تسونامي كردية في القامشلي, وغزو عربي لأسواق المدينة
[/b]
سليمان يوسف يوسف*
لم تكن, مدينة القامشلي, قد تخلصت بعد من تداعيات الاحداث المؤلمة التي شهدتها في مارس من عام ,2004 على خلفية مباراة بكرة القدم وقع ضحيتها العشرات من الاكراد بين قتيل وجريح, حتى تهتز من جديد, بسبب اعمال العنف والصدامات التي شهدتها بعض شوارع المدينة بين اكراد متظاهرين سلميا منددين باغتيال الدكتور معشوق الخزنوي وقوات الامن السورية, ذهب ضحيتها, احد عناصر الامن وامرأة كردية وجرح الكثير من المتظاهرين, كذلك بسبب عمليات نهب وسلب تعرضت لها اسواق المدينة, غالبيتها تعود لاكراد, قام بها بعض الغوغاء.
ان ما شهدته مدينة القامشلي, مساء يوم الخميس 2-6-2005 اثناء تشييع جنازة الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي الذي قتل في ظروف غامضة على ايدي مجموعة كانوا قد خطفوه في العاشر من شهر مايو الماضي من العاصمة دمشق, يمكن وصفه ب¯(تسونامي كردية), حيث الالاف من الجماهير الكردية تدفقت الى المدينة, تسير خلف جثمان الشيخ الشهيد, الذي استقبل جثمانه من قبل الجموع الكردية المحتشدة, كشهيد وبطل كردي, حيث لف جثمانه بعلم كردستان واقيم له عزاء سياسي رسمي توافدت عليها الجماهير الكردية من مختلف المناطق, كذلك وفود من مختلف الطيف السياسي والاجتماعي السوري, الاشوري والعربي والارمني, ولجان وفعاليات المجتمع المدني لتقديم واجب العزاء واستنكار الجريمة التي احدثت صدمة كبيرة في الوسط الكردي والسوري عامة, باعتبارها ظاهرة خطيرة وغريبة على الحياة السورية.
تميز الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي, الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مركز الدراسات الاسلامية في سورية كرجل دين اكاديمي ومفكر اسلامي بالاعتدال والانفتاح على الاخر المختلف معه في الدين والقومية والفكر, تفتقر مجتمعاتنا الى امثاله, في هذا الزمن الصعب, حيث تسود ثقافة التطرف والعنف والتعصب, وان اغتياله هو اغتيال لمدرسة اسلامية تجديدية في الاسلام السياسي تقوم على الفكر الليبرالي وفصل الدين عن الدولة, ونبذ العنف والتطرف وكل انواع التعصب, الذي يصدر عن بعض التيارات الاسلامية المتشددة, وربما لهذه الاسباب جميعها اغتيل الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي.
كنا قد نبهنا في مقالات سابقة- من على صفحات جريدة »السياسة« الكويتية- لمخاطر استمرار خطف الخزنوي وتعرض حياته للخطر, واليوم, بعد ان وقعت الجريمة التي كنا نخشى حصولها, لا اعتقد, بأن قضية الخزنوي ستنتهي, او تدفن, بدفن جثته وانتهاء مراسيم العزاء, اذ من المتوقع ان يكون لها تداعيات لاحقة على صعيد الملف الكردي وحقوق الانسان والوضع السياسي في سورية, وهي مرشحة للتفاعل والتصعيد, الى جانب قضايا اخرى, في ظل نمو وتصاعد الحالة الكردية في المنطقة وفي ظل المناخ الاقليمي والدولي السائد والضاغط على سورية, خاصة وان الحركة الكردية السورية تعاملت مع (قضية الخزنوي) منذ البداية باعتبارها (قضية سياسية), فعلى الرغم من نفي مصدر مسؤول في وزارة الداخلية السورية اية مسؤولية او علاقة للسلطات السورية بعملية خطف الخزنوي واغتياله, شككت الحركة الكردية بنتائج التحقيق التي اعلنتها السلطات القضائية السورية حول الجريمة, وطالبت بفتح التحقيق من جديد في القضية من قبل جهات قانونية وحقوقية محايدة, وقد ايدتها بذلك الكثير من الهيئات الحقوقية, المحلية والعربية والدولية (اللجنة السورية واللجنة العربية لحقوق الانسان, و منظمة العفو الدولية), وكان قد رفض ابنا الشيخ الخزنوي, مراد ومرشد, الرواية التي قدمها التلفزيون السوري حول مجريات ونتائج التحقيق في قضية اغتيال والدهما وقالا ان ما اظهره التلفزيون ليس الا جزء من الحقيقة, وعاهدا بمواصلة مسيرة ابيهما.
