المحرر موضوع: يوميات ايرانية ( 8 )  (زيارة 953 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Adel Habba

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 30
    • مشاهدة الملف الشخصي
يوميات ايرانية ( 8 )
« في: 16:09 06/07/2006 »
يوميات ايرانية
( 8 )
[/size]

عادل حبه

زوايا طهران


كان كل تركيز فريقنا خلال الفترة الأولى من وجودنا في العاصمة الإيرانية هو ان ندلي بدلونا المتواضع لتوفير الإمكانيات للحزب لتجاوز محنته. ولكن والى جانب ذلك كانت تتوفر لدينا الفرصة بين الحين والآخر للمزيد من الإطلاع على العاصمة الإيرانية أو مدن أيران الأخرى.
تعتبر طهران مدينة جديدة قياساً بالمدن الإيرانية التاريخية الأخرى كشيراز وإصفهان وتبريز وخراسان ..الخ. وتقع طهران على سفح جبال البرز وعلى إرتفاع 1200 فوق سطح البحر. وعند هذا المكان توقف زحف الإسكندر المقدوني الذي أراد الحاق الهزيمة بإمبراطور فارس داريوش الثالث في عام 330 قبل الميلاد. كانت طهران عبارة عن قرية ملحقة بالعاصمة التقليدية السابقة مدينة ري، وهي الحاضرة التي دمرها المغول في عام 1220 م. ومنذ القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر، أصبحت طهران مقراً لإقامة الملوك الصفويين. وفي عام 1785 ميلادية، تحولت إلى عاصمة على يد آقا محمد خان مؤسس الدولة القاجارية (1779-1921م). وبنيت بشكل حديث في عهد رضا شاه مؤسس السلالة البهلوية في الربع الاول من القرن العشرين. ومن أعالي جبل البرز تنحدر الشوارع وقنوات مياه الأمطار ومياه الثلوج المذابة عبر المدينة حتى أطرافها الجنوبية. وكانت القنوات المصدر الرئيسي لتزويد سكان المدينة بالمياه بما فيها مياه الشرب الى ان تم مد شبكة انابيب مياه الشرب في عام 1957، بعد ان شيد سد كرج على نهر كرج في غرب العاصمة. وتقطع الشوارع الممتدة من الشمال إلى الجنوب عمودياً شوارع متوازية تمتد من الشرق إلى الغرب بحيث تحول الأحياء السكنية إلى مربعات هندسية. إن غالبية شوارع طهران عريضة ومشجرة وجميلة. وعلى حافة أعالي الجبل تقع مصايف طهران التي يلجأ إليها الطهرانيون والسواح خاصة من العراق لتفادي حر الصيف الجاف. وتلجأ العائلة المالكة والدوائر الرئيسية وحتى السفارات الأجنبية إلى شمال العاصمة في الصيف حيث تتوفر لديها مرافق كاملة لإدارة عملها بعيداً عن حر الصيف القائض في جنوب المدينة. ومما يزيد من جمال طهران هو وقوعها بالقرب من جبل دماوند المخروطي الشكل والمغطى بالثلوج طوال أشهر السنة، والذي يمكن مشاهدته من جميع أنحاء طهران. وتكون جبل دماوند إثر انفجار بركاني، وهو خامد منذ ملايين السنين. ويتمتع أهالي طهران على سفحه بالتسلق والتزحلق على الثلج  خاصة في فترات الشتاء. كنا، أنا وبعض الرفاق، نلجأ في وقت الفراغ إلى مصايف طهران خلال الشتاء للتمتع بالثلج المتراكم على جبل البرز وفي الصيف للهروب من حرارة العاصمة وتلوثها الفضيع. كنا نزور المصيفين المشهورين "سربند" و "دربند" الذين يذكران بزيارة شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري لهما في صيف عام 1926، وردد أبياته في وصف المكان في رائعته "على دربند" حيث قال :
رعى الله أم الحسن " دربند " إننا        وجدنا بها روضاً من الصفو ممرعا
