشية نصيبين التي تعد الأبرشية الثانية، لأنها مدينة مهمة ومركز لإشعاع ثقافي وديني واسع. وكان مجمع مار اسحق قد اتبع نظاماً لترتيب الأبرشيات بنص واضح: " يكرم الكرسي على مقدار أهمية المدينة نفسها ". وعليه نجد في حفلة سيامة الجاثليق، يقف مطران عيلام في الوسط على درجة المذبح، وهو المطران السايوم " الراسم "، ويقف عن يمينه مطران نصيبين، وعن يساره مطران ميشان. وورد في الكتاب الليتورجي: " إن المطارنة الذين يرافقون الجاثليق يميناً ويساراً للتنصيب على العرش هم مطارنة عيلام ونصيبين وميشان ".
   وكان لمطران نصيبين مكانة رفيعة بين أخوته المطارنة، وله صوته المسموع بينهم. ويخبرنا تاريخ كنيسة المشرق عن بعض هؤلاء المطارنة، منهم مار يعقوب النصيبيني الذي حضر مجمع نيقية سنة 325 م كممثل لكنيسة المشرق، كذلك حضر تدشين كنيسة القيامة بأورشليم في عهد الملك قسطنطين بنفس الصفة.
   وفي مجمع داديشوع سنة 424 م تتجلى هذه المكانة بشخص هوشع مطران نصيبين، عندما يتوجه بكلامه إلى الأحبار المجتمعين بسبب استقالة الجاثليق قائلاً: " ما لي أراكم ساكتين وراضين بالاشتراك مع هؤلاء المرذولين والمسقطين ". وكان في كلامه قوة كبيرة أفلحت في إنهاض الهمم وتوحيد الكلمة وتوطيد العزم، وإذا بالمطارنة جميعاً يخرون راكعين عند قدمي الجاثليق، ويعدونه بحرم المعارضين وعزلهم. وهكذا عاد الجاثليق عن الاستقالة، وعاد السلام إلى كنيسة المشرق.
   وعندما كلفت الملكة بوران ابنة كسرى الثاني، الجاثليق ايشوعياب الثاني الجدالي(628_ 645) للسفر إلى مدينة حلب، ولقاء الإمبراطور هرقل لعقد صلح نهائي بين المملكتين الفارسية والرومانية، نجد قرياقس مطران نصيبين من الأعضاء البارزين المرافقين للجاثليق.
   وفي مجمع طيمثاوس الثاني المنعقد سنة 1318 م، وضع مطران نصيبين عبديشوع الصوباوي، كتابين مهمين لحياة كنيسة المشرق. أحدهما مجموعة القوانين المجمعية، والثاني الأحكام الكنسية. فأيد المجمع الكتابين المذكورين. وهناك الكثير من المواقف لمطارنة نصيبين لا مجال لذكرها.

   5_ أشهر مطارنة نصيبين: تعاقب على كرسي أبرشية نصيبين أكثر من ستين مطراناً أهمهم:
ا: مار يعقوب النصيبيني (309_ 338): ولد في مدينة نصيبين، من أسرة تنتمي إلى يعقوب أخي الرب. اختار سيرة الزهاد والمتوحدين، وفي مطرنته لم يغير سيرته التقشفية، وزاد على ذلك الاعتناء بالفقراء. صنع الله على يده معجزات كثيرة باهرة. سنة 313 م بدأ بتشييد كنيسة في نصيبين وكملها سنة 320 م. ثم بنى دير قيبوثا " الفُلك " على جبل جودي. وبعد عودته من مجمع نيقية سنة 325 م افتتح مدرسة نصيبين الشهيرة، وجعل مار أفرام تلميذه معلماً فيها. توفي سنة 338 م، وقبر في الكنيسة التي بناها.   
ب: برصوما (415_ 496): ولد في مقاطعة قردو، درس في الرها على الأستاذ هيبا، وأقام فيها حتى سنة 449، ثم رحل إلى نصيبين. ولا نعلم متى سيم مطراناً على نصيبين. لكن في سنة 457، عندما ترك نرساي الرها، كان برصوما مطراناً لنصيبين، فأعاد فتح مدرستها وجعل نرساي مديراً لها. ويقال إنه نال حظوة عند فيروز الملك الفارسي. له عدة أعمال أدبية.
ث: بولس النصيبيني (524_ 573): هو أحد تلاميذ مار آبا. تلقى العلم في مدرسة نصيبين وعلم فيها. رسمه مار آبا مطراناً على نصيبين بين سنة 524 وسنة 530. توفي سنة 573 وله عدة كتابات أهمها: 1_ ضوابط الشريعة الإلهية 2_ مقالة جدلية مع قيصر.
د: روزبيهان ( القرن الثامن): اقتبل الاسكيم الرهباني في دير مار ميخائيل قرب الموصل. ثم أصبح رئيساً لدير مار أوجين في جبل إيزلا، حتى رسم مطراناً لنصيبين. اهتم في نهضة دير مار أوجين في مطرنته، وخصص له واردات قرية هيزجان المجاورة للدير، لتوفير وسائل المعيشة للرهبان، فازداد عدد الرهبان وانتشروا في شتى المقاطعات.
