المحرر موضوع: الدستور . . والآمال المنتَظَرة ! 2 من 2  (زيارة 1265 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدستور .  .  والآمال المنتَظَرة !
                2 من 2   
[/b]

                              د. مهند البراك


وتجري جهود وصراعات وسجالات متنوعة الشدة والحدة ترمي الى تثبيت الأعتراف بمبادئ وتضمينها الدستور المزمع صياغته، تركّز على ؛ الأعتراف بالتعددية الفكرية، القومية والدينية كواقع قائم، ورفض انفراد شريحة من شرائح المجتمع بالحكم، على اساس ان كل مكوناته تخدمه، كلاًّ وفق اجتهاده ودوره وحقوقه . . الذي يعني الأعتراف بالآخر واعطائه دوره، والتوصّل الى بديل لنظام الحزب الواحد (الحزب القائد) السئ الصيت، ومن اجل فصل اجهزة الدولة عن اجهزة الحزب الحاكم (اي حزب) لضمان حماية البلاد من سيطرة جزء واحد منها على السلطة فيها .
وفي الوقت الذي تشير التجارب الدولية السابقة، اضافة الى المعاهد المتخصصة بشؤون اعادة البناء بعد الحرب (1)، الى ان القضية الأساسية في مرحلة اعادة البناء هي القضية السياسية اساساً والسعي لتوفير مستلزماتها التي رغم كلّ تعقيداتها وتشعّبها، لابدّ منها ولابدّ من الألتزام بخطة لذلك يجري الألتزام بمواعيدها للأنتقال الى الحياة الدستورية.
 يرى آخرون ان القضية الأساسية الآن في بلادنا هي خلق مناخ يلائم عملية التهيئة وصياغة مسوّدة الدستور، لتحقيق النجاح في المراحل الأولى من اجل التأسيس الجديّ للدخول في الحياة الدستورية،
بالبدء بقضية الأمن ومواجهة الأعمال التخريبية المتنوعة، التي تحاول اعاقة المرحلة بتهديد ارواح المدنيين رجالاً ونساءاً واطفالاً، وحرمان العاصمة بغداد من الماء والكهرباء في هذا الصيف الحار، في محاولة لزيادة عذاب ومعاناة الشعب .  .
   والسعي بمختلف الأساليب لذلك، من الأسراع في تقديم صدام وكبار مجرميه الى المحاكمة، من اجل تفتيت فلوله ورفع الغشاوة عن المنخدعين بـ ( احتمالات عودته)، التي يغذيّها البعض من (هيئة دفاعه) وعدد من الفضائيات اضافة الى التسريبات والبحث عن الأثارة من جهات متنوّعة، سعياً وراء منافع في مقدمتها المال  .  .  الى بذل الجهود غير المخلّة من اجل فسح المجال لمن يريد ان يعيد النظر بموقفه العنفي ويريد الأشتراك بالعملية السياسية من الزاوية التي يراها، الى تلبية مطالب قسم آخر، على ان لاتكون على اساس عودة مجرمين وقتلة من فلول صدام وآخرين الى مواقع في الحكم .  .  من اجل حصر المجرمين فعلاً، في جهد لمواجهة من يريد تحويل العراق الى ساحة حرب دائمة ومستنقع دائم للجريمة والسوق السوداء والمخدرات .
   ويرى كثيرون ان الأهم هو تحويل الدعوات الى حياة دستورية .  . الى الشروع باعمال واجراءات ملموسة تحس الناس فعلاً بفوائدها وتلمس من خلال تطبيقها تحسناً فعلياً في حياتها القائمة الآن،  من اجل توفير قناعات لأوساط جديدة ولأوسع الأوساط، بدورها وجدواها وبالتالي جدوى واهمية الجهود المبذولة لأعداد الدستور، الذي خاضت الجماهير الأنتخابات متحدية الموت والأرهاب من اجل تعبيد الطريق اليه .
الأمر الذي يتطلّب، الحفاظ على ماتحقق وتفعيل وحدة القوى العراقية على اختلاف اطيافها، وتوسيعها لضم قوى جديدة على اساس قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية وبنوده التي اتفقت عليها، الذي يحاول البعض التراجع على ماتمّ الأتفاق عليه فيه .  .  والوقوف بحزم امام خطر تفشي الطائفية البغيضة الذي اخذ يزداد ويثير مخاوف اوساط واسعة بعد سقوط الدكتاتورية. والسعي للتحرر منها بالأبتعاد عن الجمود على اساس المحاصصة وعن التعامل على اساس الطائفية، التي تسعى (المقاومة الشريفة) الى جرّ البلاد اليها، اضافة الى ما يجرّ السلوك الخاطئ  لبعض الجهات اليها، سواء كانت عراقية، اقليمية او دولية  .  .  شاءت ام ابت .
