المحرر موضوع: النفط والكهرباء والمرجعيات الدينية في العراق  (زيارة 2723 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سلام ابراهيم كبة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 286
    • مشاهدة الملف الشخصي
  يفتقر العراق اليوم الى برنامج حفظ للطاقة وترشيد استهلاكها اي الاستراتيجية الأساس لدعم اقتصاده الوطني عبر السعي لاستحصال معامل استهلاك طاقي مناسب ومرن ( وهو حصيلة تناسب معدل النمو في استهلاك الطاقة ومعدل عموم النمو الاقتصادي في فترة زمنية قصيرة ). ويعكس هذا المعامل ( Factor) تناسب وانسجام الطلب الاستهلاكي للطاقة مع نمو الدخل القومي ! وهو معامل اقترب كمعدل عالمي في الربع الأخير من القرن المنصرم مستوى ال ( 85 ,0). ويتجه المسار العام في تطور هذه المعامل نحو الانخفاض والتناقص في مجموعة البلدان المتقدمة رأسماليا وصناعيا ونحو الارتفاع والتصاعد في مجموعة البلدان النامية دون ان يتجاوز ال (1) .  ومعامل استهلاك الطاقة في العراق أعلى من (1) وأحيانا (2) بسبب العجز الاقتصادي والاحتلال مما ترك ويترك الآثار الضارة على التنمية الاقتصادية وعملية الاعمار في الوقت الذي تتجه فيه مؤشرات التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثورة المعلوماتية في العالم نحو تحسين معدلات الاكتفاء الطاقي وتطوير أعمال استخراج النفط والغاز الطبيعي والتصفية الوقودية ومعالجة تحويل المصادر الوطنية للطاقة الى أشكال وقودية جديدة مفيدة وتطوير مصادر الوقود غير الناضب وتحسين ميزان المدفوعات والتبادل التجاري الخارجي للبلدان الوطنية. وارتفاع معامل الاستهلاك الطاقي في العراق جاء بحكم ازدياد الشدة الطاقية باضطراد ، بسبب تذبذب التغذية الكهرومائية ، وعطل وتدني مستويات الصيانة في كهرباء الشبكة العامة ، وتوسع انتشار التوليد الحراري الصغير والأهلي والتجاري بالكازاويل والديزل والبنزين ، والارتفاع في عدد المركبات ،  وتذبذب مستوى وحجم الغابات الاصطناعية والطبيعية وحقول الطاقة وصناعة الأخشاب ، والجفاف وتدني مستوى المسطحات المائية ، الأزمات الوقودية جراء أعمال التخريب والتهريب ، تزويد سلطات الاحتلال بالنفط العراقي بسعر تفضيلي ضمن الاتفاقيات السرية التي فرضت على الحكومة العراقية لضمان الامدادات النفطية العراقية للولايات المتحدة الأمريكية لعقود قادمة ، تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات ، الشركات النفطية العراقية الوهمية خارج العراق التي تذلل  حصول الشركات الأحتكارية على العقود النفطية العراقية لقاء العمولات.. ، الفساد الاداري وغياب الرقابة الشعبية على الاعمال الحكومية و النشاط غير الحكومي !
    تتأرجح الشدة الطاقية في العراق صعودا ونزولا بنسب ملحوظة مع وفرة النفط  في الأسواق والريع النفطي واسعار وأزمات النفط ... وهي تعبر عادة عن كميتها من الإنتاج الوطني اللازمة لانتاج ما قيمته دولار واحد في الوقت الذي  يتناسب فيه الطلب على الطاقة مع صافي الدخل القومي ، الا ان التغييرات الحادة في الشدة الطاقية والكثافة الطاقية ( ميكاجول/ دولار) تؤثر بحدية على هذه المعادلة . والكثافة الطاقية في العراق اليوم مرتفعة بسبب النمو السكاني والنشاط الاقتصادي والتجاري  .
    تسهم الدراسة الأكاديمية للاقتصادين الكلي والجزئي (Macro & Micro) في تحسين كفاءة الطاقة والكهرباء .ومعروف تقنيا وعلميا انه يمكن خفض الشدة الطاقية وتعزيز الميل في هبوط الطلب على الطاقة والتوجه الى انتاج السلع بدل إنتاج الخدمات  ! عبر العوامل التالية :-
•   أولا/   رفع كفاءة إنتاج المواد الحاملة والناقلة للطاقة (Energy Carriers) ، وتقاس عادة بوحدة ( كيلوواط ساعة/طن من الوقود المحترق ) .
•   ثانيا/   رفع كفاءة تقنية استهلاك الطاقة والكهرباء -  انخفاض كمية الطاقة اللازمة لإنجاز خدمات الكهرباء في فترة زمنية محددة .
•   ثالثا/   التغيير الهيكلي في استخدام المواد كثيفة الطاقة(Intensive )  ، والطلب الأقل عليها في المستويات العليا للنشاط الاقتصادي .
   الى جانب ذلك توفر التقنيات المتقدمة لاستخلاص المقدار الأكبر من العمل / وحدة وقودية فرص تلبية حاجات بلادنا من الطاقة الضرورية والحد من الأضرار البيئية . وتشمل برامج حفظ الطاقة الوطنية تنفيذ الاختبارات الدورية ، وبرامج الصيانة الوثائقية ، والتقييس والسيطرة النوعية ، وتحديد معايير الكفاءة في المكائن والاجهزة المستخدمة ، والحساب الاقتصادي للطاقة باستخدام الكمبيوتر ، وحوسبة وتأليل المنظومات ، ورفع كفاءة القابلوات والأسلاك الكهربائية وانابيب نقل النفط ، وتحقيق البرامج التدريسية ، وتطبيق التقنيات والتكنولوجيات المتقدمة والبرامج الاقتصادية ، وتحديد المواصفات الاقتصادية العامة للأبنية ودور السكن ، وتعزيز الكفاءة الإدارية وتقليص الهدر البيروقراطي ومعالجة الفساد ، مكافحة التهريب ، وتنظيم حقوق الملكية ، وإيجاد هيكليات مناسبة للأسعار والرسوم والضرائب والأجور ، تنظيم منح التراخيص والإجازات لاستخدام مكائن الكهرباء ، تنظيم براءات الاختراع، والتخطيط الأقل كلفة للوحدات الطاقية . وتنضوي تحت لواء هذه البرامج حسابات الأرباح والخسائر من إيرادات وتكاليف الإنتاج واجمالي المصروفات والنشاطات التجارية ، ونظم الحوافز ، والأبحاث العلمية الاستشاريـة التقنية ، وصرفيات الوقود واستهلاكه ، وتطور التوليد والنقل والتوزيع وتوسع المحطات والمنظومات ، وانتاج وموازنة الطاقة وتطورها ، وتطوير الحمل وعامل الحمل السنوي ، وتطور هيكلية القوى العاملة حسب المهارة والجنس مع الأجور وساعات العمل في منشآت الطاقة ، وتحسين الكفاءة الاستثمارية أي نسبة ( الرأسمال /العمل) ومعدلات النمو الإنتاجية ، وتحقيق معدلات معقولة لنسبة مساهمة قطاع الطاقة في الدخل القومي ، وموازنة نسبة الصرف والتنفيذ الى التخصيصات .