ذ: قبريانوس (741_ 767): عين مطراناً لنصيبين سنة 741. وفي سنة 758 شيد كنيسة فخمة في مركز الأبرشية. له مقالة في الرسامة. وقد أسهم في تنظيم كتاب الحبريات، وفي تنظيم الطقوس الذي حققه ايشوعياب الثالث.     
ر: سركيس الأول (القرن التاسع): هو من أهل باجرمي. ارتقى إلى مطرانية نصيبين. في سنة 860 انتخب جاثليقاً لكرسي المشرق، توفي سنة 872. كان سركيس غيوراً ذا همة سامية في إصلاح شؤون كنيسته. ورمم الأديار والكنائس، ونشط طلبة المدارس، ورسم عدة أساقفة. 
ز: إيليا برشينايا (975_ 1056): ولد في السن، ترهب في دير مار ميخائيل قرب الموصل. في سنة 1002 أقيم أسقفاً على بيث نوهدرا. سنة 1008 عين مطراناً لنصيبين. توفي سنة 1056 ودفن في كنيسة ميافرقين، له عدة مقالات وكتاباً في النحو، وأربعة كتب تتضمن أحكاماً كنسية. وأهم مصنفاته هو تاريخه الاستقرائي الذي يدعى تاريخ إيليا برشينايا. 
س: عبديشوع ابن العارض (القرن الحادي عشر): هو أبو الفضل الموصلي. كان حسن الخلق والخلقة. له باع طويل في العلم والتدبير. رسم مطراناً لنصيبين. وفي سنة 1074 اختير بطريركاً لكنيسة المشرق، فدبر الكنيسة بحكمة، وقد أرضى الجميع. وقد حصل من الخليفة القائم بأمر الله على براءة أمان لرعيته وبيعه. توفي سنة 1094 ودفن في بيعة دار الروم.
ش: إيليا أبو حليم (1108_ 1190): ولد في ميافرقين سنة 1108. وبعد أن تضلع في الآداب العربية والآرامية رسم مطراناً لنصيبين. ويقال إنه لم يكن بين آباء كنيسة المشرق من يماثله علماً وحكماً وكرماً وبلاغة وفصاحة. لذلك اختير سنة 1176 بطريركاً لكنيسة المشرق. توفي سنة 1190. كان إيليا أبو حليم مرتاضاً بالعلوم النحوية واللغوية والحكمية.
ص: يهبالاها الثاني ابن قيوما (القرن الثاني عشر): ولد في الموصل. أقيم أسقفاً على ميافرقين، ثم مطراناً لنصيبين. وكان يهبالاها رجلاً ذكياً. سنة 1190 أنتخب بطريركاً لكنيسة المشرق. وفي فترة بطريركته رسم 18 مطراناً و37 أسقفاً. توفي سنة 1222.
صا: مكيخا الثاني ( القرن الثلث عشر): كان من أهل جوغبان من أعمال نصيبين. وكان ذا حدة وصرامة، شهيراً بالعلم والفضل. اختير مطراناً لنصيبين فدبرها أحسن تدبير، حتى أنتخب بطريركاً لكنيسة المشرق سنة 1257. وفي عهده زحف المغول واجتاحوا مناطق الشرق الأوسط. توفي سنة 1290.
صب: عبديشوع الصوباوي (القرن الثلث عشر): هو عبديشوع بن بريخا . سنة 1285 أقيم أسقفاًً على سنجار و بيث عربايي، و في سنة 1290 أقيم مطراناً لنصيبين وأرمينية. توفي سنة 1318. ويعد الصوباوي أغزر كاتب شرقي في القرن الثالث عشر . له عدة مؤلفات أهمها: 1 فهرس المؤلفين              2-الجوهرة 3_ نوما قانون 4_ فردوس عدن 5_ تنظيم الأحكام الكنسية. 

   6_ الحياة الرهبانية في أبرشية نصيبين: كانت الحياة الرهبانية منتشرة انتشاراً كبيراً في كنيسة المشرق، منذ القرن الرابع للمسيحية. ويتضح ذلك من مقالة أفراهاط الحكيم الفارسي سنة 337 بخصوص الرهبان، حيث يطلق عليهم لقب المنفردين، أو البتولين، أو بني العهد. ويسمي الراهبات بتولات، أو بنات العهد. أما في القرون المسيحية الثلاثة الأولى، فلم يكن في المشرق رهبان أو راهبات، يعيشون في ديورة منظمة بقوانين رهبانية. إنما كان الرجال والنساء من ينقطعون عن العالم، للصوم والصلاة والاختلاء في الصوامع أو في بيوت ذويهم. 
