المحرر موضوع: لم يكن هناك مندسون..كان آذان الاصلاح  (زيارة 1181 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لم يكن هناك مندسون..

كان آذان الاصلاح

 

عبدالمنعم الاعسم

 

?تحت نصب الحرية، صباح الخامس والعشرين من شباط، ازدحم بضعة آلاف من الشبيبة العراقية  ليهتفوا بصوت واحد “الشعب يريد إصلاح النظام” و “اين الخدمات يا مجلس المحافظة؟” و”المحاصصة خنقتنا وهمشتنا” و”الشعب موحد. الحرية مطلبنا”. وكان سيل آخر من المحتجين يقطعون الطرق الى ساحة التحرير مشيا على الاقدام من احياء واطراف بغداد. قالت لي امرأة “جئت من ابو غريب، وقالت اخرى "قطعت ثلاثين كيلو مترا على رجليّ” وقال شاب لم يبلغ العشرين من عمره “انظر، اننا عُزل ونطالب بالكهرباء لمنازلنا. لماذا يخافون منّا؟”.

تحت نصب جواد سليم، في ذلك الصباح شديد البياض، وفي المكان الذي يقع على مرمى حجر من نهر دجلة الخير لم يكن هناك انصار صدام حسين ولا صور له ولا احد يترحم عليه. كان شبان يحبون العراق، الشيء الذي يوحدهم انعدام الثقة بالوعود وباصحابها، والشيء الذي يقلقهم المنحدر الذي يندفع اليه حاضرهم في ماكنة المحاصصة والفساد، والشيء الذي يخيفهم هذا الجدار الكونكريتي الاصم بين اوجاعهم واحتياجاتهم واصواتهم وبين اصحاب القرار السياسي الذين ثرموا مسالك الطريق الى مكان الاحتجاج السلمي بوسائل من الردع والتخويف وقطع الجسور ومنع تجوال المركبات.

في هذا المكان، صباح الخامس والعشرين، انجبت الحيوية الشعبية وليدها الجديد: جيل يمكن ان نضع الوطن أمانة في عنقه يوما، إذ تخلص من عار الدكتاتورية البغيضة، ومن الخوف الذي زرعه  صدام حسين في الافئدة والعقول.. جيل يعرف ما يريد وبكلمات موجزة: الخبز والحرية، لا بالسلاح والتجييش، لكن عن طريق المطالبة السلمية، الواعية، التي كفّت عن ان تنخدع بالكلام.

في ذلك المكان الذي شهد ولادة ارادة الاصلاح التي لن تنطفئ كان المحتجون البغداديون قد تخلصوا من الطائفية والشوفينية والكراهية والرطانات الدينية. كانوا يتبادلون القبل والورود مع بعضهم ومع رجال الجيش والشرطة، بل كانوا يتلقون التأييد والتعاطف وكلمات الاحترام من رجال المفارز والسيطرات والمراقبة. لم يكن هناك توتر حتى ساعة الهجوم الغريب، وغير المبرر، لفرقة مكافحة الشغب على المحتجين بالرصاص والمعاول وخراطيم المياه.

كنت، مع آلاف، قد قطعت اميالا مشيا للوصول الى ساحة التحرير، وهناك التقيت بالعشرات من المثقفين والاعلاميين والدعاة المدنيين ممن حسبوا انفسهم على العراق الجديد، وعملوا من مواقع مختلفة وطوال سنوات لترسيخ مسيرته الديمقراطية وخيار الدولة المدنية، وشئنا ان نقوم باستقصاء ميداني(بما نملكه من خبرة وحساسيات سياسية) عما اذا كان هناك مندسون من فلول الجماعات الارهابية او من اتباع صدام حسين، بين هذه الالاف من الشبيبة التي لم تكف عن الهتاف باسم العراق، فلم نجد لذلك ظل لا في المكان ولا في الاصوات ولا في الوجوه.

في ذلك الصباح لم يحضر المندسون المزعومون. الذي حضر الى المكان شيء آخر: القوة القمعية الغاشمة.

*

? ?“ من الناس من يجهد نفسه لمعرفة أخطاء غيره، ليرتكبها هو نفسه بعد حين “.

الأم تيريزا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة(الاتحاد) بغداد