المحرر موضوع: مسرحية ( جدة للأكل ) كوميديا سوداء لنبوءة مبكرة لملامح عصر العولمة  (زيارة 2391 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Saad Alsadoon

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 48
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مسرحية ( جدة  للأكل ) كوميديا سوداء  لنبوءة مبكرة لملامح عصر العولمة


لم تنفصل تجربة المسرح ( الجيكوسلوفاكي ) سابقاً لم تنفصل يوماً عن نظيراتها في مختلف ورش ومختبرات المسارح الأوربية سواء على مستوى التأليف المسرحي أو التقديم بل أن المسرحية السلوفاكية كبقية الفنون الأخرى تمثل رحلة طويلة ومريرة قطع أشواطها السلوفاكيون من أجل تقديم وإثبات هويتهم الوطنية فمن المعروف أنهم ظلوا أي
(السلوفاك ) دون دولة لأكثر من ألف سنة وخلال ذلك المقطع الزمني الطويل تعرضوا للعديد من محاولات التذويب الثقافي في المصهر الألماني والهنغاري والتشيكي بيد أن الظروف العامة التي كانت سائدة آنذاك سمحت لهم بتأسيس نصف دولة في مطلع القرن العشرين( 1918 ) ومع تواتر المراحل الزمنية منذ زمن التأسيس تبلورت البيئة الثقافية
التي تجلت قبل كل شيء في اللغة المتداولة حيث اختفت لغات التخاطب الأجنبية التي كان يتخاطب بها ( السلوفاك ) وفيما يتعلق بالأدب المسرحي فقد شهد في تلك الفترة صعوبة بالغة نتيجة لسطوة ألوان أخرى من الثقافة والفنون ، وفي منتصف القرن التاسع
عشر تبلورت التجربة الأدبية المسرحية بعد أن سمحت الظروف بولادة أدب مسرحي سلوفاكي ومن المعروف أن المسرحية السلوفاكية أرتبطت برائدين من رواد الأدب السلوفاكي الجديد هما (يان هوللي ) الذي يعد أول وأهم أديب يكتب باللغة السلوفاكية ،
ويان هالوبكا وقد مرت المسرحية السلوفاكية بمراحل وأطوار مختلفة منها الرومانسية ،
والواقعية وفي ظل تفاعلات الوضع السياسي الذي أفضى إلى تكريس المعسكر الشرقي الإشتراكي مقابل المعسكر الرأسمالي برزت بعد الحرب العالمية الثانية أساليب جديدة في الكتابة الأدبية وخاصة في البلدان الإشتراكية حيث ساد نوع جديد من الحماس الفكري لما يسمى ( الواقعية الإشتراكية ) حتى تحرروا منها تدريجياً بعد أن ضجروا من دورهم في تثبيت الواقع على حساب الحلم ومن أبرز الكتاب الذين يعبروٌن عن مرحلة ما
بعد الواقعية الإشتراكية يأتي المؤلف المسرحي المعروف لوبومير فيلديكا الذي  سنتحدث عن نصه المسرحي الكوميدي الذي يحمل عنوان ( جدة للأكل ) الذي يعد من النصوص الكوميدية الحزينة كما يعتبر باكورة أعمال الكاتب المذكور وينتمي ذلك النص إلى ما يسمى ( الكوميديا السوداء ) التي اشتهر بها الكثير من كتاب البلدان الاشتراكية السابقة وخاصة الكتاب الروس حيث يسلط الضوء من خلال تلك المسرحية على طبيعة الواقع الجديد الذي صنف بموجب معايير النظام الدولي الذي ساد لحقبة  زمنية معينة حيث ظهر المعسكر الذي ضم تحت يافطته الأغنياء وآخر فقير وفي ثنايا ذلك العالم الفقير يوجد الكثير ممن يحلمون بالولوج لنادي الأغنياء ومنهم شخصية ( الجدة  فييرا )  التي 
 تعتبر في هذا النص الشخصية المحورية التي يرتكز علها الحدث ، فمسرحية
 ( جدة للأكل ) تتحدث عن تحوٌل ( جدة ) يصوٌر المؤلف أنها تؤكل ضمن مساحة إستخدام مجازي جميل إلى جدة تشرب بالمعنى الحقيقي البشع الذي يمكن أن يعكس صورة من تجليات عصرنا الذي نعيش ، فالجدة ( فييرا) مواطنة سلوفاكية مخلصة لوطنها ولكنها تريد أن تكون مخلصة لحياتها ولذك تقرر الهجرة إلى الغرب حيث العالم
الرأسمالي وهنا تختار سويسرا عسى أن تحقق أحلامها المؤجلة في الحصول على زوج جديد وفرصة بديلة  لحياة الفقر التي تحياها في موطنها الإشتراكي ووسط اختلاف موقف أسرتها ومنهم موقف حفيدها (بيتر ) الذي يمثل رمز التردد بين الإعتداد والتمسك بمبادئ وطنه والإشتراكية وبين الإلتحاق بركب قطار الغرب والرأسمالية لتحقيق الأحلام التي عجز عن تحقيقها في بلده ومع اختياره اللحاق بطريق جدته الحالمة وهو الوريث المحتمل للثروة المحتملة التي ستكون لجدته يفاجأ في النهاية بأنه كان يشرب الوهم وبالتحديد ( قهوة رأسمالية ) من نوع خاص وقد صنعت من  رماد جثة جدته ، وعلى الرغم من الطابع الكوميدي العام الذي يلمسه القارئ في البداية إلا أنه يدرك ضمن سياق تطور الخط الدرامي للأحداث ينبأ بأن ثمة مفاجأة يخفيها المؤلف من خلال بعض الإيحاءات المستخدمة في لغة الحوار وفي قراءة متأنية لذلك النص يمكن للقارئ إستخلاص رؤية ما بين السطور وتوظيفها لتتناسب مع ملامح زمن العولمة الذي هو تمخض طبيعي عن تفاعلات النظام الدولي السابق والحالي الذي ألقى بظلاله على مختلف جوانب الحياة  الماضية قدماً في ( تسونامي ) العولمة الذي أدى إلى الكثير من النتائج السلبية وأولها إتساع نطاق الصراعات السياسية التي غالباً ماتنتهي بإندلاع الحروب في حين تضطلع  الدول التي تسمي نفسها بالصناعية في التحكم بمقدرات العالم الذي أضحى اليوم حظيرة منقادة من قبل رجل ( الكاوبوي ) الغربي وفي هذا النص نجد نوعاً قلما يتم التعاطي به ويتمثل في وجود نوع من التداخل الذي يختزن جودة هذا العمل بين مختلف العوالم  فالشخصية الواحدة هنا تؤدي أكثر من شخصية فالجدة تقوم بتجسيد ثلاث
شخصيات ، وكذلك بيتر حفيدها وبقية الشخصيات ، كما أن هناك توظيفاً معمارياً  جميلاً
لجغرافيا المسرح يتمثل في مزج جمهور الصالة مع جمهور المنصة ويمكن القول أن هناك تصويراً لقصة تراجيدية كوميدية كتلك التي نسمعها كثيراً يشترك في رويها كل من جمهور المنصة والصالة حيث يبديان نبؤءتهما لما سيأتي من قادم دون أن يعرفوا أن ذلك القادم هو بعينه زمن العولمة الحالي 

                                                                          سعد السعدون – ميشيغن
 
  Saad-sadoon@hotmail.com[/b]