   وأول من أنشأ الطريقة الرهبانية، كان أنطونيوس الكبير المعروف بأبي الرهبان، وذلك سنة 305 في صعيد مصر. وقد دخلت الطريقة الرهبانية إلى كنيسة المشرق على يد مار أوجين في القرن الرابع، إذ قدم من مصر ومعه سبعون تلميذاً، وحل في أبرشية نصيبين، حيث سكن في مغارة قرب قرية معرى، في جبل إيزلا المطل على نصيبين،مدة ثلاثين سنة. وتتلمذ له إخوة كثيرون، حتى صار عدد الرهبان ثلاثمائة وخمسين راهباً. ثم بنى على جبل إيزلا ديراً كبيراً عرف باسمه " دير مار أوجين ". وتفرق رهبانه في الجزيرة وفارس وهم يبشرون بكلمة الخلاص، فارتفع بسعيهم شأن المسيحية في المشرق. توفي مار أوجين سنة 363، ودفن في مغارة تحت المذبح في الدير الذي بناه.
   وبعد موته استمرت حياة الرهبنة في كنيسة المشرق، وازدهرت بسبب السيرة الحسنة للرهبان الذين انتشروا في العالم، مبشرين بالإيمان والفضيلة. ومن هؤلاء الرهبان برز ملافنة زينوا الكنيسة بتأليفهم وعلمهم. وأخذت الكنيسة منهم أغلب الأساقفة لتدبير الأبرشيات، لتميزهم بالعلم والفضيلة والغيرة على خلاص النفوس. وفي نهاية القرن الخامس، أخذ عدد الرهبان بالتناقص بسبب قرارات المجمع الذي عقده الجاثليق آقاق سنة 486، وفيه ألغيت العفة للإكليروس. وبرغم ما بذله الجاثليق مار آبا من جهود، لم يفلح في إعادة الحياة الرهبانية إلى سابق عهدها. حتى ظهر في منتصف القرن السادس رجل ذو غيرة عارمة، فعكف على إصلاح الحياة الرهبانية. إنه إبراهيم الكشكري الذي ولد في كشكر سنة 491، وتلقى العلم في مدرسة نصيبين، وبعد أن نال من العلم قسطاً وافراً، توجه إلى منطقة الحيرة للتبشير، ومنها ذهب إلى صعيد مصر، واطلع على حياة الرهبان وممارستهم الروحية. ثم عاد إلى نصيبين وانزوى في جبل إيزلا، وبنى فيه ديراً عظيماً، فشاع صيته وتتلمذ له رهبان كثيرون. وفي سنة 571 وضع قوانين لرهبانيته، منها اللباس وفرض عليهم أن يحلقوا قمة الرأس ليظهر على شكل إكليل، واستحق إبراهيم الكشكري بفضائله وقداسة سيرته أن يلقب بالكبير. وعرف ديره بالدير الكبير، وقد توفي سنة 588.
   ويقول توما المرجي عن الدير الكبير: " مثلما في الأزمنة السالفة، كل من يريد أن يتعلم الفلسفة اليونانية كان يقصد أثينا، كذلك في زمن مار إبراهيم، كل من رغب في الفلسفة الروحية، كان عليه أن يسرع إلى دير هذا القديس، ويجعل نفسه إبناً له ". وقد أصبح الدير الكبير ينبوع رجال شابهوا الرسل بسيرتهم، وملئوا المشرق بالأديار حتى بلغت أكثر من ستين ديراً. واستمر دير مار إبراهيم الكشكري حتى سنة 1222 حيث خرب على يد المغول ثم التركمان. وفي اللائحة التي قدمها سنة 1607 إلى بولس الخامس بابا روما، الوفد الذي أرسله البطريرك إيليا السابع، وردت أخبار عن أحوال كنيسة المشرق، وفيها تذكر أسماء خمسة وثلاثين ديراً مأهولاً، منها دير مار أوجين ودير مار إبراهيم الكشكري ودير مار يعقوب الحبيس ودير مار يوحنا نحلايا ودير مار آحا. وهذه الأديار تقع ضمن حدود أبرشية نصيبين، مما يدل على استمرار الحياة الرهبانية في هذه الأبرشية حتى بداية القرن السابع عشر. 
   كذلك تأسست عدة ديورة للراهبات، ولا نعرف منها في أبرشية نصيبين سوى دير " مارت نارسوي " في مدينة نصيبين، وكن يلبسن ثوباًً أسود، ويقصصن شعرهن، ويعشن عيشة مشتركة، وكانت وظيفتهن تلاوة الصلوات القانونية والتراتيل في الكنيسة.
ففخر أبرشية نصيبين أنها مهد الرهبانية المنظمة في كنيسة المشرق، وقد تمكنت الكنيسة بواسطة هؤلاء الرهبان من الانتشار في العالم.

   7_ مدرسة نصيبين الأولى: يقول برحدبشبا عربايا: " إن يعقوب النصيبيني فتح مدرسة في نصيبين سنة 325م، وجعل مار أفرام معلماً لها " .
    أما العلامة لابورت فيقول: " إن المدينة المطرابوليطية الكبيرة نصيبين رأت داخل أسوارها أول كلية لاهوتية وأول جامعة درس فيها علم الإلهيات " .