   وتشمل برامج حفظ الطاقة الوطنية  دراسات وإحصائيات عن تطور الكهرباء المنتج والمستهلك ،ونسب التوليد والنقل والتوزيع حسب ملكية قطاعات الكهرباء ، ونسب الضياعات داخل المحطات وشبكات النقل ، والمعدلات الحرارية ( كيلوسعرة / كيلو واط ساعة ) والكفاءة الحرارية ، ورفع متوسط نصيب الفرد من الطاقة المتولدة ،وتحسين استهلاك الوقود في المحطات لصالح الغاز الطبيعي ، ورفع معامل التجهيز التقني في منشآت الكهرباء والطاقة وميادين استهلاك المفرد والجملة ، ومعدلات استهلاك الكهرباء والمعاملات التالية :- الاستطاعة (Capacity) ،الإتاحة (Availability) ، التباين (Diversity) ، التشغيل المحطاتي (Plant) . ويشمل أيضا التحقيق المتقدم باستمرار للقدرات الدوارة ( Running ) والاحتياطيات الدوارة والساكنة (Running – Spinning)، والتخطيط الاستراتيجي والآني لحفظ الكهرباء وتقليص أضراره البيئية والصحية ، ورعاية شؤون أمن الطاقة،وعوامل التنافس الاقتصادي لقطاعاتها . وتعتبر التقنيات الحديثة و برامج حفظ الطاقة الوطنية وكفاءة استهلاك الطاقة والكهرباء شركاء طبيعيين ... ان برامج حفظ الطاقة الوطنية وترشيد استهلاكها مفهوم علمي و اجتمااقتصادي غير قابل للتأويل !...
     تتجسد أزمة الطاقة والخدمات الاساسية كالكهرباء في معاناة المواطنين من سوء توزيع المحروقات وبالاخص البنزين ، والانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي ..هذا يرتبط بأزمة الطاقة والكهرباء كمفهوم علمي واجتما - اقتصادي . وهذه الأزمة في عراق اليوم جزء من أزمة عامة اجتما - اقتصادية  تعصف بعموم البلاد بفعل نهج الصدامية الارعن والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ارتكبتها الحكومات العراقية في فترة ما بعد التاسع من نيسان ، وشيوع الفساد والارهاب  ،  ومحاولات تصفية القطاع الحكومي بمختلف الذرائع ، وبرامج الانفتاح الاقتصادي والخصخصة (Privatization) ونبذ التخطيط المركزي ، وفتح الابواب مشرعة على مصراعيها للتجارة الحرة والمضاربات وجشع المرابين …واستيلاء الولاءات دون الوطنية على مؤسسات الدولة . ومثلما  علقت دكتاتورية البعث المعضلات على شماعة الحصار الدولي والعقوبات الاقتصادية وافتقار السوق لقطع الغيار اللازمة، تعلق الحكومة العراقية اليوم المشاكل على اعمال التخريب والارهاب وتدني الوعي الاقتصادي لدى ابناء الشعب .
•   نفعية وتجريبية البعث وتخبط الاحتلال وحكومات ما بعد التاسع من نيسان
    عجلت العائدات النفطية أواسط السبعينات من تنفيذ مشاريع الطاقة و الكهرباء وتبخترت الحكومة بعقودها السخية مع الاحتكارات الغربية لنصب وحدات الكهرباء الجديدة وتوسيع الشبكة الوطنية التي كلفت المليارات من العملة الصعبة . وفرغت السياسة الأقتصادية النفعية للدولة التخطيط المركزي والتنمية من المضامين التحررية وادمجت مصالح الطغمة الحاكمة بالمصالح الرأسمالية وأحكمت من طوق التبعية للسوق الرأسمالية لتتفشى النزعة الاستهلاكية ويسود التبذير والنشاط الطفيلي . وتوزعت التوجهات الحكومية على عناوين أساسية منها : قانون مشاريع التنمية الكبرى رقم 157 لسنة 1973 ، التنمية الأنفجارية ، مشاريع البناء الجاهز وتسليم المفتاح، الخصخصة، اجازة اتحادات المقاولين وأرباب العمل والمصالح وتحجيم العمل التعاوني.... الخ. وقد ضربت التنمية الانفجارية  عرض الحائط بسياسة البرمجة وتقديم دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشاريع وتخلت عن التخطيط الإقليمي في توزيع المشاريع الاقتصادية، و أثارت الفوضى في نشاط الشركات الأجنبية وخلقت فجوة كبيرة بين القدرة على التنفيذ وبين المشاريع الكثيرة المتعاقد على تنفيذها مما أدى إلى رفع تكاليف تلك المشاريع أضعاف ما كان مقررا لها، إضافة إلى سياسة البذخ المفرط في إقامة تلك المشاريع.
    مع الحصار الدولي والعقوبات الأقتصادية تدنت مستويات الصيانة وفقدت السوق المحلية قطع الغيار الضرورية المطلوبة وتدنت كفاءة حقول وانابيب نقل النفط وشبكة الكهرباء الوطنية الى مستويات غير معهودة لتتسع أكثر ظاهرة الأنقطاعات في التيار الكهربائي وتهريب النفط عبر السوق السوداء  . وتسبب ذلك في كبح عجلة الحياة اليومية ، كما تسبب عدم توفر الوقود الكافي لتشغيل المولدات الأحتياط (Stand-By ) وأسلوب التشغيل المتناوب للمولدات هذه ، إلى اضعاف عملية تعقيم مياه الشرب الصحية مثلا  .  . وهبطت مستويات المعيشة الى حدود لا تطاق  وارتفعت رسوم الكهرباء وأسعار البنزين أضعافا. وتعود النظام العراقي تعليق أزماته الاجتما – اقتصادية على شماعة الحصار في الوقت الذي اخذ العراقيون فيه يستخدمون الفانوس النفطي بدل الكهرباء بالأخص في ضواحي المدن والارياف ، وانتشر التوليد الأهلي والتجاري وتفاقم التمايز القومي والأجتماعي. لقد ترسخت العقوبات الأقتصادية في برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء حسبما ورد في قرار الأمم المتحدة المرقم 986 ( SCR-986 ) الذي يعتبر حجر الأساس في الوصاية المالية الدولية على العراق .  ولم يأت القرار المذكور لحل الأزمات الأقتصادية المستفحلة بل لتقديم المساعدات الإنسانية الممكنة ودرء الكارثة .
