المحرر موضوع: ما لنا هو لكم وما لكم هو لنا  (زيارة 1266 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ما لنا هو لكم وما لكم هو لنا



تيري بطرس
عنوان المقالة أعلاه هي كلمة قالها نيافة المطران مار سرهد جمو قبل سنوات في محاضرة له، وهو يعني ما للكلدان هو للآشوريين وما للآشوريين هو للكلدان. بمعنى آخر أن المتسمين بالتسميتين بالإضافة إلى السريان يمتلكون نفس المميزات التي تجعلهم شعب واحد وأمة واحدة. يحلو لبعض الإخوة من الكتاب الكلدان استعمال كلمة الهوية الكلدانية، بمعنى هوية منفصلة ومختلفة عن الهوية الآشورية أو السريانية، ودافعهم لذلك باعتقادي هو إشاعة استعمال المصطلح (الهوية الكلدانية) لكي تصبح حقيقة واقعة ومنفصلة ومختلفة عن الآشورية وسريانية. تطرقت إلى المسالة مرارا ولكن ما يحز في النفوس أن وضوح المسألة وهي أن لا وجود لهوية آشورية أو كلدانية أو سريانية بشكل منفصل إحداها عن الأخرى، لم يدع البعض إلى ترك ترديد ما المغالطة هذه لغاية في أنفسهم وليس لحق في حرية الرأي. وبقول آخر إن الهوية الكلدانية والهوية الآشورية والهوية السريانية هي مسميات لحالة واحدة لا غير. وإن الإصرار على فصل هذه الحالة هو الإصرار على التقسيم والتشرذم وهو ليس في صالح إي من الأطراف المتسمية بالأسماء الثلاثة. لا بل أن الإصرار على تقسيم الحالة يدخل في باب العمل من أجل خدمة أهداف غريبة يجب العمل على إيقاف هذا العمل ووصمه بعبارة الخيانة القومية ولا يمكن إلا أن يكون كذلك. بعض مشكلتنا كلنا أما نكون مع على طول الخط أو نكون ضد على طول الخط. فلنأخذ المطران سرهد جمو كمثال، فهو بالرغم من اندفاعه نحو العمل القومي الموحد في التسعينيات إلا انه تراجع وتحول إلى الضد تماما، قد يكون السبب تصرفات بعض المنادين بالأشورية وممارساتهم، ولكن كل ذلك ما كان يجب أن يكون سببا لمعاقبة الأمة كلها، والمعاقبة تحدث حين الإصرار على التقسيم القومي. إن المواقف المتطرفة بين حديها الاقصيين دليل على عدم النضوج السياسي لدى شعبنا عموما بما فيهم القيادات الفاعلة وقد يكون كاتب المقالة منهم أيضا. وقد يكون دليل حمل جينات معينة نشترك كلنا فيها تجعلنا نؤمن بانا أو.