   كانت نصيبين قد ضمت إلى المملكة الرومانية منذ سنة 298م، وكان مار يعقوب النصيبيني مطرانها الأول في مطلع القرن الرابع،وقد اشترك في مجمع نيقية سنة 325م لدحض بدعة آريوس، ولدى عودته من المجمع أنشأ مدرسة لتثقيف المسيحيين على طرفي الحدود، حيث سلم إدارتها لمار أفرام النصيبيني، فدبرها بغيرة ونشاط حتى سنة 363م، وقد اضطر الإمبراطور البيزنطي جوفيان أن يعيد نصيبين إلى الملك الفارسي شابور الثاني، عندها تركها مار أفرام مع علماء المدرسة وانطلقوا إلى الرها، وهناك فتح مدرسة لبني جلدته عرفت بـ" مدرسة الفرس ". اجتمع إليه تلاميذ كثيرون علمهم وهذبهم واستمر في رئاستها حتى وفاته سنة 373م.
   خلف مار أفرام في رئاسة مدرسة الفرس في الرها قيورا، الذي يصفه برحدبشبا عربايا بقوله: " أنه كان ممتازاً بتقواه وغزارة علمه، وقد أحسن تدبير المدرسة مكملاً وظيفته بهمة لا تخشى مللاً، ساهراً على مصالحها المادية والأدبية ". توفي قيورا سنة 437م فانتخب الملفان نرساي النوهدري رئيساً لها، فدبرها بحكمة ودراية فنمت المدرسة وازدهرت مدة عشرين سنة، حتى اختلف مع نونا أسقف الرها بسبب منهجية المدرسة التي تتبع فكر تيودوروس المصيصي وتيودر الطرسوسي، بينما نونا يميل إلى فكر كيرلس الإسكندري، وقد تعرض نرساي إلى تهديدات شتى ليتراجع عن أفكاره وقناعاته، لكنه لم يستسلم فهيج أعداءه العوام من الناس ضده بهدف تصفيته وإحراقه، وفي سنة 457م غادر نرساي الرها ليلاً بناءً على نصيحة الأصدقاء حفاظاً على حياته، وبعد هجرة نرساي أخذت مدرسة الفرس بالتراجع حتى أغلقت سنة 498م من قبل قيورا أسقف الرها الذي نال أذناً من الإمبراطور زينون بإغلاقها، ودمرت أبنيتها وشيد على أرضها كنيسة على اسم " والدة الله ".

   8_ مدرسة نصيبين الثانية: بعد أن غادر نرساي الرها توجه نحو المشرق، وعندما بلغ نصيبين لم يدخل المدينة وإنما توقف في دير الفرس الذي يقع شرقي المدينة، وهناك اجتمع معه برصوما مطران نصيبين الذي اقترح عليه دخول المدينة، ويؤسس مدرسة فيها من شأنها تنوير بلاد ما بين النهرين بأجمعها. وكان في نصيبين مدرسة صغيرة يترأسها المفسر شمعون الجرمقاني " الكشكري "، وبغية القيام بتوسيعها اشترى برصوما خان قوافل ضمه إلى المدرسة، وبسبب شهرة نرساي تقاطر إليها خلال مدة قصيرة أعداداً كبيرة من الأخوة من كل حدب وصوب.
   وقد قال عنه برحدبشبا عربايا: " إن المزايا والخصال التي يتمتع بها نرساي من أفكار مهمة وقدرة على التصرف بكرامة ورجولة، ومظهر خارجي جذاب ولطافة وتهذيب وطيبة وجمال تعليمه وبهائه، جذبت إليه هذا الاهتمام الكبير والتعاطف الشعبي، ولقب بالمعلم لأنه كان معلماً لا منازع له في الرها ونصيبين، وقد سن لمدرسة نصيبين الشهيرة قوانين ظلت تسير عليها سنوات عديدة بعد وفاته ".
   وقال عنه ماري بن سليمان في كتابه المجدل " نرساي لسان المشرق وشاعر المسيحية وباب الديانة المسيحية وقيثارة الروح القدس وملفان الملافنة ".  توفي سنة 503م بعد أن ترأس مدرسة نصيبين 46 سنة.
   وبعد وفاته خلفه في رئاسة المدرسة اليشاع برقوزبايي، يلقبه عبديشوع الصوباي بالمفسر. كان اليشاع رجلاً عالماً ومتضلعاً في كل ما يخص الكتاب المقدس، توفي سنة 509م بعد أن خدم المدرسة 7 سنوات.
   وبعد وفاته خلفه في رئاسة المدرسة إبراهيم بيث ربان، وقد لقب بـ " بيث ربان " لصلة القرابة التي كانت تربطه بالملفان نرساي، كان إبراهيم يتحلى بصفات علمية رائعة، وتقوى راسخة، مما جعله محبوباً عند شعب نصيبين، وفي عهده بلغ عدد الطلاب نحو الألف، فاضطر إلى استحداث طرق للتعليم، وإلى توسيع البنايات لكي تستوعب هذا العدد الضخم من الطلاب، فبنى 80 غرفة جديدة وألحقها بمستوصف ومسبح، واشترى مزرعة تغطي وارداتها جزءاً من مصاريف المدرسة، واستمر في رئاسة المدرسة ستين سنة حتى توفي سنة 569م. ويقول عنه برحدبشبا عربايا: " إن إبراهيم دبر المدرسة ستين سنة مواظباً على الصوم والصلاة، ومحيياً الليالي بالمطالعة والتأليف، ولم يزل يعلم تفسير الكتب المقدسة، واستنارت كل أرض فارس بتعليمه، وولد أولاداً روحانيين لا يعدون ولا يحصون، وذاع صيته في مملكتي الفرس والروم معاً ". 