ومن اجل ذلك يؤكّد العديد من الخبراء والمراقبين، على الأهمية الفائقة لعملية أنتقال الملف الأمني الى العراقيين الذين يتطلّب من قواهم السياسية تذليل عقبات تفاهمهم، وتوافقهم لمواجهة المستجدات الجديدة كنتائج الأنتخابات الأيرانية الأخيرة وتأثيرها على الواقع العراقي اليوم، على سبيل المثال .  . وتوفير مستلزمات الملف المذكور، السياسية والعسكرية والفنية والدبلوماسية، جنباً الى جنب مع الدخول بخطوات ملموسة لتقليل الأعتماد على القوات الأجنبية تمهيداً لجدولة انسحابها، والوقوف بحزم امام مخاطر استيطان الأرهاب وحالة الحرب في البلاد او جعلها ساحة حرب لتصفية خلافات وحسابات ومصالح بين اوساط اقليمية ودولية، وتدفع نحوه جهات متنوعة دولية واقليمية وداخلية، اضافة الى الشركات الخاصة التي تشارك بالعمليات العسكرية بنسبة 1 : 10  من عموم الجهد العسكري، في نسبة فائقة تجري للمرة الأولى في تأريخ الحروب، تشمل الأطراف المساهمة فيها سواءاً عسكرياً، لوجستياً او مالياً، بشكل مباشر معلن او غير مباشر غير معلن . . في ظروف الأزمة المالية التي تعيشها منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها (2) .
وحول صياغة الدستور ذاتها، يؤكّد كثيرون على ضرورة تضمين تفاصيل لمصطلح " الحريات العامة " ، كحرية تشكيل الاحزاب والجمعيات وحرية الصحافة والنشر والشفافية وموافاة الجمهور بما تقوم به الحكومة والبرلمان لأشراكه بالعملية الجارية في جهد لضمان مواكبته ودعمه او تبصيره لها .
 حرية الأديان وفصل الدين عن الدولة ( فصل الدين عن الحكم، فصل السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية) بشكل لايخلّ بالعادات والتقاليد المرعية ولايكون اسيرها .  .  حمايةً وصيانةً للدين ذاته من جهة ليلعب دوره كمصدر من مصادر التشريع من جهة اخرى، وجعل الدولة محايدة تحترم الديانات واتباعها والمذاهب والمعتقدات دون تمييز وفقا للقانون، الأمر الذي يصون مسيرة المجتمع من مخاطر الأستبداد والحكم الشمولي  .
اضافة الى تساوي مواطني ومواطنات البلاد على اساس الهوية الوطنية دون تمييز على اساس الجنس وفق مبادئ حقوق الأنسان، والألتزام بقيم التسامح ونبذ الكراهية والتطرف، والتفاعل مع رياح التغيير والتحديث الجارية في العالم، ونحو التقارب والتآخي بين البشر امام المخاطر الدولية والكوارث الطبيعية والبيئية . 
   ويرى عديد من الخبراء والسياسيين وذوي التجربة، ان كلّ ذلك سيشكّل سعياً لتحريك طاقات المجتمع المعطّلة وينعشها، الذي اذا ما نجحت صياغته الحديثة وايّدها الشعب بالتصويت عليها، فانها ستكون عملية انجاز النصف الأول من الصراع، الذي لابدّ ان يتممه نصفه الثاني الذي سيجري على ارض الواقع .  .  الذي سيشكّل النصف العملي الأصعب، والذي لايمكن النجاح فيه دون وضع ضوابط تضمن المواصلة على ما جرى التصويت عليه، والأستمرار به للأنتقال الى نجاحات ومراحل اعلى، على طريق بناء الحياة الدستورية الصالحة، وضمان مواصلتها بشكل فاعل نحو تحقيق الممكن من آمال المجتمع في المرحلة المعينة، للأنطلاق الى آفاق ارحب .    
