المحرر موضوع: العراق: الغناء محرم في بابل..!!؟  (زيارة 1309 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: الغناء محرم في بابل..!!؟

باقر الفضلي

    

كلمة بابل تعنى باب الإله وصارت بابل بعد    سقوط السومريين قاعدة إمبراطورية بابل، وقد أنشأها    حمورابي، حوالي 2100ق.م امتدت من الخليج العربي جنوبًا إلي نهر دجلة شمالاً. وقد دام حكم حمورابي 43 عامًا ازدهرت فيها الحضارات البابلية حيث يعد عصره العصر الذهبي للبلاد العراقية وبها حدائق بابل المعلقة التي تعد من عجائب الدنيا السبع وكان يوجد بها ثماني بوابات وكان أفخم هذه البوابات بوابة عشتار الضخمة وبها معبد مردوخ الموجود داخل الأسوار بساحة المهرجان الديني الكبير، الواقعة خارج المدينة وقد سماها الأقدمون بعدة أسماء منها (بابلونيا) وتعنى أرض بابل ما بين النهرين وبلاد الرافدين وسميت بابل نسبة إلى (مدينة بابل الآثارية) التي تقع قريباً من مركز المحافظة ومن توابعها كل من قضاء الحلة والمحاويل والمسيب والهاشمية.
الانسكلوبيديا
مهرجان بابل الدولي هو مهرجان سنوي يتم إقامته على مدرجات مدينة بابل الأثرية في محافظة بابل وسط العراق انطلقت فعالياته أول مرة عام 1985م يتم خلاله استضافة العديد من الفرق العراقية والأجنبية التي تقوم بعروض فنية وموسيقية متنوعة ضمن فترة المهرجان. توقفت فعاليات المهرجان منذ عام 2003م على إثر حرب العراق والتدهور الأمني الذي اعقبها لكن يخطط حالياً لإعادة استئناف فعاليات المهرجان[1]


هذه المدينة العريقة في تراثها الثقافي العظيم، سواء في العمران أو في القانون أو في الزراعة وفي شتى فنون الثقافة الأخرى.. المدينة التي كانت يوماً عاصمة لأعظم إمبراطورية في العهد القديم.. المدينة التي إشتهرت ب(مسلة حمورابي) و(اسد بابل) و ب( الحدائق المعلقة) و(باب عشتار)، الرموز التأريخية المشيرة الى عظمة المدينة وخلودها كل هذا الزمن العتيد.. المدينة التي يمثل إسمها عنواناً  وشهرةً عالميةً للدلالة على عراقة حضارة العراق.. المدينة التي إحتل إسمها سجلات منظمة اليونسكو، كإحدى أشهر مدن الحضارة والتراث في العالم..!


لقد إعتادت هذه المدينة العراقية الخالدة وأبنائها الميامين، الإحتفال بمهرجان المدينة السنوي كل عام ومنذ ما يقرب الثلاثة العقود، حيث تنطلق الفعاليات الغنائية والموسيقية والفنية، التي تحييها الفرق الفنية المستضافة، إحتفاءً بمجد المدينة وتأريخها الخالد، ويجري المهرجان بكل ما تستحقه المدينة من تبجيل وتكريم وإعتزاز، الى أن توقفت إقامة المهرجان منذ العام/ 2003 ، وإتخاذ قوات الإحتلال الموقع الأثري للمدينة كموقع عسكري  لجنودها..!!


وإذ بارك أبناء محافظة بابل الكرام، القرار الجديد لوزارة الثقافة العراقية وبالتعاون مع مجلس محافظة بابل، على إقامة مهرجان بابل الدولي الأول لهذا العام من الثاني الى الرابع من تشرين الأول/2010، تفاجيء الجميع بما أعلنه السيد منصور المانع رئيس اللجنة الثقافية والإعلام في مجلس المحافظة، والقائم على مهرجان بابل الدولي الأول وهو يعرب عن [[  اسفه لتخلي اعضاء من الحكومة المحلية عن موقفهم الداعم للمهرجان، قي وقت انتشرت فيه لافتات في شوارع المدينة تحذر من اقامة المهرجان في موعده من الثاني وحتى الرابع من تشرين الاول الجاري.]] مضيفاً [[ الى انه وقبل يوم واحد فقط من انطلاق فعالياته اطلقت الحكومة المحلية في بابل تصريحات تدعو لمقاطعة المهرجان.]] [[ ووصف المانع تلك التصريحات بغير المسؤولة مشددا على ان الاتفاق تمخض عنه الغاء الفعاليات الفنية والموسيقية ما اصاب القائمين على المهرجان بالحرج مع الفرق المشاركة لاسيما الاجنبية منها.]](*)


