المحرر موضوع: نصيحة الاب المرحوم يوحنا جولاغ للمغتربين  (زيارة 1348 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Salim Marogi

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 8
    • مشاهدة الملف الشخصي
نصيحة الاب المرحوم يوحنا جولاغ للمغتربين


كان حلمي الوحيد بعد سقوط حكومة صدّام هو زيارة العراق بلدي الحبيب الذي فارقته منذ عام 1990. ولمّا وصلت مدينة الموصل في تموز عام 2003 برفقة صديقين عزيزين كنت متلهفا لزيارة جامعة الموصل  ومعهد مار يوحنا الحبيب وكنيسة الاباء الدومنيكان في الساعة لإحياء تلك الذكريات الجميلة التي مازالت تنعش كياني المتألم من الغربة.

توجّهنا بعد ذلك الى كنيسة مار إشعيا لزيارة الاب الفاضل يوحنا جولاغ  ذلك المربي والمعلم الذي  ترك في ضمائرنا ونفوسنا نحن الثلاثة أسمى البصمات الروحية والانسانية. بعد الاستقبال الحار والاستفسار عن أحوال الاحبة والاقرباء المغتربين في أستراليا حاولت التأكد من حالته الصحية حيث كان قد أخبرني إبن خاله الدكتور أديب جرجيس بأنه لا يستطيع السير على قدميه فقلت له لن أحتسي القهوة إلا إذا سرت أمامنا لكي أطمأن أولاد خالك في أستراليا القلقين جدا على صحتك. فضحك ونهض ثم سار منتصبا داخل غرفتة  وتكلّم بلغة مليئة بالأيمان: جسدنا ضعيف سيموت لكن روحنا خالدة يابني. بعد ذلك  دار بيننا نقاش جاد وممتع حول الأغتراب ومايعانيه المغتربون من مشاكل وصعوبات. كان كلامه حكما ودروسا تركت أثرا كبيرا في نفسي. تحدّث بحسرة لفراق الألاف  من أبناء جاليته وقال:

إنّ جذوركم هنا في العراق ومهما إبتعدتم عن الوطن لن تثمروا  مالم تتواصلوا معه. الشجرة التي لا ترتكز على أساس متين لن تورق ولا تعطي ثمارا طيبة. نعم إنّ  متطلبات الحياة الصعبة  ومأساة الحروب دفعتكم الى هجرة العراق ولكن  كونوا رسلا الى العالم أجمع لتعكسوا  للأخرين تلك القيم والاخلاق الشرقية التي تعلمتموها من أبائكم وأجدادكم إنني أتألم كثيرا لسماعي عن إنهيار العديد من العلاقات الزوجية والعائلية بسبب اللهث وراء الملذات الجسدية وإقتناء الماديات التي أدّت الى الفساد والسير نحو الهاوية والضياع.

لقد إقتنيتم الدولار وفقدتم السعادة، سكنتم القصور وركبتم أفخر السيارات وتناولتم ألذّ الاطعمة ومازلتم تشتكون من الكأبة والسأم، إنني على يقين بأن غالبية المغتربين غير سعداء لأنهم يعيشون في بيئة ليست بيئتهم مهمشين مهما تطوروا وأبدعوا. أتضرّع الى الرب ليعيد السلام والامان الى بلدنا الحبيب العراق كي تعودوا اليه بسرعة  وتشاركوا في بنائه، هنا تكمن سعادتكم الحقيقية فمهما أغتربتم سوف يكون إسمكم غرباء ولن تنالوا راحة البال إلا في  بلاد مابين النهرين. فالمغترب كالطفل لا يهنئ إلا بين أحضان والدته.

إنني أتابع أخباركم بإستمرار وأناشدكم أن تحافظوا على البذرة الطيبة التي زرعناها  فيكم. . كونوا أوفياء للبلدان التي أوتكم وفتحت أبوابها لكم في محنتكم إقتبسوا من ثقافة هذه الشعوب  كل ما هو صالح ومفيد  ليبني كيانكم ويقوي وحدتكم ويرفع شأنكم. لا تتهافتوا على القشور وتتركوا اللّب.  نعم تختلف ثقافتنا وتقاليدنا عن الغرب  لكن هذا لا يمنعنا من التفاعل معه على الاسس الانسانية والقيم المسيحية الحقّة. المصيبة الكبرة  تحلّ على جاليتنا المغتربة لا سامح الله  إذا حملت معها من بلد الام النقائص والمساوئ فقط  وأخذت من ثقافة الغرب فساد القيم الانسانية وهشاشة الروابط العائلية.

 
طال ذلك اللقاء الشيق مع الاب الفاضل المرحوم  يوحنا جولاغ  لما يقارب الساعتين. ثم ودّعنا بحرارة  وطوال فترة العودة  الى القوش كنّا نستعرض حكمه ومأثره  ودوره  الفعال في صيانة التراث الكنسي ونشر التعاليم الانجيلية بين البشر.


سلام مروكي
ملبورن/استراليا
salim_maroki@hotmail.com[/b]