المحرر موضوع: الشــماس كوركيــس مردو مـا لـه ومـا عليــه  (زيارة 1467 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
      الشماس كوركيس مردو ما له وما عليه
بقلم : حبيب تومي / اوسلو
في البداية اعتذر للأخ كوركيس مردو على هذا العنوان ، إذ لم يسبق لي ان تشرفت بمعرفته  او الأتصال به . لكن الجسر الوحيد الذي يربطني به ومع الكتاب الآخرين من أبناء شعبنا هو المقالات التي اقرأوها على مواقعنا الألكترونية .
لقد قرأت في مقالات الأخ مردو حبه وغيرته على هويته الكلدانية ، ولغة رصينة قوية ومعلومات تاريخية وافية . لكن في مقالاته التاريخية الطويلة عن التاريخ الكنسي ، وقد طبعت بعضها وهي محفوظة لدي ، إن المقالة الطويلة تحتاج الى ذكر المصادر ورقم الصفحة ، والهوامش إن كانت ضرورية ، فإن مقالات الأستاذ كوركيس مردو كانت تفتقر الى هذه الأشارات .
النقطة الأخرى التي اسجلها على الأستاذ مردو ، استخدامه بعض الألفاظ والمفردات العنيفة ، ان صح التعبير .
أقول :
في تحية السلام عليكم :  يستطيع المرء ان يجيب  : أهلاً ، ولكنه يستطيع ان يجيب ايضاً فيقول :  أهلاً وسهلاً ، وفي حالة ثالثة يجيب على نفس التحية فيقول : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . إن الأجابات الثلاث صحيحة وكافية ، لكن لكل منها وقعها في نفس المتلقي . وهكذا الأخ كوركيس مردو له ثروة من اللغة العربية الغنية بالمفردات المترادفة ويستطيع استخدام احلاها ( وليس أعنفها )  للتعبير عن نفس الفكرة التي يريد إيصالها للقارئ .
من جانب آخر قرأت معظم ، إن لم يكن جميع المقالات ، التي كانت بمثابة الردود على الشماس مردو ،  وباعتقادي ان معظم هذه المقالات لم تتناول الرد على النصوص التي يكتبها مردو ، إذ ان كل كاتب يكتفي بتوجيه  النصائح وتعليم قواعد الكتابة او توجيه العتاب للشماس مردو او نقد الأسلوب وليس المحتوى ، وفي حالات كثيرة يجري سبك تهمة خيانة الوحدة والأمة والى آخره ..  وبعض هذه المقالات كانت انفعالية وتهكمية رخيصة تنال من شخصية الرجل دون وجه حق . وما نشر اخيراً بحق السيد مردو كان عبارة عن تهجم شخصي رخيص لا يمكن ان يقبل به أي شخص .
لقد تعرضت شخصياً الى مثل هذا التطاول والتهكم الرخيص ، وبعضهم لم يكتفي بما يكتبه في المواقع الألكترونية ، بل لجأ الى الكتابة عبر بريدي الألكتروني وتحت اسماء مستعارة ، ولقد نأيت بنفسي عن الأنحدار الى المستوى المنحط  الضحل . 
هناك من يرى في الجدالات مناسبة للشتم والسباب والثلب وتراشق التهم ، ومعها التخوين .
ما يذكر عن المتنبي انه كان معتداً بنفسه وكان شعره يغلب عليه معاني الحكم والفلسفة ،  وفي يوم من الأيام تحداه رجل في الشعر فكان من المتنبي ان احجم عن الأشتراك في المساجلة ، فقال الحضور للمتنبي :
لما لم تساجل هذا الشخص . وأنت الذي لا يشق لك غبار في المساجلة .
فأجاب المتنبي : كيف اسابق شخصاً مطعوناً بأخلاقه ، إن غلبني عار علي وإن غلبته لا فخر لي بغلبته .
