المحرر موضوع: العراق: الصمود المتواصل في المواقف..!  (زيارة 839 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: الصمود المتواصل في المواقف..!

باقر الفضلي

نحن على أعتاب إستكمال الشهر السابع على نهاية الإنتخابات البرلمانية الجديدة، في السابع من آذار/2010 ، ليصبح لزاماً علينا الإحتفال بحالة "الصمود الرائعة" التي تمثلت بإحجام السادة النواب الجدد من العودة الى مجلسهم الموقر، وقد غادروه بملأ إرادتهم في الرابع من آيار /2010 الى أجل غير مسمى، "تضامناً" كما يبدو، مع إجماع قادة كتلهم النيابية الفائزة،  لعدم الإتفاق على تنصيب من يكون رئيساً للجمهورية  وممن سيتكون مجلس رئاسة البرلمان، والى من سيسند منصب رئاسة الوزراء..!؟؟


وليس بعيداً عن هذه الحال، جولات السيد بايدن نائب الرئيس الأمريكي المكوكية، التي لم تنقطع ذهاباً وإيابا، بين واشنطن وبغداد، لتدخل عنصراً حاسماً  في مفردات المشهد السياسي العراقي، لتشكل أحدى مكوناته الرئيسة، ناهيك عن المكونات الأخرى من المؤثرات الإقليمية، التي تعمل من وراء كواليس المسرح السياسي، بإمل إستكمال إعداد مكونات المسرحية الجديدة، التي عرفت مجمل شخوصها ، ولم يفضل إلا الإتفاق على السيناريو الأخير المعد للإخراج..!!؟


وأمام هذا الصمود المتواصل في المواقف، لا زال الفشل المحيق بالكتل النيابية الفائزة بالإنتخابات سيد الموقف، وليست هناك ثمة من متنفس لإنفراج حتى لو كان شكلياً في صورته الظاهرة، لتراجع ملموس يفتح الطريق امام ذلك الإنفراج المنشود..!


فالكتل  النيابية الأربع لم يهدأ لها بال ولم تغمض لها عين،  طالما ظل كرسي رئيس الوزراء معلقاً في فضاء التنافس الذي لا تحده حدود ولا له زمن موعود؛ فالجميع قد أعلن نفسه مرشحاً للفوز، والكل يتأبط تحت جناحيه دستوراً فُسرت نصوصه وفق ما يرغب وما يشاء، وكلهم يصدح بأحقيته في قيادة البلاد، ولَمَّ شمل العباد،  حتى وصل الحال حداً لا يحتمل فيه المزيد من الكلام،  ولا تسوغ فيه تفسيرات لنصوص الدستور، ولا يحتاج الى مزيد من الركض وراء قانون أو إجتهاد..!


ومع ذلك فإن ما أتينا عليه في المقالة الموسومة (إشكالية الكتلة النيابية الأكبر)(*) ، من إفاضة واسعة حول ما يعنيه مدلول الكتلة المذكورة، وما ينصرف اليه مدلول منصب رئيس الوزراء في ظل أسس بنيان السلطة العراقية الجديدة وقواعدها بعد الإحتلال/2003،  يظل قائماً كدليل ملموس وواقع حي، يفسر الأسباب والعوامل التي تقف وراء حالة "الإستعصاء السياسي" في الواقع السياسي العراقي الراهن، وهو تعبير مجازي، إذ لا يمثل هذا "الإستعصاء" سوى حالة واقعية لصراع  يدور ويتحرك  بأدوات السلوك "السياسي _ الطائفي" للأحزاب السياسية المتنفذة في السلطة وما حولها، وهو في جوهره يعكس صراعاً سياسياً من أجل التفرد بالسلطة، من خلال إستخدام نفوذ الطائفة الدينية العددي لمذهب معين، وفق آلية دستورية في مواجهة القوى والأحزاب السياسية الأخرى، ممن تبتعد في بنائها وحراكها، عن قواعد وأسس وأدوات السلوك "السياسي _ الطائفي"، كالقوى والأحزاب ذات الطابع الليبرالي والديمقراطي،  وذلك  لتحقيق الهدف المنشود..!


فحينما كان الهدف من وراء الأنتخابات، ومن قبل أغلب الكتل السياسية المشاركة فيها، هو مجرد الفوز بالسلطة لا غير، فلم يعد مستغرباً بعد ذلك، وعلى سبيل المثال، أن تلجأ بعض من الكتل السياسية المشاركة، بإستنباط أي من الطرق والوسائل والآليات، ما يضمن لها تفردها بالفوز إن تيسر لها ذلك..!؟


ومن هنا فليس من باب العجب أن تلجأ كتلة مثل (إئتلاف دولة القانون)، يدفعها وجودها أصلاً في دست الحكم ، أن تسبق الأحداث وأن تلجأ الى المحكمة الدستورية الإتحادية العليا، وبعيداً عن أي تنازع قانوني مع أي من الكتل السياسية الفائزة في الإنتخابات، لتحضى من المحكمة المذكورة برأي تفسيري لنص المادة/ 76 من الدستور، يمنحها إسناداً دستورياً لاحقاً بالتمسك بكونها "الكتلة النيابية الأكبر"، وبالتالي طرح نفسها بإعتبارها صاحبة الحق بمنصب " رئيس الوزراء " خلافاً لمن يدعي العكس..!؟؟