وعلى ضوء ذلك، يأتي إنتقاد نائب البرلمان السابق السيد مفيد الجزائري للقرار المذكور، مشيراً الى تعارضه مع الدستور، وإن إصداره من قبل الحكومة المحلية للمحافظة يعكس حالة الفوضى التي تعيشها وزارة الثقافة العراقية، وقد شاركته بمثل هذا الإنتقاد، نائبة البرلمان السابقة السيدة صفية السهيل، التي إعتبرت القرار سابقة خطيرة يجب الوقوف ضدها، كما واجه القرار نفسه إنتقادات واسعة على صعيد العديد من الكتاب والمثقفين..!


السادة في مجلس محافظة بابل، يبدو قد غاب عن فطنتهم، أن اللجنة التي ساهمت في كتابة الدستور الحالي للعراق، لم يغب عن بالها أن العراق الحالي هو بلد عريق بأمجاده، ووريث حضارات مختلفة، وحاضن ثقافات شعوب وجدت مكانها في هذا الوادي الخالد، وادي الرافدين الذي ترعرت فيه، حضارات السومريين والأكديين والبابليين والكاشيين والأشوريين والكلدانيين وغيرهم،  وآخرها حضارة العرب الإسلامية، والتي جميعها كانت مبدعة لشتى الفنون والآداب والمعارف العلمية، التي منها إستقت الشعوب الأوروبية، وأنهلت معارفها في الثقافة والفنون على أنواعها، وكما يبدو أن السادة في مجلس المحافظة لم يسمعوا يوماً، أو حتى لم يطلعوا على أن أول من إستخدم الآلة الموسيقية المسماة (القيثارة) وهي تعتبر من أقدم الآلآت المسيقية في التأريخ البشري، ومن صنعها هم السومريون قبل 4000 سنة...!!
  
القيثارة آلة موسيقية قديمة، كان لها دور مهم فى مجمل الفعاليات الموسيغتائية فى بلاد مابين النهرين، وتعتبر من اهم الآثار الموسيقية التى اكتشفت فى العراق، وقد وردت لها تسميات عديدة أهمها “الكنارة”، أول ظهور لها فى المكتشفات الأثرية كان فى مشاهد موسيقية مطبوعة على أختام اسطوانية يعود تاريخها إلى عصر فجر السلالات الذى أعقب عصر جمدة نصر الأول    (2800 – 2700ق.م) وكانت بأربعة أوتار  مشدودة بشكل متوازف على ظهر الحيوان، وغالبا ما كان الثور، وهو صندوقها الصوتى الذى يحتوى على أربع ركائز تقوم مقام أرجل الحيوان...(**)
        

 ولا أطيل كثيراً في الحديث عن الموسيقى أو الغناء، ولماذا يَقدِم مجلس محافظة بابل على تحريمهما لتعارضهما مع الدين الإسلامي ومع عقائد الناس وفقاً لتبريراته،  فالأمر قد حسمه الدستور في نص المادة/ 35 حين أكد على أن:  [[  ترعى الدولة النشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي، وتحرص على اعتماد توجهاتٍ ثقافيةٍ عراقيةٍ اصيلة.]]  


ولا أظن أن قرار مجلس المحافظة بمنع الموسيقى والفعاليات الفنية لمهرجان بابل الدولي، يبتعد عن كونه خروج على ما جاء في النص الدستوري أعلاه؛  فاللجنة التي كتبت الدستور تدرك جيداً أبعاد الشرائع الدينية، مثلما أدركتها في نصوص أخرى ثبتها الدستور، كما أن السادة في مجلس المحافظة، ليس لديهم ما يستندون إليه من إدلة وشرائع يمكنهم الإستناد إليها في دعم ما ذهبوا اليه من تأويل وفتوى، لم يعهد مثلها الشعب العراقي ولا القوانين العراقية ولا الشرائع الإسلامية المعروفة، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة أو ما قبلها..!؟


