المحرر موضوع: تذكار مار يونان وبركيشوع ورفقائهما  (زيارة 1150 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل nori mando

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 174
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تذكار مار يونان وبركيشوع ورفقائهما
29 كانون الثاني
الشماس نوري إيشوع مندو
     مار يونان وبركيشوع: في سنة 328 للمسيح وهي سنة 18 لشابور الملك،أثار هذا اضطهاداً شديداً قاسياً على النصارى، فضيق عليهم بجبايات ثقيلة وهدمت الكنائس وأحرقت الأديرة. فصار الولاة يجبرون النصارى على التمجس. وكان في قرية أسمها بيثاسا شقيقان يعرفان بفضلهما يقال لأحدهما يونان وللآخر بركيشوع فلما سمعا ما يلم بإخوتهم من الاضطهادات عجلا في الذهاب حيث كان القاضي يجبرهم على ترك إيمانهم. ولما وصلا إلى المكان شاهدا كثيراً من أخوتهم يقرون بالمسيحية كافرين بالمجوسية، فأخذا يشجعانهم ويزيانهم غيرة وثباتاً على إيمانهم، حتى أن البعض منهم أصبحوا معترفين وآخرين فازو بإكليل الاستشهاد. وكانوا تسعة وهذه أسماؤهم: زبينا، لاعازر، ماروث، نرساي، إيليا، مهري، حبيب، سابا، شمبيتي.
   وعندما علم القاضي أن الأخوين يونان وبركيشوع منعا التسعة من التمجس، اغتاظ غيظاً شديداً وأمر بإحضارهما. فلما مثلا بين يديه قال لهما: " إني استحلفكما بحظ ملك الملوك أن تقولا لي الحق غير ناكرين، أما ترومان أن تكملا مشيئة ملك الملوك بسجودكما للشمس والنار والماء بموجب سنّة ملوك   أرضنا؟ ".
   فقالا له: " نستحلفك ، تقول لنا: على طاعة أي ملك أنت تضطر الناس؟ أعلى طاعة الملك الذي جعل هذه الأشياء وهو رب الأرباب؟ أم على طاعة ملكٍ يموت ويضمحل ويدفن نظير آبائه؟ ".
   فلما سمع منهما عظماء المجوس أن ملكهم مائت مثل سائر الناس، ساورتهم جيوش الغضب، فأمروا بإحضار قضبان غير مخروطة أشواكها، وحبسوا كل واحد منهما على حدة لئلا يسمع أحدهما مل يقول الآخر. فذهبوا ببركيشوع وألقوه في السجن. فقالوا ليونان: ," ماذا تختار؟ أتبخر ساجداً للنار والشمس والماء مكملاً أوامر الملك العظيم. أم تدخل متوغلاً في بحر العذابات القاسية والاذيات المهولة المرة؟ ".
   فرد يونان: " إني شفقة على نفسي وعلى الحياة التي اقتنيتها بيسوع المسيح والتي لا تزول ولا تضمحل لست أكفر أبداً باسم ربنا وإلهنا الذي هو رجائي، ولا يخزى الذين يتوكلون عليه ".
   فتوهج القاضي غضباً وأمر فأوثقوا رجلّي يونان على شبه الدواب الرابضة، فشدوا يديه على ظهره ووضعوا عوداً على حقويه، فأقعدوا مقعياً، وجعلوا يضربونه بقساوة شديدة بقضبان غير مخروطية أشواكها، فبانت أضلاعه ظاهرة. أما هو فما قال شيئاً بل كان يصلي ويقول: " إني أشكرك وأحمدك يا إله أبينا إبراهيم الذي سبقت فأخرجته من هذه الأرض، وأهلتنا أن نعرف نحن أيضاً إيماننا قليلاً من كثير ". ثم رفع صوته وقال:       " كفرت بالملك الكافر وجميع محبيه الذين هم خدمة الشيطان، كفرت بالشمس والقمر والكواكب والنار والماء، اعترفت بالآب والابن والروح     القدس ".