لقد سرنا منها صفاها وطيبهــــــــا        ولكن بكيناه جمالاً مضيعــــــــــــــــا
مريعاً من الحسن الطبيعي لو سعت       بنوه إلى إنعاشه كان أمرعـــــــــــــا
قرى نظمت نظم الجمان قلائــــــــداً       أو الدر مزداناً , أو الماس رصعـــــا
صفوف من الأشجار قابلن مثلهــــا        كما صرع في الشعر قابل مصرعــا
وفي نفس السنة دون الجواهري الكبير رائعته الأخرى "بريد الغربة أو يوم "شمرانات"، والتي أثيرت حولها ضجة كبيرة حيث إتهمه ساطع الحصري( السوري الجنسية) بالشعوبية وقام بفصله وهو العراقي، واي عراقي، من وزارة المعارف. ولكن الفصل لم يأخذ مجراه في التطبيق بتدخل من المرحوم الملك فيصل الاول، مما أدى إلى إبعاد ساطع الحصري عن وزارة المعارف حيث كان يشغل منصب مدير المعارف العام. وتم تعيين الشاعر الجواهري في منصب مرموق هو أمين التشريفات في بلاط الملك فيصل الأول. ومن أبيات هذه القصيدة:
    هي " فارس " وهواؤها ريح الصبا      وسماؤها الأغصــــان والأوراق
    ولعت بها عشاقها وبليـــــــــــــــــــة     في الشرق إن ولعت بها العشـاق
    سالت بدفاق النضار بقاعهـــــــــــــا      وعلى بنيها شحـــــــــت الأرزاق
    يا بنت " كومرث " أقلي فكـــــــــرة      فلقد أضر برأسك الإخفـــــــــــاق
   وتطلعي تتبيني الفجر الـــــــــــــــــذي     تتوقعين وتنجلي الآفــــــــــــــاق   
                                         ********
   لي في العراق عصابة لولاهــــــــــــم      ما كان محبوباً إلي عــــــــــراق
   لا دجلة لولاهم , وهي التـــــــــــــي       عذبت , تروق ولا الفرات يــذاق
   "شمران" تعجبني، وزهرة روضها       وهواؤها، ونميرها الرقـــــــراق
   متكسراً بين الصخور تمــــــــــــــده       فوق الجبال من الثلوج طبــــــاق
   وعليه من ورق الغصون ســــرادق      ممدودة ومن الظـــــــــــلال رواق
   في كل غصن للبلابل نــــــــــــــدوة       وبكل عود للغنا " إسحـــــــــق "
هذا إضافة لقصيدة الربيع التي ألفها عام 1926 وقصيدته "في طهران" التي ألفها في عام  1926 وقصيدة "الخريف" في طهران عام 1926 عند زيارته ثانية لها.
ولا بد لمن يريد أن يكون فكرة سريعة عن تاريخ إيران أن يزور المتحف الغني بالآثار القديمة في طهران، والذي يحكي عن قصة تاريخ عريق وحضارة مزدهرة تعود إلى عدة ألاف من السنين. وفي الحقيقة، إن هذا المتحف بمعروضاته يثير الإعجاب والدهشة. ومن حسن الصدف أن أشاهد في متحف طهران  نسخة قديمة غرانيتية لمسلة حمورابي البابلية التي نقش عليها أول دستور في التاريخ الإنساني. وقد عثر المنقبون على هذه المسلة الفريدة في أطلال ديزفول أحدى عواصم فارس القديمة  والواقعة في جنوب إيران. ولم يستطع علماء الآثار لحد الآن حل لغز وصول هذه المسلة إلى أراضي الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة القديمة. ويحتوي المتحف، إضافة إلى آثار الفرس والأقوام التي حكمت إيران، الكثير من الآثار السومرية والبابلية والآشورية التي عثر عليها في الأراضي الواقعة ضمن ما يعرف اليوم بإيران. وعرفت بعد السؤال ان هذه الآثار تشكل حوالي 25% من معروضات المتحف وذلك بسبب التداخل بين حضارتي البلدين.