وفي قصيدة للمتنبي تحت عنوان :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص . يقول فيها وهو يمتدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبدالله ابن الحسين الأنطاكي :
ولقد علوتَ فما تبالي بعدما                    عرفـوا أيحمد أم  يـذم  القاتل
ما نال اهل الجاهليـــة  كلهم                    شعري ولا سمعت بسحري بابل
(( وإذا أتتك مذمّتي من ناقص                    فهي الشــهادة لي بأني كامـل )) 
هناك اناس ينحدرون من عوائل طيبة ، لكن هذا الأنحدار لا يبرر أفعال الأنسان فالشاعر يقول
كن أبن من شئت وأكتسب أدباً                                   يغنيك محموده عن النسب
وهناك الكلام الموزون والمنمق لكن قائله يكون معروفاً للمجتمع وكما يقول سعيد تقي الدين :
 ما أبلغ الفاجرة عندما تحاضر في العفة . 
أخي كوركيس مردو : إن شعبنا بكلدانييه وآشورييه وسريانييه قد ابتلى بالفكر الآشوري القومي الأديولوجي والذي يطرح فكرة الوحدة القومية الأقصائية ، وهو الذي  افرز أشكالية الجدال الحاصل بين مكونات شعبنا الواحد ، أنا شخصياً أؤمن بالحرية الفكرية وحتى لو كان الرأي المطروح مناقضاً تماماً لما اطرحه ، ولكن الأحزاب الشمولية لا ترضى سوى بما يتفق مع يقينياتها ، ولهذا يتطوع الكتاب المحامين لهذه الأحزاب بمهاجمة كل من يخالف رؤيتهم . أنا أؤمن بما يقول نيتشة : الموت في سبيل الحقيقة :
لن ندعهم يحرقوننا بسـبب آرائنا ، لأننا لسـنا مطمئنين كل الأطمئنان الى صــحتها . ولكننا قد ندعهم يحرقوننـا لكي يكون لنا الحق في إبداء آرائنـا ، او تغييـرها ( يوحنا قمير : نيتشة نبي المتفوق 61 ) .   
إن فلسفتنا نحن الكلدانيين ينبغي ان تنصب على احترام الفكر الآخر ومهما تباينت وجهات النظر ، وينبغي ان لا ننحدر الى مستوى الفكر القطيعي ( من القطيع )  القومي الأقصائي الذي ينتهجه بعض غلاة الفكر الآشوري ، والذي كان السبب في تمزيق الوحدة الفكرية والسياسية لشعبنا .
علينا إن كنا آشوريين أو سريان او كلدان ان نؤمن بما قاله المفكر العبقري فولتير حينما كان على خلاف حاد مع جان جاك روسو ، ومع ذلك فقد هاجم فولتير السلطات السويسرية لمصادرتها كتاب روسو وإحراقه ، تمسكاً بمبدأه المعروف : (( أنا لا اتفق معك في كلمة واحدة مما قلته ، لكني سأدافع عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت )) ، وعندما هرب روسو من مئات الأعداء الذين كانوا يطاردونه ويحاولون الأعتداء عليه ، أرسل فولتير دعوة صريحة كريمة ليقيم معه { ديورانت ، قصة الفلسفة 308 } . إن مناشدتي المتواضعة للأخ العزيز كوركيس مردو وكل كتاب شعبنا الأجلاء من كلدان وسريان وآشوريين ، أن يكون مبدأ حرية الفكر وحرية التعبير وأحترام الرأي والرأي الآخر والحوار الفكري الحضاري ، وتجنب اللجوء الى الألفاظ السوقية او الأدّعاء باحتكار الحقيقة .. إن الأحترام المتبادل هو الرئة التي تفلتر وتصفي الدم  من الغازات الضارة بالجسم وتجعل منه كائناً حيوياً  ، إنه الضمانة للأستمرارية ولتوحدنا وتقدمنا نحو الأفضل .
 حبيب تومي / اوسلو