   فلما سمعوا هذا الكلام امتلأوا حنقاً عليه، فربطوا إحدى رجليه بحبل وسحبوه وألقوه بالجليد واستمر فيه كل الليل، أم هم فنهضوا وذهبوا فأكلوا وشربوا وناموا.
   ولما كان الغد أمروا أن يؤتى ببركيشوع، وما أن أوقف بين أياديهم قالوا له: " أتسجد للشمس كما سجد لها رفيقك أم تقاسي الأذيات المرة المهولة؟ ".
   فرد بركيشوع: " كيف تتجرأون على أن تغصبونا أن نكرم ونعبد ما خلقه الباري تعالى لخدمتنا، ونخضع لما أخضعه سبحانه لنا نابذين ذاك الذي خلق السماء والأرض واليم واليابسة وكل ما في العلى وما في الأسفل، وله ينبغي السجود والتسبحة من الملوك والسلاطين والسادة. وهو غير محتاج إلى أحد بل جميع الناس محتاجون إليه ".
   فلما سمع رؤساء المجوس هذه الأقوال بهتوا منذهلين من قوة براهينه فقالوا: " لا نحكم عليه ونفحص عن أمره في النهار لئلا تقع أقواله في أنفس الناس فيرتدون ويزدرون بنا كما فعل ورفاقه، بل لنحكم عليه ليلاً ". وأمروا بإحضار كرتين من نحاس فأحميتا حتى أصبحتا كالنار، ثم أتوا بقدرين محمرتين بالنار أيضاً فأوقفوا عليهما بركيشوع ووضعوا الكرتين تحت أبطيه وقالوا له: " وحياة ملك الملوك أن ألقيت إحدى هاتين الكرتين فقد كفرت بآلهتك ".
   فرد بركيشوع: " وحياة سيدي يسوع المسيح ابن الله العظيم لا أتخوف من ناركم يا خدام الشيطان، ولا ألقي إحدى كرتيكم على الأرض، وإنني استحلفكم بالله أن تأتوا بأمر العذابات وأشد الأذيات وتذيقوني إياها، لأن المجاهد في سبيل الله خليق أن يناضل بقوة وشدة، فمن صنع فأجره عظيم ".
   فلما قال هذا تضرموا عليه وتلظوا، فأتوا برصاص فذوبوه وسكبوه في عينيه ومنخريه، ثم انطلقوا به وحبسوه رابطين إحدى رجليه.
   ثم أتوا بمار يونان وقالوا له على سبيل التهكم: " كيف أصبحت يا يونان؟ وكيف ترى نفسك مما أصابك في هذه الليلة القرة من شدة البرد القاسي وأنت نائم في الجليد؟ ".
   فرد يونان: " لعمري إني منذ يوم ميلادي حتى الآن لم أنم ليلتي نظير هذه الليلة وأنا في الاستراحة والحبور والغبطة والسرور، وما ذاك إلا لأني ذقت قليلاً من آلام يسوع المسيح الفادحة ".
   فقالوا له: " إن أخاك قد كفر ".
   فرد يونان: " إنني أنا أيضاً أعرف أنه قد كفر بالشيطان وبجنوده ".
   فقالوا له: " لا تهلك ذاتك يا يونان، لا الله يريد ذلك، ولا الناس ".
   فرد يونان: " كيف تقولون أيها الكفرة العمي أننا حكماء؟ وكيف تبحثون عن الدعاوي بالحكمة والفطنة؟ قولوا لي أيحفظ الإنسان ويخزن حنطته في الأهراء تحرزاً عليها من الأمطار والثلوج والبروق والرعود؟ لا لعمري بل إنه يملأ منها يديه فرحاً مسروراً ويبذرها متوكلاً على الرب متوقعاً زمان الحصاد ليملأ بيدره من الزرع القليل الذي زرعه متوكلاً على الله لأنه إذا تركها في الأهراء فتنقص وتقل، فلا يستفيد منها شيئاً، كذلك من أهلك نفسه في هذا العالم لأجل اسم المسيح ففي العالم العتيد عندما يأتي يسوع ويظهر في الميدان ليجدد جميع الناس الذين توكلوا عليه عاملين بإرادته يجعلهم جدداً بنوره الذي لا يزول، وأما الذين ازدروا بأوامره فيلقيهم في هاوية النار أنه ليس لنارهم جمر ولا للهبهم ازدهار ".
