المحرر موضوع: عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز الوطنية..!/1  (زيارة 1301 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Hadi Altkriti

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 145
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز الوطنية..!
القسم الأول
[/b]



هادي فريد التكريتي

كل من كتب أو سيكتب عن ثورة 14 تموز في العام 1958 لا بد من أن يتعرض لشخصية قائدها عبد الكريم قاسم ، تلك الشخصية التي بدت غامضة للكثيرين ، على الرغم من أن أسرار الثورة لم تعد أسرارا ، حيث تناولها الباحثون والبعض من المشاركين في الثورة ، على قدم المساواة ، سردا وأشبعوها تحليلا وتمحيصا ونقدا ، ورغم كل ما كتب ، بقى الجزء الأكبر والمهم من الأسرار في صدور الكثير من الشخصيات ذات الصلة الحميمة بقائد الثورة ، وأصدقائه الذين منحهم ثقته ، والقريبين من بعضهم في الحلم والفكر والتنظيم والتخطيط ، لأن يساهموا في رسم الصورة الواضحة عن عبد الكريم قاسم ، وعن الكثير من دقائق الأمور وملابساتها قبل تحديد ساعة الصفر للثورة أو بعد نجاحها ، ولم يتسن لهؤلاء ، المقربين والقريبين منه ، الوقت ولم يمتد بهم الأجل لأن يفصحوا عما يعرفونه من أسرار ، وما تضمره شخصية عبد الكريم قاسم والنخبة المحيطة به لمستقبل العراق ، لأسباب كثيرة ، وأهمها أن الفاشية في 8 شباط قد اغتالت أغلب العناصر العليمة بالأسرار اللصيقة بعبد الكريم قاسم ، وعبد الكريم قاسم ، هو نفسه ، مصدرا مهما للمعلومات باعتباره مركز الثقل لمنظمة قادت التغيير في العراق ، وشأنه شان الكثير من الثوار وقادة الحكم ، في أوضاع حكم ديموقراطية ، بعد اعتزالهم الحكم أو العمل السياسي ، يكشفون عن الكثير من الأسرار التي لا يعرفها غيرهم ولا يمكن أن يتوصل إليها محلل أو منظر للحدث.، فجريمة 8 شباط أضاعت الكثير من هذه الأسرار ودفنتها في صدور أصحابها ..
 والشخصيات التي عايشت الثورة وساهمت فيها ، اختلفت فيما بينها بعد نجاحها في التغيير ، لاختلاف في الرؤى وتعدد في توجهاتهم الفكرية والسياسية ، وانحياز بعضهم للمعسكر المناوئ الذي ناصب الثورة العداء ، والبعض من هؤلاء كتبوا عن الثورة وعن قائدها والشخصيات المساهمة معه من منطلقات غير محايدة بل معادية ، طمسوا الكثير من الحقائق التي تدين سلوكهم التآمري ، قبل وبعد انقلاب شباط الدموي ، لأنهم وانقلابهم قد فشلوا في تحقيق كامل الأهداف التي أعلنوها تبريرا " لثورة " الردة واغتيال الثورة وقائدها ، وإن كان البعض منهم كتب بحياء ، منتقدا النهج التآمري وسلوك الأطراف القومية وارتباطاتها بالدوائر الاستعمارية والرجعية ، ومعاداتها للأهداف الوطنية العراقية ، التي خططت لها ونفذت بعضا منها الثورة وقيادتها الوطنية ، فما هذا سوى صحوة ضمير متأخرة لبعض من كتب ، ومحاولة لرد الاعتبار لبعض المساهمين في وأد التجربة الوطنية ، وتنصلا عما ألحقوه بالعراق وشعبه من أذى ، وبالتالي محاولة اعتذار بائسة عن الجريمة المنكرة التي زلنا نعيش مأساتها ..
ورغم مضي ما يقارب نصف قرن على ثورة تموز ، فلا زال هناك العديد من الشخصيات التي عايشت الحدث وكانت قريبة من قيادة الثورة قبل وبعد الثورة ، من العسكريين ، قادة فرق وضباط أركان ، يحتفظون بأسرار كثيرة ، لم يفصحوا عنها لأسباب كثيرة ، ليس اقلها ، خشية التعرض للأذى من قبل العناصر البعثية التي ساهمت في تشويه أهداف وأشخاص ثورة 14 تموز .
