المحرر موضوع: لنعطي ما لالقوش لالقوش .....وما لكلدو لكلدو....  (زيارة 1344 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ashor111_1

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 10
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

آشور كيواركيس
بيروت- 26/12/2010
"ويلٌ لأمــة كل طائفة فيها تحسب نفسها أمـــّـــــة" (جبران خليل جبران)
سبق أن نشرنا مقالا بسيطا حول المعالم الأثرية لبعض البلدات في آشور المحتلة على الرابط التالي:
http://www.alqosh.net/article_000/ashur_giwargis/ag_4.htm
وكما يلاحَظ، من هذه البلدات العريقة بلدة ألقوش، تلك الوحيدة التي اهتمّ لها أخواننا من بعض أبنائها فيما تجاهلوا باقي البلدات التي قمنا بـ"أشوَرَتها" حسب اعتقادهم ... على أية حال، لم تكن المقالة تهدف أبدا إلى دغدغة مشاعر بعض الآشوريين الكاثوليك المتعصبين طائفيا، بقدر ما كانت تحذيرا – كما توحي مقدّمتها – بخصوص ما يجري في آشور المحتلة من عمليات تكريد وآخرها مخطط الحركة الديموقراطية الآشورية وباقي الحــُـزيبات سواء كانت تنشط تحت الإسم القومي الآشوري أو الأسماء الطائفية ... ولكن بما أن البعض فضـّـل تحويل الموضوع إلى فلسفة في غير محلـّـها ونقاشات طويلة بما لا يعرفه سواء عن طريق بعض الردود على مواقع الأنترنت أو عبر بريدنا الألكتروني، لذلك فضلنا إنهاء المسألة بشكل واضح لمن أراد التمعـّـن في فهم الانتماء التاريخي لشمال العراق ككل، ومنه سنتطرّق تحديدا إلى بلدتنا الآشورية العريقة؛ ألقوش.
منذ نيسان /2003/ بدأنا نشهد بعض الحجج التي يطلقها البعض بدون دراية بالتاريخ، وأهمها محاولة ربط ما يعرف اليوم بشمال العراق، بدولة بابل الحديثة (626-539 ق.م) – فترة تواجد قبائل الكلدو في بابل، ورغم كون هذه الطروحات غالبا ما تؤخذ على محمل السخرية، إلا أنها قد تثير الشكوك لدى بعض البسطاء حول احتمال كون الكلدو القدماء قد سكنوا فعلا في آشور (شمال العراق الحالي).
ليس للكلدو (كما سماهم آشور ناصربال) أية حضارة تذكر في العراق كون الحضارة هي لآكاد ونينوى وبابل، المدينة التي دخلها "الكلدو" الرحّل عام 734 ق.م، بعد أن استقروا في أقــذر المناطق لثلاثة قرون، وعن ذلك يقول عالم الآشوريات الشهير وأستاذ اللغات السامية في جامعة كارديف – بريطانيا، البروفسور هنري ساغس، ما يلي:
"الكلدانيون كانوا يثيرون الشقاق في بلاد بابل، وهم قبليون ذوي أوجه شبه مع الآراميين، دخلوا جنوب الأراضي البابلية حوالي عام 1000 ق.م وأسسوا نقاط سكنهم في مناطق المستنقعات الشاسعة بأقصى الجنوب في الأهوار العراقية الشهيرة. وفيما تلا تابع الكلدانيون حركتهم عكس نهر الفرات وحاولوا السيطرة على بعض المدن القديمة. وفي عام 734ق.م قام المدعو "توكن زير" أو "نابو موكن زيزي" الزعيم الأعلى لقبيلة "أموكاني" الكلدانية باحتلال بابل والإستيلاء على العرش، وانقسمت بابل في مسألة ولائها للآشوريين. فبالنسبة لسكان الدولة البابلية من غير الكلدانيين؛ كان جيرانهم الشماليون يمثلون رمزا لنظام الأشياء القديم، المستقرّ، أمام الكلدانيين المشاغبين..." (1)
أن الحديث عن هذا الإنقسام في بابل له درجة كبيرة من الأهمية التي يجب أن نوليها لهذه المواضيع قبل أن نتفلسف بها، تجنـبا لسخرية القارئ لا أكثر. فالمؤرّخ ساغس (1920-2005م) الذي كان من أشهر المحاضرين باللغة الآكادية، اعتمد في كتابه "جبروت آشور الذي كان" على المدوّنات التاريخية والمرسلات بين الملوك، التي كان يترجمها بنفسه ولم يعتمد على التوراة الذي كتبه رعاة حاقدين على نينوى وبابل، ولا على هلوَسات بعض القساوسة ... حتى اعتبرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بأنه "أعظم علماء الآشوريات في العصر الحديث".
