زوعا ... والرهان الخاسر
عادة ما تكون النكسات والاخفاقات كنقطة انطلاق جديدة نحو النجاح ، وهي فرصة ذهبية لمراجعة الذات واعادة الحسابات وما ينطوي على ذلك من تبيان لمواقع القوة والضعف وبالتالي كشف نقاط الفشل والتاشير عليها ، لاعادة دراستها وتحليلها بصورة معمقة لاستخلاص العبر ، ومن ثم تجاوزها ومد الخطى واثقة ثابته في الطريق الصحيح .
وما حصل للحركة الديمقراطية الاثورية ( زوعا ) كان اكبر انتكاسة لها ( ان لم نقل صفعة قوية ) فقد خرجت خالية الوفاض من اي موقع وزاري في حكومتي العراق المركزية و اقليم كردستان ، وقد لا اغالي ان قلت جاء ذلك كاستحقاق طبيعي لما آل اليه حال هذه الحركة ، والممارسات الخاطئة واللامسؤولة التي شابت عملها السياسي منذ سقوط النظام وحتى الآن ، فقد منحت حق التمثيل المسيحي بمراكز السلطة في العراق الجديد ، ومنح سكرتيرها السيد يونادم كنا مقعدا عن المسيحيين في مجلس الحكم الانتقالي ، وكذلك اعطي لها الحق في ترشيح من تراه مناسبا ليمثل المسيحيين في كل حكومة انتقالية ، واذا اردنا ان نعرف سبب اختيارها لتلعب هذا الدور ( بعيدا عن منطق الزوعاويون ) فنرى ان سلطة الادارة المدنية ( بقيادة بريمر ) اعتمدت على النماذج الجاهزة من القوى السياسية الاكثر تنظيما وليس مهم ان تكون فاعلة او تمثل حقيقيا الطيف العراقي التي تنحدر منه ، وهنا لا احد ينكر ان الحركة الديمقراطية الاثورية كانت من اكثر التشكيلات المسيحية تنظيما او على الاقل هذا ما كانت توحيه ماكنتها الاعلامية للمتتبع وتصورها بحجم اكبر من حجمها الحقيقي . فبدلا من ان تستغل زوعا موقعها الجديد ( الذي جاء كضربة حظ واليانصيب ) والنزول الى الشارع بمنجزات واعمال تكسب بها ثقة من تمثلهم وتزيد من عددهم فيكونوا لها كرصيد يعزز ويثبت من مكانتها ، اتبعت ستراتيجية خبيثة للسيطرة على مقدرات التمثيل المسيحي وذلك عن طريق تغذية التناقضات والصراعات واشعال حرب التسمية ، وبنفس الوقت كان اعلامها يطبل ليل نهار مناديا بالوحدة مظهرا زوعا وحده القادر على تحقيقها ، رغم ان كل افعاله على ارض الواقع هو ضرب كل مامن شانه توحيد كلمة الشعب المسيحي . فكان ان عقد زوعا مؤتمره ( الكلدواشوري ) سئ السيط والذي ضرب فيه عصفورين بحجر فبمجرد انعقاده فانه يظهر للساحة الساسية العراقية بانه الممثل الحقيقي والوحيد لكل المسيحيين ، ومن جانب اخر فهو بهذا المؤتمر يتمكن من زيادة حدة التناقضات والتجاذبات و ضرب كل امال الوحدة في الصميم ليبقى الوضع المسيحي كما هو عليه ، ليبقى زوعا هو المستفيد الوحيد من حالة الفرقة . وقد بدى ذلك جليا من خلال الطريقة التي دعا اليها للمؤتمر ، حيث دعا اليه كل مؤيديه وبعض القوى والشخصيات الهامشية ومنها من لم يكن عراقيا اصلا ، ووضع لجنة شكلية للتحضير للمؤتمر من مناصريه وزودهم بنسخة جاهزة من المقررات ( تماما على الطريقة البعثية ) فالمؤتمر كان تحصيل حاصل والحضور ما هم الا دمى لاضفاء الشرعية والتوقيع على المقررات الجاهزة . واستمات لحضور رجال الدين والكنيسة لعلمه مسبقا ما لهؤلاء الكلمة العليا والتاثير في رعيتهم و هم انفسهم الان اصبحوا خونة وبائعي الضمير في عرف زوعا ( حاشا مقاماتهم ) . ولكن سرعان ما اكتشف الجميع الدجل وانقلب السحر على الساحر وتنصل الجميع وحتى الكنائس من وثيقة المؤتمر المهزلة ، رغم ان زوعا كان قد جيش العديد من الاقلام الرخيصة والماجورة تشيد بما انجزه المؤتمر وتروج لاكتشافه العبقري الجديد ( القومية الكلدواشورية ) .