   فقالوا له: " لا تغرنك الكتب فإن الكتب تغوي وتضل كثيراً ".
   فرد يونان: " حسناً قلتم إن الكتب تغوي وتغش، فإنها بإذاقتها الإنسان آلام يسوع المسيح تنسيه ضيقات هذا العالم وأذياته.  فخادم المسيح عندما يساق يعلم أنه مدعوا إلى وليمة القضاء والحكم، فإذا ما وصل هناك وذاق من خمر آلام المسيح وسكر بها فلا يذكر ولا يعرف دار هذا العالم الفاني ولا المقتنى ولا الأملاك ولا الذهب ولا الفضة، فيحتقر الملوك والرؤساء والأرباب والولاة ولا ينتظر إلا ملكاً واحداً ملكه لا يزول وسلطنته تبقى إلى جيل الأجيال ".
   فلما قال هذا ازدادوا هياجاً وحنقاً فقطعوا أصابيع يديه ورجليه واحدة فواحدة مبتدئين بالمفصل الأول ثم بالثاني وذروها قائلين: " هوذا نحن نزرعها فتوقعها إلى زمان الحصاد فتأتي لك بإيادٍ كثيرة عديدة ". 
   فرد يونان: " أني لست أريد أيدياً كثيرة عديدة، لكن الله الذي خلقني لموجود، فهو يجددني معطياً لي أجنحة جديدة ".
   فلما نطق بهذا أتوا بمقلاة كبيرة فملأوها زفتاً مغلياً، ثم سلخوا جلد رأسه وقلعوا لسانه فألقوه في المقلاة، أما يونان فانتصب فيها قائماً فطفا الزفت وفاض، ولم يصبه أدنى ضرر، فلما عاينوا ذلك جاؤوا بآلة خشبية بشكل قفيز فجعلوه فيها وأخذوا يضيقون عليه بشدة لا مزيد عليها وبعد ذلك أتوا بمنشار فنشروه بها فقضى نحبه وحاز السعادة الأبدية، فجروه وألقوه في جب.
   ثم أحضروا بركيشوع وقالوا له: " أشفق على جسدك ولا تكن سبب شينه  وتمزيقه ".
   فرد بركيشوع: " لست أنا بخالقه ولا بممزقه ولا بمخل به، بل إن خالقه الله فهو يجدده، ويأخذ ثأري منكم ومن ملككم المعتوه الذي لا يعرف مولاه وخالقه، بل يريد أن يجري أوامره ويثبتها ".
   فقال حينئذ هرمزد أرداشير  لميهر نرساي: " إنما نحن نهين الملك ونستصغر أمره، فإن هؤلاء متوغلون ومتهورون في أهوية ضلالتهم فلا يعتبرون أحداً ولا يعتدون به ". فأمروا أن يجلد بركيشوع بالأشواك، ثم عروه من ثيابه، وأتوا بقصب كثير فأشظوه وألصقوه بكل جسمه، وشدوه في مرسة دقيقة، فنفذ القصب كله في لحمه، ثم رموا به الأرض، وأمسكوا بالقصب وجروه حتى تمزقت جثمانه، ثم وضعوه في قفيز واغلوا زفتاً وكبريتاً فسكبوها في فمه، ففاضت نفسه وأراح وحينئذ جاء أحد النصارى وكان يقال له عبطوشطا وكان رفيق يونان وبركيشوع، فأشترى جثتيهما بخمسمائة درهم وثلاث خلع من حرير. وكان جهادهم في اليوم التاسع والعشرين من كانون الثاني سنة 328. 
   وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار  مار يونان بركيشوع ورفقائهما في 29 كانون الثاني.