المحرر موضوع: يوميات ايرانية ( 6 )  (زيارة 892 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Adel Habba

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 30
    • مشاهدة الملف الشخصي
يوميات ايرانية ( 6 )
« في: 15:14 21/06/2006 »
يوميات ايرانية ( 6 )
[/size]

عادل حبه
تنامي التيار الديني السياسي


في الوقت الذي كانت كل التيارات السياسية اليسارية والقومية والتيارات التي تمثل التراكيب القومية الاثنية غير الفارسية تتعرض لاشد الاضطهاد ووجهت لها ضربات مدمرة من قبل الشاه واجهزته القمعية، فإن أنصار التيار الديني بكل تلاوينه والذي له جذور في المجتمع الإيراني كان بمنأى عن المطاردة الشديدة للبوليس السياسي الإيراني حتى بداية الستينيات، بسبب موقف التيار الديني السياسي السلبي من الدكتور محمد مصدق ووقوفه عملياً إلى جانب الإنقلابيين الموالين للشاه والمطالبين بعودته والمسندين من قبل المخابرات المركزية الأمريكية. وقامت القوى الضاربة لهذا التيار بالنزول إلى الشوارع في 28 مرداد 1332 هجري شمسي (المصادف 19 آب 1953 ميلادي) لملاحقة أنصار الدكتور مصدق واليسار والتنكيل بهم والترويج لعودة الشاه من منفاه. فقد اعتبر آية الله أبو القاسم الكاشاني، ابرز رجال الدين آنذاك، أن "فرار الشاه وربما سقوطه سيؤدي الى سقوط جميع العمائم". بهذه العبارة تحدث هذا الرجل لانصاره قبل ثلاثة ايام من فرار الشاه من طهران الى بغداد، وكانت هذه الكلمات بمثابة دعوة لدعم الجهود لارجاع الشاه محمد رضا بهلوي الى عرشه. إن موقف التيار السياسي الإسلامي الايراني هذا يعود إلى خشيته من تنامي نفوذ التيار اليساري في عهد مصدق وتحالف هذا التيار مع الدكتور مصدق. ويشير آية الله حسن علي منتظري،الشخصية الثانية بعد الخميني والذي ابعد لاحقاً، في مذكراته عن تلك الفترة قائلاً ان:"آية الله بروجردي كان قلقاً من تنامي نشاط حزب توده ايران وكان ذلك من اسباب دعمه للشاه والقوى المناهضة لمصدق".
ولهذا السبب جرى في ذلك الوقت إنفراط عقد التحالف بين الدكتور محمد مصدق وآية الله الكاشاني الممثل الأقوى للتيار الإسلامي السياسي في عقد الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين ومع كل اقطاب التيار الديني السياسي. فقد كان آية الله ابو القاسم الكاشاني أحد أعمدة حركة تأميم النفط الإيراني في بداية الخمسينيات والتي قادها الدكتور مصدق وحليفاً له. وكان لإنفراط التحالف بين الإثنين أسباب تعود إلى نشاط المخابرات الأمريكية والإنجليزية والبلاط الملكي وتراجع آية الله الكاشاني عن موقفه المساند لمصدق ومده لخيوط التحالف مع الشاه أحد الاسباب الرئيسية التي أدت إلى أنهيار حكم مصدق ثم فشل عملية تأميم النفط الإيراني وهيمنة كونسرسيوم نفطي جديد بقيادة الإحتكارات النفطية الأمريكية بدلاً عن شركة النفط الإيرانية السابقة التي هيمنت عليها الشركات النفطية الإنجليزية. ولم يقتصر أمر هذا الخلاف بين مصدق والكاشاني على هذه المظاهر، بل وتعداه الى قيام أنصار الكاشاني يوم الإنقلاب المعادي لمصدق بتنظيم فرق مسلحة من الصعاليك، وعلى رأسهم الشقي "شعبان بيمخ" ورهطه، بمطاردة أنصار مصدق واليسار لردعهم عن أية محاولة لإحباط الإنقلاب الذي خططت له المخابرات المركزية الأمريكية وقام بتنفيذ هذا المخطط الجنرال زاهدي والجنرال نصيري الذي اصبح مدير المخابرات الايرانية لاحقاً(الساواك).