أغلب ، إن لم يكن كل ، الذين تعرضوا لثورة 14تموز وأسباب نجاحها أغفلوا الدور الكبير والفعال الذي قام به الضباط ونواب الضباط الاحتياط ، قبيل الثورة وبعدها ، فالنظام الملكي حاول أن يحجم هذه الفئة من الطلبة ككل ويبعدهم عن هموم ومشاكل الوطن ، لتشخيصه الصائب أن الطلبة والمثقفين هم طلائع الشعب ومصدر قوته في الدفاع عن الشعب وحقوقه ، فأعاد فتح كلية الاحتياط لتستوعب كل الخريجين ، لترويضهم ولينأى بهم عن المساهمة في الساحة السياسية العراقية في ظروف عربية وداخلية معقدة ، أججها العدوان الثلاثي الذي تعرضت له جمهورية مصر العربية ، ومحاولة إبعاد الشعب العراقي عن المشاركة في نصرة الشعب المصري ونضاله من أجل تحقيق سيادته الكاملة على وطنه ، ووطنيا تحقيق ظروف حياة إنسانية أفضل للشعب ، فالبطالة المتفشية وانعدام الحريات السياسية ، وسياسات حلف بغداد العسكري الهادفة لتأجيج النزاعات العسكرية وتطويق حركة التحرر العربية ، وعزل العراق عن محيطه العربي ، ومحاولة شل نشاط القوى السياسية الوطنية المتعاظم نفوها في المنطقة ، وتحجيم دورها ، وأسباب أخرى كثيرة ، كلها عوامل مباشرة أدت إلى احتقان الوضع السياسي الداخلي ، وهذا ما زاد في حدة الصراع بين نظام الحكم الملكي وبين القوى الوطنية ، ليتفجر بحدث فريد على الساحة ، حيث شهد معسكر الرشيد في مطلع ربيع 1957 أكبر واضخم  مظاهرة عسكرية صاخبة ضد نظام الحكم ساهمت فيه كل قوى الخريجين والطلبة من كلية الاحتياط ، والتي توجت بتنفيذ مطالب المتظاهرين الآنية ، إلا أنها لم تنزع العداء للحكم الذي أججته جبهة الاتحاد الوطني التي أصدرت بيان الاتفاق الجبهوي بين القوى السياسية الوطنية العراقية  ... وبدلا من أن تساهم كلية الاحتياط ، وفق حسابات نوري السعيد ورجال الحكم الملكي ، في حجز حرية النشاط الوطني وتقليص الدور السياسي لهذا العدد من الخريجين ، أفسحت في المجال لهم وللنشطاء من الأحزاب السياسية الوطنية والديموقراطية العراقية ، لأن تلتقي في أكبر تجمع لها مع عدد كبير من العسكريين لم يحدث نظير له من قبل ، ضباط وضباط صف وجنود ، في ظرف ملتهب سياسيا ووطنيا ، لتدور حوارات ونقاشات وطنية وسياسية علنية في مثل هذا المعسكر ، ولأول مرة في التاريخ العراقي المعاصر...وهذا ما حقق صدق مقولة " غلطة الشاطر بألف.."
التحق هذا العدد الكبير من الضباط الاحتياط بوحداتهم العسكرية المتوزعة على مختلف المناطق العراقية ، وقد مارس هذا العدد دورا تثقيفيا في كل مجالات المعرفة ، بين الوحدات بشكل رسمي وعلني ، من منطلق كونهم أمراء فصائل ، وحتى في بعض الأحيان أمراء سرايا ، نتيجة للنقص الحاد في عدد الضباط المحترفين ، وهكذا زال رسميا المحذور الذي كانت تخشى منه وتشدد عليه سياسة الحكومة ،  من عدم اختلاط السياسيين بالعسكريين ، وأصبحت اللقاءات بين الضباط الاحتياط وأمثالهم من المحترفين تتم على مدار الساعة دون رقيب ـ عدا عيون ضباط الاستخبارات حيث كانوا مكروهين من الجميع ـ  كما أصبح الجنود وضباط الصف أكثر قربا والتفافا حول التشكيلة الجديدة من هؤلاء الضباط التي عاملتهم معاملة لم يألفوها من قبل أقرانهم المحترفين ، وعمليا إنوجدت علاقات احترام إنسانية متبادلة جديدة مع جماهير الجنود ، متنت من عرى.