المحرر موضوع: إنتصر زين الدين زيدان للحق ، وزهُد بالكأس !  (زيارة 1365 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذير حبش

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 61
    • مشاهدة الملف الشخصي
إنتصر زين الدين زيدان للحق ، وزهد بالكأس

تباينت الآراء حول ((ردة فعل)) زين الدين زيدان، أنا أكتب عنه باعتباره (إنسان) ذو كرامة ، أي بتجرد عن من هو  زيدان ، ومن أي مشرب يكون مقْدمه. لا يوجد أغرب من المنطق الشرقي ، الذي يعكس الحق ويستخف بقوانين العقل. هذا المنطق الذي يطلب من الضحية أن تموت دون أن تتفوه بكلمة، ذو المنبع الإسطوري الكهنوتي ، الذي يدعو الضحية والمظلوم أن يقبل بظلم الظالم ، وأن يتحمل سياط الجلاد، لا بل يرافق الكاهن ـ ما أقصده بالكاهن هو الذي يدعوك إلى منطق اللاعقل، وليس رجل الدين ـ إلى المشنقة ويشجعك على الموت، ويدعوك حتى اللحظة الأخيرة ، أن تقر أنك نعجة من نعاجه من خلال طلبه ، أن تتقبل الموت خانعاً ، وأن تتلو الصلاة الأخيرة ، وبعدها يعود ليجلس هو على مائدة الظالم المستبد وأمامه ما لذّ وطاب ، أو يدخل (قصره) ، تحت أي مسمى كان ، ليرى حفلة باربكيو معدة له ! والعملية هي من أيام بابل حتى اليوم ، فلا يتوهم أحداً أن الباربكيو هو من إختراعاتنا الحديثة !

نطلب من زين الدين زيدان أن لا (يرد) على الإهانة ـ مهما كان نوعها ـ ومن (العراق) أن يقبل الإحتلال صاغراً، ويتحمل المظلوم الكرباج بصمت !! ويعتلي المنصة دجال ـ أكان يعتمر عمامة أو قلنسوة أو كانت قصة شعره حسب آخر صرعة أوروبية ـ وينادي على الضحية ويدعوها بالرضوخ والخنوع وتحمل الذل.

لقد إنتصر زيدان لكرامته، لعباً وفناً وهجوماً متواصلاً ، وأمتع الجمهور هو وفريقه الفرنسي ، عكس الطليان اللذين إتبعوا الدفاع والحيلة والمكر وإضاعة الوقت ، من أجل الوصول إلى غايتهم ـ غاية الجبناء ، في منافسة  عالمية ، تنتظرها الشعوب أربع سنوات، وتدفع الملايين من أجلها لجيوب الشركات ، لذا تتطالب الفرق بـ (لعب الفرسان) من أجل (الإمتاع) وليس من أجل (الفوز) فحسب ،تلك الغاية وهي (ركلات الترجيح) ، التي يجب إزالة هذا المبدأ لأنه غير عادل ـ  لأعتقاد الإيطاليين المسبق بأن حارس مرماهم سوف يكون الأوفر حظاً من حارس المرمى الفرنسي.
وهذا لم يكن صحيحاً بالمرة ، لأن خسارة فرنسا هي طبيعية ، وكان من الممكن أن تكون هي الفائزة ، لكون ضربات الترجيح يلعب فيها عامل (الحظ) قليلاً ، ولا تمثل مجمل (اللعبة) المتكاملة بلاعبيها ومهاراتهم ، وعقلية المدرب المشارك في خططه وتوجيهاته .

لاعب بحجم ومكانة زيدان يجب أن تُأخذ ((ردة فعله)) مأخذ التساؤل والإحترام ، وفق قوانين علم النفس والقوانين الرياضية نفسها. فكثير ما يدفع المدربون بعض لاعبيهم المشاكسين إلى إزعاج أحد لاعبي الخصم (المبدعين) ، للنيل منه نفسياُ ، ثم لإيقاعه بتصرف ، خاطيء ظاهرياً ، وإزاحته من أمامهم ، وهذا ما حدث بالفعل لزيدان تماماً ، وكان الأجدر بالحكم تنبيه زيدان بأي شكل عدا حرمانه من اللعب.

هذه الحادثة ((ردة فعل)) زيدان قد تكون (فاصلة) بين عهدين من عهود قوانين التحكيم. وقد نشهد إدخال بعض التغييرات على قوانين اللعبة بهذا الخصوص.

زين الدين زيدان إنتصر للحق أولاُ ولكرامته ثانياً ، وزهُد بالكأس ! الذي برهن من قبل أنه ليس الشيء المستحيل نيله، فقد فعلها . ويكفي للدولة الحصول على الكأس مرة (واحدة) لترى ذاتها أنها ليست أقل من الدول الأخرى. وهذا ما نتمناه لأعمامنا السعوديين ، لكن فقط مع الأمل في تحوير إسم (دعييع) قليلاُ ، لأنه يشكل معضلة حقيقية للغربيين كتابةً ونطقاً ، ويؤذي بلاعيم المعلقين العرب.

أحد أسباب التقدم الأوروبي هو عملهم بعكس المنطق الكهنوتي ،  أي  منطق على الشريف أن (يسامح) ، والمجرم (يفلت) بجريمته ، إنما صححوا هذا المنطق المعكوس : ألذي يسيء (يُعاقب) ، والذي وقعت عليه الأذية (يُثاب).

نذير حبش

13 - 07 - 2006