    وشهدت حقبة 1991 - 2003 انخفاض حاد في القيمة الصناعية المضافة بسبب العقوبات الدولية مع عرقلة مكشوفة من لجنة العقوبات لتخصيص المبالغ اللازمة لاستيراد قطع الغيار الضرورية لتشغيل وصيانة شبكة حقول النفط وشبكة الكهرباء الوطنية وباقي المرتكزات الأقتصادية .  ولم ترجع المساعدات الإنسانية الحرارة الى الدورة الأقتصادية السلمية حيث عانت جميع المشاريع التي في عهدة الأمم المتحدة من بطء الأداء والعمل كما لم تخضع وكالات الأمم المتحدة نفسها وعموم التمويل الخارجي والأجنبي للرقابة.وقد توسعت الميول التضخمية وتعمق التفاوت في الدخل . استمر الحال هكذا حتى سقوط النظام والاحتلال الأميركي . وهنا لابد من الاشارة الى التحول الى نظم ادارة الشركات او التمويل الذاتي على أسس تجارية وفق  قانون رقم 22 لسنة 1997 وهو نظام شمل منشآت النفط والكهرباء في مسعى طوباوي لتجسيد لامركزية هذه القطاعات ومنحها القدر الأكبر من الأستقلالية المالية والإدارية وسط الفوضى العارمة وتفاقم أزمات النفط و التيار الكهربائي الا ان هذه النظم تحولت الى آلية للتهريب المنظم القانوني نحو الخارج ليتعمق الشرخ بين السياسات المعلنة للدولة وبين الخراب الفعلي والتشوه وفوضى السوق ، ولأن النظم الوليدة احتاجت أصلا الى التكامل المرن والتنظيم والدقة دليلها القطاع العام نفسه لمحاصرة وتحجيم ميلها الطبيعي نحو الكسب الضيق… وقد شجعت أجواء الخصخصة القائمين على إدارات النفط والكهرباء في السير قدما نحو تلبية توجهات دكتاتورية صدام حسين لتقديم الدولة العراقية على طبق ثمين الى أعداء المسيرة التحررية الوطنية للشعب واستنهال المعرفة من متاهات التجريب العفلقي استكمالا لنهج الثمانينات.
واصلت السلطات العراقية وشرائحها الطفيلية والبيروقراطية سياسة ابتزاز الشعب بالأعباء المالية كالرسوم والأتاوات وتحميل الأمم المتحدة والعقوبات مسوؤلية الأزمات ، وتحميل كادر القطاع العام مسوؤلية الفساد باشاعة المحسوبية والمنسوبية والولاء الجهوي وتلقي الرشاوي والاختلاس والغش والتهرب الوظيفي والاستغلال السيء للمنصب الرسمي والوظيفة العامة . كما واصل الأعلام تضليل الرأي العام بالأسباب الفعلية لأزمات الطاقة والوقود والكهرباء بينما انفلتت هذه السلطات من عقالها في اعتقال من تشاء لتحقق معه وتحاسبه دون محاكمة وتتخلص منه بأخس السبل . وعكس عمق التناقضات الأجتماعية وتوسع الأحياء المدينية الراقية دور كبار التجار والسماسرة والمنتفعين الذين باتوا يشكلون قوى ضغط طفيلية شبه مستقلة تتعاظم أرباحها مع إفقار الشعب ونبذ غير القادرين على الصمود وزجهم في سوق العمل الرسمي .
 لقد استحصلت غالبية الشركات الأجنبية العقود العراقية لاعتبارات سياسية ومصالح اقتصادية تقديرا لزعماء أحزاب وأعضاء برلمانات في اوربا وآسيا وأميركا.. وقدم النظام العراقي العمولات المالية والنفطية الضخمة لصالح السمسرة السياسية عبر ابرام العقود وترتيب الصفقات مع الشركات بغض النظر عن كفاءتها !
    تستهدف الترومانية المعاصرة او الليبرالية الجديدة تحويل الدول الوطنية الى وكالات حارسة سياسية مسلحة للمصالح الأميركية وتأكيد نظام ازدواجية الهيمنة الكولونيالي في الطور الجديد من الرأسمالية المعاصرة . وابتغت الولايات المتحدة في احتلالها العراق ضمان الهيمنة على النفط العراقي وفرض نظامها الأمني في منطقة الخليج وابقاء المنطقة سوق للسلاح الاميركي والهيمنة الأقتصادية الأميركية ،  وفي سبيل أن ينخرط العراق في عملية التسوية العربية -  الإسرائيلية وان تفتح أبوابه على مصراعيها أمام الرساميل الأميركية والأسرائيلية، والسيطرة على الأسواق العراقية وتأمين أن تمتلك الأستثمارات الأميركية حصة الأسد في عملية إعادة بناء اقتصاد العراق . وحددت البريمرية  ثلاث شروط لتحقيق النمو الأقتصادي في عراقنا :
   إعادة توزيع إجمالية للموارد والأفراد بابعادهم عن سيطرة الدولة الى المؤسسات الخاصة
    تعزيز التجارة الخارجية
    تحشيد الرأسمال الوطني والأجنبي
   بجلاء البريمرية تعني  تحويل العراق الى سوق حرة مفتوحة للبيزنس و بيعه بالخصخصة أي ليس اعمارا ( إعادة البناء ) بل نقض بناء . فالبريمرية باختصار رهن و بيع لممتلكات الشعب العراقي و مستقبل العراق للشركات الأمريكية أو لعراقيين يعملون كواجهة لشركات أمريكية.وحقول ومصافي النفط ومحطات توليد الكهرباء وشبكات توزيع الكهرباء هي من الممتلكات و الموارد العامة المخطط بيعها بالتدريج و المرغوبة من قبل الشركات الأمريكية و الغربية .وتسمح البريمرية بامتلاك الشركات الأمريكية ل 100% من قيمة المشروع وحق الشركات الأمريكية في تحويل 100% من أرباح المشروع خارج العراق . و تستخدم البنوك الأمريكية ودائع العراقيين لتسليف الحكومة العراقية و جني الأرباح و الفوائد.تبعا لذلك منحت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية احتكارات مثل  هالبيرتون و( بيجتيل - Bechtel ) الأميركية معظم عقود اعادة تأهيل صناعة النفط والكهرباء العراقية . وهذه الوكالة هي المسوؤلة الأولى عن توزيع عقود اعادة الأعمار في العراق ويمثلها مستشار اعادة الأعمار لآسيا والشرق الأدنى .
   لا يخفى على احد ان مسيرة العراق للسيطرة على موارده النفطية تقدمت في سياق سلسلة طويلة من الجهود الوطنية: القانون رقم 80/1961، إنشاء شركة النفط الوطنية العراقية (1964) ، و تأميم شركة نفط العراق (1972) وتصفية الامتيازات النفطية الأجنبية..ان النجاح الذي حققته شركة النفط الوطنية العراقية I.N.O.C.  في إدارة قطاع النفط العراقي، قدمت مثالاً رائداً على قدرة الشعوب في السيطرة على موارداها الوطنية واستغلالها بنجاح وإنهاء دور الشركات الاحتكارية. وهذا يمكن أن يفسر لماذا أقدمت سلطة الاحتلال كخطوة أولى في توجهها نحو إعادة السيطرة على الموارد النفطية العراقية إلغاء شركة النفط الوطنية العراقية- رمز الاستقلال الوطني العراقي..
