المحرر موضوع: صورعراقية معبرة تحاكي الواقع السياسي..!  (زيارة 1072 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
صورعراقية معبرة تحاكي الواقع السياسي..!

باقر الفضلي

يمر الواقع السياسي لعراق اليوم، بحالة أقل ما يمكن به وصفها، بأنها حالة تراجيدية سيريالية كوميدية، يصعب معها إيجاد تعبير مناسب وصادق، يمكنه أن يعكس حقيقة ما يدور في ظل هذا الواقع، وكيف تدار فيه الأمور على أعلى المستويات، وبأي شكل ووسيلة يجري الإلتزام بأحكام الدستور والتمسك بنصوص القوانين..!


لوحة المشهد السياسي العراقي الراهن، ضبابية قاتمة..؛ لا بشائر توحي بإنفراج قريب، ولا دلائل تسعف بإستقراء أمل عصيب..، ولكنه وحده المبدع العراقي الشهير المنلوجست الرائع الراحل (عزيز علي) من صَوَّر شبيه هذه الحالة، وهذا المأزق الذي أخذ بخناق الجميع، فأجاد في تصوير اللوحة السياسية العراقية يومذاك، وبأجمل صور صادقة من خلال، الشعر والموسيقى والغناء؛ مجتمعة في هارموني رائع بسيط ومعبر، قلما تتمكن أي مقالة مهما بلغت في بلاغتها وفصاحتها، من الوصول الى أعمق أعماق النفس البشرية في معاناتها الوجدانية، بهذا الشكل الرمزي المؤثر، مثل تلك الصور الرائعة، التي جسدها ذلك المنلوجست العراقي الشهير المبدع الراحل (عزيز علي) ومنها المنلوج الذائع الصيت(( أنعل ابو الفن))..!


مهما إختلفت صورة المشهد السياسي الحالي عن واقع حال المشهد السياسي الذي عاصره الراحل المبدع (عزيز علي) وعاش في كنفه، وتفاعل معه بكل أحاسيسه ووجدناه، وصوره في لوحات فنية غنائية رائعة ونادرة، ذاع صيتها وعم صداها كل أرجاء البلاد العربية، فكان لها من عمق التأثير، ما ألهب نفوس العراقيين وأثار مشاعرهم، وبث فيهم روح الحماس والتحدي، لما كان في مقاطع وكلمات تلك المنلوجات من معان طاغية في صدقها، وفي عكسها لحقيقة الواقع السياسي والإجتماعي العراقي، ولما فيها من شجاعة متميزة في التعبير عن ذلك الواقع وتحد قل مثيله، حتى بات معه (عزيز علي) المنلوجست الأول للشعب، وجميع من عاصره حينذاك من النساء والرجال، أصبح يردد أغانيه الجميلة والشعبية؛ البسيطة في لغتها ومفرداتها عن ظهر قلب، حداً دفع حتى برجال الدولة العراقية يومها، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري السعيد، أن يصبح من المعجبين به، مع علمه بعمق النقد وحدته القاسية للحكومة، لدرجة أنه إستدعاه يوماً الى مكتبه الرسمي، وجرى بينهما حوار له قصة مشهورة، بعد سماعه من دار الإذاعة العراقية لأحد تلك المنلوجات ((حبسونه))، حين كان عزيز علي، يردده بصوته الرخيم الشجي ضمن أحد برامج الإذاعة العراقية التي كان يقدمه بنفسه كل يوم أربعاء..!


أقول مهما إختلفت صورة المشهدين السياسيين الحالي والماضي، من جميع نواحيهما السياسية والإقتصادية، وطبيعة وشكل وتركيبة نظم الحكم، فإنه من السهولة بمكان، أن تجد الأجيال الحالية من المواطنيين العراقيين، في أغاني المنلوجست العراقي الراحل (عزيز علي)، الكثير والكثير من المشتركات، ما يعكس المعاناة اليومية التي يقاسيها المواطن العراقي اليوم؛ من فقدان الأمن ونقص الخدمات وتفاقم البطالة، في ظل فراغ سياسي وأمني، مما يدفعه أن يجد في الإستماع الى أغاني (عزيز علي)، متنفساً له عن همومه ومعاناته اليومية، وعن خيبة الأمل التي لازمته منذ أكثر من سبع سنوات عجاف، وهو أبعد من أن يجد بصيص ضوءٍ في نهاية النفق المظلم، ليركن الى ما ينسيه من تبعات تلك الهموم والمعاناة بهذا الإستماع، في نفس الوقت الذي يوقظ عنده أحاسيس من الشعور بالمسؤولية، وتحفيز إرادة التغيير، والبحث عن الحقيقة..!       