لا شك, من حق الاكراد, كما هو من حق كل مجموعة بشرية وفئات المجتمع السوري, عندما تشعر بظلم يقع عليها, الاحتجاج بشكل سلمي وحضاري بطريقة لا تسيء لبقية شرائح المجتمع التي تشاركها العيش, وتعبر عن موقفها بطريقة تكسب تعاطف وتأييد الاخرين لقضاياها, لكن ما حصل في مسيرة تشييع الشهيد الخزنوي وما تلاها من مسيرات كردية سلمية, خرجت عن هذا الاطار وعن التقاليد الوطنية للاكراد السوريين, وتجاوزت حالة الغضب والاستنكار والشجب للجريمة وتحولت الى تظاهرة كردية, مستفزة للاخر, كانت الكلمة فيها للغوغاء الكردي المتطرف يطلق شعارات وهتافات مهينة لكل ما هو غير كردي في سورية, مثيرة للغرائز ومحرضة على الفتنة, وقام بممارسات مسيئة, مست مشاعر الشارع الوطني السوري بكل اطيافه ومكوناته, اذ تعارضت مع اسس العيش المشترك واساءت للحركة الكردية اكثر ما افادتها, نذكر منها (لا عرب ولا سريان, هذه كردستان), ونترفع عن ذكر غيرها لسوقيتها, كما قام بعض شباب الكرد باجبار البعض على اقفال محلاتهم التجارية تحت التهديد وانزال العلم السوري عن بعضها الاخر. ومن باب حرص (المنظمة الاشورية الديمقراطية) على استمرار العلاقات الوطنية السليمة بين الاكراد ومختلف مكونات الشعب السوري, واجهت(المنظمة) مختلف الاحزاب الكردية بهذه التجاوزات التي حصلت ونبهتها لمخاطرها, تبرأت غالبية الاحزاب الكردية( جبهة وتحالف) من هذه الممارسات, ووصفت مسببيه بالغوغاء, وادانتها في بيان لها وطالبت بعدم تكرارها واكدت على ضرورة احترام الاخر وعدم المس بثوابت واسس العيش المشترك, لكن لا اعتقد بان بيانا يكفي لازالة اثار هذه الاساءات وتجاوز ما حصل, فهي تتحمل, بشكل او باخر, مسؤولية هذا الغوغاء الكردي لانه بالنهاية هو حصيلة خطاب سياسي وقومي كردي معين, وثقافة كردية معينة, مئات من الفتيان والفتيات والشباب الاكراد السوريين, في سن العمل لا عمل لهم, الفقر والعوز عنوان حياتهم, ينزلون للشارع في مسيرة حزن وتشييع جنائزي, بدت الاحزاب غائبة عنها بالرغم من مشاركتها بها , حاملة الاعلام الكردية, طبعا من غير ان ترفع العلم الوطني , يهتفون, لوحدة وحرية كردستان, ويرفعون شارات النصر, ويطالبون بدولة كردية في سورية, اليس امرا يثير التساؤل والمفارقة ويضع اكثر من اشارة استفهام على الخطاب الكردي?. عما يتحدث اربعة عشرة حزبا كرديا في سورية للجماهير الكردية, وعن اية ديمقراطية وحقوق يتحدثون و يطالبون بها لاكراد سورية. هل يمكن تبرير ما قام به بعض ابناء عشائر العرب من نهب وسرقة للاسواق الكردية والسكوت عنها, بالقول بانهم بعض الصبية الجهلة والغوغائيين العرب, لا احد يتحمل مسؤوليتهم, بكل تاكيد سترفض الاحزاب الكردية هذا التبرير, ومن حقها ان ترفضه, لان هؤلاء الغوغاء