      عندما غادر الرئيس السابق لسلطة الإئتلاف المؤقتة بغداد بعد مراسيم "نقل السيادة"، في حزيران 2004، خلف ورائه 100 قرار كان قد صادق عليها بصفته رئيس سلطة الاحتلال في العراق ، ولم تكن جزء من مباحثات بين حكومات ذات سيادة . والجهة التي اصدرت القوانين لم تعبر عن ارادة الشعب العراقي. هذه القرارات – القوانين في الحقيقة هي جزء من عملية التحويل الشامل لاقتصاد العراق المُحتل لترسيخ الاحتلال على طريق الليبرالية الجديدة. أن عملية التحول هذه لا تستتبعها فقط كنتيجة حتمية، تبني تلك القوانيين النفعية فقط وانما كذلك ايجاد المؤسسات التي سترسم الطريق الى نظام السوق الحر. احد هذه القوانين المتميزة هو القانون المثير للجدل رقم 39 الذي اسس لهيكلية الاقتصاد العراقي من خلال اعطاء المستثمرين الاجانب حقوق مساوية للعراقيين فيما يخص استخدام الاسواق العراقية المحلية. ان كل هذه القوانين معا، والتي تغطي تقريبا كل مجالات الاقتصاد، ومن ضمنها نظام التجارة العراقي و التشريع الخاص بالبنك المركزي والقواعد الخاصة بانشطة النقابات ..الخ- تضع الاسس اللازمة لهدف الولايات المتحدة الكبير لبناء نظام في العراق على نمط الليبرالية الجديدة ، و " تحول العراق من الاقتصاد المركزي المخطط والغير شفاف الى اقتصاد السوق الحرة المتميز بالنمو الاقتصادي القوي من خلال تاسيس قطاع خاص ديناميكي، والحاجة الى اصلاحات تشريعية وقانونية لتثبيتها كواقع" .وتقوم الوكالة الامريكية للتنمية الدولية بالدفع باتجاه هذه الاصلاحات. ان عمليات اعادة الهيكلة لا تهدف بالضرورة الى اعادة بناء الامكانيات والاقتصاديات المحلية ولكنها بصدد مساعدة الشركات المعتمدة من قبل قوى الاحتلال لزيادة فرصها في اسواق العراق .فالاطار القانوني الذي وضعه بريمر يضمن بقاء الهيمنة الاقتصادية الامريكية على الاقتصاد العراقي حتى بعد مغادرة القوات الامريكية في يوم من الايام.
     ورث مجلس الحكم الانتقالي  والحكومات المتعاقبة التالية  التركة الثقيلة للنظام المقبور، ومعمعان الخراب الكارثي للبنى الارتكازية وانهيار الدولة العراقية . وتفاقم ديناميكية الاستثمار الاقتصادي في عملية إعمار العراق  من انتهاكات حقوق الإنسان بينما يساهم استخراج الموارد النفطية في بيئة غير آمنة،  في تأجيج النـزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان، ويؤدي انعدام الشفافية في إرساء مشاريع الإعمار الكبرى ومنها الطاقة الكهربائية وعمليات العطاءات أو المناقصات المغلقة أو السرية المتعلقة بها إلى الفساد والإفساد مما يضعف من جهود توطيد سيادة القانون في العراق ، فضلاً عن تبديد الموارد التي يمكن أن تستخدم لمصلحة الشعب العراقي . كما إن الممارسات التي  تعتمدها الشركات الأميركية والبريطانية وشركات عقود الباطن – في التوظيف ، مثلاً ، أو لجهة الحفاظ على أمن عملياتها – أدت وتؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان في العراق. وثمة حاجة ملحة لضمان عدم تحول الرساميل الأجنبية  إلى قوة تزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في بلادنا. يبدو جليا دور الدولة والمؤسساتية المدنية في تحديد المفاهيم والقيم وتأطيرها قبل الشروع بالبحث واتخاذ القرارات والتوصيات.
     تكشف اعمال الارهاب والتخريب التي تطال شبكة الكهرباء الوطنية ومحطات الطاقة وانابيب النفط عن جهاز استخباراتي متطور.ان عمليات تخريب أنابيب ومصافي النفط ومحطات وشبكات الكهرباء موجهة بدقة ضد الأماكن الحساسة أي أن مرتكبيها لم يطلعوا على طريقة تركيب شبكات الطاقة فحسب بل على مواطن الضعف فيها أيضا ، الامر الذي يؤكد ان الارهاب مصدره من  داخل السلطات الجديدة ( حاميها حراميها ). ... جرذان بعث الحكومة العراقية الانتقالية وعصابات الاجرام المنظم لهم اليد الطولى في اعمال التخريب ، وتأخذ ايران قسطها من الارهاب عبر تمويل هذه العمليات وتوفير الاجواء الجيوسياسية والبيئات الاجتماعية لها ... كل ذلك يجري تحت اشراف وعلم الاستخبارات الاميركية ! 
     شجع نظام صدام حسين عمليات تهريب الغازولين الى خارج العراق كوسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية وكان يقدم علاوات جيدة للصيادين من اجل تشجيعهم على التحول لهذا النوع من النشاط حيث كانت تحمل مراكبهم بالمنتجات النفطية وتبحر عبر شط العرب ومنها الى المياه الدولية لتتوجه بعدها الى موانئ الامارات العربية المتحدة أو ما بعدها . وادى استيراد السيارات الجديدة واستخدام الغازولين لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية الى حدوث ارتفاع حاد في الطلب على هذه المادة في الوقت الذي تتراجع فيه قدرات المصافي على توفيرها بسبب الهجمات التخريبية ، وبسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها ، مما يتسبب بتوقفها عن العمل لساعات طويلة.هناك كميات كبيرة من الوقود «تختفي» من محطات الوقود أو من الخزانات التابعة للدولة، يسهم بذلك سائقو السيارات ( مهربجية السوق السوداء). وتخسر المدن العراقية مخصصاتها من النفط  على يد مسؤولي الحكومة واعضاء مجالس المحافظات والبلديات الذين يعملون مع وحدات قوات الاحتلال . يستخرج العراق  نحو 2,1 مليون برميل نفط يومياً قياساً ب 2,8 عما كان عليه قبل الاحتلال  ...وتدفع وزارة النفط  العراقية ما يقارب 200 مليون دولار شهريا لاستيراد المنتجات النفطية  التي سرعان ما يتم تهريبها الى خارج البلاد.وبالرغم من ملاحقة السلطات لقوارب الصيد والصهاريج النفطية وتقليل المعونات التي تدفع لها، الا انها تبدي ترددا في معالجة موضوع دعم المنتجات النفطية التي تباع بأسعار زهيدة للغاية . ومنذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر قام عدد من المسؤولين بتشكيل الشركات النفطية الوهمية خارج العراق لتسهيل حصول الشركات الأجنبية على العقود النفطية العراقية لقاء العمولات ، ويجري تصدير النفط العراقي في غياب استخدام العدادات اي سهولة إمكانية التلاعب بالكميات المصدرة وعوائدها ، وتقوم سلطات  الاحتلال برهن كميات من النفط الاحتياطي لسنوات قادمة بما يعنيه من نهب ثروات البلاد ، ويجري تجهيز سلطة المحتل بالنفط العراقي بسعر منخفض لا يتجاوز عشرة دولارات للبرميل الواحد اي عملية نهب وقرصنة تاريخية لا مثيل لها .
