المحرر موضوع: العراق: الحريات والحقوق المدنية في ظل حكومة "الشراكة الوطنية"..!2_2  (زيارة 1372 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: الحريات والحقوق المدنية في ظل حكومة "الشراكة الوطنية"..!2_2

باقر الفضلي

بعد أكثر من ثلاث عقود من الإستبداد، والحرمان من الحريات والحقوق المدنية، التي تصون كرامات المواطنين وتحافظ على حرياتهم الشخصية، وتضمن لهم الأمن والأمان على صعيد الواقع، إنتظر الجميع أن يكون لهم من الدساتير، دستوراً يحقق لهم كل هذه الأمنيات، وهي في حقيقتها عبارة عن واجبات أساسية مصدرها (العقد الإجتماعي) يسطرها الدستور، وما على الدولة ممثلة بسلطة الحكومة، إلا الحرص على ضمان تطبيقها، وإشعار المواطن الفرد، بأن هناك من يقوم على السهر بإيصالها اليه بغض النظر عمن يكون، وإشعاره أيضاً بأنه يمتلك كامل الحق بمقاضاة كل من يحول بينه وبين تلك الحقوق والحريات، مهما كانت درجة منزلته في الدولة أوالمجتمع؛ ومن هنا كانت تجربة ما تحقق للمواطن العراقي في العام/ 2005 عندما تم تشريع الدستور الدائم الحالي وجرى التصويت عليه، رغم كل ما قيل ويقال بشأنه، حيث أصبح المواطن العراقي اليوم يمتلك دستوراً يمكنه الرجوع اليه إذا إقتضى الأمر وأنى شاء، ولكن ومع كل ما أنجز بهذا الشأن، يبقى أمر الرجوع الى هذا الدستور والإحتكام اليه وآليات تفسير نصوصه، هي الإشكالية التي تواجه الجميع..!


فلأيام خلت وعلى سبيل المثال، أقدم مجلس محافظة بغداد في السادس والعشرين/ تشرين الثاني/2010 ، على إجراء تنفيذي تم بمقتضاه، غلق النوادي الثقافية والإجتماعية واالملاهي ومحال بيع المشروبات الكحولية، مما إستدعى ردود فعل منتقدة إتخذت أشكالاً متعددة، منها ما كان على الصعيد الإعلامي، ومنها ما إتخذ شكل التحشد والتظاهر الجماهيري ضد إجراء مجلس المحافظة المذكور..!؟(*)


ومع إستمرار السجال الكلامي بين الناقدين لإجراء مجلس المحافظة، وردة فعل رئيس المجلس في دفاعه عن الإجراء، أن أختزلت المسألة وجرى تكييفها؛ بأن الأمر لا يتعدى كونه مجرد تفعيل لقرار سابق صادرمن مجلس قيادة الثورة المنحل برقم /82 عام/1994 أثناء "حملته الإيمانية"، يقضي بغلق محال بيع المشروبات الكحولية والملاهي الليلية، وبالتالي فهو ينصب فقط على تناول المشروبات الحكولية، ليمثل فيه مجلس المحافظة بمثابة لجنة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).


•    في البداية يمكن الإشارة هنا الى أن مجلس المحافظة، بإعتباره منتخباً، لا يمثل فقط الأغلبية الاسلامية لسكنة بغداد حسب، بل إنما يمثل جميع أبناء محافظة بغداد، بمختلف ألوان أطيافهم الدينية، وبالتالي فإن مرتادي تلك النوادي المغلقة حاليا، يمتون بصلة الى سائر تلك الأطياف الدينية بما فيها الأغلبية الإسلامية، التي قصد المجلس المحافظة على هويتها الدينية. ومن جانب آخر، فالإغلاق هنا يمثل الحيلولة بين المواطن وإرتياد تلك الأماكن، وبالتالي فالمقصود والمستهدف والمتضرر الوحيد من إجراء مجلس المحافظة، هم مرتادو تلك النوادي على إختلاف مضاربهم، وتنوع تصنيفات الأماكن التي يرتادوها. بمن فيهم مَنْ لا يرتادها لأغراض " تناول" المشروبات الكحولية، ومن هنا جاء إجراء محافظة بغداد شمولياً وصب في  نفس الإتجاه الذي توخاه في حينه قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ب"حملته الإيمانية"، حيث إختلط الحابل بالنابل، وجاءت النتائج غير محمودة العواقب، أوعلى حد قول الشاعر:

(تالله ما إقتيد زيد بإسم زائدة     ولا إبتلى عامر والمبتغى عمر).


•   فالعراق وطبقاً لأحكام الدستور الدائم، بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، يشكل فيه الطيف الإسلامي الغالبية من الشعب العراقي، وكان ينبغي وإنطلاقاً من هذه الحقيقة أن يجري التعامل مع شأن الحريات والحقوق المدنية للمجتمع العراقي وفق الأطر التي رسمها الدستور، بعيداً عن تكييف نصوص الدستور وتوظيفها وفقاً للإرادات والمصالح الذاتية الخاصة.     


