المحرر موضوع: الآثوريون الكلدان بين الحقيقة والأوهام  (زيارة 2303 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                     الآثوريون الكلدان بين الحقيقة والأوهام

لقد  كتبَ  الكثيرُ مِن المُفَكِّرين والكُتّاب الكلدان وهم يَرثَون لحال أحفاد  تلك القِلة من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية ، الذين انشقوا عن إجماع الغالبية من إخوتِهم الكلدان  باسترداد مذهب آبائهم وأجدادِهم ( المذهب الكاثوليكي ) في منتصف القرن السادس عشر ، إصراراً منهم  للبقاء  في المذهب  النسطوري  الذي  جلبَ  عليهم المصائب والمآسي  واكتوت بنارها  أجيالُهم  اللاحقة ، ولا سيما بعد أن عثرت عليهم إرساليات الكنيسة الانكليزية التبشيرية بحدود منتصف القرن التاسع عشر  في منطقة سُكناهم الجبلية ( هيكاري )  ،  فأغراهُم  رجالُها  الدُهاة  مُستغلين  وضعهم المأساوي المُزري ،  واعدين إياهم  بالفِردوس المفقود بعد أن أفلحوا في إقناعهم  بأنهم  سيفعلون كُلَّ شيء في سبيل  جَعلِهم  ينتمون الى الآشوريين  القدماء في نظر العالَم ،  ويسعون الى إقامة  كيان سياسي  لهم  إحياءً  للكيان  الآشوري القديم المُنقرض ،  أسكرَهم خَمرُ هذه الوعود  الكاذبة  حتى الثُمالة ، فتبنّوا التسمية  < الآثوررية >  وفق الرغبة الانكليزية  بدون تروّي أو تَحَسُّبٍ للعواقب ،  وأصبحوا أداةً  طيِّعة  للانكليز  يُسَخِّرونهم  لخدمة  مصالحهم  وأهدافهم السياسية ، وبهذه  الخُدعة الجَهَنمية  انتصروا  وسلخوا عن جسد الامة الكلدانية  جُزءاً عزيزاً  من أبنائها  هم أبناء الكلدان الباقين على النسطرة ، انتقاماً  من أبناء  هذه الامة  الكلدانية  الذين عادوا الى أحضان امِّهم  الكنيسة الكاثوليكية الجامعة ،  ساخرين  من وعودِهم  الكاذبة التي لم تنطلي عليهم  كما  انطلت على  إخوانهم  الذين أشرنا إليهم .


إننا نحن الكلدان ينتابُنا  الألم عندما  نرى أحفاد اولئك المخدوعين  باللعبة الانكليزية ،  ورغم معرفتهم التامة بها  لا زالوا  أسرى لها ، يُزَمِّرون  ويُطبِّلون وهم  يدورون  في دَوَامة  الأوهام  مُرَدِّدين  الشعائر الرنّانة  وفَرِحين بأحلام اليقظة ،  التي أفقدتهم القدرة على التفكير والتحليل لمعرفة الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، بحيث لو أفسحوا المجال لأذهانهم  ولو جُزئياً  للتأمُّل بالواقع الموضوعي ،  لأَدركوا عُمقَ الضلال  الذي أوقعهم به الفارضون عليهم سُلطانهم  والماسكون بدَفَّة قيادتِهم ، موهِمين إياهم بالوصول الى  تلك الوعود الكاذبة والبعيدة عن منطق الحقيقة ، إذ قد صيغت باسلوب الكذب والدَجَل ،  فحتى متى  تنتفضون على هؤلاء المُضلين وتُزيحونهم عن  طريقكم  ليستنير من ظلامهم ،  فيقودكم للإلتحاق باصولكم الكلدانية بعد أن  طال ابتعادُكم كثيرا !


وحتى لو افترضنا جدلاً  وكما أوهم أسلافَكُم العُملاءُ الانكليز على لسان مبعوثي الكنيسة الأنكليكانية ، بأنهم  ينتمون الى الآشوريين القدماء ،  وأن اولئك الآشوريين لم ينقرضوا بالكامل مُخالفين بذلك تأكيدات مُعظم العلماء والمؤرخين بانقراضهم ،  ولكن مَن كان الآشوريون القدماء ؟




