المحرر موضوع: الرشوة .. نـــــار في الهـــشيم  (زيارة 821 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Ameal Habash

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 140
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الرشوة .. نـــــار في الهـــشيم

أميل حبش
الرشوة اخطر الأمراض التي تهدد تقدم ورقي المجتمعات وهي السرطان الذي يغزو الجسم البشري وينتشر فيه باعثا سمومه في أرجاء خلاياه كافة ويكون التشخيص المبكر فرصة للنجاة والخلاص منه أو على الأقل الحد منه وإيقاف تقدمه ومن ثم استئصاله والقضاء عليه .
يقصد بالرشوة أي عمل يقوم به شخص ما بعرض المال على شخص آخر من اجل خدمة أو إقناعه بفعل شئ ما لفائدة الأول بعيدا عن سياقات العمل الطبيعية المعهودة . إن الرشوة ظاهرة قديمة حديثة مقرونة  بالطبيعة البشرية وبالتالي لا يخلو منها أي مجتمع مهما بلغ من مراحل النمو والتطور،لكن من المؤكد أنها تكون متفشية بشكل اقل في المجتمعات المتقدمة سياسيا وإداريا واجتماعيا واقتصاديا وعلى العكس من هذا تراها متفشية بشكل كبير في المجتمعات الأخرى .
إن أهم أسباب تفشي الرشوة في مجتمع ما تكمن في انعدام المساءلة و المحاسبة وغياب القانون أو ضعفه أمام أناس يكونون فوقه ولا يستطيع أن يطالهم إضافة إلى فقدان الشفافية في الأداء العام وضعف الرقابة في الأجهزة الإدارية وهشاشة الهيكل الإداري كاختيار الشخص غير المناسب للمواقع القيادية الخاصة مما يدفعه إلى استغلال المنصب والانتفاع منه قبل قدوم الشخص المناسب ، وربما تكون الحالة الاقتصادية أيضا من العوامل المساعدة في الانجراف وغالبا ما يكون الشخص مدفوعا ومستعدا لتقبل الرشوة في حالة ضعف القدرة الشرائية لديه بسبب محدودية الراتب .
كما إن الإعلام المُغيب والضعيف له دور أساسي في زيادة هذه الظاهرة من خلال عدم تشخيصها وفضحها أمام الرأي العام .هذه الأسباب جنبا إلى جنب مع ضعف الوعي العام وانعدام أو انحسار الواعز الديني والأخلاقي  وبالتالي تدني درجة الرقي للمجتمع هي ما تدفع الموظف في دوائر الكهرباء على سبيل المثال إلى عدم تصليح أي عطب دون اخذ الإكرامية الإلزامية (الرشوة) من الدور والمحال المتضررة ونفس الشئ ذاته يقال على عمال الماء والمجاري ، أما عمال الاتصالات والبدالات فالحال أسوأ بكثير فالهاتف الأرضي يعمل حالما يدفع المعلوم وتطول فترة صلاحيته للعمل كلما كانت قيمة الرشوة مرتفعة . والطالب لا يستوعب الدرس في المدرسة في حين يفهم الدرس جيدا بعد أن يعطيه مدرس المادة دروسا خصوصية مقابل مبالغ عالية . أما أرقام الفردي والزوجي وحزام الأمان فلقد أصبحت من الوسائل المستخدمة من قبل بعض رجال المرور لابتزاز السائق وضمان عدم تسجيل مخالفة . كما لا يستطيع الشخص في اغلب الأحيان أن يحصل على وظيفة دون أن يدفع الرشوة أو أن تكون له صلة قرابة أو واسطة ومحسوبية مع المتنفذين . لقد زادت الرشوة لدينا لتصل إلى مبالغ تحتوي على أكثر من خمسة أرقام ولربما إلى ستة أرقام تدفع من قبل مقاولين ومجهزين لضمان الحصول على المناقصات والصفقات وكَثرت الهدايا بمناسبة أو بدون مناسبة وزادت لتصل في بعض الأحيان إلى فيلا أو عمارة في دولة مجاورة أو فتح حسابات مصرفية في أوربا بالدولار واليورو . لقد تغيرت وجوه كثيرة بعد تسلمها للمناصب المهمة امتلأت واحمرت وكانت صفراء ذابلة حتى الأمس القريب وتنامى ذاك الهيكل الهزيل ليصبح كتلة هائلة من اللحم وتغيرت البيوت والمنازل من شقق ومنازل مؤجرة إلى فلل وقصور كبيرة دبل فاليوم من مرمر وحجر وتبدلت السيارات وتنوعت البدلات وكثرت الموبايلات وزادت الأرصدة وارتفعت إلى أرقام خيالية لأناس كانت جيوبهم خاوية اتخمت بالأحمر والأخضر بفعل الرشوة .
ليس من السهل وضع حلول لحالات الرشوة المتفشية في أي مجتمع لأنه يجب الوصول قبلا إلى أصل المشكلة والمسببات الرئيسية لها ووضع المعالجة المناسبة لها دون الخوض في حلول وقتية واسعافية لا تدوم سوى أوقات محدودة تكون المشكلة فيها قائمة كبقاء النار في الهشيم . لذا يجب دراسة الموضوع ووضع جهاز رقابي متعلم ومنتقى بعناية في المؤسسة يكون ارتباطه الإداري بهيئة قضائية مستقلة محمية بقوانين تساهم وتفعل استقلاليتها القضائية عن الدولة لضمان عدم ارتفاع أي صوت على صوت القانون كل ذلك يتم بفضل قانون يحترمه الجميع إضافة إلى ضرورة إصدار قوانين رادعة ضد المرتشين كالفصل والحبس . وهنا يجب أن لا نغفل عن مدى تأثير وقوة دور الإعلام وحرية الصحافة في محاربة هذه الظاهرة وكشف مواقع الرشوة و الفساد وفضحها والترويج لمعاقبة المرتشين وفصلهم وتوجيه المجتمع دينيا وأخلاقيا وبالتالي الارتقاء بالرأي العام .
أن حملة وطنية واسعة لمكافحة الرشوة في وزارات الدولة العراقية ،مسألة في غاية الأهمية لتقليم أظافر المرتشين ووضع حد لهذه الآفة نهائيا ليتسنى لنا بناء العراق الجديد بسواعد وعقول أبناءه النزهاء.