وبعد وفاة آية الله ابو القاسم الكاشاني في أواخر الخمسينيات بدأت تتبلور شخصية سياسية دينية جديدة، لم تتورط في تحالفات الرموز الدينية السياسية مع الشاه او مع المخطط الامريكي الانجليزي الذي اطاح بالزعيم الوطني الدكتور مصدق، لتتزعم التيار الديني السياسي الإيراني الجديد. كما شرعت بالظهور حركة دينية أصولية متطرفة جديدة على أنقاض سابقتها والتي عرفت آنذاك بحركة ( فدائيان إسلام) في الأربعينيات والخمسينيات والتي أتبعت العنف والإرهاب الفردي كإسلوب لها في النشاط السياسي.* هذه الحركة الجديدة، وابرز مكون لها وقبضتها الضاربة، تيار المؤتلفة المتشدد المتنفذ الآن في إيران، تقلد وتلتف حول الشخصية الدينية الصاعدة روح الله الموسوي الخميني الذي لم يرتق آنذاك إلى أعلى سلم المناصب الدينية، أي آية الله. ويعود تنامي هذا التيار، كما أشرنا، إلى إنحسار التيار اليساري والقومي والوطني الليبرالي بحيث إتجه الكثير من الشبيبة الإيرانية نحو التيار السياسي الديني عله يجد مخرجاً لأنقاذ البلاد. واضافة الى ظهور تيار الخميني، برزت تيارات دينية معتدلة اخرى ولكنها اقل تأثيراً مثل التيار الذي يقوده شخصية من غير رجال الدين هو الدكتور علي شريعتي وتيار آخر وطني- ديني متمثلاً بحزب نهضة الحرية وابرز شخوصه آية الله سيد محمود الطالقاني والمهندس بازركان الذي اصبح اول رئيس وزراء بعد الطاحة بالشاه عام 1979. في تلك الفترة شهدت البلاد ضائقة إقتصادية باتت تطحن كاهل المواطنين وخاصة في الريف وأدت الى تنامي البطالة في فروع الإقتصاد المختلفة. وكان لإسلوب الحكم المفرط في الإستبداد الذي أنتهجه الشاه محمد رضا بهلوي والذي ورثه عن والده رضا شاه وسياسته الاقليمية وخاصة العداء لحركة التحرر العربية والموالاة لمخططات الولايات المتحدة واسرائيل عاملاً هاماً في استثارة المشاعر الدينية وزيادة النقمة الشعبية على الحكم ومن ضمنهم طلبة المدارس الدينية وبعض كبار رجال الدين.
ومما شجع على تحرك هذا التيار هو الشعور العام الذي ساد المجتمع الايراني بأن هناك تناقض أصبح بادياً للعيان بين الشاه ونظامه وبين الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة المتمثلة بشخص رئيس الولايات المتحدة الجديد جون كندي في بداية الستينيات. فالإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، بما عرف عنها بتبنيها النزعة الليبرالية سواء في داخل البلاد او خارجها، كانت ترى في شكل الحكم الإستبدادي في إيران خطراً يهدد بإنهيار مواقعها في منطقة حساسة محاذية للإتحاد السوفييتي. ولذا بدأت الإدارة الأمريكية بالضغط على الشاه من أجل إحداث إصلاحات وتوفير حيز من الحريات في المجتمع الإيراني، الى حد تشجيع بعض الجنرالات الموالين للولايات المتحدة بل وحتى رموز دينية ليس لها نفوذ الى التحرك للاطاحة بحكم الشاه. وهكذا تلقى الشاه الرسالة واضطر إلى إعلان ما سمي آنذاك بثورة "الشاه والشعب"، التي لا تنطوي إلا على إصلاحات محدودة تعجل في نمو اسلوب الانتاج الرأسمالي في البلاد لصالح الطغمة الحاكمة ومريديها، ولا تؤدي إلى أية إصلاحات سياسية حقيقية كتأمين الحريات الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية المنتخبة ووضع حد للإستبداد المقيت وشبكة المؤسسات القمعية الرهيبة في البلاد وأحداث عملية تنمية جذرية وحل القضية الزراعية والمشكلة القومية المستعصية. وشمل الإصلاح إعطاء المرأة قدراً من الحريات وإلغاء بعض القيود على حقوق المرأة والغاء تطبيقات دينية في الزواج "كزواج المتعة"، او ما يعرف في ايران "الصيغة"، على سبيل المثال، وهو اقرب