المحرر موضوع: ليست معركة.. لكن لا اعرف لها اسما آخر  (زيارة 1370 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ليست معركة..

لكن لا اعرف لها اسما آخر


 

عبدالمنعم الاعسم

 aalassam@hotmail.com

    اشعر كما لو اني شفيت من وعكة المت بي، كانت الوعكة بسبب شتيمة لي من  وزير، وكان الشفاء من فيض كلمات بالمواساة..كلمات وفاء، ابدعتها افئدة لا تخاف ولا ترتجف، ولا يأخذها في الحق لومة لائم.

    اما الوزير، فلست غاضبا منه، كشخص، ولا متحاملا عليه، كمسؤول، واستطيع ان اسامحه على كلمات  بحقي نقلها موظفوه مكتوبة الي، بالقول" وشتان بين عزيمة السيد الوزير المزكاة...وبين هزيمة صحفي نكرة مدع لا يعرف اصول علم الصحافة ناهيك عن آدابها" لكني –والحق- اتواكل الان على حسن الظن للكشف عن خشية سرية من الوزراء اقامت بي، وهو شعور متوارث، عن طفولة وصبى وشباب، لا استطيع البراء منه، ومرده صورة قاسية للوزير بوصفه ممثل للسلطة الغاشمة، يوم كنا (في مدينة المحمودية) صغارا نتدافع على سيارته، فتحول سياط الشرطة بيننا وبينه، ويوم تظاهرنا طلابا نطالب باستقالته فظهر من بين بنادق حراسه وهو يبصق علينا من فم مخمور ولسان سليط، ويوم حشرنا في معتقلات شباط الاسود كان جلادا في الليل ووزير تربية في النهار، واتذكر يوم كنت اعمل في صحيفة كويتية في لندن قبل عشر سنوات أن حضر رئيس التحرير الصديق الدكتور محمد الرميحي، الى مكاتب المحررين ومعه ثلاثة وزراء عرب يعرِفهم علينا، يومها انطلقت ضحكة مني لم استطع الامساك بذيلها الطويل، فسالني الرميحي عن الامر. قلت بحضور الجميع: سبحان مغيِِر الاحوال..انها المرة الاولى التي يأتي فيها الوزراء اليَ وانا جالس..لقد قضيت العمر أهرب منهم، أو اركض وراءهم، أو أحوم من حول مكاتبهم، أواتظاهر ضدهم.

  وقبل ان التقي صديقي الاستاذ مفيد الجزائري، الدمث والبسيط، قبل شهور شعرت بشئ من الارتباك، اساسه عناء سري شاق لإبعاد صورة (الوزير) السلبية من مخيلتي.

  والآن، لقد ساعدتني كلمات الاصدقاء (والاصدقاء مواقف) وبينهم من لا أعرفه حقا، للاستقواء على وعكتي، ولم اكن لأرغب ان اجعل من الموضوع معركة، أملا في ادخار الشطارة والحيْل الى معركة التغيير، لكن ما يحدث في العراق، كما يبدو، اعقد من هذه الرغبة الساذجة، إذْ اختلطت المعارك والملفات والاستحقاقات ببعضها بحيث لا يسعك تحديد ما هو اولوي منها أو ثانوي.. فالاولوي هنا قد يكون ثانويا هناك، بل ان القيمين على الامر قد يضحكون منك حين تتشبث بفكرة المعركة الكبرى التي ينبغي الاعداد لها.