وإستطراداً مع ما تقدم، وطبقاً للدستور العراقي/2005، الذي يعلن الجميع تمسكهم ببنوده، فإن أي توصيف خارج حدود ما تمت الإشارة اليه، بهدف دعم إجراء مجلس المحافظة، لا يجد له سنداً دستورياً فيما يجري وصفه، إلا بالحدود التي ذكرها الدستور والتي بيناها أعلاه، فالهوية الدينية من حيث الأصل تعني هوية الشخص أو تلك الطائفة من الشعب الذي يعتنقها، وليس هوية البلد الذي يقطنه ذلك الشخص أو تلك الطائفة،  وما أوضحناه فيما تقدم يلقي الضوء على تلك الحقيقة؛ كون العراق بلد متعدد الأديان والقوميات والمذاهب، وجميع قاطنيه هم مواطنون عراقيون، مهما إختلفت هوياتهم الدينية والمذهبية، تلك الحقيقة التي كان المؤمل أن لا تغيب عن إنتباه مجلس المحافظة، خاصة وأن أعضاءه من نفس النسيج الإجتماعي العراقي، وأن لا تدفع بهم الأمورعلى الصعيد الإجرائي والإعلامي، الى خارج حدود الإلتزام بأحكام الدستور نفسه..!


أما مايتعلق بحرية الإجتماع والتظاهر السلمي والتعبيرعن الرأي بكل الوسائل، وحرية الطباعة والإعلان والإعلام والنشر، فهي من الحريات التي أقرها الدستور الدائم في نص المادة/38،  وأناط بالدولة مسؤولية وضمان كفالتها وحمايتها وفقاً للقانون. ومن هنا يمكن القول بأن ما أقدم عليه منتقدوا إجراء المحافظة بإغلاق النوادي الترفيهية والثقافية الإجتماعية، من الإجتماع والتظاهر في شارع المتنبي، إحتجاجاً على ذلك الإجراء، لا يخرج في جوهره من إستخدام حرية قد كفلها الدستور، وأناط ضمان الحق باللجوء اليها وحمايتها بسلطة الدولة، بإعتبارها من الأركان الرئيسة للحريات العامة، وإحدى الوسائل الديمقراطية للمارسة السلمية التي يلجأ اليها المواطنون للتعبير عن الرأي.


كما ومن ظاهر الحال، فليس من المنطق أن يدعي البعض من مساندي قرار مجلس المحافظة، بأن النقد والإحتجاج، الذي أعلنه تجمع المتظاهرين من النخب المثقفة في شارع المتنبى، وتعرضوا بسببه الى سيل من التشويه والتخرصات والإتهامات الباطلة، بأنه  ينصب على مسألة "حظر الخمور" حسب، بقدر ما إنصب في الحقيقة شكلاً ومضموناً في الإحتجاج، على تقييد جوهر الحق والحرية التي كفلها نص المادة/46 من الدستور، متمثلاً بغلق نادي إتحاد الكتاب والأدباء تحت ذريعة تقديم المشروبات الكحولية، وهي ذريعة لا تتماشى في الواقع مع طبيعة الإحتجاج  ولا مع صفة المحتجين، ولا حتى مع خصوصية النادي المذكور..!؟


    فإذا كان الأمر يتعلق حقاً بمسألة "حظر المشروبات الكحولية"، كما حاول أن يفسرها مجلس المحافظة والمدافعون عن قراره آنف الذكر، وهو أمر على صعيد السياق التأريخي للحياة المدنية العراقية، قد بولغ به كثيراً،  لدرجة أن جرى فيه تسخير الدين كسلاح في المواجهة، في الوقت الذي تمتلك فيه الدولة وسلطتها، ما تيسر لها من الوسائل القانونية والقضائية المدنية، ما يحفظ للدين قدسيته،  ويبعده من أن يجري زجه في معارك، هو أسمى وأجل من أن يكون طرفاً  للخوض فيها.


  فليس صعباً أن يجد من حُرِّمَ عليه تناول تلك المشروبات، العديد من الوسائل والطرق للوصول اليها، وهو لعمري، أمر ليس خفياً على الجميع، ومن اليسر ما لا يحتاج كل هذه الضجة ولا كل تلك التبريرات، التي لا تصب حتى في ظاهرها العام، إلا في طريق تقييد الحريات والحقوق المدنية الشخصية التي كفلها الدستور، إن لم يك المستهدف والمبطن تحت ستار المكشوف من الإجراء في الحقيقة، هو التقييد لتلك الحريات نفسها، وهي خطوة تأتي مكملة للخطوات التي سبقتها والمتخذة من قبل محافظات البصرة وبابل، في تحريمها للغناء ومنع النشاط الفني المسرحي، أو تلك القرارات التي تعلن عن منع تدريس الموسيقى والفنون في المعاهد التدريسية أو رفع النصب والتماثيل الفنية من معهد الفنون الجميلة، أو العمل على فصل الذكور عن الأناث في الجامعات والمعاهد، لتبدو وكأنها جميعاً خطوات مدروسة في طريق تثبيت نهج معاكس لمباديء الدستور المتعلقة بالحريات المدنية ومباديء الديمقراطية وأسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية الجديدة، وجميع  تلك الفنون تدخل في نطاق الثروة الثقافية للبلاد التي يفرض الدستور على سلطة الدولة حمايتها؛ في وقت تتعارض فيه جملة تلك الإجراءات مع نصوص ذلك الدستور..!