الى "الزواج العرفي" الدارج في مصر. كما بادر الشاه إلى إجراء إصلاح زراعي محدود ومبتور يحد من ملكية الإقطاعيين وملاك الأراضي الكبار دون أن يعني نهاية الإقطاع في البلاد. فمسألة الأرض كانت من المسائل الإجتماعية المعقدة والحساسة خاصة بسبب شحة المياه، والتي تعكس أعلى أشكال الظلم الإجتماعي للفلاحين في إيران وهم الذين يشكلون الاغلبية في المجتمع الايراني. فقد كانت العائلة المالكة وكبار الإقطاعييون وكبار ملاك الأراضي يسيطرون على قرابة 85 % من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة اضافة الى مصادر المياه. وسطت العائلة المالكة بعد تولي رضا شاه السلطة على أفضل الأراضي في مختلف المحافظات بعد أن تم قتل مالكيها السابقين من أفراد العائلة المالكة القاجارية السابقة والإقطاعيين وملاك الأراضي الموالين لهم. وقتها أشار "فوت" النائب في مجلس العموم البريطاني آنذاك إلى "إن رضا خان قام بتصفية جميع السراق وقطاع الطرق في إيران وأفهم أمته أنه منذ الآن سيبقى في إيران قاطع الطريق والسارق الأوحد و الوحيد على الأراضي الإيرانية"، ويقصد النائب البريطاني بذلك رضا شاه مؤسس السلسلة الشاهنشاهية البهلوية الجديدة.
نعود إلى الإصلاح الزراعي ونشير إلى أن ما طبق مس بشكل محدود بعض الأراضي العائدة لعائلة الشاه والمحيطين بها وحول مالكيها الى رأسماليين، غير أن هذا الاصلاح طال أعداداً من الملاكين الكبار الذين كانوا من الممولين الأساسيين لرجال الدين الكبار، وهو إجراء مقصود من قبل الشاه للحد من مصادر تمويل المؤسسة الدينية. إن هذا الاجراء أدى إلى نقمة قطاع من رجال الدين ضد الشاه وحكمه. ولعب نهج فرض قشور ومظاهر الثقافة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص دوراً غير قليل في إثارة النقمة لدى التيار الديني على حكم الشاه. فالمجتمع الإيراني كان يعاني من سلبيات كثيرة ويعاني من الأمية والتخلف لا تحل بفرض قيم لا يهضمها المجتمع. لقد إتبع الشاه رضا شاه الأب نفس الإسلوب عندما فرض بالقوة ما سمي بالتحديث عبر رفع الحجاب بالقوة، تماماً كما يفض بعض المتطرفين عندنا الآن الحجاب بالقوة، وتقليد الألبسة الغربية وتنظيم حلقات اللهو الأوربية مقلداً بذلك ما فرضه الديكتاتور مصطفى أتاتورك على المجتمع التركي بعد هيمنته على السلطة في تركيا إثر انهيار الامبراطورية العثمانية. ولكن ما لبث الناس أن عادوا إلى لبس الحجاب بشكل أكثر من السابق بعدما تم إزاحة مؤسس السلسلة البهلوية رضا شاه إثر دخول القوات السوفييتية والبريطانية وبدعم عسكري ولوجستي من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأراضي الإيرانية في بداية الحرب العالمية الثانية، وذلك من أجل الإطاحة برضا شاه بسبب تعاطفه مع هتلر ونظامه والحيلولة دون وقوع إيران في قبضة دول المحور. ونصب الحلفاء محل الشاه المخلوع الذي نفي الى جنوب افريقيا ابنه الشاب محمد رضا بهلوي ليتربع على عرش الطاووس. وبذلك أنهارت دكتاتورية رضا خان في 25 من آب عام 1941 دون أن يدافع الجيش الإيراني ولا الشعب الإيراني عن الشاه المخلوع، بل واستقبل الشارع الايراني انهيار الاستبداد على يد الاجانب بترحاب ملحوظ. ولم يقاوم الإيرانيون "الغزو" الأجنبي لقناعتهم الفطرية بعدم وجود طريق آخر كي يتحرروا من نظام منبوذ وديكتاتورية دموية. وتشكلت حكومة ائتلاف وطني من غالبية التيارات السياسية بما فيها حزب توده ايران الذي اشغل ثلاث وزارات في حكومة قوام السلطنة. وهذا ما حدث ويحدث وسيحدث لاحقاً في حالات مماثلة عند الشعوب التي تعاني من نفس الظروف التي مر بها الشعب الايراني.