اضافة الى الضرورة الفائقة لتعميق وتفعيل اجراءات مكافحة الفساد الأداري والأختلاس، والبدء بأجراءات عملية لمكافحة الفقر وايجاد حلول للبطالة والقيام بانواع التأهيل للأستخدام في فرص عمل جديدة، مواجهة الجريمة المنظمة وتحريم المخدرات، تحريم التجارة بالرقيق الأبيض والمباشرة بايجاد حلول لمشاكل الدعارة والعمل على مكافحتها، استمرار حملات متنوعة عسكرية وسياسية واجتماعية، للقضاء على الأسلحة وعلى تهريبها واسواقها السوداء، من جهة. المباشرة بمكافحة الجهل والأمية، المواصلة على تطوير العملية التعليمية والأرتقاء بها، العناية بالخدمات الصحية والتوسع بانشاء المستوصفات والمستشفيات، من جهة اخرى .
جنباً الى جنب مع الشروع بالأصلاح الأقتصادي في المناطق غير الملتهبة، وتشجيع الأستثمار ونمو الفئات الوسطى واحصائها ودعمها قانونياً وسياسياً ومالياً  بالقروض والمنح على اسس قانونية، ونحو الشروع بتعضيد وانعاش الموجود لتحقيق نوع من الرخاء المادي والرفاه، كأساس لابدّ منه نحو الشروع للبدء بالدورة الأقتصادية الشاملة من اجل التقدم الأجتماعي والحضاري وللشروع بالديمقراطية البرلمانية .
مواصلة الجهود في اصلاح اجهزة الدولة والشرطة وتطهيراجهزة الأمن من العناصر الأجرامية والفاسدة وفقاً للقانون وبخطة تتفق عليها الأطراف، من اجل ان تكون الأجهزة في خدمة المجتمع وليس في خدمة فرد او افراد او حزب ما، والمباشرة بفصل جهاز الدولة عن الأجهزة الحزبية. والدعوة الى دعم النقابات والأتحادات المهنية والأبداعية، والمؤسسات المدنية التي تعني بحاجات المواطنين ورغباتهم وميولهم الأجتماعية والفكرية والتعاونية، بشكل حر يوازي نشاط الدولة، يكسر احتكارها ويدعم تطويرها ويفتح آفاقاً للتعاون معها، ويعالج تغرّب المواطنين عنها ويسهم في تطويرآليات المجتمع . الأمر الذي يفسح مجالات ارحب لتطوير الوعي الأجتماعي وتفعيله في عملية النهضة المنشودة ويساعد في معالجة المشاكل الأجتماعية والأقتصادية التي نجمت عن استبداد الدولة، ودعماً لدورها الجديد في بناء المجتمع واصلاح المشكلات الموروثة (3) .
اطلاق الحريات السياسية بما يسمح للاحزاب بممارسة نشاطها العلني وقيام احزاب جديدة ودعم التعددية الحزبية الفاعلة، لما تلعبه من دورٍ هام في تنظيم الرأي العام وخلق نخب جديدة، وتحقيق مبارات سياسية نشيطة وفق قواعد يتفق عليها، من اجل ضمان استمرار الحياة الدستورية، كنتاج  لمحصلة متحرّكة غير جامدة لتوازن القوى الوطنية الداخلية  .  .
فالأحزاب تحدد القضايا العامة، وتشحذ التحاور وتبدد الالتباس بين التيارات المتنازعة، التي بنشاطها العلني تتوضح هويتها، وتتوضح الأحتمالات للجمهور وتبصره بالسياسة، في وقت يرى كثيرون فيه ان لا ديمقراطية في الواقع من دون احزاب سياسية، رغم مهاجمة البعض لنظام الأحزاب، ووصمه ايّاه بكونه عامل انشقاق واضطراب يهدد السلام الاجتماعي، ناسين او غير مدركين تشويهات الدكتاتورية لمفهوم الحزب من جهة، وان اكبر الأخطاء والنواقص التي ان حدثت في نشاط الأحزاب لم بكن يكمن في اختلافها، بقدر ما كان يكمن في سيادة منطق العنف ولعدم وجود قانون للأحزاب، وعدم وجود ضمانات قانونية تحمي وتصون حق جميع ممثلي الطبقات والقوميات والفئات الأجتماعية في تكوين احزابها والدعاية لسياستها ومبادئها من جهة اخرى. وفي وقت تعتبر المعارضة فيه، أمراً لا بد منه للتوصل الى افضل الحلول لبناء وترصين مجتمع ديمقراطي .  . 
