المحرر موضوع: العراق: للباحثين عن حل في ضباب "التفضيل"..!!  (زيارة 959 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: للباحثين عن حل في ضباب "التفضيل"..!!

باقر الفضلي


غير قليل من الباحثين عن حل لأزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ومنهم بعض المهتمين من الكتاب، من يختزل أزمة الحكومة الحالية، الى مجرد أسماء محددة، رغم ما للأسماء في السياسة أحياناً من أهمية خاصة،  فتبدو صورة الأزمة السياسية العراقية،  وكأنها مجرد تنافس شخصي، أو وكأن الأمر عبارة عن مشهد في سوق للعرض، يبدو فيها الباحث أو الكاتب، وكأنه يروج لصاحبه على حساب الآخرين..!


ربما قد يتناسى البعض ممن يشغلهم الشأن السياسي؛ أن التركيز على الإطراء والمدح لأي من المتنافسين والتفضيل بينهم، لا تأتي دائماً في صالح أي من المقصودين،  بل قد تكون في نتائجها من عوامل إضعافهم،  فإن زاد الشيء عن حده إنقلب الى ضده، حتى لو حسنت النوايا؛  فرب من يسعى، "ولوجه الله"، الى مجرد كشف الحقيقة وتبصير الناس بمساربها وفقاً لما يدعيه، فتراه وهو يعلن بإستمرار؛  بعده عن أي مصلحة شخصية له في ذلك، بل إن دافعه، هو موقف الحياد والنزاهة والإخلاص لقضية الشعب والوطن، ولكن في واقع الأمر، قد تغيب عنه هذه الحقيقة، إن لم يك قاصداً العكس، فيذهب بعيداً في المدح والإطراء لهذا، والقدح والإزراء للآخر، معتقداً بأنه يحقق الغلبة لمن يريد، بهذه الطريقة التي يظهر ضعفها بادياً للعيان..!!؟؟
 

ليس الهدف هنا، بصدد البحث في أفضلية أي من المتنافسين، أوعن طبيعة الأسس التي يجري إعتمادها في عملية التفضيل، كما ولا بصدد الدخول في تفاصيل أسباب أي منهم، في التشبث بموقفه من أحقيته بتشكيل الحكومة، فليس ذلك هو بيت القصيد، ولكن هذا ما يحاول البعض جر جمهرة القراء وراءه وإشراكهم في لعبة "التفضيل" المقصودة، وإستغفالهم بطريقة ربما تكون ذكية أو عفوية، وصرف الأنظار عن جوهر الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء الأزمة السياسية الحالية في العراق؛ فالضحية هنا، هي المواطن العراقي، الذي  يعتقد البعض، أنه  بات سهلاً جره الى ساحات الصراع ومواقع "التفضيل" المستهجنة، التي أخذ البعض يتشاطر في الترويج  لصاحبه فيها على حساب الآخرين، خالقاً منه الأفضل والأحسن والأقدر، وكأن لسان حاله ينادي من بعيد : لا تفوتكم الفرصة...!!؟


إن وقت "المقارنة التفضيلية"، لهذه الجهة أو تلك، التي لجأ ويلجأ اليها البعض الآن،  قد جاء متأخراً، بعد أن وضعت الإنتخابات أوزارها، وتوضح الخيط الأبيض من الأسود، وبعد أن أُسدل الستارُ على نتائج الإنتخابات، بالمصادقة عليها من قبل المحكمة الإتحادية العليا، وبالتالي فإن ما يروج له البعض، من سيناريوهات "التفضيل" لأي من رؤساء القوائم الإنتخابية، إنما هو جهد في الوقت الضائع، إذ أن الأمر بقضه وقضيضه، قد خرج من نطاق العملية الإنتخابية، وإن صح إفتراض مثل هذا "التفضيل"، فإن وقت اللجوء اليه قد فات أوانه، وكان بإمكان من يمارسه الآن، اللجوء اليه قبل ذلك، حينما كانت الإنتخابات لما تبدأ بعد؛ أما اللجوء والترويج لذلك الآن، فالعملية لا تعدو عن كونها أقرب الى التضليل، منها الى كشف الحقيقة للشعب العراقي، فالشعب قد أدلى بصوته في السابع من آذار/2003 وليس في "اليوم القادم"، بل هي على العكس من ذلك،  تعكس حالة من الفشل، المقترن بالأمل بحيازة السلطة بأي طريقة كانت، بما فيها الركوب على أكتاف "الديمقراطية"؛ ولهذا يأتي طرح السؤال البائس تلو السؤال وبطريقة إيحائية : إن لم يك "زيداً" ، فمن عسى ياترى، سيكون البديل..؟؟!!


