المحرر موضوع: الدين .. بين الايثار والاستئثار  (زيارة 1091 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل abuthar

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدين .. بين الايثار والاستئثار
حسين التميمي

فلان يؤدي فروضه كاملة .. هو يصلي ويزكي أو يخمس ويصوم ويحج و .. لكن ماذا عن سلوكه اليومي . ماذا عن علاقته بباقي أبناء جلدته ؟ ماذا عن أخلاقه ؟ يقول الرسول الكريم (ص): (انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق). ويقول احد الحكماء انما الأمم الأخلاق مابقيت .  ولعل أي مطلع أو دارس لاخلاق الكثير من الأمم يكتشف بأن جميع الحضارات والثقافات
التي غيرت وجه التاريخ قد تبلورت وتكونت في ظل أجواء مشابهة لما دعى اليه الرسول الكريم (ص)، ولعل اغرب وأكبر المعضلات التي يمكن ان تواجه دارس كهذا تكمن في حال تدرجه في البحث الى المقارنة بين الغرب والشرق ، فالشرق وعلى الرغم من كونه مهبط الرسالات ، والحاضن الشرعي للكثير من الحكماء الا انه ولبضع قرون خلت . قد أثبت بأنه أكثر الشعوب عداء للتطور والتقدم ، وهذا ليس من باب التحامل او الافتراء ، انما من باب وضع الاصبع على الجرح ، ووضع المشكلة أو المعضلة على طاولة التشريح .. ليس من اجل ايجاد حل ناجع لها ، فهذا جهد شاق يصعب علينا تبنيه انما من اجل محاولة ايجاد حل ضمن محاولات عديدة، تنطلق من هنا وهناك من اجل الوصول الى قراءة موضوعية وعقلانية لواقعنا المعاش (كشرقيين ) ومن ثم الانتقال الى المرحلة التالية وهي مرحلة العلاج ، فلا طب ولا دواء بغير تشخيص ، ولا عيب في ان يخطيء البعض وأن يصيب البعض الآخر ، مادامت الأغراض والنوايا تتصف بالنبل والجدية في التصدي لما نحن فيه الان من تخلف عن ركب الحضارة ، وأذكر هنا طيب الذكر جاليلو ذلك العالم الكبير الذي اطلق لمرقابه أو منظاره العنان كي يسري الى الكواكب مستنطقا اياها نظريته حول كروية الأرض ، ومثله فعل كوبرنكس وآخرون كي يقلبوا للكنيسيون وليس للكنيسة الحقة .. ظهر المجن وليظهروهم للبشرية عراة ، معزولة آفاقهم ورؤاهم عن الحقيقة وعن نور الشمس نور الحقيقة ، ولم تنفعهم المحاكم التفتيشية بكل جبروتها ، ولم ينفعهم (أي رجال الكنيسة) كل انواع الترهيب والترغيب للعلماء الأفذاذ الذين غيروا وجه التاريخ ، ووضعوا قاطرة التطور على خطها أو مسارها الحقيقي كي تنطلق وتنطلق معها آلاف مؤلفة بل ملايين من شعوب الأرض ، فاخترعوا القطار والسيارة والطائرة والكهرباء والتلفون والكثير من العلوم التي ترتع البشرية الآن في ظل نعيمها ، بينما كان مصير رجال الكهنوت الانزواء أو العودة الى الاماكن التي تخصهم ، ولعل الكثير منهم قد وعوا الدرس مبكرا فراحوا يعملون ضمن المساحة الحقيقية المخصصة لهم ، وهذه المساحة أعادت لهم احترام العامة من الناس ، فرجل الدين ووفقا للتجارب التي يحدثنا عنها التاريخ ، يكون أكثر اهمية وقدرة على الاقناع ونيل الاحترام حين يلتزم بما اوصاه اياه الخالق (عز وجل) ، ويعي مساحة تحركه ، ومساحة عمله ، بينما هو يستطيع ان يحقق مكاسب دنيوية أكبر عن طريق تدخله في السياسة وفي القوانين الوضعية لكن الحراك العام للتاريخ ، أو المتحول في التاريخ يجعل من الثابت (أي التعاليم المنزلة والمقدسة) في موضع حرج لأنها غالبا ما تتعارض مع هذا الحراك اذا ماطبقت بطريقة تعسفية والزامية لا تقبل المناقشة او الرأي الآخر، بينما على العكس من ذلك نجد أن رجال الكنيست ومن خلال استيعابهم العقلاني لتجربتهم في القرن الخامس والسادس عشر - استطاعوا ان يعيدوا النظر بآليات عملهم ، فتحولوا من الاكراه الى الترغيب ، ومن القسر الى التحبب الى الآخر وعرض التجربة المسيحية بشكل أكثر انسانية واكثر اقناعا من لغة محاكم التفتيش ، وهذا أنتج مايسمى اليوم بالمسيحية الجديدة ، وهذه المسيحية تحولت الى ورقة ضغط وعامل موازنة قد انتج الكثير من الافكار والمدارس الدينية اللاحقة ، وكان آخرها ماصار الآن عليه كبار الساسة في أكبر دول العالم من حيث التأثير والقدرة على اتخاذ قرارات كونية . ولكي لا يصاب القارئ الشرقي بالدوار من هذه الالتفافة أو الدوران ، نقول : على رجل الدين الشرقي أن يعي الدرس جيدا ، فما خسرته الكنيسة في القرون الوسطى عادت الى جني أرباحه أو حصيلته في القرن الحادي والعشرين عن طريق تسنم رجال - لم يخطر للبشرية حين ازاحتهم في القرون الوسطى - ان يعودوا مجددا ولكن بافكار معاصرة ،ولسنا هنا في مجال محاكمة أو تقييم هذا الطرف أو ذاك ، انما اردنا ان نضرب مثلا للكثير من رجال الدين ممن تركوا المساجد ، وجميع مساحات اشتغالهم وتأثيرهم وتحولوا الى السياسة ، واستفادوا أو استثمروا تأثيرهم الديني من أجل جني مكاسب دنيوية ، بحجة أنهم يروجون للدين الاسلامي بعملهم هذا ، وأنهم يدخلون الناس تحت لواء هذا الدين زرافات زرافات .. لكن ماذا عن الغد ؟ ففي ظل العولمة وغزو الغرب لنا اعلاميا، وبجميع الوسائط والسبل .. أقول في ظل هذا الغزو ثمة وعي آخر يترعرع وثمة أفكار وقيم تتشكل (في الخفاء غالبا) هذا الوعي وهذه الأفكار ستقوض الكثير من التأثيرات الشكلية لرجال الدين الذين تحولوا الى ساسة ، وتلونوا بألوان وبهرج السياسة والمناصب والمكاسب ، وستفرض في الغد القريب أسئلة مغايرة للسائد ، وهذه الاسئلة ستضع ساستنا الجدد في زاوية ضيقة وسيصعب عليهم ان يجيبوا أو يستجيبوا لعقول متنورة متفهمة متعلمة تعي الحراك التاريخي للحضارة والانسان وتعي ايضا حقوقها المسلوبة وفقا لمرجعيات باتت خارج التاريخ . فهل سيعي هؤلاء دورهم الحقيقي ويعودوا الى جادة تأثيرهم الحقيقي فينا أم يواصلون محاولاتهم لشغل ذلك الحيز الذي سبق وان غادره رجال الكنيسة منذ أكثر من خمسة قرون خلت ؟