   وبعد وفاته خلفه في رئاسة المدرسة إيشوعياب الأرزني، وبعد أن علم مدة سنتين بكل دقة ونشاط انتخب أسقفاً على أرزون سنة 571م، ثم بطريركاً لكنيسة المشرق سنة 581م.
   وخلفه في رئاسة المدرسة إبراهيم النصيبيني، ويلقبه الصوباوي بابن القرداحي " ابن الحدادين " ، ويقول عنه برحدبشبا عربايا أنه كان رجلاً ذا همة عظيمة، متفنناً في جميع العلوم، غيوراً نشيطاً تقياً نقياً، ولكن رئاسته لم تدم إلا سنة واحدة لأن المنية اختطفته سنة 572م.
   وخلفه في رئاسة المدرسة حنانا الحديابي، ويثني عليه برحدبشبا عربايا جزيل الثناء، ويصف فضائله العديدة الحميدة ومناقبه الحسنة. ويقول ماري بن سليمان أن عدد تلاميذه بلغ الثمانمائة،  وسرعان ما ظهرت في تعاليمه آراء لا تلائم تعاليم كنيسة المشرق، وتخلى في شرح الكتب المقدسة عن تفاسير المصيصي، وتبع آراء الذهبي الفم، وأحدثت هذه التعاليم ضجة كبيرة وخلافاً عميقاً في صفوف الأساتذة والطلاب، وأسفرت عن مغادرة نحو 300 طالب مدرسة نصيبين، وحدثت هذه الأزمة بعد سنة 596م.  ومنذئذ بدأت المدرسة بالانحطاط.
   أما إيليا مطران نصيبين فقد أسس مدرسة " بيث سهدي " بجانب مدرسة نصيبين الجامعية في سبيل مقاومة تعاليم حنانا. توفي حنانا سنة 610م بعد أن ترأس المدرسة 38 سنة.
   وخلفه في رئاسة المدرسة ربان سورين وقد علم فيها 50 سنة حتى توفي سنة 660م، ويقول عنه الصوباوي إنه ألف كتاباُ فنذ فيه آراء الهراطقة ببراهين قاطعة وأدلة عقلية، وميمراً في رؤساء مدرسة نصيبين.
   واستمرت مدرسة نصيبين بحيويتها، حيث تخرج منها مجموعة من العلماء، تركت نتاجاتهم الأدبية آثاراً عميقة في تاريخ الفكر المشرقي، ومنهم شخصيات مرموقة وصلت إلى مراكز عالية في كنيسة المشرق، نذكر منهم الجاثليق مار آبا الكبير وتوما الرهاوي وقيورا الرهاوي وإبراهيم الكشكري مصلح الرهبانية المشرقية وبرعدتا ويوسف الأهوازي والجاثليق سبريشوع الأول وباباي الكبير والجاثليق إيشوعياب الجدالي والجاثليق ما إمه وسهدونا المعروف بمرطوريس والجاثليق إيشوعياب الحديابي وعنانيشوع الراهب وبولس النصيبيني وميخائيل باذوقا وبرحدبشبا عربايا والربان أوكاما وجبرائيل راقودا وإيليا الراهب مؤسس دير السعيد قرب نينوى وغيرهم الكثيرين.
   وبعد القرنين السابع والثامن أحدث الفتح العربي تغيرات في مختلف المجالات والأصعدة، فضعفت المدرسة وتراجعت كثيراً وتناقص عدد المدرسين والطلاب، فتقلص إشعاعها وإستولى عليها الخمول بعد أن كانت أكبر جامعة لاهوتية في كنيسة المشرق، أما مكتبتها الغنية بالمخطوطات فأصبحت طعمة للنار في القرن الثاني عشر.

   9_ قوانين مدرسة نصيبين: إن مدرسة نصيبين كانت جمعية حقيقية منظمة بقوانين وضوابط، يسوسها رئيس يدعى " ربان " ويسمى أيضاً " المفسر " لأن من أخص وظائفه تفسير الأسفار الإلهية. وبعده يأتي " المقرىء " ووظيفته تعليم صناعة النحو، والألحان الكنسية وتآليف الآباء اليونان. وبعده يأتي " المهجىء " ووظيفته تعليم التهجئة والقراءة الفصيحة للمبتدئين.  وبعده يأتي " الوكيل " ويسمى رئيس البيت الذي يعتبر مسؤولاً عن ممتلكات المدرسة كافة،ووظيفته أن يتسلم دخل المدرسة وينفق عليها، وينتخب لهذه المهمة من كان مستقيماً مقتدراً على إدارة أمور المدرسة، منصفاً بين الأخوة بدون محاباة، ولا يجوز له أن يقدم على عمل مهم دون مشورة رئيس المدرسة، وإذا تغافل عن وظيفته طرد من المدرسة ومن المدينة أيضاً، ويتم انتخاب رئيس البيت لمدة سنة واحدة.  ويأتي في القوانين اسم" الكاتب " ومهمته أن يعلم التلاميذ الخط، ومنهم من كان كاتباً لرئيس البيت ومساعداً له. وبعده نرى " الإخوة المعرفين والمفتشين " وهم الكهنة أو العلماء في المدرسة، وكان الرئيس أو الوكيل لا يعمل شيئاً مهماً دون مشورتهم، وكانوا يسهرون على حفظ النظام الداخلي للمدرسة. وكان في المدرسة " مدير مكتبة " مهمته المحافظة على الكتب وصونها.