ليس الوقت الآن هو وقت عملية إنتخابية جديدة بين أشخاص لتفضيل وإختيار إحدهم لهذا المنصب أو ذاك على سبيل المثال، فالجميع يعلم بما فيهم من يروج لعملية " التفضيل "، بأن نظام الحكم في العراق وطبقاً للدستور، هو نظام برلماني نيابي، وبالتالي، فإن الأمر كله مرهون بمجلس النواب، بدءً من إنتخاب رئيس الجمهورية وإنتهاءً برئيس الوزراء، وما عداه لا يمكن أن يكون غير ضحك على الذقون؛ إذ ليس من المنطق ولا من الديمقراطية في شيء، إن تُطرح على الجمهور اليوم، أسئلة من قبيل "التفضيل"، في من يكون الشخص "المناسب" لإشغال منصب رئيس الوزراء على سبيل المثال، وجر القراء الى عملية أقرب ما تكون الى الديماغوغية منها الى التنوير، في وقت تراوح فيه وتتمحور حوله عملية تشكيل الحكومة الجديدة، وبالذات منها منصب رئيس الوزراء، هو مسألة دستورية ترتبط في جوهرها بآهلية القائمة النيابية الفائزة ومن تكون، وما بعده يتوقف أمره على سعي هذه القائمة وحالة التوازن السياسي بين الكتل النيابية البرلمانية، ومدى إمكانيتها تشكيل الكتلة البرلمانية القادرة على تحقيق النصاب القانوني البرلماني، الملزم لإنتخاب من سيكون رئيساً للوزراء، فالتكليف هنا يختلف عن التوليف، وهذا الأخير طبقاً لسياق المنطق الموضوعي، يأتي لاحقاً للتكليف..!؟


من جانب آخر، فإن حل إشكالية تشكيل الحكومة الجديدة، لا يُبنى على مجرد مقترحات أو سيناريوهات ترسم هنا أو هناك، فهي بالإضافة الى كونها إشكالية دستورية من الناحية الشكلية، إلا أنها من الناحية الموضوعية الواقعية، أعمق في أسبابها مما يظهر على السطح من إختلاف في تفسير النصوص الدستورية، أو من خلافات فكرية بين الفرقاء، بقدر ما هو تعبير عن صراع حقيقي بين مواقف تعكس أجندات مختلفة متغايرة، لها دوافعها وأهدافها الخاصة، التي تصب جميعها في هدف مشترك واحد لا يذهب بعيداً عن التمسك بالسلطة من خلال منصب رئاسة الوزراء بصلاحياته المركزة، وهو أمر لم ينكره أحد، وبالتالي الهيمنة على كامل زمام الدولة وبناء مؤسساتها طبقاً لمنظور هذه الجهة أو تلك، وما عليه أهدافها القريبة والبعيدة في بناء الدولة، وقد لا تكون هناك من صلة لما يسمى عادة  ب "خيار الديمقراطية"..!؟


كل هذا قد دفع بالنتيجة، الى خروقات دستورية من قبل نفس الأطراف المفترض بها صيانة وحماية الدستور، مما إنتهى الى شلل تام في نشاط وعمل السلطة التشريعية، الغطاء الوحيد لجميع السلطات الأخرى، وبالنتيجة أن وُضِعت البلادُ في حالة من الفراغ الدستوري والأمني، وأصبحت الحكومة المنتهية ولايتها، في وضع لا تحسد عليه، لفقدانها لغطائها الشرعي الذي أسست  بموجبه، الأمر الذي دفع حتى  بتلك الحكومة نفسها، وهي تقاد من قبل أحدى الكتل النيابية المتنافسة، الى تعزيز تمسكها بالسلطة، ولم تشارك الآخرين من الكتل الإنتخابية قلقها المشروع في تأخير تشكيل الحكومة الجديدة كل هذه المدة الطويلة، وهذا ما أثار حتى قلق الشرعية الدولية بالذات، وتمت الإشارة اليه في عدة مقالات منشورة  لمن أراد الإطلاع..! (*)


إن العديد من سيناريوهات الحلول التي تطرح هنا أو هناك، لا أراها تبتعد كثيراً في جوهرها عن طبيعة الصراع الدائر بين الكتل المتنافسة، وأغلبها تصب في مصلحة إحدى الجهات المتصارعة، إذ ليس هناك من موقف "حيادي" عندما يتم الترويج لجهة معينة على حساب أخرى، وفي ظل المماحكات والخروقات الدستورية، فالأمر أبعد من كونه يتطلب موقفاً حيادياً من عدمه، في وقت يعلن فيه الجميع عن ضرورة التمسك بأحكام الدستور، الذي نجد فيه المنفذ الأصوب والوحيد، إذا ما روعيت أحكامه ومقاصده بموضوعية، ولكن ومع هذا، فإنه من غير المستبعد أن تلتقي الكتل النيابية، نتيجة فعل ظروف محددة، وضغوط معينة وتوافقات خاصة، ليست في وارد البحث هنا، إذا ما إلتقت مصالحها، في الخروج من المأزق، وتشكيل الحكومة الجديدة؛ أما الإسترخاء الذي تآلفت معه القوائم النيابية الفائزة، وإستمرار حالة ما يدعى  بالحكومة المنتهية ولايتها لأجل غير معلوم،  فكله لا يعبر إلا عن حالة غير مألوفة دستوريا،  ولها تبعاتها الوخيمة على كافة الأصعدة، وفي أفضل الأحوال فإنها ستظل مدعاة للتدخل بالإتجاه الذي ينبغي أن يعيد الأمور الى نصابها الدستوري الصحيح، في ظل الضمان والإشراف الدوليين، وهذا أضعف الإيمان، إذا ما كان لتدخل الدول الإقليمية قصب السبق في تمرير أجنداتها الخاصة..!!؟ 
16/8/2010
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬(*)   http://www.ahewar.org/m.asp?i=1189