الأب الفاضل بشار متي وردة ..
عودتنا ومنذ فترة ليست بالقصيرة , للعمل من اجل تداوي جروح أبناء شعبنا المسيحي في العراق من خلال كتاباتك الواقعية والوجدانية التي فيها تشخص ماسي وآلام هذا الشعب المغلوب على أمره , وهي آلام توازي آلام سيدنا يسوع المسيح - إن جاز التعبير- عندما كان في طريقه إلى الجلجلة من اجل الخلاص البشري , وانك بهذا قد وضعت يدك على مكان الألم مشخصا إياه خير تشخيص وطالبا من الآخرين أن يهرعوا بالدواء لمعالجة مكان الألم , ولكن مع الأسف فان هؤلاء الآخرين تراهم ينشدون في واد آخر متجاهلين نداءاتك المتكررة , في وقت كنت تتمنى أن يسمعك الآخرون ويهرعوا لنجدة إخوتهم في الدم والدين , ولكن لا بأس يا ابتي فان دعواتك للعالم المتحضر لإنقاذ مسيحي العراق واستمرارك في الكتابة من اجلهم لا يقل أهمية عن عملية الإنقاذ نفسها وان هذا يدخل في باب الغيرة القومية والشجاعة في وقت هنالك الآلاف المؤلفة من التي يهمها الأمر ولا تحرك ساكنا , علما بان ذلك يدخل ضمن واجبها الأخلاقي والأنساني لتتحرك لإنقاذ أبناء الأمة من الهلاك والتصفية المقصودة والتهجير القسري و و و , وأستطيع القول انك الإنسان الوحيد من داخل مؤسستنا الكنسية الذي دق ناقوس الخطر ودعا الآخرين إلى تحمل واجباتهم لإنقاذ المسيحيين والمسيحية في العراق , حيث سبق وان كتبت عن شعب يموت وأعراض تنتهك وثم كتبت عن ضرورة إيجاد منطقة آمنة في سهل نينوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , وبعد أن صم الجميع من مسئولين رسميين ومنظمات وحكومات وكنيسة وأحزاب آذانهم وبعد أن حلت الكارثة على شعبنا المسيحي في العراق من قتل وانتهاك للكرامة البشرية , حيث قتل من قتل ولازال المسلسل مستمر وخطف من خطف – والحبل على الجرار – وهاجر من هاجر ولازالت الموجات في تدفق وهجر من هجر قسرا نحو الشمال ولازالت الأعداد في تزايد ,, فبعد كل هذا أطلقت نداؤك الأخير طالبا من أبناء شعبنا من المتمكنين في المهجر للعودة والاستثمار في شمال العراق من اجل نجدة ومساعدة الذين هربوا إلى الشمال من خلال توفير فرص العمل لهم ولعوائلهم , لأن شمال العراق – أرض آبائنا وأجدادنا التي سلبت بالأمس منهم ويريدون اليوم إعطائها كمنة لهم – ليست بالجنة الموعودة كما قال احد الإخوة المتحاورين هنا والاستثمار فيها ليس بالأمر السهل في ظل وجود الغول الكردي الذي لا يريد أن ينافسه احد على أرضه المزعومة ما لم تكن فائدته أكثر من فائدة المستثمر نفسه , كما إن دعوة الأكراد لمسيحيي بغداد والموصل والبصرة للمجيء والسكن في الشمال ليس من اجل سواد عيونهم وإنما هو مشروع له غايات عديدة منها إظهار الأكراد بمظهر المدافع عن المسيحيين وكذلك لاستخدامهم كورقة سياسية وانتخابية والحصول على إيرادات مالية من وراءهم بحجة بناء مجمعات سكنية لهم والتي هي في حقيقة الأمر شبه مجمعات تنقصها الكثير من الخدمات الأساسية وبعيدة عن مراكز المدن وكأنها مجمعات للعقوبات الجماعية أو معسكرات لللاجئين , والأمر الاخر هو للاستفادة من خبراتهم المتعددة وهم ناس منتجين ومسالمين في نفس الوقت ويمكن إرضائهم بأبسط النسب وان لم يرضوا فليست تلك بمشكلة كما حدث عندما طالب احد أحزابنا بحقوقه النضالية في البرلمان وحكومة الاقليم الجديدة , لكن الأكراد أداروا ظهرهم لهذه المطالب لانتفاء الحاجة لهذا الحزب الذي كان قد عاصرهم في النضال لعقدين من الزمن ..
إن الحل الوحيد لمعضلتنا تكمن في إيجاد إقليم إداري خاص بنا نقيمه على ارض الآباء والأجداد في سهل نينوى معقل إمبراطورياتنا التي علمت البشرية مستلزمات الحضارة الأولى من كتابة ونظم سياسية وقوانين , وعلى أرض هذا الإقليم يعيش أبناء امتنا معززين مكرمين ومن ثم ليأتي الآخرون ليستثمروا ويساهموا في أعادة بناء جسد الأمة المنهك وليبنوا حضارة أجدادهم من جديد .. إن هذا ليس بحلم إن كانت هنالك إرادة للحياة وان كانت هنالك أحزاب قومية حقيقية تريد أن تخدم أبناء هذه الأمة , كما إن كنيستنا مطالبة اليوم أكثر من أي وقت آخر للدعوة والمطالبة بحقوقنا المشروعة هذه من خلال إيصال صوتنا إلى المحافل الدولية ودول التحالف الموجودة في العراق اليوم والتي بدأت بمساعدة الكثيرين مثل الأكراد والشيعة للحصول على ما يريدون , حيث إن الشيعة يعملون وبقوة لإقامة إقليم في الجنوب مثلهم في ذلك مثل الأكراد الذين أقاموا حكومة قوية في شمال العراق ولهم إطماع للسير نحو الوسط للسيطرة على كركوك وشمال نينوى وجزء من ديالى ويقال حتى منطقة بدرة وجصان في الكوت , وهي مساحة توازي اكثر من نصف العراق من ناحية التأثير الاقتصادي , وان كان للأكراد الحق في امتلاك كل هذا والذي ليس هو حقهم لا تاريخيا ولا جغرافيا , فاننا لنا الحق نحن أبناء العراق تاريخيا وحضاريا وارثا في إقامة منطقة إدارية خاصة في سهل نينوى التي نريدها والتي لا تبلغ اكثر من ثلاثة بالمائة من مساحة العراق .
أبتي الكريم من هذا المنطلق يجب أن نتحرك وأنت قد قلت هذا الكلام قبل اشهر ولكن بأسلوب آخر , وعلى هذه الأرض يجب أن يعيش أبناء شعبنا المسيحي بجميع مكوناتهم وتسمياتهم من كلدان وآشوريين وسريان وأرمن وصابئة مندائيين ويزيديين وعليها يجب أن تقوم حضارتهم الجديدة جنبا إلى جنب مع بقية اخوانهم من عرب وكرد وضمن عراق فيدرالي متعدد الثقافات ودولة مركزية وذات حدود إقليمية يحميها جيش واحد وتمثلها في المحافل الدولية حكومة مركزية مع صلاحيات متساوية للأقاليم سواء التي في الشمال أو في الجنوب أم التي هي في الوسط ويكون لها حكم ذاتي محدد مع التوزيع المناسب للثروات ولجميع أبناء الشعب العراقي وعلى أساس المواطنة التي كفلها الدستور للجميع ..شكرا لك أيها الأب الفاضل على حرصك الدائم وغيرتك المتقدة .
كوركيس أوراها منصور