فعلى سبيل المثال، ومن قراءة سريعة للمنهاج الوزاري للحكومة الجديدة، الذي أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 21/12/2010 التي جرى خلالها تنصيب تلك الحكومة، وفي "فقرته/34" ، يمكن للمرء أن يتلمس وبعيداً عن التكهنات، بأن توجهات مجلس محافظة بغداد والمحافظات الأخرى كالبصرة وبابل، في موقفها من الفنون والثقافة عموماً، لم تأت من فراغ حسب، بقدر ما تجد سندها في مضمون منطوق  "الفقرة/34 " من منهاج الحكومة الجديدة، الذي يمثل دعماً صريحاً لذك الموقف، بل تأكيداً واضحاً على تثبيته، من خلال تفعيل القوانين النافذة، وهذا ما يشكل سابقة، سبق وأن إستند عليها مجلس محافظة بغداد في تفعيله للقرار 84/1994 آنف الذكر، وتحت نفس ذريعة "حماية المجتمع من الممارسات التي تتعارض مع الدستور وقيمه " الدينية " والآداب العامة " التي إعتمدها منطوق "الفقرة/34" من منهاج الحكومة الجديدة، والذي يصب من حيث تفسيره، في نفس إتجاه تفسير مجلس محافظة بغداد بشأن تبرير ما أقدم عليه من إجراءات، إن لم يك إشارة  معززة وداعمة لتلك الإجراءات، وهو بحد ذاته سلاح يحتمل مختلف التأويلات، ويمكن إعتماده لشتى الأغراض..!!؟


فأي نص قانوني إستند إليه مجلس محافظة بغداد، في تفعيله للقرار 82/1994 ، وهو بحد ذاته قرار تنفيذي آمر، لا يمكن التعويل عليه وحده في إعتباره تفسير مناسب لتطبيق نص المادة/46 من الدستور في حالة اللجوء الى تقييد الحريات والحقوق الشخصية التي أقرها الدستور، إذا ما كان القرار نفسه لا يمتلك صفة القانون وينقصه السند الدستوري الذي يدعمه كإجراء قابل للتنفيذ، كما وكيف يمكن التعويل عليه وحده، في تحديد طبيعة الممارسات التي تتعارض مع الدستور، كما وليس بعيداً عن هذا التوجه، منطوق "الفقرة/34" من منهاج الحكومة الجديدة، في محاولة منها لإعتمادها منطلقاً وأساساً لإجراءات قادمة تصب في نفس الإتجاه، ناهيك عن تفسيرات مجلس المحافظة والداعمين لإجراءاتها..؟!!


فالى أين يا ترى ستسير سفينة "العملية السياسية" بقيادة ربابنتها الجدد، وبتوجهاتها الجديدة..؟!
هل هي حقاً ستسير بإتجاه بناء عراق مستقل نيابي ديمقراطي إتحادي تعددي، وفقاً لما حدده الدستور في مادته الأولى،  أم ترى أنها ستسير بإتجاه بناء مقومات نموذج جديد لدولة دينية، وفقاً لتوجهات مجالس محافظات البصرة وبابل وبغداد الحالية، والتي يمكن إعتبار منطوق "الفقرة/34" من منهاج الحكومة الجديدة، أحدى دعائمها الأساسية، ودعوة مشجعة لمجالس تلك المحافظات وغيرها، في السير على هداها بإتجاه تقييد الحريات والحقوق المدنية..؟!  كما وليس من المغالاة القول؛ بأن تحجيم نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية التي حددها الدستور ب25% ، في تشكيلة الوزارة الجديدة المعلنة، هي من بواكير الأمثلة لتلك التوجهات، ومؤشراً على النهج الذي يتقاطع مع مباديء الدستور في الديمقراطية، إن لم تك نكوصاً فاضحاً عن تلك المباديء. 


 إن هذا ما ستثبته مسيرة القادم من أيام العملية السياسية للكتل المشاركة في تشكيلة حكومة "الشراكة الوطنية"، وما سيؤول اليه برنامجها المعلن على صعيد التطبيق، في ظل الوظيفة التشريعية والرقابية لمجلس النواب، وعناية من أُنيطت بهم حماية الدستور طبقاً لنص المادة/67 من الدستور..!!
ومن البدهي القول؛  بأن آفاق مستقبل الحريات والحقوق المدنية، وهما جوهر الديمقراطية التي كفلها الدستور، يظل رهن نتيجة الصراع بين الإتجاهين المشار اليهما في أعلاه لمسيرة العملية السياسية، وجدية من يجدون في المشروع الوطني لبناء دولة مدنية ديمقراطية، بإعتباره الطريق السليم لمستقبل العراق، في واقعية تمسكهم بمضمون هذا المشروع على المدى المنظور لهذا الصراع..!     
___________________________________________________________________________________ (*)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237266