أنا من قرية بيبيدي (بيباد) وهذه القرية أغلبية سكانها أن لم نقل كلهم يقولون بأشورية الانتماء (اتوراي) وليس ببعيد عنا هناك قرى همزيي واينشك، وبيناثا وارادن وغيرها من القرى وهم يقولون أو بعضهم يقول بأنه كلداني والبعض يقول آشوري، السؤال كيف يمكن تمييز الآشوري عن الكلداني في هذه القرى أو قرية كوماني التي يقول نصف أهلها أنهم كلدان والنصف الآخر أنهم آشوريين؟ أو ما هي الفوارق بين كرملس وبغديدا، وكيف يمكن تمييز الكلداني عن السرياني هنا؟ أن الأسئلة التي أوردتها هي أسئلة حقيقية، علينا الإجابة عليها أن كنا نعتقد حقا أن الكلدان والسريان والآشوريين ليسوا قومية أو أمة واحدة. لان تمييز أو الإحساس بالفرق بين قوميتين أو أمتين للناظر أو للسامع يحدث أولا من خلال اللغة، وبعد ذلك تدخل العادات والتقاليد والتراث والتاريخ. المشكلة أن أصحاب التسميات أعلاه كلهم يمتلكون نفس الشيء، في اللغة والتاريخ والعادات وحتى المخاوف. إذا لما الإصرار على اعتبارنا أمتين وقوميتين؟ وما هي الخدمة التي يمكن أن نقدمها لامتنا في حالة تحقيق الفصل والانقسام، لأي طرف كان؟ وخصوصا لو نظرنا إلى الأمر ببعد نظر وليس الآن، حيث يعتقد البعض أنهم قد يحصلون على قطعة من الكعكة. عندما قلت مرة إن دعاة القومية الكلدانية أمام مفصل أساسي لتعريف الكلداني الذي ليس هو بأشوري أو سرياني في أن ذاته انتقدني البعض ولكن المسألة حقيقية إلى ابعد الحدود فالدعوة إلى الكلدانية كقومية مستقلة ستجد نفسها أمام واقع من الصعب عليها أن تتعامل معه وهي تعريف من هو الكلداني، الآشورية خصمت المسألة وعرفت الآشوري انه كل من يتكلم السورث ويؤمن باشوريته، إي انها (الآشورية) وسعت مدلول الانتماء القومي باللغة وضيقته بالإيمان. هل ستنحصر الكلدانية بقرى ومدن سهل نينوى، أم تمتد لتشمل دهوك وماذا عن منطقة صبنا، وما موقف من منطقة زاخو، التي غالبية قراها وقصباتها تقول بالكلدانية ولكن اصولها عشائر تقول بأنهم آشوريين، أو حتى ماذا عن عوائل في قرى سهل نينوى وهي ليست قليلة من أصول عشائرية تقول بالأشورية، فهذه العوائل لم تغير شيئا في واقعها لا اللغة ولا العادات ولا التقاليد ولا التاريخ عدى الانتماء الكنسي. ماذا عنها وهي لا تبتعد عن أصولها العشائرية الا مائة أو أكثر من السنوات؟ انها إشكالية حقيقية. والجواب ليس متاحا لدي أو حتى لدى دعاة الكلدانية المنفصلة عن الآشورية.
بين كل قرية وآخرة تجد اختلافات طفيفة في اللغة أو في طريقة اللفظ، فنحن مثلا لا نستعمل كلمة ايزى التي يستعملها أبناء ارادان ونحن نستعمل بدلا عنها ايكا بالجم المفخمة، وبالطبع كلما ابتعد القرى بعضها عن البعض سنجد اختلافات أكثر وضوحا، وهذا من طبيعة الأمور، فأهل موصل قد لا يتحدثون مثل أهل بغداد وهم بالكاد سيفهمون بعض الكلمات التي يقولها البصراوي، مثل جيور أو مسودن إلا أن هذا لا يمنع من كونهم كلهم من العرب، ولكن لو قارنا بين إي واحد من العراق وبين آخر من مغرب فإننا سنجد أن الاختلاف من الكبر لحد أن اعتبار الطرفين من قومية واحد يكاد أمر لا يمكن تصديقه. ولكن ما بيننا لا، هناك تطابق تام، حتى في الكلمات المستعملة والتي قد نختلف عليها، فمثلا كلمة (ܨܠܗ) صاله
بالزقابا و (ܢܚܬ) ناخت و (ܫܦܥ) شابع هي كلمات مترادفة من عين القاموس اللغوي قاموس السورث، وهكذا في كلمات أخرى تستعمل أحدها في اورميا بصورة ما وفي الجبل بصورة أخرى وفي السهل بمرادفة ثالثة، أن لغتنا غنية، ولعدم استعمالها في مجالات الحياة الأخرى، اضطر الناس إلى اختصار الكلمات المستعملة، لان الاستعمال كان لأغراض محددة تطلبها حياة الريف والزراعة. وصار كل مجموعة واختارت بعض الكلمات وألغت كلمات أخرى، بالحقيقة لم تلغيها بل يمكن القول إن استعمالها تحور وصار بصيغ معينة. مثال كنت في بداية الثمانيات جنديا في اربيل ومن خلال زيارتي لعنكاوا سمعت شخص يقول (ܣܡܟ̣ܠܝ) سمخلي ونحن لا نستعملها إلا في صيغة اسم الفاعل بشكل (ܣܡܟ̣ܐ) سمخا الذي هو حامل أو مثبت أغصان الدالية أو إي شجرة أخرى من السقوط أو من الكسر نتيجة الحمل أثمار كثيرة. إي أن الكثيرين الغوا استعمال بعض الكلمات بصياغات تامة نتيجة عدم الاستعمال وعدم الحاجة، وبتكور الزمن ظهر ذلك كاختلافات في اللهجة رغم أنها طبيعية وتتواجد أكثر منها في لهجات اللغات الأخرى.