    كتب مايكل أوهانلون - العضو البارز بمعهد بروكينغز للدراسات و الأبحاث قبل ايام " يمثل نقص الطاقة الكهربائية أكبر مشكلة في عراق ما بعد الحرب. ولا يتوفر التيار الكهربائي إلا لنصف المدة المقررة له على مدار اليوم في معظم المدن العراقية. وقد وصل معدل إنتاج الطاقة الكهربائية إلى أدنى مستوى له خلال فصلي الشتاء والربيع الماضيين. و تراجعت تلك المعدلات عن المعدلات التى كانت مسجلة إبان فترة حكم النظام العراقى السابق ، و هو ما يعني حرمان نحو 90 % من المواطنين العراقيين من التمتع بالمستوى القياسي لخدمات الكهرباء. ومن الطبيعي أن تلقى اللائمة في ذلك على القوات الأميركية ، التي لم تحسن هذه الخدمات في عراق ما بعد الحرب. و قد استقرت معدلات البطالة بين صفوف المواطنين العراقيين عند مستوى 30 :40 % ، وفقاً للإحصاءات والدراسات التي أجراها الجيش الأميركي ، مع الأخذ في الاعتبار أن حوالي 80% من العراقيين ، لا يبدون حماساً للالتحاق بالوظائف ، نتيجة لما يشعرون به من غياب ما يشجع ويحفز على الالتحاق بسوق العمل والوظائف أصلاً " .
•   الدين لله والوطن للجميع
دخلت المرجعيات الدينية بقوة على الخط بعد التاسع من نيسان ليحتمي بها اقسام غير قليلة من ابناء الشعب قبيل انهيار الدكتاتورية وبعده ، وليتخذ هذا الاحتماء البعد الطائفي اي الولاء اللاوطني الى جانب العشائرية والمناطقية والشللية ...الخ. وتتدخل هذه  المرجعيات الدينية في الحياة الشخصية للناس لا بالخطب الجنجلوتية عبر ضوضاء مكبرات الجوامع وبالمسيرات البهلوانية عند تأدية  الشعائر الدموية في عاشوراء وغيرها فحسب بل عبر فرض الآراء بالقوة على الشارع العراقي واستخدام العنف مع الاخرين... وهي بذلك ، في جميع الاحوال ، تعمل على هدم النظام الديمقراطي لانها مرجعيات تخلف وجاهلية وخدمة ولاية الفقيه والصدامية والامبريالية والصهيونية معا... واستحالة تنافسها فيما بينها ومع التيارات السياسية الاخرى بالوسائل السلمية. وتذكرنا المرجعيات الدينية والفقهية في العراق التي تصدر فتاوي القتل وفتاوي دعم قوائم انتخابية دون اخرى، والفتاوي التي تصدر بطلب حكومي ... تذكرنا  بكهنة القرون الوسطى واجراءات محاكم التفتيش ، وفتاوي السلاطين والخلفاء المستبدين .. وتذكرنا بصدام حسين  الذي اغدق على هذه المرجعيات الكثير من مال خزينة الدولة !
   فتاوي ترشيد الكهرباء والحفاظ على شبكات الطاقة ومصادر التوليد ليست فتاوي حسن نية لأنها جاءت انصياعا لطلب حكومي وتسترا على رعونة اقزام البعث في الحكومة العراقية ..وهذه الفتاوي مقدمة لفتاوي لاحقة كترشيد المحروقات والمياه الصالحة للشرب والاخطر ترشيد الاستهلاك المعلوماتي ... اي اقحام المرجعيات الدينية والفقهية في معالجة القضايا العقدية الوطنية الامر الذي  لا يناقض الديمقراطية فحسب بل يهدد العملية الديمقراطية برمتها لانها تسيء استخدام الحريات التي تمنحها الديمقراطية للناس، كما تستغل الدين لتحقيق اغراض ذاتية.الدين هو الضحية هنا وللنخب الحاكمة الفاسدة ، وهذا اخطر ما في العملية السياسية نظرا لحساسية الدين وقداسة الرموز الدينية في اذهان الناس.
   ان إعادة تأهيل قطاعات الطاقة والنفط والكهرباء العراقية  وإعادة بناء الدولة العراقية قضية سياسية واجتمااقتصادية تتجسد في الاحتلال ومحاولة إعادة بناء الدولة العراقية وفق منظوره ومصالحه الامر الذي اوصلنا الى المحاصصات القومية و الطائفية  تمهيدا لإصدار دستور يوفر بناء الكانتونات الطائفية التي تسهل استمرار سيطرة المحتل على العراق. وتأبى المرجعيات الدينية الفتوى  بالمواجهة الحازمة لمظاهر الفساد الاداري التي تنعم بها الحكومة العراقية والمواجهة الحازمة للرأسمال المحلي والكومبرادوري العراقي  ونصرة الفقراء . ان اللجوء الى المرجعيات الدينية وفتاويها البليدة  يعبر عن الافلاس السياسي ومواصلة الإدارات الحكومية أسلوب إطفاء الحرائق سيء الصيت الذي ورثوه من النظام السابق والذي أذاق الناس الأمرين في كل المواسم والفصول فالعقلية التبريرية ماسوشية ، سادية ، متعصبة ، منغلقة الطابع واتسمت بها الصدامية بجدارة... واللجوء الى المرجعيات الدينية يعني فيما يعني احياء الصدامية بتحويل هذه المرجعيات الى بوق تضليلي للسلطات الحاكمة نفسها الامر الذي يعني الإخلال المباشر بمهماتهم كعلماء دين من الناحية الاجتماعية والدينية عبر اقحامهم عنوة بالعمل السياسي اي تسفيههم .. والوقوع بالتالي في فخ الجهل والتخريب متعدد الجوانب .