  في البدء جاءني تطييب الخاطر من بغداد  في كلمات موجزة للمناضل الشيخ الجليل حسن العتابي في بريد حفيده الفنان  سامر وهي تقول " أحييك، إصمد" ثم من ابنه الصديق فلاح القول:"لا فض فوك" ثم من السيدة ام الحسن قائلة:"يروحون لك فدوة"  ومن ابي الحسن " يمعود ولا يهمك ..نحن فخورون بموقفك" ومن جواد كاظم خلف:"انا لااعرفك إلا من كتاباتك، لكن اقول لك لا تبالي بهم" ومن عصام ابو كرم "عاشت يدك" ثم هتف الصديق الكاتب فرات المحسن في صيحة نزيهة ضد " لغة الإسفاف والطعون"واشعل النور في صالة ظلت معتمة حيث ظهرت فيها فروسية الشاعر ابراهيم الخياط الذي استقال من وظيفته احتجاجا، وختم القول: "ليدافع المثقف العراقي عن أحد معاقله قبل أن تهد الجرذان ذلك الهيكل"  وتساءل احمد الزبيدي، الصحفي الصديق الذي حمل العراق في جنباته الى اقاصي الاوزبكستان: "هل هذا هو العراق الذي عرفناه.. كنزا للعلماء و الادباء؟" وارسل الكاتب التراثي والسياسي عباس العلوي فضل آهة شريفة: "اللعنة على الزمن ..ماذا حل بالثقافة العراقية" وجاء دور الشاهد المتفنن في تحريضنا ضد التواطؤ، الكاتب متعدد الاهتمامات، جاسم مطير، المشطور بين البصرة ولاهاي، لينضم الى حيرتي الاولى، بالقول:" أعترف أمام القراء الكرام أنني وجدتُ نفسي حائراً هذا اليوم في كيفية الكتابة عن( الخلاف ) الواقع بين الصحفي العراقي الفقير لله عبد المنعم الأعسم وبين وزارة الثقافة العراقية، وأنا رجل محايد" وقد وجدتني اهمس مع نفسي: معذرة يا صاحبي جاسم، فقد كلفتك مشاق مهمة عسيرة، في وقت نحتاجك الى ما هو اهم..لكنه يسترسل القول باطلاق المراثي الى (عراق جواد سليم) والى نكد الدنيا الجارح، من صفحة اليمين والشمال، ويذهب ابعد الى حيث تختلط الاسئلة وتتوالف المتناقضات وتفترق الاجنة والمجرات ليحطنا في الختام  امام خلاصة فلسفية هي الوجه الآخر لحيرتنا..يقول:" عن أبي إسحاق قال‏:‏ إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدّق ، وإذ بلغك أن فقيراً استغنى فصدّق ،  وإذا بلغك أن حياً مات فصدّق ،  وإذا بلغك أن أحمقا استفاد عقلاً فصدّق .. أما إذا سمعت أن عبد المنعم الأعسم صحفيا وطنيا  فلا تصدق".

   لكن الكاتب تقي الوزان يطل على المشهد من زاوية قد لا تفصل بين الحواس، ولا تتلكأ في القول الفصل:" لقد عودتنا ان تنهي مقالاتك بعد جولتين او ثلاثه . ولكن هذه المرّه اطلت اللعبه الى الجوله العاشره . رغم ان خصمك مكشوف بالكامل . وقد وضع كل قوته في الضربه الفاشله الموجه اليك ، فلم يصبك . بل فقد توازنه بالكامل".

  واخيرا يشاء الوفاء ان يعبر عن نفسه في زحمة المواقف وتحت الشظايا المتساقطة، وذلك في كلمة من السليمانية، حيث مال الجبل على واديه، وتجشأت غدران الماء عافية، وجاء الصوت بليغا واحتفاليا..انها كلمات مصطفى صالح كريم الصافية:"اما اتهامه بانه يجهل اصول علم الصحافة، فهذا مدعاة للضحك" ثم يقوم بترسيم الارض بين صاحب الشكوى الذي قاتل كوابيس الدكتاتور في يقظته ومنامه و"بعض الذين ما زالوا يحلمون بعودة صدام حسين".

  انها ليست معركة، ايها الاصدقاء، لكني لا اعرف لها اسما آخر.

ـــــــــــــــــــــــــ

..وكلام مفيد

ــــــــــــــــــــــــــ

"الفكرة ليست مسؤولة عمن يؤمن بها"

مثل فرنسي