إن دعوة البعض أن دعاة الآشورية يستفيدون من الكلدان، أمر باطل أساسا، لأننا أساسا غير متفقين علي تعريف معين للأشوري أو الكلداني لكي يمكن الفصل بينهما، فمن يقبل العمل مع الأحزاب التي في اسمها التسمية الآشورية يتم إطلاق تسمية متأشور عليه. إن إطلاق الصفات المراد بها التقبيح والإهانة ، لن يصنع أمم منفصلة، بل أحقاد وصراعات تدفع الأمة ثمنها من مستقبلها. وحتى لو رأينا بعض الشخصيات من المعروفة بأنها من التسمية الآشورية بارزة في مرحلة ما وهي مرحلة بعد إقامة الملاذ الأمن وبعد السقوط، إلا أن ذلك لن يستمر، لان الأمة في حالة التجدد والاختلاط والتواصل، ستفرز قياداتها التي تؤمن بها والتي لن يمكننا في المستقبل التفريق بينها علي إي أساس كان.
أثارت مقالة للسيد اخيقر يوخنا  تراشقا كبيرا وأخذ ورد، علما انها تكلمت عن احتمال حدث في التاريخ، وهذا الاحتمال والحدث ليس مرتبطا بالكلدان آنذاك فقط بل بالآشوريين حينها وكل الأقوام وحتى بشعبنا في التاريخ المتأخر عند قدوم الغزاة التتر وغيرهم واحتلالهم لمناطقنا. ولكن لان البعض لا يزال في مرحلة العواطف من العمل القومي، قام بنشر المقالة الموما إليها ونسخها وأعطاها أبعادا غير حقيقية والغاية منها واضحة وهي زيادة عوامل الفرقة بين حاملي التسميات المختلفة من امتنا. وعندما أقول البعض يعمل بمرحلة العواطف فانا أقصدها تماما، فالعمل القومي لدى شعبنا مبنى علي العامل الثقافي وليس علي العنصر فالأشوري اليوم ليس ممكنا أن يقول إنه أصيل ومن أحفاد الآشوريين القدامى وإذا كان الآشوري غير قادر علي مثل هذا الادعاء فبالأحرى أن الكلداني الذي لا يتواجد علي ارضه التي سكنها في القدم أيضا غير ممكن أن يقول إنه سليل الكلدان القدامى. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن كل دعاة العمل القومي من الآشوريين والكلدان، يتكلمون عن أجدادهم المدعيين وكان هؤلاء الأجداد طليعة العمل القومي، متناسين أن الأيديولوجية القومية حديثة الظهور وهي نتاج التطورات الاقتصادية وبروز الطبقة الوسطى (البرجوازية). إي أن عدم وجود الطبقة الوسطى يلغي عمليا وجود المفاهيم القومية، إلا إننا نحن في الشرق أخذنا المفهوم القومي ونشره بيننا المتعلمون الأوائل باعتبارهم طبقة وسطى للمجتمع من ناحية القيم وليس من ناحية الرغبة في زيادة الرقعة المحمية لصرف المنتجات الصناعية. لقد عانى شعبنا الاضطهادات والقتل والذبح ووجد في النظرية القومية ملاذا لإنقاذ نفسه، وهذه النظرية سواء أخذت التسمية الآشورية أو الكلدانية أو السريانية لن تغيير من حقائق التاريخ، من حيث مدى اختلاط شعبنا بالشعوب والأمم الأخرى سواء بسبب عمليات الغزو أو بسبب الدين المسيحي. حيث إننا كمسيحيين اعتبرنا