وهذا ما دفع الأئتلاف المذكور،  أن يخطو خطوته الثانية للسعي وراء تشكيل "الكتلة الأكبر"، فلم يجد أقرب من التحالف مع الإئتلاف الوطني بقيادة السيد عمار الحكيم، ليعلنا عن تأسيس (التحالف الوطني)، وهي ممارسة ذات طابع تقليدي، تستند في جذورها الى أرضية واحدة في تشكيل الإئتلافين نفسيهما، كونهما يمتا الى أصول الطائفة الواحدة، وكون الهدف من التوحد في تحالف واحد، رغم الخلافات، هو من أجل تكوين "الكتلة الأكبر"، ليكون مرده في النتيجة، ضمان بقاء منصب رئيس الوزراء في عهدة الطائفة نفسها لا غير؛ ولكي يتحقق الهدف المذكور، ينبغي على المواطن العراقي التحلي بالصبر والتسبيح والتذرع لله ، كي  يمن على قادة الإئتلافين بتسوية خلافاتهما، وفض نزاعاتهما، بتسمية مرشح تحالفهما المنتظر، ليتوج رئيساً للوزراء المرتقب تحت قبة البرلمان..!


ولكن كل ما يثير الإستغراب والدهشة، أن قائمتين من مجموع القوائم الفائزة الأربعة في الإنتخابات، وهما كتلتا دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي، قد إنفردا وحدهما في أخذ كامل ما إستطاعاه من الوقت وما يزيد، من أجل الوصول في النهاية الى إضفاء "الشرعية" اللازمة على تحالفهما الجديد "التحالف الوطني"، والذهاب به الى مجلس النواب ممثلاً بمن يقوده ويمثله كمرشح لمنصب رئيس الوزراء الجديد..!؟؟


وما يثير التساؤل في هذا المجال، هو وقت من هذا الذي تصرفت به الكتلتان ولا زالت بهذا الشكل المفتوح، وهذه الإنسيابية التي لا تحدها حدود ولا يحكمها نص من دستور أو قانون، ولا تبيحها قواعد من عرف أو ديمقراطية؛ وكيف لهما أن تستأثرا  وحدهما بما منحهما الناخبون من حق التمثيل الشعبي في البرلمان، لتهدرا كل هذا الوقت الطويل في مناورات ومفاوضات لا طائل من ورائها، من أجل حل منازعاتهما الخاصة وخلافاتهما الشخصية والحزبية العميقة، وهل هناك ما يمنحهما الحق في شل وتعطيل الكتلتين الأخرتين ووضعهما في حالة الترقب والإنتظار لحين ما تصل كتلتيهما في "التحالف الوطني" الى حل عقدة تسمية ممثلها بإعتبارها "الكتلة الأكبر"..؟!  فهل هناك في نظام مجلس النواب وقواعده الداخلية ما يبيح مثل هذا الحق لأي كتلة نيابية كما هو عليه الآن في حالة الكتلتين..؟! أم هل هناك في النظام الداخلي لمجلس النواب ما يسمح بتعطيل المجلس الى أجل غير مسمى نزولاً عند رغبة عضو أو كتلة من أعضائه أو كتله النيابية..؟!


أليس وقت البرلمان هو وقت لا يمتلكه غير الشعب، ولا ينبغي إستغلاله والتصرف به إلا في الحدود التي تخدم مصلحة الشعب لا غير..؟! أليس هذا هو منطق المصلحة العامة التي تعني مصلحة الشعب..؟!  فهل يمتلك السادة النواب الحق في التصرف بهذا الوقت خارج تلك الحدود، ليقرروا تعطيل أنفسهم عن العمل متى رغبوا والى أي مدى شاؤوا..؟!  وهل يا ترى يمكن حساب كل هذا الوقت الضائع من عمر مجلس النواب والذي قارب السبعة أشهر، بأنه يصب في خدمة الشعب..؟!  وما هي تلك المصلحة التي حققها الشعب من وراء كل هذا التعطيل لعمل المجلس..؟! ومن ياترى يتحمل مسؤولية كل هذا الزمن المهدور من وقت المجلس، والمبالغ الطائلة، المهدورة والضائعة لتغطية كل هذا الإنفاق العظيم؛ من رواتب النواب ومخصصات الحماية وأجور النقل، وبدلات إيجار الفنادق وغيرها من نفقات إخرى..؟؟!


إنها بحق تجربة غنية من تجارب " الديمقراطية الجديدة"، التي إفرزتها العملية السياسية، ودرس بليغ من دروس السياسة في "العراق الجديد"، ينبغي أن تتعلم منه الأجيال القادمة، لتصوغ "ديمقراطياتها " االلاحقة على ضوء هذا المنوال، حتى وإن بدا فيها المواطن العراقي الحالي هو الخاسر على الدوام..!!!؟
________________________________________________________________________________     
(*)   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=222244