المحرر موضوع: ما لم يقله احد عن اضراب سد دربندخان ـ الجزء الرابع  (زيارة 1415 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل دنخا البازي

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 9
    • مشاهدة الملف الشخصي
ما لم يقله احد عن اضراب سد دربندخان
إضراب بلا عنف


دنخا البازي ( ابو باز)

للاطلاع على الاجزاء الاخرى  انقر على الروابط التالية
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,447913.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,448118.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,449096.0.html

الجزء الرابع
ا السيد مدير التوضيف ، صاحب السمعة الملطخة بالأتاوات والرشا ، يجعل من أمر الحصول على عمل ، اشبه بمقامرة خاسرة ، فلهذا المدير السيء بطانة من المقربين اليه ، يمكن ان نطلق عليها كلمة عصابة لدلالتها الواضحة .
كان هؤلاء الغلاظ ، يهيئون لمديرهم ، أسماء من يجب فصلهم من العمل ، وأسماء من يتم الأستغناء عن خدماتهم . لقد كان كل شيء ممكن أمام هذه العصابة ورئيسها مدير التوظيف . فالمطرود من العمل بتوصية حتى من مدير الشركة ، يمكن أن يعاد الى العمل ، والمعين الذي قبلت اضبارته وحدد له يوم للمقابلة ، سرعان ما تختفي إضبارته ، وتحل محلها إضبارة أخرى ، ولشخص آخر .
الجزء الرابع
كان كل شيء يمكن أن يحدث ما دام هنالك من يقدم الرشا ، وليس هنالك من فرق في طبيعة ما تكون ، فجميع الأنواع مقبولة ، من الورقة النقدية الحمراء من فئة الخمسة دنانير ، الى صندوق الويسكي ، الى المصاغات الذهبية ، بل حتى الفضية منها ، او التعهد من طالب العمل أن يدفع بعد التعيين . وللأسف وأمام كل هذا العسف لم يحرك أحدا ساكنا ، لا من العمال ، ولا من النقابيين ، فالكل كانوا بلا حول ولا قدرة على المواجهة أو رمي ولو حجر صغير واحد على سطح بحيرة الصمت الذي كان يسود كأنه لعنة مكتوبة على مصائر الجميع . أما لماذا هذا الأصرار من قبل طالبي العمل على البقاء أمام بوابة الشركة ؟ فيعود أمره ، الى الرواتب المجزية التي كانت تدفعها الشركة للعاملين فيها ، مما يغري بالصمت على كل الحيف الذي يلحق بحقوق العمال .
كنت خلال المده التي قضيتها في إنتظار رد الشركة على طلبي ، الذي أعتقد انه صار من المستحيلات التي يمكن ان أفكر بها ، قد وطدت علاقاتي مع العمال المنتظرين . فتوطيد وتمتين العلاقة بين العمال ، او الفقراء عموما ، لا يحتاج الى المداهنات اوشيء من التعقيد ، فكلما يتطلب الأمر ، هو أن تكون صادقا فقط ، فتحاط بصداقة مخلصة خالية من أية منفعة شخصية . هكذا علمتني التجربة ، ومنها ، كسبت ثقة ومودة الجميع ، بل تجاوز الأمر ، من علاقات يومية عابرة ، الى صداقات تمتاز بالمتانة والثقة المتبادلة .
لم يتوقف يأسي ومرارتي في الحصول على عمل ، بل صارا ككرة الجليد التي تتدحرج من نفسها ، فتبتلع ما تجده أمامها لتكبر رويدا مع كل شبر تتدحرجه من علِ . لذا فإن شرارة فكرتي بالذهاب الى بغداد للبحث عن عمل ، قد إبتلعت كل رمادات الأمل التي توهجت ، حين كانت أحلام اليقضة تجتاحني في البدايات .
عرف جميع المواضبين على التواجد أمام بوابة الشركة ، بنواياي هذه ، بل كانوا يتداولون ما كنت أصرح به بين فينة وأخرة ، من إني عندما أذهب الى بغداد سأفتح مشروعا كبيرا هناك. ومن باب المشاكسة التي كانت ترافق حواراتي مع الآخرين ، كنا أقول : بأني سوف أفتح مشروعا هناك وسوف ادعوا الجميع للعمل في مشروعي المنتظر قلة هم الذين صدقوا كلامي المعسول بنفس المساكسة ، أما البقية فهم يعرفون بوضعي ، لذا لم يعيروا إهتماما جديا لِما قلت .
وبين ما كنت أدعيه ، كانت الآذان تصغي لما كنا نتهامس به عن الوضع المزري الذي تعامل به الشركة العمال . وبعد زمن وجيز ، لم يعد ذلك الهمس حبيس آذاننا ، فألسنتنا أخذت تتداول همساتنا جهارا ، فكانت الآذان تفلتر ما كنا نتحدث به ، وكأنها اسرار تتطلب منا توخي الحذر ممن يترصدنا نحن العمال ، غير إن رباط الثقة التي يجمعنا ، جعلنا لا نخشى لا السريون ، ولا جواسيس الشركة الذين كانوا يحيطون بمدير التوضيف .
كما أننا كنا لا نشك بوجود واش بيننا ، ولم نكن نخشى من الآخرين ، ان ينقلوا ما كنا نتداوله من هموم الى أولئك الجواسيس الذين وظفتهم الشركة لتكون هي على علم بكل صغيرة وكبيرة ، يمكن ان يفكر بها العمال ، ليتدارك الأمر ، مركز الشرطة الوحيد في هذه القرية التي تقترب بعجالة من مواصفات المدينة حاملتا في أحشائها المتناقضات ، كما هو حال المدن الكبيرة ، او التجمعات العمالية الضخمة .