وإضافة الى ذلك لعبت سياسة الشاه محمد رضا بهلوي على النطاق الإقليمي دوراً في إثارة رجال الدين والجمهرة المتدينة والقوميين واليساريين في إيران. فالموقف الإيراني الرسمي الموالي لإسرائيل، التي إستولت على أراضي يقدسها المسلمون، ومناوءة الشاه للأنظمة العربية المعادية للغرب وخاصة نظام جمال عبد الناصر، الذي تتعاطف معه جمهرة المؤمنين والقوميين واليساريين في إيران، عمقت من مشاعر العداء لدى التيار الديني والتيارات المعارضة عموماً ضد الشاه وحكمه الفاسد.
وفي ظل تدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، حدث أول أنفجار شعبي بقيادة التيار الديني السياسي المتشدد في الخامس من حزيران عام 1963 بعد سلسلة من الخطب التحريضية التي ألقاها روح الله الموسوي الخميني ضد الحكم وضد تبعيته للولايات المتحدة وتمتعها بنظام الافضلية وتحالفه مع إسرائيل، هذا إلى جانب فضحه للظروف الصعبة اليومية التي يعاني منها المواطنون الإيرانيون. وسيطر المعارضون من أنصار التيار الديني الأصولي على أجزاء من العاصمة ومدن أخرى. ولكن الجيش والأجهزة البوليسية قمعت بشدة هذه الحركة وأعدم وإعتقل الكثيرون من أنصارها ومؤيديها. وتم إعتقال روح الله الموسوي الخميني وحكم عليه بالإعدام ولكن لم يتم تنفيذ الحكم حيث سارع رجال الدين الكبار إلى منح الخميني لقب آية الله لتفادي إعدامه. فالدستور الإيراني ينص على تحريم الحكم بالاعدام على آيات الله، بعد تجربة اعدام آية الله فضل نوري على يد ثوار "المشروطة" الديمقراطية بسبب تعاونه مع الدوائر البريطانية للحد من اقامة اي حكم ديمقراطي دستوري وفرض حكم "المشروعة" وهو حكم الاستبداد الديني. وإتخذ الشاه قراراً بإبعاد آية الله الخميني إلى تركيا في منتصف عام 1963 . ثم أنتقل آية الله الخميني إلى العراق ليقيم منفياً في النجف الأشرف حتى عام 1978 وإثر إندلاع الثورة الإيرانية، حيث غادر العراق مكرهاً بسبب موقف صدام حسين المتعاطف مع الشاه وتعهده للاخير بإخراج الخميني من الاراضي العراقية.
لقد لاحظت عندما وصلت إلى طهران في نهاية عام 1963 حجم الصدام بين قوى القمع وبين المتظاهرين في منتصف عام 1963 من بقايا النشرات الدينية وصور أية الله الخميني وآثار طلقات الرصاص على جدران البيوت وخاصة في الأحياء الشعبية الجنوبية من العاصمة. كما كانت تردنا أخبار عن إستمرار التذمر ونشاط التيار الإسلامي رغم أعمال البطش التي قامت بها اجهزة القمع الإيرانية.
يتبع
* تكونت حركة "فدائيان اسلام" على يد شاب متعصب ايراني اسمه نواب صفوي. ولقد درس صفوي في المعهد الفني في طهران، ثم التحق بالمدارس الدينية وانضم الى تيار التطرف الديني. ومن اجل المزيد من استلهام التطرف الديني، سافر الى مصر والتقى بقادة حركة الاخوان المسلمين ورجال الدين المصريين وعلى رأسهم حسن البنا. وعندما رجع الى ايران وتزود بخبرة تطرف الاخوان المسلمين، الذين يمدون العالم منذ ذلك الوقت وحتى الآن بالمتطرفين، بدأ بتشكيل فرق ارهابية قامت بإغتيالات سياسية لم تقتصر على رموز السلطة بل وحتى المعارضة. وقد حكم لاحقاً بالاعدام ونفذ الحكم.[/b]