العرب لم يتحركوا من تلقاء ذاتهم. فمثلما هي الاحزاب الكردية تحمل السلطات و(حزب البعث) الحاكم والاحزاب العربية الاخرى مسؤولية الغوغاء والشوفينية الموجودة في الوسط العربي, هي الاخرى كقوى كردية تتحمل مسؤولية الغوغاء والتطرف في الوسط الكردي, وان هي لا تمتلك سلطة مادية او قانونية, لكنها تمتلك سلطة معنوية واخلاقية على الجماهير الكردية التي تتحدث باسمها وتعبر عن تطلعاتها وتعيش بينها ومعها, أليست احدى اهم مهمة ووظائف الاحزاب عقلنة وتهذيب وتوجيه سلوك الجماهير وتكوين الرأي العام.
نؤكد هنا على ما قلناه في مناسبات سابقة, حول مخاطر تعميم مصطلح كردستان سورية في الخطاب السياسي والقومي الكردي والثقافة الكردية, والانعكاسات السلبية لهذا الخطاب على صعيد سلوك والوعي الوطني للانسان الكردي السوري من جهة اولى, وعلى صعيد العلاقة الكردية مع بقية الفئات والقوى الوطنية السورية من جهة ثانية, ونجدد اليوم دعوتنا لمعظم الاحزاب والتنظيمات الكردية السورية للتخلص من الاوهام والاحلام القومية وان لا تذهب بعيدا في مشاريعها وطروحاتها القومية, حتى لا تبتعد عن القضايا والمصالح الحقيقية للاكراد السوريين والمصالح الحقيقية للمجتمع السوري, وان لا يكرروا او يقلدوا اخطاء القوميين العرب التقليدين في خطابهم وايديولوجيتهم المهزومة, بعثيين وغيرهم, الذين سئمت غالبية الشعوب العربية, الجائعة والمقموعة, خطاباتهم وشعاراتهم القومجية (امة عربية واحدة... وبلاد العرب اوطاني... حماة الديار..) الى بقية الشعارات العربية الثورجية التي لم تعد تطعم خبزا ولم تعد تصرف في سوق السياسة.
لا شك انه في كل وسط, اجتماعي وسياسي وثقافي, هناك المعتدل والمتطرف, ومن دون شك ايضا, توفير فرص العمل والمناخ الديمقراطي واحترام الحريات وحقوق الانسان- غير المتوفرة للشعب السوري- مسائل مهمة واساسية في تخفيف حالة الاحتقان والتعصب والتطرف في المجتمع, اذ ان الحرمان والكبت والقمع والاستبداد, ينمي التعصب والتطرف بكل اشكاله ويولد الاحتقان والغلو ويسبب الانفجار, حيث تكون السياسة ردود افعال سلبية اكثر من ان تكون فعلا ايجابيا.
أخيرا:
نؤكد على دعمنا وتأييدنا للحقوق القومية الديمقراطية وحقوق المواطنة لاكراد سورية مثلما نؤيد ونطالب بهذه الحقوق لاشوريي سريان ¯ كلدان سورية ولكل ابناء سورية. وامام هذه الاحتقانات والاضطرابات المستمرة والمتصاعدة في المجتمع السوري, القيادة السورية مطالبة اكثر من اي وقت مضى, بان تعيد النظر في مسألة التعددية القومية في سورية وحلها على اسس ديمقراطية عادلة والمساواة التامة بين جميع ابناء سورية وعلى ارضية الوحدة الوطنية.
* عضو المكتب السياسي في المنظمة الاثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org