   وكانت المدرسة تتلقى الهدايا والهبات كالأراضي والأموال والعطايا المختلفة، الأمر الذي جعلها تمتلك أموالاً ضخمة غير منقولة، وكانت هذه الأموال تستغل لصالحها، فقد تم بناء حمام في مدينة نصيبين كانت أرباحه تؤول لصالح المدرسة، وتم بناء مشفى لمعالجة المرضى، وشراء قافلة جمال تؤول أرباحها لصندوقها، ومن هذه الواردات تم تشيد أبنية جديدة لها، وأجنحة لسكن التلاميذ، ومساعدة التلاميذ الفقراء والمرضى، كذلك شيدت دار للضيافة لاستقبال الضيوف العابرين في نصيبين والاهتمام بهم. 
   أما التلاميذ وتسميهم القوانين " الأخوة " فكان عليهم أن يلتمسوا الدخول إلى المدرسة من الوكيل، وأن يكون لهم معرفة في القوانين، وكانوا يتعهدون أن يحفظوا البتولية ويسيروا سيرة صالحة لا عيب فيها، ولهم زي خصوصي يفرقهم عن غيرهم. وأما شعر رؤوسهم فلم يؤذن لهم أن يحلقوه، ولا أن يخصلوه مثلما كان يفعل باقي القوم، بل كانوا يحلقون فقط قمة رؤوسهم لتصبح دائرة كأنها إكليل.

   10_ الحياة اليومية في مدرسة نصيبين: كانت الحياة اليومية وبرنامج التدريس كالتالي: صباحاً عند صياح الديك، يستيقظ الجميع ويذهبون إلى غرف الدرس، فيلزم كل منهم مكانه حتى المساء، وكانوا يجلسون في الغرفة على صفين. ومن كان ينقطع عن الدرس والكتابة ولا يحضر ساعات التدريس والألحان الطقسية، يتلقى من رؤساء القلالي توبيخاً شديداً، وإذا لم يسمع منهم يعاقبه الوكيل. وكان التلاميذ يلتزمون أيضاً حضور فرض الموتى والاحتفالات الكنسية، وكل من ينقطع من دون سبب يوبخ جهاراً. وفي المساء وبعد تلاوة المزامير يذهب كل تلميذ إلى قلايته، حيث لكل قلاية رئيس يجب طاعته. وسكان القلاية الواحدة يتناولون الطعام سوية، ولا يجوز تناول الطعام في الجنائن والبساتين، وحضور المآدب والولائم في المدينة، أو زيارة أديرة الراهبات. وكان السكن في المدينة ممنوعاً إلا إذا لم يبق مكان في المدرسة، وإذا مرض تلميذ كان الآخرون يقومون بخدمته.
   وكل تلميذ يختم دروسه يرسله الرئيس ليعلم في المكان الذي يعينه له، وكان للتلاميذ سلطة على أموالهم، ومجبرين على تأمين معيشتهم، ومن كان يريد أن يقرض ما كان يتوفر له من المال، لم يكن يؤذن له أن يأخذ عليه أكثر مما عينته الكنيسة " أي واحد بالمئة ". أما التلاميذ الفقراء فكانوا يعملون في العطلة السنوية، من بداية شهر آب وحتى نهاية تشرين الأول، أي في زمن الحصاد وقطف الزيتون، ويشترط على الذين يعملون أن يسيروا سيرة صالحة، حتى لا يرذل بسببهم اسم المدرسة، وما يكسبه التلاميذ خلال عملهم في العطلة الصيفية، يستعملونه لمصروفهم الشخصي، أما الضعفاء والمرضى الذين لا يستطيعون العمل فكانوا يراجعون الوكيل ليساعدهم، ولم يكن يسمح لهم بالتسول. أم من ينكث بوعده فيتزوج، أو يسرق أو يزرع الفتنة بين الأخوة، أو من وجد شيئاً مفقوداً ولم يخبر الوكيل حتى يسأل عنه صاحبه، أو أخذ كتاباً من المدرسة ولم يعده بقصد يطرد من المدرسة. أما دخول التلاميذ إلى المدرسة والإقامة فيها فكان مجانياً.
   ويظهر من قوانين مدرسة نصيبين أن التلاميذ كانوا ينصرفون إلى العلم والصلاة والتأمل والزهد والتصوف والفقر والتجرد والقداسة . وأقدم هذه القوانين رسمها الملفان نرساي، وكرسها هوشع مطران نصيبين سنة 496م، لكي لا يتصرف الأخوة كلا وفق هواه. وبعد قرن أي في سنة 590م وضع حنانا الحديابي قوانين أخرى وعددها واحد وعشرون قانوناً، وذلك في أيام شمعون مطران نصيبين، وتم تصديقها في سنة 602م على عهد آحاد أبوي مطران نصيبين. ومن خلال هذه القوانين نرى هذه المدرسة تسير بنظام صارم، ومنهجية واضحة حتى بلغ عدد تلاميذها الألف، فشكلت جامعة بعدد تلاميذها ودقة قوانينها.