الانتماء الديني كأساس من أسس وحدتنا والقدرة علي إقامة علاقات المصاهرة. إن إسقاط وعينا على أجدادنا هو كفر بنا وبهم، فلا اعتقد أنهم حاربوا يوما لأجل العمل القومي ولإنقاذ أبناء الأمة المضطهدين، بل حاربوا لتوسيع رقعة ممتلكاتهم، ولم يتوانوا من نقل أبناء أمتهم إلى مناطق بعيدة والإتيان بالغرباء وإسكانهم حول عواصمهم. ولعل أقرب مثال يمكن أن نستدل به لأنه مذكور في كتب التاريخ هو القرون الوسطى في أوربا حيث كانت المملكة تعتبر ملكا شخصيا للملك، يستقطع منها ما يشاء ويمنحه لمن يشاء، فإذا كان هذا هو المفهوم للدولة وللوطن وللشعب في القرون الوسطى وبعد تهذيب المسيحية فما بالكم قبل أكثر من ألف سنة من القرون الوسطى وقبل التهذيب المسيحي.
كلما بحثنا في دعوة البعض ممن يقول إن الآشوريين قومية مختلفة عن الكلدان أو بالعكس فإننا سنجد خلف ما نبحث عنه مصالح آنية وذاتية لا بل أنانية مقرفة. أن المتعصبين من الطرفيين يحاولون اختزال أمتهم لأجل اختزال المشاكل التي يعتقدون أنهم سيواجهونها، وهي عملية قتل معنوية، تعني أن الإنسان ممكن أن يبتر جزء من أمته فقط لكي يتجاوز خلاف ما. وهذا الأمر سيقود القائمين به بعد ذلك لبتر أجزاء أخرى كلما وجه بعقبات وهكذا دواليك لحين أن يبقى وحيدا. أن بعض الآشوريين وبعض الكلدان يعتقدون في الآخر حجر عثرة أمام تقدمه، في حين أن الآخر الذي هو أنا هو ساعدي وعوني وقوتي التي استند إليها، والتي بها أواجه الكل سواء عدديا أو فكريا أو اقتصاديا.
المتابع لما يحدث في ساحتنا الثقافية سيجد حرب سجال يا قاتل يا مقتول، والقاتل والمقتول هم واحد أن كان لنا عينين لتريا وأذنين لتسمعا وقلبا ليخفق. أن زوال الداعين بالأشورية وذهابهم إلى الجحيم لن يزيد من حقوق من يقول
بالكلدانية أنملة واحدة، لا بل قد يكون دافعا لسرعة زوال وانصهار الكلدان وبالأخص أن عوامل انصهارهم كثيرة ومنها موقف الكنيسة المساعد للتعريب. مؤسفا أقول ذلك ولكن بعض الحقائق مؤلم ويجب أن يقال.
إنني مدرك وقد قلتها مرارا أن شعبنا وبإمكانياته وقدراته الضعيفة من الصعب أن يواجه العواصف التي تأتيه من كل صوب وجانب، وخصوصا مع انعدام وجود قيادة سياسية بحجم المسؤوليات والمخاطر التي يواجهها شعبنا. ولذا فان البعض واستسهالا لقدرات وإمكانيات قيادات شعبنا يمكن أن يتخذ إي موقف وإن كان عداءيا من مستقبل الشعب ويمنح لهذا الموقف أبعاد تدخل في باب حرية الرأي. المؤسف حقا أن الحرب المستعرة هذه لا تلاحظ أن الشعب كله بكلدانيه وآشوريه وسريانيه يكاد كل عشر سنوات يفقد نصف عدده في الوطن والموجود في الخارج إلى الانصهار يتسارع مأخوذا بالثقافة الطاغية للمهجر.
           
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