الحقبة الآشورية الاولى ( 2250  -  1813 ق . م

تبدا هذه الحقبة بِغزو القبائل البدوية الجبلية المُسمّاة  شوبارو أو (سوبارو ) للمُستوطن السومري في شمال وادي الرافدَين في النصف الثاني من مُنتصف الألف الثالث قبل الميلاد ، وبعد أن استقرّوا  فرضوا على السومريين السكّان الأصليين أن يعبدوا إلهَهُم الآسيوي الجبلي ( آشور ) الذي جلبوه معهم ،  حيث قام حاكمُهم السادس عشر ( اوشِبيا ) بعد حاكمهم الأول الشيخ ( توديا ) ببناء مَعبدٍ له على أنقاض معبد الإلهَةِ السومرية  إنانا ( عشتار )  وحوّلو المُستوطن الى مدينة صغيرة  أطلقوا عليها اسم إلهِهم ( آشور ) وفي نحو عام 2000 ق . م  شيّدوا سوراً حول المُستوطن على عهد ملكِهم الثامن والعشرين ( كيكيا )  فجعلوا  آشور مدينةً مُحصّنة ، ولكن كما يقول الآثاري نيكولاس بوستكَيت لم تكن ذات أهمية ، استمرَّ حُكم الشوباريين حوالي  أكثر من أربعة قرون بقليل حيث سقطت مدينتهم آشور على عهد آخر ملوكهم (ايروشيم الثاني ) الذي استلم الحكم في عام 1820 ق . م ، بيد أن الملك العموري شمشي أداد الأول الذي يقول عنه المؤرخ المعروف(اوبنهايم)  أنه  كان فاتحاً أجنبياً بالنسبة للشوباريين الآسيويين ، احتَلَّ مدينة آشور التي بناها الشوباريون ، وأسّسَ دولة سمّاها الدولة الآشورية نسبةً الى اسم المدينة واسم إلهِها آشور ، ولم يستقرَّ فيها كثيراً ، حيث عاد لإدارة شؤون مملكته الى مدينة ايكالات الواقعة شمال مدينة آشور على الساحل المُقابل  والتي انطلق منها  لدى احتلاله لآشور  ،   وبالرغم من تبنّي مملكته للتاريخ الآشوري المحلي إلا أن التداول الكتابي والتفاهم اللغوي كانا بابليين .


إن  المؤرخين الآشوريين ومنذ القِدَم تجنّبوا دَرجَ الفترة الآشورية  الاولى  أي عهد القبائل الشوبارية الغازية التي شيّدت مدينة آشور وروّجت لعبادة إلهِها الآسيوي آشور ، ومن اسم آشور الثُنائي للاله والمدينة استمدَّ الاقليم تسميته ،  وكذلك فعل المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ طه باقر حيث تجاهل في كتابه ( مقدّمة في تاريخ الحضارات القديمة ) ذِكر الحقبة التاريخية للشوباريين الأجانب ، ويبدأ التاريخ الآشوري بعهد الملك شمشي أداد الأول .


إذاً الدولة الآشورية  تمّ تأسيسُها من قبل جماعات وطنية رافدية لا علاقة لها بالشوباريين الآسيويين الأجانب بأيّة  صِلةٍ من الصِلات ، هي  الجماعات التي  يقول عنها المؤرخ الآثوري الانتماء والروسي المولد  قسطنطين ماتفييف ،  في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد خرجت موجاتٌ بشرية  عمورية  من المهاجرين والمطرودين من الأراضي البابلية  وتوجّهَت نحو شمال مابين النهرَين واستوطنت منطقةً الى شمال مدينة آشور ، وبعد أن قويَت شكيمتُها  احتَلَّت مدينة  آشور وأزاحت عدداً كبيراً من  سُكّانها الشوباريين بُناتِها الى خارج حدودها ،  وتمكّنت بعد زمنٍ  من إنشاء دولة جَعلَت من مدينة آشور عاصمةً لها ، وأطلقت على تلك الدولة اسم < الدولة الآشورية >  نسبةً الى اسم المدينة واسم إلهِها الأجنبي الآسيوي ( آشور ) . وهذا ما أورَدَهُ الداعية الآثوري  ماتفييف في كتابه :

<  الآثوريون والمسألة الآثورية >  ( أسّسَ الخارجون من بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين ، كانت أكبر مُدُنِهم  آشور ، ويستطرد : أصبحت آشور في مطلَع القرن الثامر عشر قبل الميلاد مركزاً لدولةٍ عًظمى ،  ويُضيف : إن الآشوريين ينتسبون الى الشعوب السامية ويَرجعون  بجذورهِم الى البابليين )  أليس هذا الاعتراف من قبل الباحث الآثوري بأن الآشورية هي تسمية  موطنية سياسية  وليست قومية كما يدّعي  منتحلو الآشورية المعاصرون ! وأن انتساب الآشوريين القومي يعود  الى العموريين أحفاد البابليين الكلدان ! وما حدا بهم الى تسمية ذواتهم بالآشوريين كان مُسايرةً للواقع الاقليمي المطبوع بالتسمية الآشورية لأكثر من أربعة قرون سابقة ، وهذا لا يجعلُ منها قوميةً لمؤسّسي الدولة الآشورية العموريين المُنحدرين عِرقياً عن  البابليين  أحفاد الكلدان الأوائل مؤسسّي سُلالتي  كيش واريدو .