وأتسائل مع غيري من المتسائلين من أبناء الحلة الفيحاء وغيرهم من العراقيين، إن تمكن السادة في مجلس محافظة بابل، أن يشيروا لنا على سبيل المثال، الى فتوى واحدة من فتاوي العلامة (أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي) الفقيه الشهير والمعروف ب(المحقق الحلي) المتوفي عام 676 هجرية 1278 ميلادية، والمدفون في مسقط رأسه مدينة الحلة (بابل)، الذي كان  [[مولعا وناظما للشعر ومنشأ ومنشدا للأدب والإنشاء بغزارة على رغم إنشغاله في العلوم الدينية.]]، أو العلامة الفقيه والفيلسوف وعالم الرياضيات والفلكي الشهير (الخواجه نصير الدين الطوسي) المتوفي في بغداد عام/ 1274 ميلادية 672 هجرية، والإثنان من علماء الطائفة الشيعية الأعلام، ومن أساتذة الشريعة الإسلامية، وغيرهم كثار من علماء الطائفة المعروفين من أبناء مدينة الحلة الفيحاء؛ أقول وأتمنى أن يكون مجلس المحافظة من الماسكين بتلابيب فقه التشريع، ليتحفونا بفتاوى شيوخ الطائفة ممن قد حرم في فتوى أو رأي، فنون الغناء أو الشعر والأدب، أم أن الشاعر الحلي الشهير (صفي الدين الحلي)، (675 - 750 هـ / 1276 - 1349 م) عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم، السنبسي الطائي، كان مخطئاً حين بحث في (الزجل) في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي)، وهو من من فنون الشعر الشعبي مصحوبا بإيقاع لحني بمساعدة بعض الالات الموسيقية، وذكر أن لأهالي بغداد خاصة، أزجال تميزهم عن غيرهم من المشارقة، أم أن الشاعر العراقي الثائر (احمد الصافي النجفي) المتوفي عام/1977، مخطئاً هو الآخر حينما قام بترجمة (رباعيات الخيام) ومثله الشاعر العربي الكبير (أحمد شوقي)، التي خلدتها الفنانة الكبيرة (أم كلثوم) بصوتها الرقيق، لتبقى خالدة في تراث الفن والشعر العربيين، وغيره الكثير والكثير من النثر والشعر العربي ، ما ظل محتفظاً بنكهته و عذوبته حتى اليوم وللأجيال العربية القادمة، بعد أن تمازج مع إيقاع الموسيقى الرائع، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الشعر الديني والموشحات الدينية التي يرددها الصوفية في جلسات الذكر الدينية؛ فهل وجد السادة في مجلس المحافظة في جميع ذلك، ما يجافي التقاليد والأعراف الإسلامية، أو يجافي أذواق الناس وعقائدهم..؟؟!!    


إن قرار مجلس محافظة بابل في منع الفعاليات الغنائية والفنية لمهرجان بابل الدولي لهذا العام، هو في الحقيقة، يمثل نكوصاً ثقافياً لم تعهده الحياة الثقافية العراقية في حياتها، ورجعة ظلامية لا غبار عليها، وتغييباً وإندراساً للتراث الحضاري العراقي ما يستوجب وقفه، وتتحمل فيه الحكومة الإتحادية المسؤولية الأولى، وهي ملزمة بأحكام الدستور في هذا المجال،  كما أن منظمات المجتمع المدني، هي الأخرى تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والمدنية، ومنهم رجال العلم والثقافة والفنون، في ضرورة التصدي لتوجهات المتطرفين من التيار الظلامي، الذي يحاول إستغلال الدين وتسخيره في إدارته لشؤون الدولة والمحافظات، وإشاعة نمط الدولة "الدينية المنغلقة" في جميع مفاصل الدولة،  مما يتعارض كلياً مع التوجهات في بناء دولة المؤسسات، التي تروج لها القوى السياسية والمتنفذة منها بالذات، وليس بعيداً عنها مجلس محافظة بابل..!!؟


 ومع هذا ورغم أهميته في المسيرة التأريخية للشعوب،  فإن الأهم في القول، إن يجري كل ذلك، في وقت تلزم فيه المحكمة الدستورية العليا، الصمت أزاء ما يجري من إنتهاكات صارخة لأحكام الدستور،  ناهيك عن صمت مجلسي الرئاسة والوزراء..!؟؟
7/10/2010