المحرر موضوع: زارني صديقي الشهيد في المنام , و سألني ...  (زيارة 1645 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل BASIM DKHUKA

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 397
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                                    زارني صديقي الشهيد في المنام , و سألني...

لم يكن حلما عاديا كغيره من الأحلام التي اعدت رؤيتها كل ليلة , كان شيءً مختلفا ً, وجدت فيه نفسي و كأني أجلس في محكمة أستدعيتُ لأدلي .. أما بشهادتي أو قد أكون متهما ً من دون أن أدري .
الدعوة قادمة من شاب في " الثلاثين من العمر " أعرفه كل المعرفة ... لكنه لم يظهر لي كما رأيته و عرفته فيما مضى من الزمن .
يقف بصلابة , و لكني لست ُ أرى موقع قدميه ..
يتحدث بهدوء كما إعتاد أن يتحدث دوما ً ..
نبرات صوته فيها من الحزن .. جعلتني أن أعيش عمق ألامه .. عيناه تغرقها الدموع لكنه يقف شامخا ً كما شاهدته دوما و قامته تلامس السماء و كأنه جبل من الكبرياء .
التقيت به " صدفة " قبل إستشهاده بوقت قصير.. لقد كان فرحا ً , كأنه  يعيش عرسا ً و هو فيه " العريس " . بادرته بعد عناق حميم : صدقت يا صديقي ... عندما قلت قبل سنين طويلة و أنت تودعني  .. بإنك سوف تعود يوما .. لتشارك بعرس الحرية  ..ها أنت فيه اليوم .  
فقال لي .. انه نداء الوطن , وهذا ما انتظرناه على مر السنين .
رجوته أن يكون حذرا ً... فالظرف ما زال عصيب , و الأنتفاضة التي نعيشها لابد أن تنجلي بيوم جديد و لكن حذاري يا صديقي مما يخفيه لنا القدر اللعين .
همس بأذني و هو يعانقني مودعا ً.. سوف نلتقي و نحتفل قريبا ً بعد أن يرحل الطغات ... سوف نستعيد الذكريات التي عشناها في الأزقة و( الدرابين ) و أضاف .. لكننا هذه المرة سوف نعيش الحرية التي لم نتذوق طعمها فيما مضى من السنين .
تابعته بنظراتي وهو يمضي بعيدا ً.. الى ان غاب عن بصري في زحام الثوار الذين ينتشرون على الطرقات و بأعداد كبيرة .
منذ حينها لم التقيه .. سألت و بحثتُ عنه كثيرا .
 رفاقه أخبروني فيما بعد ... أنه استشهد .
فماذا يريد مني اليوم ؟ لماذا بعد كل هذه السنين يحضر في منامي و يحسسني وكأنني في يقظة ما من بعدها يقظة .. شعرت بحضوره كأننا معا ً, لا يفصل بيننا المكان و لا الزمن , و لا الحاجز المعروف بين الأحياء والأموات .
سألني ...
هل عاد الوطن و رحل الطغات ؟
أرتبكت , كيف أجيب ... و خصوصا لمن ضحى بحياته لأجل الوطن ... تبعثرت الكلمات و عيناي أغرقتها الدموع , بماذا أجيب ؟ بادرته محاولا ً أن اتهرب من السؤال ... أما زلت قلقا ً على الوطن و أنت وهبته بأغلى ما عندك ..ولأجله ضحيت بحياتك و أنت بعمر الزهور ؟
- كيف لا أقلق يا صديقي , حلم الحرية عشته , لكني رحلت مبكرا من دون أن أتذوق طعمه .
تمنيت في تلك اللحظة أن أكون أنا في مكانه , و أن يكون هو من يرد على السؤال ... فما أصعب الرد ؟  فلن أكون أنا من يطلق رصاصة أخرى على الشهيد ... قلت و كأني أتمنى ما أقول ...
عاد الوطن يا صديقي ... الحرية أصبحت راية يرفعها الجميع , عاد الوطن .. الكل يفتخر بكم و يتذكرون تضحياتكم ليلا ً و نهار . عاد الوطن و الحكم اليوم هو  بأيدي الأمناء , يحرصون على الشعب أكثر من حرصهم على أنفسهم و عوائلهم و المقربين .. لم ينسوا الظلم الذي عانوه على أيدي الطغات ولهذا فأنهم يخدمون الشعب و يقدسونه ولا يبحثون عن السلطة أو الجاه .
 لا تقلق يا صديقي ... فلا المراكز تهمهم , و لا السلطة تغريهم , و يرفعون جميعهم للوطن .. راية الولاء .
القادة كأنهم أخوة تربط فيما بينهم نفس الدماء ... و الأحزاب لا تتنافس.. إلا لما ينفع الشعب و الفرد منا يقبل وجهتا كفه حمدا ً ل.. الله, فقد أنعمنا بمن هم أمناء .
كل مدننا تنعم بالخير و السلام , بل و أصبحوا جيراننا يحسدوننا على " الديمقراطية " التي نحكم من خلالها  البلاد .
و أما الأعداء ..
عذرا ً ... فلم يعد لنا خارج الوطن أعداء... فقد بتنا بلا أعداء , فالعالم أجمعه أصبح صديق لنا , و أصبحنا مثلا يضرب به و تقتدي به جميع البلدان .
فماذا تود أن تعرف أكثر ... يا صديقي ؟
فيا ليتني أبادلك المكان و ترى ما تراه عيناي ...
عندها .. لما زرتك في المنام , ولا سألتك عما جرى .
أرجوا أن تنام قرير العين , و إخبر كل الرفاق الذين أعطوا للوطن ما إستحق أن يعطوه ... ان الوطن لن ينسى ما فعلتم لأجله . أما أنا , ففي الغد سوف أشعل الشموع لأرواحكم الطاهرة , و ألعن كل من يقود الوطن الى الخراب .

basim dkhuka
dkhuka@hotmail.com