ويقول المؤَرخ والآثاري الكبير طه باقر في الصفحة 472 من كتابه <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة >  إن الآشوريين  نزحوا من جنوب بلاد ما بين النهرين الى الشمال وأسسوا موطناً لهم هناك  .  وفي كتابه < الآشوريون في التاريخ > يقول ايشو مالك جوارو في الصفحة 11 ( من المُعتقد أن القائد الكبير جد الآشوريين قد هاجر هو أيضاً  من شنعار وحَلَّ في آشور ) . وجاءَ في كتاب < العراق في التاريخ / للدكتور عامر سليمان ص. 120 : إن الذين تبنّوا تسمية (آشور ) كانوا مجموعة من سُكّان بلاد بابل ، هاجروا الى شمال بلاد وادي الرافدين واتخذوا منه موطناً لهم  ، وبعد قرون من الزمن ، تَمَكّنوا من تأسيس دولة قوية خَضَعَ لها العديد من أقاليم الشرق الأوسط ودُوَيلاتِه في مطلع القرن التاسع قبل الميلاد ،  كان  طابعُها عسكرياً  خالصاً ، استُمِدَّ  اسمها من اسم إله المدينة ( آشور ) الذي عَمَّمَت عبادتَه القبيلةُ  الحاكمة  من تلك المجموعة  التي هاجرت أرض شنعار في عاصمتِها  والأقاليم التابعة لسُلطتِها ، وقد تَسَمّى باسم آشور بعضُ  ملوك هذه الدولة  تَيَمُّناً باسم إلهِها ، مِمّا يؤَكِّد بأن الاسم الآشوري كان ذا مدلول ديني محض ولا علاقة له  بأي مدلول قومي أو عِرقي ، ولذلك  إضمَحَلَّ هذا الاسم عندما  تَحَطمَ  تمثال الإله آشور  بسقوط الدولة الآشورية وانقراضها ، إذ لم يبق هنالك مَن يأبه به ، إلاّ كأثرٍ جغرافي فقط ،  أليست تأكيدات المؤرخين هذه  دليلاً  ناصعاً  كون الآشوريين القدماء يعودون بجذورهم الى البابليين الكلدان !


تأسيس الدولة الآشورية الاولى


إذا استثنَينا العهد الآشوري الأجنبي  المعروف بالعهد الشوباري الذي سَبَقَ الحديث عنه  ، والذي لا يعتبرُهُ المؤرخون بدايةً للتاريخ  الآشوري بل لا يُنسَب الى الدولة الآشورية ،  فتكون بداية التاريخ الآشوري القديم بعهد الحُكم الوطني الذي أسّسَهُ  الملك العموري ( شمشي أداد الأول 1813 - 1781 ق .م ) إبنُ بابل أو إبنُ كاردونياش وتعني  بابل  بلغة الشوباريين  وبقية القبائل  الهندواوروبية ،  وحيث أن ( شمشي أداد Shamshi-Adad ) جعلَ من مدينة آشور عاصمةً لمُلكه بعد احتلاله لها ، عمّم اسمها على  دولته  فدعاها( الدولة الآشورية ) و سمّى الأقوام المُنضوية تحت لِوائها ( آشوريين ) ، كان شمشي أداد ذا طموح كبير  ، فبدأ بتوسيع رُقعة مملكته  وباحتلاله لمملكة مدينة ماري أصبحت مملكتُه تشمل آشور  وايكالات وماري على نهر الفرات ، فوضع مدينة ماري تحت حُكم ولده ( يَسمح أدو Yasmah- addu ) ومدينة ايكالات تحت حُكم ولده الثاني (أشمي داغان Ishmi-Dagan ) الذي خلفَهُ على عرش آشور سنة 1780 ق . م وفي سنة 1760 ق . م  انضوت مملكة آشور تحت نفوذ امبراطورية حمورابي البابلية .