وعندما يقول ساغس بأن البابليين كانوا يعتبرون جيرانهم الشماليين رمزا لنظام الأشياء القديم بمواجهة "الكلدانيين المشاغبين"، فهو يتحدّث عن تراث وثقافة آشورية موجودة في بابل قبل تسلل "الكلدو" إلى جنوب ما يــُـعرَف اليوم بالعراق، وعن صراع بين القبائل الدخيلة وبابل العريقة. وحين نتحدّث عن "كلدان" يجب ألا نتعدّى مرحلة 626-539 ق.م لأنها المرحلة الوحيدة في تحوّل الكلديين من بدو إلى حضـَر حكموا لفترة 87 سنة مدينة بابل التي يعود عمر ثقافتها وحضارتها إلى آلاف السنين قبلهم، وإلا فعلينا اعتبارها فارسية كون الفرس حكموها أكثر من الكلديين، أو عربية لأن العرب حكموها أكثر من الفرس ... وهذا الإعتبار منافي للمنطق حينما نتناول موضوع ثقافة الأرض، وها قد تناولها العالم ساغس وقبله المؤرّخ الإغريقي هيرودوتس (القرن الخامس ق.م) الملقب بأبي التاريخ، الذي عاش في بابل ووصفها بأنها "أعظم مدن آشور، بعد نينوى" (2)
أما بالنسبة لشمال العراق "الكلداني" المفترض، فلا توجد أي مدوّنة تاريخية "كلديـّـة" تمّ اكتشافها في شمال العراق، والمقالة القصيرة التي نشرناها حول آثار شمال العراق لا تتحدّث عن أي وجود كلدي وهذا ليس ذنبنا لنتعرّض للملامة، بل ذنب التاريخ. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هذه الدولة (البابلية الحديثة) التي احتلت أرضا ولم تترك فيها شواهداً ؟ علما أن ملوك بابل عبر تاريخها طالما افتخروا بفتوحاتهم كما ملوك الشمال الآشوري ودوّنوها لا بل بالغوا في وصفها وخصوصا ملوك "الكلدو" في المرحلة البابلية الحديثة، حيث نرى مسلة نبوخذ نصـّر حول سبي اليهود إلى بابل، ومودوناته حول احتلال صيدا في جنوب لبنان.
وهن تبعيـّـة آشور بعد سقوطها دولتها، تذكر عالمة تاريخ الشرق القديم، وأستاذة التاريخ في جامعة لندن، بأنه لم تكن هناك أية علاقة بين الدولة البابلية الحديثة (حكم الكلديين) وأرض آشور بعد سقوطها، حيث تقول حرفيا: "بحلول العام 605 ق.م، كانت مساحات واسعة من الإمبراطورية الآشورية (وليس الدولة المركزية – الكاتب) تحت سيطرة البابليين وكانت تخضع للمركز البابلي في جنوب البلاد، أما المناطق الشمالية فقد بقيت ضمن كونفدرالية مع الميديين، تخضع للمركز الميدي في إكباتانا (همدان الحالية في غرب إيران - الكاتب)" (3)
وهناك طقطوقة أخرى يطرحها بعض المتعصبين من الآشوريين الكاثوليك وهي أن الملك تغلات بلاصّر الثالث (المذكور أعلاه) قد سبى الكلديين لدى دخوله بابل عام 737 ق.م، علما أنه ليست هناك أية شواهد على ذلك (كالعادة)، وفي المقابل نرى مجددا البروفسور ساغس يقول:
"سقطت بابل بأيدي تغلات فلاصّر وفرّ توكين زير (زعيم الكلديين – الكاتب) جنوبا نحو عاصمة قبيلته في عمق الأهوار الجنوبية، بعد ذلك طارده الجيش الآشوري ناشرا الخراب في أراضيه، بينما حلفاؤه القبليون الذين تفاهموا مع الآشوريين – رغم كونهم زعماء، مثل مردوخ بلادان – حافظوا على أراضيهم، وحين تمّت تسوية المشاكل بعد ثلاث سنوات أخضعت بابل لللآشوريين..." (4)