وفيما تتطلّب المرحلة الجديدة نقل المجتمع الى مناخ جديد يحرّم العنف، فانها تحتّم على الأحزاب والفعاليات الوطنية، ان تتفق للخروج من حالة التمزّق والأستقطاب التي تسد الطريق امام ايّ تحوّل ديمقراطي حقيقي .  .  .   بتغليبها للصالح الوطني الواقعي وتغليب التناقض الوطني الرئيسي على الثانوي بآليات تحتاجها المرحلة، كالتوافق وجدولة مطالبها واعادة الجدولة من اجل العمل كتفاً لكتف معاً، وعلى ان لاتتجاوزاختلافاتها سقف مصلحة البلاد العليا، الذي يتمحور على ابعاد البلاد عن مخاطر توطّن الحرب، نشوب حرب اهلية، عدوان، خسارة ثروات البلاد، وتجنيبها اندلاع فتن كبرى طائفية كانت او قومية، دينية او سياسية وغيرها .   . 
ويضيف آخرون ان الأنتقال الى الحياة الدستورية، يتطلب تشجيع ودعم عمليات الأصلاح الفكري والديني والأجتهاد وتحديث مسارهما، اضافة الى القيام بنشاطات وفعاليات اعلامية، ثقافية وتنويرية لرفع الوعي العام بماهية الحياة الدستورية، سلطة القانون، ماهية الحقوق والواجبات، بوجهة ان الجميع مسؤول . اضافة الى بذل الجهود للتوصل الى آلية وطنية تستفيد من الخبرات الدولية الناجحة، لصياغة الدستور ـ وتطوير العملية الدستورية وآلية التعديلات الدستورية ـ ، وفق واقع وحاجات المجتمع وخصائصه وآماله، وكيفية الأعداد لطرحها للتصويت، من اجل ضمان قيام ومواصلة حياة دستورية ناجحة. 
ان ذلك، هو الذي يشكّل بناء الأسس ويحفّز وينظم القوى الأجتماعية الفاعلة في مباراتها التي تحتاج الدستور وتناضل من اجل سنّه والتقيد به والدفاع عنه، وتطويره لصالح المجتمع، كوليد وطني يلبيّ حاجاتها الداخلية وآمالها، حين تشكّل هي السلطة السياسية وتقتسمها وتبني الدولة الحديثة، بنسب وصيغ استحقاقها وحاجة تطور ورفاه المجتمع اليها، الأمر الذي يقطع الطريق على الطارئ او المصطنع ـ كمحاولة النفخ بالطائفية الكريهة والفئوية واعتبارها قوة اجتماعية ـ ويحقق اتساع القاعدة الأجتماعية للسلطة ونشوء وتفعيل سيادة القانون وحماية حقوق الملكية، والحرية الاقتصادية والفكرية والقومية والدينية، على عكس ما جرى ويجري للأمم التى ضاقت فيها قاعدة السلطة، فسيطرالفقرعلى شعوبها وظلّت اقتصاداتها متخلفة، الأمر الذي ادىّ بها الى الضعف والتبعية الضيّقة، بتقدير اوسع علماء الفكر والأقتصاد .
   وفيما يتوقّع كثيرون ان يمر تحقيق ذلك في طرق متعرّجة وليست مستقيمة، حيث ان الوصول الى تنافس ومبارات سلمية على ارضية تلك التركات الثقيلة، اضافة الى الحرب والأحتلال، سيتطلّب الكثير والكثير من الجهد اليومي لتلبية حاجات المواطن الأساسية وخاصة في الأمان والعمل، واستعادة ثقته بالدولة، بعد ان يلمس دور الدستور والتشريعات القانونية الفعلي في ذلك .
ان الدولة الحديثة البرلمانية الفدرالية الديمقراطية على الأسس المارة، كما يرى الكثيرون، هي المؤهلة  لضمان لمّ وتقوية الصف الوطني وارادته المتنوعة والنهوض بها لمواجهة التحديات، وللتفاعل مع الدول الأقليمية والدولية على اساس المنافع المتبادلة .  . وتساهم في خلق منطقة سلام اقليمي، ومن اجل تحقيق تقدم اجتماعي حضاري في بلاد التنوع والحضارات الأولى . (انتهى)

   
3 / 7 / 2005 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.   راجع وثائق الأرشيف الألماني، عن تجربة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد سقوط جدار برلين / وثائق تجربة اعادة البناء في بوزنيا، كوسوفو، لعام 2003 ـ 2004 .
2.   راجع : " الأموال المبذولة من اجل السلام " ، الوثائق السياسية الفرنسية ـ الكندية لعام 2004،  ملف الكونغو وعلاقة الملف الأفريقي بملف العراق، باللغات الأنكليزية، الفرنسية والألمانية .    دوريات المعهد الدولي لمراقبة التسلّح، هامبورغ / ستوكهولم لعام 2004 / 2005 .
3.   راجع تقرير التنمية الأنسانية العربية لعام 2004 .