العهد الامبراطوري الثاني أو الحديث


إبتدأ هذا العهد  بالسُلالة الوطنية السابعة المعروفة ( بالسُلالة السركَونية Sargonic Dynasty )


يعزو مؤلِّف كتاب تاريخ كلدو وآثور المطران أدَّي شير تسنُّمَ سركَون الثاني  قائد الجيش الآشوري الأعلى عرشَ الدولة الآشورية  الى عدم وجود إبنٍ للملك شلمنصَّر الخامس ليَخلِفَهُ على العرش ، فنودِيَ برئيس قادة الجيش ملكاً على آشور ، واتَّخَذَ له لقباً باسم ( سركَون الثاني ) تيمُّناً باسم سركَون الأول ملك الكلدان أول امبراطور في التاريخ  مؤسِّس امبراطورية أكد ، ولم يكتفِ بذلك بل قام ببناء مدينة جديدة له أطلق عليها اسم (دور شروكين ) الاسم الذي أطلقه الامبراطور سركَون الأكدي على منطقة عاصمته ( أكد ) كما وضَّحتهُ التنقيبات الآثارية   .  حاول  سركَون الثاني الاقتداء بسَلَفَيهِ  تكلت بيلاسر الثالث وشلمنصَّر الخامس اللذَين كانا يكُنّان حُباً وإعجاباً كبيرَين لبابل  مُفضِّلَين إياها على نينوى  مما أثار غضبَ الآشوريين ، وكان هذا أحدَ المآخذ  التي حَدَت بهم للامتناع عن مبايعة  ملكٍ من سُلالتِهِما ،  وأرادَ سركَون  تنصيبَ  ذاته ملكاً  علي  بابل اسوةً بهما ،  بيدَ أن البابليين الكلدان أعرضوا عنه  وقاوموه  بقيادة ملكِهِم الثائر مردوخ بلادان مما اضطر سركون للاعتراف باستقلالية بابل وبشرعية الملك مردوخ بلادان في حُكمِها .


تَدَهوُرُ دولة آشور وانقِراضُها :

يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ لبِلادِ آشور ! >  ويقول البروفيسور  سيمو باربولا / جامعة هلسنكي  ( بعد حَربٍ أهليةٍ مُطوَّلة استطاع البابليون أي الكلدان والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان >  ساحقين بذلك آخِرَ خَندق للمقاومة لملكِ بلاد آشور الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث خَتَمَ مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّفقون وبدونِ الإدلاءِ علناً مع الفِكرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف وَفرَةِ المعلومات عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي تبدو أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات شهود  العَيان القُدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ الأب ألبير أبونا  في  مقالتِهِ المنشورة  في موقع عَنكاوا.كوم  الالكتروني < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين وبعض المُنجرفين وراءَهم من الكلدان المُغَرَّر  بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثباتَ  عدم انقراض الآشوريين النهائي بأدِلَّةٍ  علمية وتاريخية  بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف.


الملك نبوبيلاصَّر Nabopolassar

( 626 - 605 ق . م )


 الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ الملك الآشوري سنحاريب ،  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب الملك آشور بانيبال ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانايبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا  آلت إليه في أواخر  فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة  نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة  الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية  عشر الدولة البابلية  الكلدانية  أو البابلية الحديثة  ثمَّ الامبراطورية الكلدانية  أو الامبراطورية البابلية الحديثة  .  قامَ  بتصفية  الوجود  العسكري الآشوري من المناطق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ  على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب  ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة  المناطق التابعة له حتى حدود آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان  وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة /  جيمس هنري ترجمة  أحمد فخري ص. 231 وهنالك مصادر اخرى كثيرة >  ضمنَ  مساحة الدولة  البابلية  الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام  وفلسطين ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم الميديون مضمون المعاهدة المعقودة بينهم وبين الكلدان ، واكتفوا بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من  العواصم الآشورية ، واحتفظوا  بالاقاليم الشمالية  والشمالية الشرقية  لنينوي التي كانوا قد  استولوا عليها  قبل عقد المعاهدة ،  أما الأقاليم الغربية  فخضعت  لسُلطة  الدولة الكلدانية  وبخاصةٍ العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِلَها أبناء الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .


ويؤَكِّد الكثيرُ من المؤرخين ومنهم المؤرخ الكبير طه باقر <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / ص.548  -  العرق في التاريخ / سامي سعيد الأحمد / الفصل السادس / ص. 164  -  عظمة بابل / هاري ساكز / ص. 170- 171  -  انتصار الحضارة / جيمس هنري ترجمة أحمد فخري / ص. 231 والعديد غيرهم بأنه  بعد  موت آشور بانيبال تمكَّنَ حاكمُ القطر البحري( نبوبلاصَّر ) حفيدُ نبوخذنصَّر الأول  وابن الملك( بيل ابني ) الذي  أقامه  الملك  سنحاريب  ملكاً على بابل عام 702 - 700 ق . م  من فرض حُكمِهِ على بابل و منطقة الجنوب  بأكملها  ، مُعلناً  أنه  الملك الكلداني الشرعي  لعموم الاقليم البابلي  بعد أن قام بتوحيد القبائل  الكلدانية  ومُدِنهِم  تحت الراية والهوَّية الكلدانية الواحدة  ،  سَطَعَ نجمُهُ  إثْرَ تَصفيتِهِ  للوجود العسكري الآشوري ، وباشرَ بتوسيع رقعة مملكتِهِ  في الجِهات الشرقية والغربية والشمالية  مُستغلاً ما آلت إليه الدولة الآشورية من الضعف والتراجع والانحسار  . ومن أهمِّ العوامل التي ساهمَت في  سقوط  الدولة الآشورية ، هو وَلَعُ  الملوك الآشوريين  المُفرط  في الاستيلاء على بلدان الشعوب الاخرى  ونهبِ خيراتها  واستغلال كفآت أبنائها وفي الغالب تدمير حضاراتها  العمرانية  ممّا  جَلَبَ عليهم  الاستياء والتذمُّر .  استَغَلَّ  الميديون جيرانُ الاشوريين في الشرق والشمال الشرقي ضُعفَ الدولة العيلامية التي كانت تقف بالمرصاد  أمام تحرُّكِهم ،  وبدأوا في تقوية  وضعهم  حتى أصبحوا قوَّةً  يُحسَبُ لها حسابها  وبادت تُشَكِّلُ خطراً على الدولة الآشورية التي أنهكَتها حركات  العصيان والتمرُّد في  أعوامها  الأخيرة ، وانتهزوا فرصةَ  تَخَلخُل الوضع الآشوري الداخلي  والصراع بين الملوك الآشوريين  على تولِّى العرش ،  ولشدة ما كانوا قد عانوه من قساوة الملوك الآشوريين وطُغيانهم  طوال رَدَح طويل من الزمن ،  دَفعَهم للأخذ  بالثأر  فقاموا باحتلال  كركوك في عام 615 ق . م  ثمَّ أغاروا على مدينة آشور عام 614 ق . م  بقيادة ملكهم (  كي أخسار ) ودخلوها عَنوةً  بعد تحطيمهم لأسوارها  وقَتلهم لعدَدٍ هائل  من سكّانها  وبعد أن انتهوا من نهبها أحرقوها ، وفي ذات الوقت وصل إليها الجيش الكلداني بقيادة الملك نبوبلاصَّر  ، وأمام أسوار مدينة آشور المُحطمة  تصافحَ الملكان الكلداني  نبوبلاصَّر والميدي  كي أخسار ،  ووقّعا معاهة  صداقةٍ  وتعاون  وتحالفٍ بينهما ، و كان أحدُ بنودِها يقضي  بانسحاب الميديين  من الاقليم الرافدي الشمالي واكتفائهم بالغنائم  أما الارض فتكون  حِصَّة الكلدان ، وبذلك ضَمِنَ نبوبيلاصَّر عدم بقاء الميديين في أيِّ جزءٍ من أرض وادي الرافدَين ، تلَتها علاقة  عائلية بزواج وليُّ العهد الكلداني نبوخذنصَّر  من حفيدة الملك الميدي  وبذلك تعدّى ارتباط الدولتين نطاقَ التعاون العسكري ، واتفقا على اجتياح  نينوى  وقد نفَّذا هذا الاتفاق في عام 612 ق . م  بمُحاصرة  نينوى .