   ومع الاسف  تتحول المؤسسة الدينية العراقية اليوم الى مجموعة ضغط او لوبي مستقل في البنية السياسية تعين قواعد السلوك في المجتمع والدولة وفي اتخاذ القرارات عبر الشعارات الدينية السياسية لتغطية المصالح الشخصية للزعماء السياسيين والدينيين الذين يعتمدون على تقاليد الدعم العشائري او الديني ولتغدو الركيزة الآيديولوجية للرأسمال التجاري ... وتساعد العلاقات العشائرية على استمرار النزوع الغيبي والوعي الديني بشكله السلفي والمتخلف وتكريس رموز الاستفزاز الشيعي - السني المتبادل  بينما يتخذ الموروث الشيعي العراقي المنحى الوطني خلاف الزعامة التقليدية الايرانية التي تجمع الامور الدينية والدنيوية معا الامر الذي اوصل الامور الى التحريم والاتهام بالهرطقة وبالتالي شق الصفوف . ومعروف ان الاسلام لم يعط لا للخليفة ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الاسلام ولا لآيات الله العظمى والصغرى اية سلطات في مجال العقيدة او سن التشريعات ومهما كانت الصلاحيات التي يمتلكونها تبقى سلطاتهم مدنية يحددها الشرع الاسلامي ! ... ولا يحق لأحد منهم القيام بالرقابة على العقيدة  او على ايمان الفرد او ان يطلب اليه ان يدافع عن شكل تفكيره .
   إن ابتعاد المرجعية عن التدخل في الشؤون السياسية والقضايا العقدية الوطنية واوضاع الدولة العراقية يساعد المجتمع العراقي على إيجاد صيغ سياسية للتعاون والتنسيق والتكامل بدلاً من الخلاف والصراع والنزاع الديني والمذهبي.وعلى المرجعيات الدينية الابتعاد عن إسناد هذا الطرف أو ذاك ، والطلب من رجال الدين عدم التدخل في الشؤون السياسية ما داموا يمارسون شؤون الدين وما داموا يقدمون الاستشارة الدينية والاجتماعية للناس ، وتقديم النصح كي لا تنشأ الأحزاب السياسية على أسس دينية بل على أسس مدنية بحتة بعيداً عن زج الأديان بمشكلات لا أول لها ولا آخر.... من الضروري اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الدين من التدخل السياسي في شؤونه وحماية الدولة من رجال الدين وأحزابه السياسية. الدين لله وحده والوطن للجميع، فلا منافسة على هذا الوطن، بل يفترض أن تكون المنافسة في خدمة الوطن. المسؤولون في الدولة العراقية ووجهاء المجتمع ونخبه السياسية  يسرقون الأموال ويسلبون بطرق شتى: الرشوة وسرقة الموارد مثل النفط وتهريبه وعقد الصفقات الغريبة العجيبة المريبة بمبالغ خيالية لمواد مستهلكة، فضلا عن الأعلان عن أنجاز مشاريع كبيرة لأبناء العراق لنكتشف بعدها أنها كانت وهمية ذهبت أموالها أدراج الرياح!!... الجمعية اللاوطنية ( عفوا – الوطنية ) المنتخبة، تخصص راتباً للعضو فيها  يساوي عشرة اضعاف راتب الأستاذ في الجامعة من حملة درجة الاستاذية وبخدمة لا تقل عن 25 سنة، الى جانب مخصصات حماية وتنقل وشراء أسلحة الحماية وغيرها والحقوق التقاعدية .... ماشاء الله ! ، وزراء عراقيون يتبادلون الاتهامات بالأختلاسات ، والامر من ذلك انهم يسبحون بحمده تعالى ، ويدعون الجميع للاقتداء بهم باعتبارهم الصفوة وثمرة الاستحقاقات الانتخابية ، ويطالبون المرجعيات الدينية بالفتوى لفرض آيديولوجياتهم الدينية والقومية ومباركتهم  اي المزيد من تعميم الفساد .! ... المزيد من الارهاب .. فالفساد الإداري والفساد عموما يشكل الوجه الآخر للإرهاب. الهدف واضح ، هو تحويل هذه المرجعيات الجليلة الى الإقطاع الديني وهو ربيب الدول والحكومات ، وصوت الكرنفال السياسي للحكام، هذا الذي يفصل الأحكام لبدلات الحكام، فإذا كانت ضيقة ضيقها، وإذا كانت واسعة وسعها، وأجره في آخر الشهر . ... كلما سكتَ عن الظلم اتسع رزقه، وحصل على الأراضي، وكثرت أموالهُ في البنوك ... وكلما نبه إلى ظروف (الرعية) السيئة، واظهر العين الحمراء بلع ألفاظه ولغته وضميره الديني . وكل الخطر أن يزف أمثال هؤلاء أنفسهم في الركب الماضي النير، بلا تضحية قدموها ولا جليل أعمال خلقوه، وإنما دجلٌ وكذب على الذقون ! 
      جاء انتعاش الولاءات دون الوطنية كالعشائرية والطائفية  في سنوات الصدامية بسبب  تراجع الأمان الاقتصادي والامان الاجتماعي ، وضعف المستوى الفكري والسياسي لمعظم التنظيمات ،  وتراجع الأمان السياسي أيضا للمواطن .... مما اخرج العشيرة والطائفة من كمونها لتصبحا مؤسستين تزعم توفير الأمان الاجتماعي والسياسي والشخصي وحتى جزء من الأمان الاقتصادي لأفرادها. لكن ان تقوم القوى السياسية والنخب الثقافية في العراق الجديد عن قصد بإنعاش هذه الولاءات وإخراجها من كمونها للاستفادة منها لتلبية مصلحة ضيقة ومحصورة في مرحلة معينة فهذا ليس سلوكا ثوريا . بسلوك كهذا يتم في الحقيقة او في النهاية توظيف السياسي لخدمة الطائفي والعشائري وليس العكس لان ارتكاز السياسي على الطائفي مثلا هو ردة إلى الوراء في مجتمع تقليدي يستلطف ويستعذب الارتداد مما يجعل إعادة إنهاضه عالي الكلفة. حين تتزاوج العشائرية بفتاوي مرجعيات اقتصاد التساقط (TRICKLE – DOWN ECONOMY    ) يعاد انتاج العقل الطائفي وتتفتح حدود العقل الايماني الغيبي واشاعة الخرافة والسحر والخديعة والدجل وتوظيف الخوارق والمعجزات ، وتنتعش الاصوليات المتطرفة التي تستمد قوتها من عدم شعبوية الاجراءات والتغيرات الاجتمااقتصادية السياسية الحديثة والسريعة ومن دعم مرتزقة البعث وفلول مخابراته والمخابرات الاجنبية في فترات بطء وتيرة تشكل المجتمع المدني .... وينفلت الرأسمال التجاري من عقاله وتستعيد العقلية الصدامية حيويتها في مجال الابتزاز المعيشي للمواطنين  ويزدهر الفساد . وادى الاضطراب وتراجع الامان السياسي باعداد واسعة من اعضاء حزب البعث المنحل اللجوء للاحتماء بالولاءات دون الوطنية وبالاخص الطائفية الشيعية الامر الذي اضفى على مظلومية الشيعة في عهد صدام حسين اللون الرمادي.