ولكي تكتمل صورة التاريخ الإيراني عند الزائر، فما عليه إلا أن يزور متحف الكنوز الشاهنشاهية في وسط العاصمة. وهذا المتحف كان أحد قصور ملوك السلالة القاجارية التركية التي حكمت إيران حتى بداية القرن العشرين ويعرف بـ "قصر جنينة الزهور"؛ اي "كاخ كلستان" باللغة الفارسية. ويضم القصر قاعة العرش الفخمة لملوك القاجار وتسمى بقاعة المرايا لان جميع جدرانها قد زينت بقطع ذات زوايا من المرايا اشبه بالمراقد المقدسة عندنا في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء. ويضم المتحف جواهر تبهر الأبصار منها ما جلب من نواحي أيران ومنها ما سرق بعد غزو الهند وأفغانستان ودول مجاورة. إن أثمن ما هو معروض ولحد الآن هو كرسي العرش، الذي نهبه نادر شاه من الهند أثناء غزوه للأراضي الهندية والذي يعرف بـ "تخت طاووس" والمرصع بآلاف الجواهر والاحجار الكريمة. وتربع عليه أباطرة إيران اثناء التتويج او المراسيم الرسمية. وكان آخر من توج عليه هو الشاهنشاه محمد رضا بهلوي المخلوع. ويضم المتحف أيضاً  تيجان الأباطرة السابقين ومقتنياتهم من المجوهرات والتحف الذهبية التي أحتفظ بها الملوك والحكام في إيران.
إن ما يشد إنتباه الزائر إلى طهران وحتى مدنها الأخرى للوهلة الأولى هو الطراز الجميل لبناء المساجد والجوامع التي تعج بها العاصمة الإيرانية وبقية المدن الإيرانية. فالقباب الزرقاء اللامعة المطلية بالكربلائي أو القباب المطلية بالذهب لمراقد الأئمة والأولياء وإبداعات الفنانين الإيرانيين وخطاطيهم في تزيين القباب وواجهات هذه المراكز الدينية وداخلها سواء بالزخرفة الفضية أو الخشبية أو بالمرايا أكسب المعماريين والفنانين الإيرانيين المبدعين مهارة مميزة خاصة بهم في فن العمارة والتصميم والزخرفة والخط. إنه بحق طراز فني جميل يثير الدهشة والاعجاب ويحكي عن ذوق رفيع متميز في هذا الميدان. ويطال هذا الفن المعماري والزخرفة حتى العمارات الرسمية وبيوت ومساكن الميسورين من أهالي العاصمة. وقد أبدع الخطاطون الإيرانيون بالتفنن الماهر بالكتابة على جدران المساجد ومراقد الأولياء التي تعتمد بالأساس على الحروف العربية وبالخط الفارسي المعروف. وتحول الخط الفارسي إلى فن قائم بذاته يبدع فيه الفنانون بطرق وأشكال متنوعة. بالطبع إن هذه البيوت والعمارات الجميلة تقتصر على الميسورين والنخبة الحاكمة، تقابلها بيوت المعدمين المزرية التي تعج بها النواحي الجنوبية من العاصمة.
 وتجذبك وأنت تسير في شوارع طهران واجهات مخازن بيع السجاد والبسط الإيرانية المشهورة بتصاميمها الساحرة، والتي ليس لها نظير ومنافس في العالم أجمع. ومن المفارقة إن هذا السجاد الإيراني البديع في تصاميمه وألوانه ومواده الأولية حسب كل منطقة من مناطق إيران الشاسعة، يحيكه تقليدياً الفلاحون أثناء موسم الشتاء عندما لا تتوفر الظروف المناخية المناسبة لممارسة الزراعة وتصبح هذه الحرفة مصدر رزق للفلاحين في موسم الشتاء. ولكن مع مرور الزمن تحولت صناعة السجاد الآن إلى صناعة واسعة حديثة في غالبية المدن الايرانية بعد أن إزداد الإقبال عليها وأتسع سوقها في العالم. وإنتقل العديد من مراكز صناعة السجاد من  الريف إلى المدن الكبيرة.
وفي الايام الاولى من وجودي في طهران، كان اكثر ما يشدني هو التجول في شارع رضا شاه، الذي تغير اسمه بعد الثورة الى "خيابان انقلاب" اي "شارع الثورة". ويعد هذا الشارع العصب الرئيسي للعاصمة الايرانية. فهو شارع الثقافة والعلوم والسياسة والدبلوماسية. ففي وسط الشارع ينتصب تمثال اعظم شعراء ايران وصاحب ملحمة "الشاهنامه" الحكيم ابو القاسم فردوسي، الذي قضى ثلاثين سنة من عمره في كتابة تاريخ بلاد فارس بصياغة شعرية بالغة السحر والبلاغة.