                                                                                                                                                                                                                                                         طالَ الحصارُ لمدة  ثلاثة أشهر تخلَّلتها  ثلاثُ محاولاتٍ هجومية كلدانية مدروسة بعنايةٍ تامة ، تَصَدَّعت وتداعت  على إثرها أسوار المدينة ، فمرقت الجحافل الكلدانية والميدية كالسهم الى داخل مدينة نينوى وأضرموا النيران التي التهمتها بِمَن فيها  وجعلتها خرائب تنعقُ فيها الغربان ، أما العددُ القليل من سكّانها الذين لم تَطلهُم النار واختفوا عن أفواه السيوف  فقد لاذوا  بالفرار وتوجَّهوا نحو  مدينة < حرّان >  التي التجأ  إليها  ملكُهُم الأخير < أشور ابليط الثاني >  واتخذ منها عاصمةً له ،  آملاً  وصول القوات المصرية  التي وَعَدَهُ  بها  فرعون مصر قبل  سقوط  نينوى  لكي  يقوم  بهجوم  معاكس ضدَّ  القوات  الكلدانية  والميدية المشتركة ،   ولكن الحليفين الكلدانِيينَ والميديينَ  لم يتركا  المُنهزمينَ الآشوريين  لكي يعملوا على استعادة مجدِ هِم الغابر ، فبعد ثلاثة أعوام من تدمير نينوى أي في عام 609 ق . م ،  توجَّهت قوّاتُهما نحو حرّان مَعقَل الآشوريين الأخير ، وضربت حصاراً كثيفاً حول المدينة  منعاً للهروب ثمَّ  توغَّلَت الى الداخل من كُلِّ الجِهات  ودَحرَت القوات المدافعة  ثمَّ  فتكت بالسكّان فتكاً ذريعاً  بحيث إن الذين  سقطوا بأيدي الميدييين لم يلقوا شفقةً واُبيدوا عن بكرة أبيهم ، أما الذين وقعوا بأيدي الكلدان  فقد سَلِمَ منهم عددٌ ضئيل  حيث رَفِقَ بهم الكلدان وعَدِلوا عن القضاء عليهم بالكامل اسوةً بما فعل الميديون ، ايماناً منهم برابطة الدم التي  تربطُهُم بهم ، مًتذَكِّرينَ  أن دماء  آلاف الأسرى الكلدان  الذين  هُجِّروا قسراً الى البلاد  الآشورية  خلال  عهود  ملوك آشور الطُغاة   تجري في عُروقِهم ، وهو  ما يجعلُهم  أشقِّاء  لهم ، فاحتضنوهم ورحَّبوا بهم بمجتمعهم ، فاندمجوا بالمجتمع الكلداني كشعبٍ واحدٍ بدون تمييز يحملون جميعاً  اسماً واحداً هو الاسم الكلداني ، واعتبروا اندماجَهم عودةً طبيعية  الى جذورهم البابلية الكلدانية ، وتَجَرُّداً سهلاً من التسمية الآشورية  التي كانت مفروضةً عليهم قسراً .


إذا كانت مُجريات التاريخ  تؤَكَّد اندثار الآشوريين  منذ عام 609 ق . م  وزوال اسمهم  من ذاكرة التارخ ،  كيف ظهر فجأةً  بعد مرور خمسةٍ وعشرين قرناً ؟ فهل يبقى هنالك شك بأن وراء ظهوره كانت تكمن رغبات وأهداف لجهةٍ  قوية النفوذ  هي المملكة الانكليزية ، أرادت  عن طريقه  جعلَ جزءٍ عزيز من شعبنا  الكلداني  القاطنِ في منطقة  آثور ( هيكاري ) كبش فداءٍ  لتحقيق  مصالحها الاستعمارية  ؟ حيث  كانت الدول الاستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا والمانيا ) في الأعوام الأخيرة  من القرن التاسع عشر ، قد اشتَدَّ التنافس  بينها  للاستحواذ  على أكبر  منطقة  من المناطق الخاضعة لنفوذ الدولة العثمانية ،  ولتحقيق أهدافها باشرت كُلٌّ من جانبها التَدَخُّل في شؤون السلطنة العثمانية التي كان التخلخُل قد دَبَّ  في أوصالها ، فعمدت الى ايقاد  نار الفِتَن  وايقاظ  النعرات القومية والطائفية والدينية  بين الشعوب الرازحة  تحت سُلطة  هذه الدولة  العَتِية ، وقد فعلت  فعلها وظهر الشَكُّ  وانعدام الثقة بين  بعضها  البعض ، ولا سيما  بعد  وصول الارساليات التبشيرية الاوروبية  التي لعبت  دوراً  سلبياً  في إعداد  مناخ  مُساعدٍ  لتبني النَزعات  القومية والدينية ، وكانت ( إرسالية الكنيسة الأنكليكانية / كنيسة أساقفة كانتربري الانكليزية ) الأشد  تخريباً  بين هذه الارساليات ، حيث  يقول بهذا  الصدد أحمد سوسة  في  كتابه <  مفصل العرب واليهود في التاريخ ص. 596 - 597 >  ( قَدِمَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيرية انكليزية  محاولةً تحويل هذه الجماعة  مِن  مذهبِهم  النسطوري الى  مذهبِها  البروتستانتي ، غير أنها  لم تنجح ، ولكنها  أفلحت في  إقناعهم  بأن ( النسطورية  -  النساطرة )  ليستا  لائقتين بهم ، وعليهم  استبدالهما  بلفظتي ( آثور - آثوريين ) لكي ترفعا من شأنهم في الأوساط العالمية ،  ويُمكن اعتبارهم آنذاك  أحفاد الآشوريين القدماء ،  ويُضيف سوسة  ، لم يَذَّخِر المُبَشِّر الانكليزي وليم ويكرام وسعاً في لُعبة الدعاية الواسعة لنشر هذا الاسم ( آثوريين ) ليُعَرِّف العالَم بالمأساة التي طالت مَن دعاهم بأحفاد  شلمَنَصَّر ، بينما لم يكن هؤلاء النساطرة  يعرفون هذا الاسم إلاّ بعد قدوم هؤلاء المبشرين .