   11_ المواد الدراسية في مدرسة نصيبين: كانت مهمة المفسر في مدرسة نصيبين تفسير الأسفار الإلهية وشرحها، معتمداً على تفسير تيودورس المصيصي ويسمونه " التفسير "،وشرح الملفان أفرام ويدعونه " التقليد "، وما دونه مار نرساي يسمونه " التقليد المدرسي ".
   وكان المفسر في شرحه الكتب الإلهية يعلم المنطق والفلسفة، ويقول عبديشوع الصوباوي في كتابه     " نوموقانون " إن الدروس كانت تدوم ثلاث سنين، ففي السنة الأولى يدرس التلاميذ، أسفار التكوين والخروج والعدد واللاويين وتثنية الاشتراع ويشوع بن نون والقضاة وصموئيل والملوك والأمثال والجامعة وراعوث ونشيد الإنشاد وأيوب ورسائل بولس الرسول، كما كانوا يتعلمون الهجاء والقراءة والألحان التي في طقس الموتى والكتابة على اللوح.
وفي السنة الثانية يدرسون المزامير وكتب الأنبياء والقراءة والكتابة على اللوح وتراتيل القداس وفقاً لمدار السنة الطقسية.   
   أما في السنة الثالثة فيدرسون القسم المتبقي من أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وترتيل البيم، وتدخل ضمن هذه الدراسة مواد النحو والصرف والخط، أما قراءة المزامير وتعلمها غيباً فأول ما يبدأ به الطالب وفقاً للطريقة المدرسية، أما الجغرافيا والبلاغة والعلوم الطبيعية فلم تكن من المواد الأساسية.
   وقد اتبعت المدرسة في عهد الملفان أفرام الطريقة اليونانية السباعية في التدريس، فكان التلاميذ يتعلمون القواعد والخطابة والجدل والموسيقى والألحان، والهندسة والرياضيات والفلك لاحتساب التقويم والأعياد والأصوام، كذلك التاريخ وكتب التصوف الروحي وسير القديسين وأعمال الشهداء وكتابات الآباء ، وكان الوقت كله مخصصاً للدراسة والصلاة.
   وقد تضمن القسم الأول من " نوموقانون " منهاج تدريس أسفار العهدين القديم والجديد والتي تعتبر شرعية، إلا أن الملحق المضاف إلى القسم الأول يحدد من أين يتوجب التدريس ونظام دراسة الكتب، وكان هذا القانون ضرورياً لفصل الكتب " الحقيقية " عن الكتب " المنحولة " . وقد تضمن الجزء التالي من نوموقانون قرارات المدرسة النصيبينية. 
   ويقول برحدبشبا عربايا: إن الدروس في مدرسة نصيبين كانت تتم على فصلين، والواقع أن القرارات الواردة في نوموقانون لا تخص مدرسة نصيبين وحسب، وإنما تخص المدارس الأخرى، ومن هنا يمكن الاستنتاج أن قوانين مدرسة نصيبين كانت مطبقة في أماكن تعليمية أخرى، واتبعت مناهجها التدريسية في مدارس كثيرة.
   وينص قانون المدرسة الذي ورد في مؤلفات عبديشوع الصوباوي، أنه في السنة الأولى تبدأ الدراسة هناك حيث يوجد خبز في المدرسة، يوم الاثنين بعد الأحد الذي ينشد فيه ترتيلة " بعد تابوتك ". أما في المدارس التي لا يوجد فيها خبز، فإنه يتوجب على الدارسين أن يشتغلوا لكي يطعموا، ويجب أن تبدأ الدروس يوم الاثنين الذي يلي يوم الأحد الذي تنشد فيه ترتيلة " ليس من الحياة ".
   وطبقاً لمواد الدراسة المطبقة في هذه المدارس، يمكن التخمين أنه كان يرتادها المتعلمون الذين سبق أن مروا بالتعليم، بحيث تصبح هذه المدارس بالنسبة إليهم المرحلة الثانية من التعليم. وعليه يتوجب على الدارسين أن يكتبوا في السنة الأولى الجزء الأول من الصلوات ورسائل بولس والأسفار الخمسة، ويبدو أن التعليم كان يتألف من نسخ الطالب لأجزاء من الكتب التي يتوجب حفظها لاحقاً، وبفضل هذا الأسلوب التعليمي تحفظ النصوص من جهة، ويعاد استنساخ المخطوطات من جهة أخرى.
   أما الطلاب الذين كانوا يشتركون في فرق الإنشاد والتراتيل الكنسية، فعليهم أن يحفظوا في سنتهم الدراسية الأولى التراتيل الجنائزية. وفي السنة الثانية ينسخون الجزء الثاني من الصلوات والمزامير والأنبياء ويحفظون التراتيل الليتورجية. أما في السنة الثالثة فيكتبون كتاب العهد الجديد، مع الجداول التي تحدد النظام اليومي لقراءة الكتاب المقدس، وكذلك التراتيل " العونايات "، فيتخرج التلميذ مشبعاً بالعلم والمعرفة.