وعلى جانبه وفي بداية الشارع من جهة الغرب تقع جامعة طهران، وهي اول جامعة في ايران وتعد الجامعة الام. وأنشأت هذه الجامعة في عام 1934 على مساحة 21 هكتاراً، وقد صممها المعماري الفرنسي غيدار. وجاء تشييد الجامعة امتداداً لاول مؤسسة تعليمية متعددة الفروع وهي "دار الفنون" التي شيدها اول مصلح وتنويري ايراني في القرن التاسع عشر هو ميرزا تقي خان امير كبير الذي سعى الى نقل العلوم والثقافة الاوربية الى ايران. واصبحت جامعة طهران، علاوة على دورها العلمي والتربوي، ميداناً للنشاطات السياسية والمهنية الطلابية وخاصة في فترة تصاعد المد الوطني الديمقراطي وحركة تأميم النفط في البلاد. فقد شهدت الجامعة محاولة اغتيال الشاه محمد رضا بهلوي في الرابع من شباط عام 1949، والتي اتهم بها زوراً حزب توده ايران وصدرت الاوامر الرسمية بحظر نشاطه وزج غالبية قادته في السجن. كما شهدت الجامعة ولادة اول اتحاد طلابي ايراني هو اتحاد طلبة جامعة طهران في العشرين من كانون الاول عام 1950. وتضم الجامعة الآن 177 فرعاً، ويتخرج منها حاملي شهادة الدكتوراه من 156 فرعاً علمياً وانسانياً.
تحيط بمبنى الجامعة وعلى امتداد الواجهة على شارع رضا شاه مختلف مخازن بيع الكتب العامرة والتي قد نجد مثيلاً اصغر لها في بغداد وبيروت والقاهرة. ولكن بدا لي ان هناك تمايز ملحوظ بين المكتبات الايرانية وقرينتها العربية. فقد ادهشني وانا ازور هذه المكتبات بين الحين والآخر سعة وكثرة الكتب المترجمة في مختلف الفروع ومن مختلف اللغات الحية بشكل يفوق كثيراً ما تتم ترجمته في بلداننا. فعلى الرغم من الطابع الاستبدادي للحكم والتضييق على الحريات وكثرة المحظورات، شأنه في ذلك شأن بلداننا العربية، الا ان هناك حملة واسعة ملحوظة لترجمة كتب تنويرية وتقدمية ادبية وفنية منها او اجتماعية وسياسية بشكل لا تراه في مكتباتنا العربية. وهذا يختلف عن ما يجري في البلدان العربية حيث تتسع يوماً بعد يوم والى الآن قائمة الممنوعات. وهذه الظاهرة الايرانية  تثير الاستغراب والتساؤل حقاً. فمن المعتاد ان نلاحظ في واجهة بيع الكتب في هذا الشارع كتباً مترجمة الى اللغة الفارسية مثل رائعة "جون كريستوف" للروائي الفرنسي رومان رولان و"العبقري" للروائي الامريكي درايزر و"ملك الفحم" للروائي الامريكي ابتون سينكلر و"الدون الهادئ" لشولوخوف و "الام" لغوركي ونتاجات برتولت بريخت وجورج برنادشو وكتب علوم اجتماعية وسياسية والعديد من الكتاب العرب مثل محمد عبده والكواكبي وطه حسين وسلامة موسى وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ غيرهم من  رواد العلوم الاجتماعية والفكرية والسياسية وبمختلف اللغات. هذه المؤلفات ما يحظر تداول غالبيتها ليس  في بلداننا فحسب، بل وحتى يطال الحظر على الروائيين الامريكان في الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة. ان هذه الظاهرة لتؤكد على حقيقة مفادها ان المجتمع الايراني يحتضن تياراً للحداثة وقوى تنويرية فعالة ومؤثرة الى جانب وجود قوى التخلف والمحافظة التي هي الاخرى لها مواقع مؤثرة. ولهاتين القوتين صولات وجولات من الصراعات منذ اكثر من قرن ولحد الآن حيث نشاهدها بشكل اكثر وضوحاً وعسفاً في المرحلة الراهنة التي اعقبت الثورة في عام 1979.
ويحتضن هذا الشارع العديد من دور العرض الفنية والسينمائية واللهو بكل انواعها. ومما يلفت الانظار في هذا الاطار هو " مسرح رودكي" او "تالار رودكي"، تيمناً باسم الشاعر الفارسي ابو عبدالله جعفر رودكي –القرن الرابع الهجري-. وبني المسرح على شكل وردة التيوليب، ويعد احد المعالم المعمارية الايرانية الجميلة في العاصمة. وكان يقدم في هذا المسرح مختلف العروض الايرانية والاجنبية سواء في المسرح او الاوبرا. 