وفي كتابه <  الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987 ) يقول  مؤلفُه النسطوري كوركيس بنيامين بيث أشيثا ، الذي عاش هذه المأساة  فيكون  بذلك كشاهدٍ  من أهلها ، ويكون قولُه  بُرهاناً دامغاً  ودليلاً ساطعاً ( إن كُلَّ هؤلاء الكُتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم < الآثوريين > الذي نتداولُه نحن اليوم ، بل يقولون عنا أو يدعوننا  بالكلدان  ولو كنا نختلف بالمذهب ، وإن اسم ( الآثوريين ) إبتدأ بتداوله الانكليزُ منذ  نهاية القرن التاسع عشر ، عندما  وصل المبشرون الانكليز من انكلترة الى ديارنا سنة 1884 م .
                                                                                                                                                                                                                                                                 و لماذا انفرد  الانكليز وحدهم  بتسمية هذا  الجزء من  الشعب الكلداني النسطوري  بالآثوري ، بينما  تدعوهم  الشعوب الاخرى التي  تعرفهم ( النساطرة المسيحيين )  حيث  يقول  المؤرخ C.G. Edmonds إن المسيحيين النساطرة في منطقة هيكاري ، يُعرَفون في انكلترة باسم ( الآثوريين ) ،  ويقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني ( إن الانكليز هم فقط  الذين كانوا يُطلقون على النساطرة لفظة ( الآثوريين ) بينما كان الجميع يدعونهم ( تيارية )  ويُضيفُ  ،  وليس لهؤلاء النساطرة أية علاقةٍ عِرقية  بآشوريي  نينوى وإنما هم  نساطرة مسيحيون ،  تَعَرّضت  كنائسُهم للتدمير  من قبل تيمورلنك ، فتبدَّدَ شملُهم واحتضنتهم المنطقة الجبلية الواقعة  في شرق تركيا ، وعند قيام الروس باحتلال ولاية وان الأرمنية في تركيا سنة 1915، أغروا هؤلاء  النساطرة  بالتمَرُّد على الأتراك ، ودفعوا بهم للثورة ضدَّهم مُغدقين عليهم السلاح ، بيدَ أن فشلَ  الروس  وانسحابَهم ، أتاح للحكومة التركية  فرصةً  للفتك بهم  وتكبيدهم آلاف القتلى، فلجأ الناجون منهم الى المناطق الشمالية من ايران .  وبعد انتهاء دور الروس كما يقول توفيق السويدي في مذكراته ،  تَلقَّفت انكلترة هؤلاء النساطرة  وأرسلت بعثةً عسكرية الى اورمية  تدعوهم للثأر من الأتراك ، وتَمَّ الاتفاق  بين الانكليز والنساطرة ، وعلى اثر ذلك  قامت انكلترة بشحن كميات كبيرة من الأسلحة الى هؤلاء المُغرَّر بهم في تموز سنة 1918 م ، وقبل أن تصل شحنة الأسلحة ، قام الأتراك بشن هجوم على  اورمية ، أدَّى الى قتل عدد كبير من هؤلاء النساطرة ، فبادر الانكليز الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقوبة في العراق وقُدِّرَ عددُهم بنحو خمسين ألف نسمة بضمنهم خمسة عشر الف أرمني و عشرة آلاف من نسطوريي ايران الذين عادوا بعد انتهاء الحرب الى ايران ، ولكن تركيا لم تقبل بعودة نساطرتها ووصفتهم بالخونة ، فاضطر الانكليز لمُساعدتهم على العيش في العراق .
                                                                                                                                                                                                                                                                         وجاءَ في كتاب < النساطرة ومُجاوروهم الإسلام / جون جوزيف / طبعة1961 م >  ( إن الارسالية التبشيرية الانكليزية التي استفردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر ، لُقِّبَت ببعثة رئيس أساقفة كانتِربري الى المسيحيين النساطرة وهي أول مَن أطلق عليهم تسمية ( آثوريين ) .


