المحرر موضوع: صراع الحضارات - بقلم سلوان ساكو  (زيارة 822 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هي نظرية أخذت  شهرتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وبروز الولايات المتحدة الاميركية كقوة عظمة أولى ووحيدة في العالم .
نشر صموئيل هانتغتون مقالته (( صدام الحضارات )) في مجلة شؤون خارجية الامريكية في عددها المؤرخ بصيف 1993 وهي مجلة معروفة بقربها من مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة الامريكية . والبرفسور هانتنغتون أمريكي من اصل يهودي وهو متخصص في الإدارة العامة ومدير لمعهد جون أو لين للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفرد الشهيرة. وقد كرس حياته المهنية لموضوع الاستراتيجية العسكرية ، بحثاً وتدريساً ،واهتم بصورة مباشرة بالدراسة المقارنة في مجال السياسة الأمريكية وسياسات دول العالم الثالث . وقد أسندت إليه ما بين عامي 1977و1978 مسؤولية قسم التحليل والاستشراف بمجلس الأمن القومي الأمريكي
ويقول الدكتور محمد عابد الجابري
يحاول هانتغتون البرهنة على دعواه السابقة ، أعني ادعاءه بأن الصراع في المستقبل سيكون عبارة عن (( صدام الحضارات )) فيقول : (خلال الحرب الباردة كان العالم ينقسم إلى أول وثاني وثالث ، وهذه الحدود لم تعد ذات دلالة .ولعل من الأفضل الآن تصنيف الدول،ليس من خلال شروط أمظمتها السياسية والاقتصادية أو شروط تطورها ألاقتصادي،بل من خلال شروط ثقافتها وحضارتها)) .
السؤال الذي يفرض نفسه ، بادئ ذي بدء هو :ما الذي يجعل اليوم تصنيف الدول حسب (شروط ثقافتها وحضارتها ) أفضل من أي تصنيف آخر؟ فإذا كان العالم بالأمس يصنف إلى أول وثان وثالث ،وكان الثاني (الكتلة الشيوعية ) قد انحل وتفكك . فإن العالم الأول الغرب والعالم الثالث (البلدان التي كانت مستعمرة) باقيان . ذلك لأن سقوط الكتلة الشيوعية ( العالم الثاني ) لم يكن له أي تأثير على الثقافات والحضارات إلا في بلدان تلك الكتلة نفسها التي كان النظام الشيوعي قد حرم القوميات  فيها من التبلور ككيانات سياسة مستقلة .
ولكن ، ماذا يعني هانتغتون ب(( الحضارة )) في عبارته صدام الحضارات ؟ يلعب صاحب المقالة على الغموض الذي يكتنف مصطلحي (( ثقافة )) و((حضارة )) في اللغات الأوربية كما في الاصطلاح السياسي  الأنتروبولوجي المعاصر ، وهكذا فعن سؤال ماذا نعني عندما نتحدث عن الحضارة ؟ يجيب قائلاً : ((الحضارة هوية ثقافية )) . هذا تعريف يمكن ان يقبل إذا عرفنا أولاً معنى  : (( هوية ثقافية ))  وبالتحديد معنى  ((الثقافة )) في هذه العبارة . هل الثقافة هي شؤون الفكر وحدها أم تشمل الجوانب ألأخرى  التي لها علاقة بالعمران والاجتماع والاقتصاد ... الخ .وهنا يتناقض هانتنغتون تناقضاً  صارخاً : فهو من جهة يقول : (( إن ثقافة قرية في جنوب إيطاليا قد تكون مختلفة عن ثقافة قرية في شمالها )) ، مما يفهم منه أن مغهوم الثقافة عنده ينصرف إلى العادات والتقاليد والفكر والسلوك والاقتصاد ... الخ . ومن جهة أخرى يؤكد أن (( الحضارة هي أعلى تجمع ثقافي )) وأنة محدداتها هي (( اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسات )) ، ولذلك فهي تمثل حسب عبارته ((أوسع مستويات الهوية )) كالحضارة الأوربية  والحضارة العربية والصينية . وهكذا نجد أنفسنا أمام تعريفين للحضارة ، تعريف يجعل منها (( هوية ثقافية ))وتعريف يجعل منها (( أوسع مستويات الهوية )) ولكن دون تحديد المستويات الأخرى التي لا تدخل ضمن (( الهوية الثقافية )) .
 يتضح الهدف من هذا الخلط في الأوراق ، على مستوى التعريف ، عندما ننتقل إلى العبارة التالية يخرج بها  ك (( نتيجة )) من التعريف السابق : فهو اي ( هانتنغتون ) إذ يميز بين الثقافة على مستوى القرية ، والثقافة على مستوى القطر والدولة ، كإيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية التي (( تشترك في ملامح حضارية تجعلها متميزة )) عن الأقطار والدول غير ألأوربية ، يضيف قائلاً : (( إلاأن العرب والصينين والغربيين ليسوا جزءاً من أي كيان حضاري أوسع بل هم يمثلون أوسع مستوى من مستويات الهوية الثقافية التي يمتلكها الكائن  البشري وتميزه عن الكائنات ألأخرى )) .
هنا إذن بيت القصيد . فالهدف من التمييز بين الثقافة والحضارة على أساس أن هذه الأخيرة هي أوسع مستوى من مستويات تلك هو الوصول إلى تصنيف البشرية إلى ثلاث مجموعات  تمثل أوسع المجموعات الحضارية بحيث لا يمكن جمعها في أي كيان حضاري أعلى . وبالسهولة نفسها يمكن أن نقفز إلى النتيجة التالية ،وهي أنه بما أن (( التاريخ العسكري )) ، تاريخ الحروب ، قدمر بمراحل متدرجة في اتساع دائرة المتحاربين ، من مستوى الأمراء الى مستوى الملكيات ، إلى مستوى الدول القومية ثم الى مستوى المعسكرات  الإيديولوجية ، فإن منطق هذا التدرج في الاتساع يقتضي عندما ننقله من دائرة الثقافة على مستوى القرية إلى مستوى الدولة ثم إلى دائرة (( الحضارة )) على مستوى مجموعة من الدول ، يقتضي أن تكون الحروب المقبلة على هذا المستوى ألأخير ، مستوى الحضارة ، الشيء الذي ينتج عنه ( حتماً ) أن الصدام المقبل سيكون بين المجموعات التي تصنف على هذا المستوى الأخير ، أي بين الحضارة الغربية والحضارتين الإسلامية والصينية . ولما كان الغرب متقدماً ومسيطراً وكان كل العرب والصينيين يطمحون إلى التقدم والرقي ، فإن الصراع سيكون ثنائي الأطراف : الحضارة الغربية من جهة والحضارتان السلاميةوالكونفوشية(الصينية )من جهة أخرى .

 المراجع
الجابري ، محمد عابد ((قضايا في الفكر المعاصر ))