وتجولت في الطرف الشرقي من الشارع حيث تقع السفارة السوفييتية – اكبر سفارة اجنبية في العاصمة الايرانية- وهو بناء يشبه قلاع القرون الوسطى بسياجها. وقد ورثته الحكومة السوفييتية عن روسيا القيصرية التي كان لها نفوذ كبير في ايران قبل حكم رضا شاه. وتحيط بالسفارة الكثير من محطات المراقبة التي اقامتها الاجهزة الامنية الايرانية وعلى المكشوف بما فيها اقامة جسر للنقل كي يطل المراقبون على باحة السفارة مباشرة. وجلب إنتباهي وانا اسير في شارع فرعي، وفوجئت بإسم أحد الشوارع، شارع جوزيف ستالين!!، على إسم الحاكم السوفييتي السابق( تم تغييره بعد الثورة الى اسم شارع ستار خان وهو من زعماء ثورة المشروطة الديمقراطية الايرانية). وتبين لي بعدئذ إن تسمية هذا الشارع والى جانب شارعين آخرين في طهران بإسم رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل ورئيس الولايات المتحدة السابق فرانكلين روزفلت تعود إلى إجتماع القمة لزعماء دول التحالف المعادي لدول المحور في كانون الاول عام 1943 في طهران. ورحت أنظر بحذر وتوجس إلى هذه السفارة العملاقة لأجد مقابلها مكتبة كبيرة للكتب الروسية والأرمنية وبقية لغات الإتحاد السوفييتي وإسمها مكتبة ساكو. في حال مثل حالي كان علي أن أتجنب الإقتراب أو الدخول أوحتى الإستمرار في السير في هذا المكان الذي لابد وأن تكثر فيه أعين رجال الشرطة والمخابرات. ولكن الفضول وحب الإستطلاع دفعاني دفعة واحدة إلى داخل المكتبة لأرى كماً هائلا من أبرز المؤلفات باللغة الروسية. وقد إسترعى إنتباهي مجلدات رواية "الدون الهادئ" للروائي السوفييتي ميخائيل شولوخوف وهي الطبعة الأولى المنشورة في عقد الثلاثينيات. ولم أتردد في إقتناء هذه التحفة التي ستساعدني على تمضية أوقات فراغي في البيت والإستمرار في تحسين لغتي الروسية. كان فرحي كبيراً بالعثور على هذه الطبعة المزدانة بالصور الجميلة. ولم أكن أحسب أو أفكر قط بإن هذا الكتاب سيجلب لي المتاعب والمساءلة والويلات في وقت لاحق من مكوثي في طهران.
 ومن الأماكن التي إجتذبتني في الأيام الأولى من وجودي في طهران، ورحت أزوره بين الفينة والأخرى، هو بازار طهران العريق. ويعتبرالبازار في الحقيقة  المدينة التجارية للعاصمة حيث تتم فيه غالبية الصفقات التجارية سواء أكانت في مجال التصدير أو الإستيراد والبيع بالجملة والمفرد. وجرت العناية بهذا المكان من قبل أصحاب الدكاكين وتم تقسيمه إلى قطاعات تبعاً لنوع البضاعة المعروضة فيه. فهناك سوق السجاد والأقمشة والاعشاب الطبية والتوابل والنحاس والمجوهرات والسراجة و...الخ. ولا يعتبر بازار طهران مركزاً تجارياً فحسب، بل ومركزاً سياسياً يقض مضاجع الحكام إذا ما بدأت فيه أية حركة إحتجاج، خاصة تلك الاحتجاجات الصادرة من الحركات الدينية. وكان بازار طهران مصدر وجع لرأس الشاه المخلوع إذ حاول وبأشكال مختلفة تقييد نفوذ البازارالإقتصادي والسياسي عبر انشاء المراكز التسويقية الكبيرة في العاصمة ولكن دون جدوى. إن بازار طهران هو أكبر مساحة وأكثر أبهة وجمالاً وتنسيقاً من سوق الشورجة في بغداد ومن سوق الحميدية في دمشق وكذا الحال بالنسبة لباقجه بازار إسطنبول في تركيه .
 
قبة في بازار طهران
******** 
قصر كلستان في طهران
********
 
نصب فردوسي في طهران
********
 
بوابة مسجد
يتبع[/b]