* * *
يقال ان الأفكار بنات لحظاتها . وفي لحظة من لحظاتي الضائعة ، وأنا في معمعمة الأنتظار الذي زاد عن حده ، نطت من لساني واحدة من الأفكار المشاكسة ، هذه الأفكار التي كانت تراودني كلما إبتعد عني الأمل بالحصول على عمل ، وأيضا كلما خيم إخطبوط اليأس على مجسات إلتقاطي لما كان يدور من حولي .
كنت جالسا كعادتي في المطعم المقام في الهواء الطلق على جانب من البوابة الوحيدة للشركة . وأثناء ما كنت اسرح بخيالاتي التي لا تنتهي ، كان الفضول يدفع بشعاع عيوني السارحة الى أفق لا اتحسس مداه ، ولكن هذا الشعاع كان دوما مهيئا للولوج الى ما يلي بوابة الشركة ، الى داخلها ، متفحصا ما كان فيها من بنايات عديدة ( بنكلات ) . واحدة كانت تضم المكاتب الخاصة بكل الموظفين الأداريين . والأخرى للمهندسين والفنيين . وفي منطقة قريبة من هذه البنكلات ، كانت هناك عدد من البنكلات الكبيرة التي توجد فيها غرف نوم هؤلاء المدللين من قبل الشركة . أما العمال فلم تفكر بهم ، ولم تضع في حسبانها اي خدمة تقدمها لهم ، ولو بحدودها الدنيا ، فلا مكانات لمنامهم ولا مساحات منظمة لراحتهم ، كالمقهى أو مكان استراحة يقيهم حرارة الشمس صيفا ، وغزارة المطر في شتاءات هذه المنطقة الباردة .
هكذا كانت ارادة الشركة تفرض سلطانها الجائر على العمال دون سواهم . ومما يؤلم ، ان ادوات هذه السلطان الجائر كانوا عدد من الموظفين والعمال الذين يذودون عن مصالحهم الشخصية بالأخلاص لهذه الشركة او سواها ، لقد كان هؤلاء الحفنه ، يحرصون على مصالحهم الشخصية ، ومصالح الشركة الأمريكية هذه ، أكثر بما لا يقاس من حرصهم على مصالح العمال ، أبناء جلدتهم ، كما هو الحال مع مدير التوظيف وبطانتة من ضعاف النفوس ، التي كانت تحيط به .
كان ذلك المطعم الرث ، هو مقهانا ودار استراحتنا بذات الوقت ، كان مقرنا ونقطة تجمعنا ، نحن الذين ننتظر فرجا عن طلباتنا التي هي حبيسةٌ داخل الأدراج في مكتب مدير التوضيف وأعوانه ، الى أن يستجيب مقدم الطلب الى إبتزازاتهم التي لا تنتهي .
كان هذا الوضع التي تتصالب فيه مصالحنا مع مصالح مدير التوظيف وعصابته ، والشركة الأمريكية بشكل عام ، يشعل في رأسي عشرات من الأفكار التي تداعي : أين حقي ؟
ومن بين ما كان يقدح به التفكير ، كانت تلك الفكرة المشاكسة التي واتتني وأنا أتناول ذلك الصحن من التشريب الخالي من اللحم على الأطلاق، والذي لا يحسدني أحد على أكله . إذ لم يتأخر لساني حين شطح أمام الجميع وقال : اني سأسافر غدا الى بغداد . وهناك سأعرج على الأتحاد العام لنقابات العمال والصحف الوطنية شارحا لهم مأساة ما يجري هنا . بل إني سأحمل مذكرة مكتوبة بأسم الجميع مكتوب فيها كل الظلم الذي نعانيه هنا ، ومطلوب من الجميع والحالة هذه ؛ التوقيع على هذه المذكرة بلا استثناء ، لآني سوف أكتبها بإسم جميع العمال وبإسمنا نحن الذين قدمنا طلباتنا للعمل هنا ولم نتلق ردا الى الآن إلا حين نقدم الرشاوي للمتنفذين في الأمر . فهل أنتم موافقون ؟
لم يتأخر أي من الحاضرين عن الموافقة الشفاهيىة ، لحين احضار هذه المذكرة غدا صباحا . في صباح اليوم التالي ، أحضرت معي تلك الورقة التي دونت فيها معاناتنا وعدد من مطاليبنا ، فوقع عليها أكثر خمسين عاملا ، وهو عدد ضامن لتأخذ تلك المذكرة طريقها الى الأعلام او النشر .
ما لم يكن بحساني أن تكون لتلك الفكرة المناكدة ، رد فعل سريع من قبل مركز الشرطة ، حينما وقفا أمامي شرطيان مرسلان من مدير المركز ووقفا قبالتي . كان الوقت ظهرا وهو وقت أكل صحن ثريد الطماطم الذي يبيعه المطعم لأمثالي الذين لا يملكون غير ثمن ارخص وجبه فيه . لم يكن تشريبا كما يتراءى للقاريء ، ولكنا كنا نسميه تشريبا هكذا ، وتيمنا بما كان يأكله المهندسون والفنيون في الشركة من تشريب حقيقي باللحم والعظم .
أصر الشرطيين على وجوب حضوري معهم لمركز الشرطة ؛ لأن السيد المعاون يطلبني حالا . لم ارتبك ، أو تأخذني الدهشة من الوضع الذي وضعت نفسي به ، ورغم أني لا اعرف مدير المركز هذا ، استجمعت كل ما أملك من جرأة الشيوعي وعيناي لم تترك أبصارهما عن صحن التشريب :

يتتبع الجزء الخامس