    تقوم كل من العشائرية والطائفية السياسية والدينية في العراق بتفتيت النضال الطبقي والسياسي وتوظفهما النخب السياسية  لخدمتها لتتقمص شخصية المختار المهووس بتخاريف ( خراريف ) العشائر والطوائف ومديح زجالي القرى والريف والأئمة وثقافة المناسف ، في حين هي توظف التنظيم السياسي في خدمتها..... وسيبقى الوضع على حاله طالما النظام الأبوي اقتصاديا ، والذي يخدم اهداف الاحتلال الاميركي ، قائم بالقوة والفعل. وهذا ما يقوم بتخليده النظام السياسي طبعا حيث يمارس الفساد ويباعد ما بينه وبين التنمية ويهرب من التصنيع ويبارك الخصخصة ويقيم نظاما سياسيا يقوم على الملكية الخاصة ولا يقيم نظاما رأسماليا تصنيعيا وإنتاجيا. وتتكشف الادلة  على الارباح الطائلة التي جمعها المقاولون الاميركيون والشركات المحلية من الاستثمار الأجنبي والمحلي الذي لا يحتاجه العراق في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخه الاقتصادي  . ومعروف  انه بعد عمليات النهب المعممة التي قام بها المسؤولون السابقون في عهد صدام حسين، بدأ في نيسان(ابريل) 2003 عهدا  جديدا  شهد تكثيفا في سرقة الاموال العامة والفساد والصراع على المصالح ، وانتعشت تجارة الجملة والمفرد وتجارة السيارات وتجارة العقارات . وحمل هذا الامر مسؤولي الشفيطة واللهيطة في الحكومة العراقية الى الدعوة الى ان يتولى رجال الدين منح العقود معتبرينهم "اكثر نزاهة بطبيعتهم"!... ياللوقاحة.
   النفط عامل مهم في الحد من التبعية لكنه وشم بالإهدار وسوء إدارة العوائد وتبديد الموارد على السلع الاستهلاكية في التنمية الانفجارية الصدامية ومشاريع التنمية الكبرى ومشاريع الأبهة والتسلح والكوارث ، وضعت بلادنا في صدارة البلدان النامية مديونية واشد تبعية للنظام العالمي الجديد بالوصاية المالية الدولية والاحتلال ، ووجهت اقتصادياتها وتجارة العراق الدولية وطابع العلاقات بين الأسعار والأجور والرواتب لاعادة إنتاج أوضاع التخلف والتبعية من خلال عمليات السوق الاعتيادية وخلقت عماء السوق ... وفرط النظام العراقي في مقومات السيادة الوطنية وأصر على تجويع الشعب والمتاجرة بمحنته ريثما تقتضي المصالح الأمريكية رفع العقوبات الدولية ، ليستمر إنزال العقاب بالشعب العراقي ... هل تجاوزت الحكومة الانتقالية هذه الاوضاع المأساوية !؟  النفط العراقي اليوم من الناحية الفعلية هو تحت سيطرة المحتل... الطاقة الكهربائية العراقية ، التي ارتبطت منذ ولادتها بالشعب، وعلى أكتافه جرى نقل الماكنات ومد الخطوط وتعليق المصابيح ، وهو الذي حرص على ديمومة إيصال الكهرباء الى الناس وصيانة شبكات الكهرباء... الطاقة الكهربائية العراقية اليوم عمليا هي تحت سيطرة المحتل وشركاته العملاقة !
يساهم مستوى الرسملة المتدني الذي لا يدخل في نطاق القوانين المولدة للمجتمع المدني الحديث ويدور حول وسائل الإنتاج والسلع الاستهلاكية والخدماتية الدور المميز في هيمنة الشرائح المتذبذبة طبقيا داخل المجتمع العراقي والكردستاني. وهذه الشرائح الرثة هي  الظهير القوي للزعامات الطفيلية البيروقراطية الطائفية  لإبقاء الدورات الاقتصادية ذات طابع إنفاقي استهلاكي يصون التفتت الاجتماعي ويكرس التشوه الطبقي. هذا ليس بمعزل عن عناصر ضغط وأجهزة صناع القرار الغربيين وسياستهم في اقتصاد السوق ونهب مؤسسات القطاع العام . وتلعب العلاقات الاستهلاكية دور تغليف البنى الممتدة من الأصول العشائرية والطائفية الضيقة بالواجهات الاستهلاكية ولا تحمل في داخلها آلية إطلاق القيم التقدمية الجديدة. هذا ليس بمعزل أيضا عن تواطؤ ودعم بعض الزعامات والنخب المتنفذة الامية والغبية الحمقاء حيث كل الجهود تصب في اقتصاد السوق وتخريب القطاع العام وتشويه سمعته. والطبقة العاملة العراقية  تتفهم شروخ النسيج الاجتماعي العراقي وتدرك ان الطائفة كالعشيرة هي نقيض الطبقة ولا تعيش في مجتمع صناعي رأسمالي ، فما بالك باشتراكي .وعليه فالمصنع عدو الطائفة  لانه يصبح " طائفة" العامل المأجور ومصدر دخله . ولا يعود العامل ذلك القروي الذي ينتظر بعض الفتات من مولانا  ! وتغيب العدالة ويخبو القضاء في فساد المحاكم والعشائر والطائفية ...ولا يستطيع الحاكم ان يتعرض لمراكز القوى التقليدية من قبلية وجهوية وحزبية ودينية مهما استعان بالشريعة والتسامح والقوانين الوضعية... الامر الذي يتطلب اكثر من اي وقت مضى اعادة نشر وتكريس الوعي النقابي العمالي الذي جمده وحرفه عن مساره الطاغية وحوله الى مركبة  يركبها من دون وازع كل من هب ودب... وتحاول المرجعيات والنخب الطائفية ومرجعيات اقتصاد التساقط اليوم اعادة الصولة مجددا ... ياللسخف ! . لقد حاولت الحكومات العربية والاسلامية ومن ورائها الإمبريالية الغربية ومن ثم الجماعات الطائفية أن تلغي جميعها فكرة الصراع الطبقي، وكل هذه الوحدة الفكرية بين هذه الأطياف المختلفة ترينا المدى الاجتماعي الواسع لضرب فكرة معينة، حيث تشعر هذه القوى كلها بأن هذه الفكرة تشكلُ لها هاجساً كبيراً لا تستطيع ان تتحمل تداعياته الحضارية والأخلاقية !