عندما يقول المؤرّخ ساغس بأن الزعماء الكلديين تفاهموا مع الآشوريين و"حافظوا على أراضيهم" هذا يعني أنهم بقوا فيها ولم يتمّ أخذهم إلى نينوى، ولو سلمنا جدلا وافترضنا فعلا بأن سبي الكلدان إلى بعض المناطق يعني أن أبناء هذه المناطق أصبحوا "كلدانا"، فهذا يعني بأن سبي نبوخذنصر لليهود إلى بابل يعني أن البابليين أصبحوا يهودا، وهذا الكلام لا يقوله سوى الرضـّـع في التاريخ. فلو عدنا إلى مدوّنات تغلات بلاصّر الأوّل حول السبايا نراه يتكلم عنهم كما يلي (بالآشورية القديمة) : "إيتي نيشي مات آشور أم نوشونوتي" – ما يعني : "إعتبرتهم أبناء آشور" (5) وكذلك تحدّث شاروكين (سرجون) الثاني عن السبايا اليهود، وهذا يثبت بأن السبايا ذابوا في الثقافة الآشورية وليس العكس.
ولا ينتهي الأمر هنا حول الشواهد الآشورية، بل هناك المؤرخون القدماء الذين كتبوا عن ألقوش ومنهم صموئيل زيا السعردي (القرن السادس عشر) الذي يتحدّث عن الشاعرة الألقوشية إيسيغا إيلاني قائلا:
" ناضلت البطلة المثقفة ايسيغيا أيلاني نضال الأبطال بسلاحها وقلمها. علّمت أجيالاً من الشباب والفتيات حتى غدت مربية للشبيبة بعلمها وصمودها ووقوفها الى جانب حقوق المرأة في المجتمع الآشوري، فأصبحت امثولة لجميع فتيات ألقوش ، كما أرست قواعد الفكر القومي في قلوب قبائلها…" (6)، كما يتحدّث الشماس بثيو ككـّـا (القرن الرابع عشر) عن نشاط إيسيغا إيلاني في جمعية نمرود الثقافية التي أسسها المؤرّخ هرمز بانيبال نعمان (لاحظ الإسم) الذي ولد عام 1307 وتوفي عام 1396م.
للأسف لقد أضاعت هذه النقاشات الكثير من وقتنا فيما عمليات التكريد جارية تحت عنوان "الديموقرطية العراقية" و"إرهاب القاعدة"، ونحن لا نزال نحاول إقناع بعض الأشبال بأنهم أبناء الأسود ... ولن نتعجب إذا رد علينا أحدهم بأن هنري ساغس هو نسطوري وآميلي كورت متأشورة والأحزاب الآشورية (التي أكثرية أعضائها من الكنيسة الكلدانية) متعصبة حاقدة على الكلدان .... وكل هذه الأقوال تدعم موقفنا لأنها تكشف عورات مطلقيها كم أنهم سُذج، خصوصا كون كافة المختصين بالتاريخ من الآشوريين الكاثوليك (كلدان اليوم) وبدون استثناء، مؤمنين بقوميتهم الآشورية ولهم كامل الحق بذلك أكثر مني، كوني من جبال آشور البعيدة، أما هم فإنهم من تلكيف وألقوش - من قلب آشور.
المصادر:
1. جبروت آشور الذي كان – هنري ساغس – ص:140 – طبعة 1995
2. Herodotus, “Histories”, Book I, P:70, Translated from Greek by Prof. Aubrey De Selicourt Penguin Edition – 1994
3. Kuhrt, Amelie : “The Ancient Near East” vol II, P:541, Edition 1995
4. هنري ساغس، نفس المصدر – ص: 141
5. "الهوية الآشورية بين العصور القديمة والحاضر" - البروفسور سيمو باربولا، جامعة هلسنكي، ص:7
6. "قبائل آشور، آرام، أرفكشاد في العراق"، ص: 188 – تأليف صموئيل زيا، سعرد - بلاد آشور، 1585م – عن بحث للدكتور عبد الأحد جلـّـو.