   12_ ما تبقى من آثار نصيبين في الزمن الحاضر: إن عوادي الزمان أزالت الكثير من آثار هذه الأبرشية. ولم يبق من عظمة هذه الآثار إلا الشيء اليسير جداً، نذكر منها:

ا: كنيسة مار يعقوب النصيبيني: أسسها مار يعقوب مطران نصيبين على أنقاد معبد أصنام أنطياخوس سنة 313، وانتهى العمل فيها سنة 320. كانت هذه الكنيسة آية في الجمال والفن المشرقي، واسعة الأرجاء، زينت جوانبها الأربعة بزخارف ونقوش جميلة، فيها أسوار تعلوها نقوش كثيرة وبديعة. تحت مذبحها الشرقي سرداب مربع يحوي ضريحاً من الرخام المغبر طوله 3 أذرع، مغطى بحجر مقبب، يقال إنه ضريح مار يعقوب النصيبيني باني الكنيسة. وفيها حجرة سطرت عليها جملة بالأسطرنجيلية. ومع تدوال الأيام قوض نصفها وبقي نصفها الآخر حتى اليوم. وقد رممها سنة 1562 مطران نصيبين ايشوعياب.
   وقد أخذها السريان الأرثوذكس من الكلدان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ويؤيد قولنا هذا ما قاله المطران اسحق ساكا في كتابه كنيستي السريانية: " حتى أواسط القرن التاسع عشر، استولى البطريرك يعقوب الثاني 1847_ 1871 على بيعة مار يعقوب النصيبيني في نصيبين، ورسم لها قورلس   اشعيا ". ومن المعلوم أن ملكية الكاتدرائية تعود للمشارقة منذ البدايات، وقد سقطت الكاتدرائية بفعل الزلازل الذي ضرب نصيبين سنة 713، فشيدت من جديد من قبل المطران سبريشوع الأول،  وانتهت الأعمال في عهد المطران قبريانوس الأول.  وفي سنة 1119 جرت أعمال ترميم الكنيسة في عهد المطران سبريشوع الثالث.  أما التجديد الأخير الذي أجراه المشارقة فكان في سنة 1562 في عهد المطران إيشوعياب. 
   وقد عمل السريان الأرثوذكس الكثير للاستيلاء على الكاتدرائية، وأخيراً نالوا قراراً من حاكم ديار بكر سنة 1865 يعطيهم حق ملكيتها، بعد أن قبض منهم مبلغاً كبيراً من الذهب.  ويبدو أن السريان الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس كانوا أيضاً يبذلون الجهود لدى الباب العالي في القسطنطينية  لضبط هذه الكنيسة، لكنهم لم يتوصلوا إلى أي نتيجة تذكر. لكن الكلدان لم يقبلوا بهذا القرار الجائر، وعليه نقرأ في رسالة البطريرك يوسف السادس أودو  الموجهة إلى مطران الجزيرة العمرية مار بولس هندي  بتاريخ 14/5/ 1866 يشرح فيها ما جرى بقوله: " تبين لنا بأن دير مار يعقوب النصيبيني بحسب فصل الباب العالي أصبح للسريان، وقد كتبنا إلى مطران آمد مار بطرس دي نتلي  ومطران ماردين مار أغناطيوس دشتو،  كي يقفوا بوجه اليعاقبة أمام المحكمة ليعود لنا كما كان ". 
    أما البطريرك يوسف السادس أودو فإنه تابع هذه القضية بشكل جدي، وقد كلف لهذه الغاية بطريرك الأرمن الكاثوليك أنطوان حسونيان،  والذي بذل جهوداً مضنية في القسطنطينية، لكي يحصل من الباب العالي على قرراً يعيد الكنيسة إلى أصحابها الشرعيين، لكنه لم يفلح. وقد بلغ البطريرك أودو أنه فشل في تحقيق طلبه. وعليه خرجت الكنيسة من يد المشارقة، وذلك واضح من قول الشماس إسحق سكماني  المرافق للبطريرك أودو خلال سفره إلى روما لحضور المجمع الفاتيكاني الأول:  " في أيلول 1869 ارتحلنا إلى قضاء نصيبين، وهنا زرنا مع البطريرك أودو قبر مار يعقوب داخل الكنيسة المبنية على اسمه، وهي كنيسة عمارتها فاخرة، إلا أن الخراب قد أصابها وحالها يرثى له، وهي الآن بيد طائفة اليعاقبة ".
    وقد جدد السريان الأرثوذكس الكنيسة سنة 1872 على عهد البطريرك يعقوب الثاني والمطران قورلس إشعيا، وذلك واضح من اللوحة الحجرية المثبتة في مدخل الكنيسة والمكتوبة بالسريانية الغربية. ويؤيد قولنا هذا ما قاله المطران إسحق ساكا في كتابه " كنيستي السريانية " حيث يقول: " حتى أواسط القرن التاسع عشر استولى ال