•   ما نوع الفايروس الذي يشل عقول العراقيين اليوم ؟
   يتطرق الاستاذ ليث كبة مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي  في  محاضرة القيت في النادي الثقافي الخليجي ــ الاثنين 15/ نيسان / 2002 الى مصطلح ما يسميه رجال الاعمال بمبدأ سوق الجملة اي السوق المؤلفة  من 22 مليون نسمة ... كلهم مصابون ومشلولون بفايروس معدي جداً شبيه بالذي يتم اطلاقه في شبكات الانترنيت ، نشره صدام حسين ، مثل بعوضة الحب وما شابه ذلك التي تضرب جميع الكمبيوترات ويشلها  ،وهذا ما فعله صدام حسين خلال السنوات الماضية ليتأكد من أطفاء أو تعطيل جميع العقول... المهم هو تطوير برنامجاً مضاداً لهذا الفايروس لأن  ذلك يعتبر بمثابة رسالة أمل لانقاذ العراق والشعب العراقي. السؤال يعاد انتاجه اليوم ليرتد على كبة " ما نوع الفايروس الذي يشل عقول العراقيين اليوم ؟ " كفى تسطيحا وتسفيها للأمور ! هل مستقبل العراق وادامته ضمن مصطلح الأستقرار  يجري تكريسه وصونه بالمحاصصة القومية والطائفية / ضمان نهج الدكتاتورية الشيعية / فتح الفخذين لدولة ولاية الفقيه المستقبلية / اتقان فن تزوير ارادة خلق الله بإسم الله/ تعميم ثقافة الجهل وصناعة الخصومات / خدمة السنهدرين الاصغر القابع في طهران ، والاعظم في واشنطن وبروكسل؟ ....  هاهي بيروقراطية الترهل في وزارة كهرباء الاشيقر تناور وتدبج وتبرر الانقطاعات في التيار الكهربائي ، وكذلك تفعل وزارة نفطه عندما تتكدس طوابير السيارات على محطات بيع البنزين ، وكأنهما توجها الخطاب الى رعاع ورعية وجهلة لا حول لهم ولا قوة سوى التسبيح بقدرات حكومتهم الموقرة الكارتونية .
الثروات والموارد العراقية الاساسية كالنفط والطاقة الكهربائية ابتلت منذ ولادة صناعتها  في بلادنا بالأنظمة الاستبدادية واعتلاء الدكتاتورية الصدامية والنظام الاكليروسي الحالي عرش البلاد وتحكم البيروقراطية والشلل الطفيلية والتجارية بها لتستخدمها للابتزاز والضغط على الشعب وامتصاص قوته لا بالقطع المبرمج فقط  بل وتستخدمها للضغط السايكولوجي على المواطنين لتجذير العبث واللامعقولية وتمزيق النسيج المنطقي للأحداث لتضيع في غموض الصدفة واللاوعي اي شل العقول بفايروس عرس الواوية – النسخة المطورة لفايروس الصدامية ... والعهدة على المستشار الذي شرب الطلا!
     يجب إعطاء حقوق الإنسان موقع الصدارة في عمليات الإعمار، وإشراك العراقيين في عمليات صنع القرار، وحماية حقوق المرأة، وإرساء العقود بطريقة شفافة من خلال العطاءات العلنية،وادارة العائدات النفطية بطريقة تتسم بالشفافية والمساءلة .ويجب أن يحتوي الدستور العراقي الجديد على مواد تمنع امتلاك الموارد العراقية الأساسية من قبل القطاع الخاص و الشركات الأجنبية كالنفط من الإنتاج الى التكرير و أنابيب النقل، ومحطات توليد الكهرباء، شبكات التوزيع والصيانة،.. الخ. ... بمعنى أخرى ، الاصلاح في العراق لابد من ان يستند  على فلسفة البدائل العقلانية القادرة على صنع منظومة المرجعيات القادرة على رفع إدراك القوى السياسية والاجتماعية إلى مصاف الرؤية الثقافية الوطنية والقومية في سبيل بناء الدولة الشرعية والمجتمع المدني والنظام الديمقراطي الاجتماعي... العقلانية -  برامج سياسية معقولة لأجل إصلاح القطاع العام وعدم الانتقال إلى الخصخصة الفوضوية و البرامج غير العادلة التي  تحمل الفقراء مسؤولية الفساد السياسي والمالي. وينبغي إن يركز العقل السياسي السليم  بمختلف تجلياته الحديثة والدينية جهوده على الثروة العامة والسبل العادلة لتوزيعها ولدورها الوطني العام، كأهم قضية محورية وهو الأمر الذي يجنبنا الجنون بكل أنواعه ، وخاصة الجنون الديني والطائفي  !
   على الحكومة العراقية والجمعية الوطنية  عدم التحول الى حملة لاختام الولايات المتحدة والشركات الاحتكارية والمنتديات العولمياتية الرأسمالية ...  وبالتالي لا اعتراض على قرارات التخصيص و خصوصا أن للكثير من أفراد النخب الحاكمة الجديدة مصالح كبيرة في عملية الخصخصة ( في خطط الحكومة العراقية الراهنة  لا تقل حصة القطاع الخاص عن ثلاثين بالمئة من اجمالي المبالغ المخصصة لاعمار قطاع الكهرباء مثلا ، وهي تعتمد على القطاع الخاص بالفعل لأعتقادها الراسخ المبني أصلا على البريمرية انه السبيل الوحيد و السريع الذي يمكن أن يساعد في حل مشكلة الطاقة الكهربائية في الوقت الحاضر  )..ووجب المتابعة الدقيقة للعقود التي أبرمتها الحكومة العراقية والإدارة المدنية الأميركية مع المنظمات والشركات العالمية ، وعقود من الباطن التي أبرمها سلاح المهندسين الأميركي مع مختلف الشركات وفق برنامج النفط مقابل الغذاء .  والمطالبة بتسديد كلفة العقود غير المتحققة ، وحض الشركات الأجنبية على اكمال تنفيذ مشاريعها في العراق وعدم التعكز على أعذار وحجج واهية.  ولم تخلو عملية منح الشركات الأميركية عقودا لاعادة الأعمار في العراق من تجاوزات فاضحة أساسها التواطؤ بالعلاقات المباشرة مع رجال البيت الأبيض وصقور وزارة الدفاع الاميركية -  البنتاغون ، وأن معظم الشركات التي فازت بعقود لإعادة إعمار العراق معروفة بعدائها الشديد تجاه النقابات العمالية وحصلت على معظم العقود دون طرحها في عطاءات تنافسية بسبب علاقاتها الوثيقة بإلادارة الاميركية ، واستطاعت هذه الشركات الاستفادة من العلاقات السياسية والترشيحات والتعيينات في المناصب الحكومية والحصول على امتيازات ضخمة. وهي شركات ذات تاريخ حافل بالفساد والفضائح وتسعى إلى تحقيق معدلات أرباح ضخمة تقدر بمليارات الدولارات من الخراب الذي حل بالعراق من خلال وضع أكبر قدر من صناعاته وخدماته وثرواته تحت السيطرة الأجنبية. يجب على الشركات أن تلتزم بمراعاة مسودة معايير الأمم المتحد