لقد كانت الصور الغنائية الكاريكاتيرية، التي كان يرسمها المبدع الراحل عزيز علي، وحدها بمثابة بيانات سياسية مؤثرة وفاعلة بالنسبة للمواطن العراقي وعلى إختلاف مستويات الوعي، لأنها كانت تحاكي معاناة المواطن العراقي بشكل مباشر، وتبث شكواه بنقد لاذع وبنغم موسيقي تطرب له النفوس، لما يختزنه من شجن مرير يضرب في أعماق الألم  والحزن..!       


ليس المبتغى هنا، الحديث عن هذا الفنان الشعبي الفذ، الذي يعتبر حلقة متميزة في تأريخ العراق القريب، السياسي منه والفني، فهذا أمر يحتاج الى الكثير من البحث والتدقيق، لإيفاء هذا الفنان القدير، الذي لم يوف حقه حتى اليوم، ما يستحقه من التقييم الحقيقي والمنصف، وما كان له من دور مؤثر على نفسية الشعب العراقي، ما حدى بنظام الحكم يومذاك أن يحسب له الف حساب..!


المبتغى الحقيقي هو الإستذكار والتذكير وحسب، بما يقاسيه المواطن العراقي اليوم وفي ظل "العهد الجديد"، من معاناة تجاوزت في حدودها، ما كانت عليه حتى في ظل تلك العهود والأيام التي دفعت بهذا الفنان الكبير أن يصوغها في لوحات غنائية، فريدة في معانيها صادقة في صورها، التي من شدة نقدها اللاذع للحكومة، أقضت مضاجع النظام الملكي، وهزت أقوى رئيس حكومة مثل "الباشا" (نوري السعيد)، من على كرسيه الحكومي،  ليذهب بنفسه الى دار الإذاعة للتعرف على منشدها بنفسه، رغم ذلك لم تجرؤ الحكومة يومها على كتم ذلك الصوت الشجاع، بل على العكس، فقد وُجهت أصابع النقد الشديد الى تصرف رئيس الحكومة (نوري السعيد)، من قبل الصحافة العراقية (صحيفة الأهالي)، متهمة أياه بمحاولة إسكات صوت الحق..!!


فما عساه أن يقول، الفنان الراحل المبدع (عزيز علي)، لو كتبت له الحياة اليوم، وما عساه أن ينشد وينسج من لوحات غنائية، بإمكانها أن تعكس حقيقة المعاناة التي يكابدها كل لحظة، ملايين المواطنين العراقيين، وماذا سيرسم في مخيلته من ردود إفعال المسؤولين من رجال الحكومة، إذا ما أنشد عشر ما أنشده من دار الإذاعة العراقية الرسمية قبل ما يزيد على أكثر من نصف قرن من الزمان..!!؟

 
إنها مجرد صور معبرة، تحاكي برمزيتها، ما عليه الواقع السياسي الحالي، مع ما يكتنفها من شجن الحزن والتشاؤم، على حد ما كان يردده نوري السعيد في حواره مع الشاعر وقتذاك، إذ يشاركه الرؤى نفسها غير قليل من سياسيي اليوم؛ إلا أن ما فيها من العبر والدروس، ما يغني كل من يريد حقاً التبصر في مآل مستقبل الأوضاع الحالية، وما يمكن أن تجره تداعياتها على مستقبل الأجيال، ومع ذلك فليس بوسع منلوجات وأناشيد وحدها، أن ترفع عن كاهل العراق، ثقل المحنة التي تجثم فوق صدور العراقيين، ولكنها في خضم المحنة تبقى ذاكرة تستحق التدوين ..!!     
31/7/2010