جاءَ في كتاب < خُلاصة تاريخ الكُرد وكُردستان >  للباحث  أمين زكي بك ( إن الآثوريين هم أحفاد  كلدانيي  بلاد ما بين النهرين ، الذين هَجَروا  بلادهم الأصلية بسبب اضطهاد الغزاة والفاتحين ، ولجأوا الى جبال منطقة هيكاري منذ عهدٍ قديم جداً ) .  أما المؤرخ أحمد سوسة فيقول ( إن الانكليز هم الذين ابتدعوا  قضية العلاقة بين مَن  أطلقو عليهم الآثوريين وبين الآشوريين ) .

والرأيُ الذي يُعَدُّ  الأكثر صواباً أنهم سُلالة الكلدان الأسرى والمُهَجَّرين قسراً من  جنوب بلاد وادي الرافدين الى أقاصي الاقليم الآشوري الشمالي  خلال الفترات الواقعة  بين مُستهَل الجيل التاسع ومُنتهي الجيل السابع قبل الميلاد ، استجابوا لنداء مُبَشِّري المسيحية وتقبَّلوها بيُسر وسهولة  لأن اللغة التي كان المبشرون يتحدثون بها كانت  نفس لغتهم التي يتداولون بها  هم أنفسهم ،  ومِمّا يؤَيِّد هذا الرأي الأدِلة التالية :

1 - من المعلوم تاريخياً ، أن الملوك الآشوريين ولا سيما المُنتمين الى السُلالة السركونية كانوا قد أمروا بتشييد مُعسكرات للأسرى والمُهَجَّرين الكلدان في الشمال القصِّي  من اقليم آشور وشماليه الشرقي والغربي بالإضافة الى بلاد الشام ولبنان ، لأن عددهم كان يزداد بعد كُلِّ حملة عسكرية تُشَن في عهد كُلِّ ملك آشوري على بلاد الكلدان ،  ويقول امؤرخ حبيب حنونا :  وبعد سقوط  الدولة الآشورية  بأيدي البابليين الكلدان  غَدا الاقليم الآشوري ساحة مفتوحة لتوَغُّل ابناء الكلدان وشغل مناطقه التي خَلت من سُكّانها المُبادين ، وتَحَرَّرَ الأسرى والمُرَحَّلون الكلدان ، فقاموا بتحويل مُعسكراتهم التي كانت تُدعى بيت السبايا ( بيث شيبا )  الى مُجَمعات ووحدات سكنية .

2 -  اعتزازهُم بالتسمية الكلدانية التي كانوا يحملونها جيلاً بعد جيل رغم انفصالهم عن غالبية إخوانهم أبناء كنيسة المشرق في منتصف الجيل السادس عشر ،  حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، حيث غَزَتهم في عُقر دارهم بمنطقة هيكاري بعثةُ كنيسة كانتِربَري الأنكليكانية الانكليزية عميلة مُخابرات مملكة انكلترة السيِّئة الصيت ، وحَرَّضتهم على نبذِها واستبدالها  بتسمية اخرى هي ( الآثورية ) ، فخدعتهم كعادتِها في خَدع مُعظم شعوب المعمورة ، مُغريةً إياهم بوعودٍ كاذبة  قد أشرنا إليها في مَتن هذا المقال ، وبذلك تَمَكَّنت من استغلالهم وتسخيرهم لخدمة مُخططاتهم  وتحقيق أهدافهم الاستعمارية .

3 - تَعَلُّقُهم بممارسة بعض تقاليد كلدانية قديمة ،  كان الكلدان قبل تَنَصُّرهم يعتمدونها ، وكمثال على ذلك  تلقيبهم لرئيس القبيلة أو العشيرة  بلقب ( الملك ) ولا يزال هذا التقليد متداولاً لديهم ، وهذا لم يكن معروفاً لدى الآشوريين القدماء  بدليل عدم الإشارة إليه من قبل أي مصدر تاريخي .  كما أنهم وبتأكيد  أبيهم الروحي  وليم ويكرام  يُدمجون بعض مُعتقدات دينية بابلية بطقوسهم المسيحية .

كلمة أخيرة أود توجيهَها الى  بعض أبناء الكلدان المُغَرَّر بهم  من قبل أحفاد كلدان منطة آثور دُعاة الآشورية  الاسطورة المُصطنعة ،  فانحرفوا عن المسار الصحيح لامتهم الكلدانية ، أن يعودوا الى رشدِهم ، ويعدلوا عن سلوك النفق المُظلم الذي حشرهم فيه  المُتنكِّرون لأصولهم الكلدانية  فهو نفق بغير نهاية خالي من النور ،  وطوبى للذي يعمل للخروج منه ، ليسير في الدرب النيِّر ، ويتعامل مع الحياة حُرّاً غيرَ مُسيَّر  ومُخلصاً غيرَ عميل .


الشماس كوركيس مردو
في 27 / 5 / 2006