العلاقات بين الضابط والجندي ،  ومما زاد في توثيق العلاقة ، المحاضرات الرسمية ، التي كان يلقيها هؤلاء الضباط التي لم تكن تدور عن قضايا عسكرية أو اجتماعية فقط ، وإنما دخلت عليها المفاهيم الوطنية والقومية للجندي الذي هو " سور للوطن "، وتبيان حقيقة الظلم الذي تعاني منه أغلبية الشعب العراقي ومنشأه ، والفساد المستشري في أجهزة الدولة وحقوق العراقيين المنهوبة ، ودور الحكومات الرجعية والعملية في هذا النهب ، وغيرها الكثير من القضايا التي كانت محرمة عليهم الاستماع إليها ، وهذا ما خلق ولاء جديدا في وعي الجنود وضباط الصف ، وعزز من مبدأ الطاعة العسكرية المقرونة بالفهم الوطني ، تهيأة للخطوة اللاحقة ، ومثل هذا كانت تجري حوارات أيضا بين الضباط المحترفين وأقرانهم الاحتياط مما عزز الثقة الوطنية بين الطرفين ، وقد وجد الكثير من الضباط المحترفين المنتمين إلى  "حركة الضباط الأحرار " في الضباط الاحتياط مشروعا وطنيا للعمل السياسي المشترك معهم ، لما لمسوه فيهم من وطنية صادقة وحماس لتغيير الأوضاع التي يعملون لها ، وهذا ما روجوا له بين الضباط الاحتياط للاستمرار في الخدمة ، خدمة للعمل الوطني ـ السياسي ، وقد تحقق نجاح في هذا المضمار حيث انتظم العديد من هؤلاء الضباط الاحتياط في الخدمة وتركوا أثرا لا يمكن نكرانه ،  والكثير من الأحياء الذين ساهموا في ثورة 14 تموز ، سواء أكانوا من الضباط المحترفين أو الاحتياط ، يحتفظون في ذاكرتهم الكثير من القضايا والأمور عن دور الضباط الاحتياط ومساهماتهم في صنع 14 تموز ، وعلى الباحثين عن أسرار هذه الثورة ، التي غيرت مجرى التاريخ السياسي العراقي ، عدم إغفال دور كلية الاحتياط في تلقيح الفكر الوطني وتمتين العلاقة بين الجناح العسكري المحترف وغير المحترف من القطاع المدني السياسي ، الذي أسس له خطأ استراتيجي ارتكبه النظام الملكي وحكومة نوري السعيد ، عندما زاوج  بين السياسة والعسكر ووضعهم في معسكر واحد ، وتناقشوا تحت سقف خيمة واحدة .كانت النتيجة اتفاق على إسقاط الحكم الملكي بكل رموزه وهذا ما كان يوم 14تموز ..
تاريخ هذه الثورة الوطنية العظيمة لم يكتب كما يجب ، كما لا يمكن أن يكتبه بصدق وموضوعية شخص واحد ، خصوصا ، وكما أسلفت ، أن الكثير من رجال هذه الثورة لم يمتد بهم العمر ليكتبوا مذكراتهم أو لم يجر الحوار أو الحديث معهم لتبيان خط مسار الثورة وهي تجابه ، كما هو حال الكثير من الثورات الوطنية والتحررية، الكثير من الصعاب مما يجعلها تنحرف عن خط مسارها المتفق عليه أو الذي كان من الواجب أن تسير عليه ، لذا فمن الضروري أن يساهم في كتابة تاريخها ، كل من يعرف سرا لها أو شاردة منها ، من كل المواقع الجغرافية التي ساهم فيها صناع الحدث ، وسمع أو رأى منه ما يفيد أو يدلل على فعل للثورة من خلال رجالها ، وسيجتمع من خلال هذا سفر عظيم يمكن للباحث والمؤرخ أن يغوص في هذا اللج من المعلومات ليستخلص للتاريخ الوطني العراقي حقيقة مقاربة لهذا الحدث العظيم ورجالاته الذين نفتقد لأمثالهم في ظرفنا الراهن من حيث وطنيتهم وتفانيهم ونزاهتهم ، لقد استشهدوا من أجل بناء وطن حر خال من ظلم ومن قهر وعوز ، استشهدوا ولم يخطر على بال أحد من حكامنا الجدد ، من المتنابزين بشهدائهم أن يتذكرونهم ، محاولين مسحهم من الذاكرة ، كما مسحت آثارهم من كل متاع غال أو رخيص ، حتى ما عدنا نعثر لهم على ملك أو عقار أو حساب في بنك يحمل اسمهم ،  بلى حتى لم نعثر على قبورهم بعد  !
للموضوع بقية ..
9 تموز 2005
 hadifarid@maktob.com