المحرر موضوع: العراق: خطوة في الطريق الخطأ..!!؟  (زيارة 1387 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: خطوة في الطريق الخطأ..!!؟


باقر الفضلي

إنها خطوة في الطريق الخطأ ايها السيد رئيس الوزراء، وأقولها بقناعة كاملة، وأنا أتابع تصريحاتكم وخطبكم المتواصلة، حول ترسيخ الديمقراطية وبناء دولة القانون، ومثلها دعواتكم المترادفة حول بناء دولة المؤسسات المدنية، وتأكيدكم غير المنقطع لتشكيل حكومة الشراكة الوطنية، وكنت أستبشر خيراً من وراء كل تلك الخطب والتصريحات، ولكن ما أذهلني حقاً أن تقدم حكومتكم الجديدة وفي جعبتها كما يبدو غير قليل من الخطوات التي لا تسر عدو ولا صديق، وهي إقدامها على غلق مقرات الحزب الشيوعي العراقي، وأنتم أعلم من غيركم بدور هذا الحزب في الحياة السياسية العراقية، ومدى فعاليته وتأثيره ودوره القيادي في إجتراح نضالات الشعب العراقي، عبر سبعة عقود من السنين، سواء دوره الإيجابي والفعال في "العملية السياسية" على علاتها، أم دوره النضالي الكبير والقيادي في العقود الخوالي..!!؟


أين في تصوركم ايها السيد رئيس الوزراء، كان ينبغي على الحزب الشيوعي العراقي، أن يقف من المظاهرات الشعبية المطالبة بعلاج الأزمات التي تثقل حكومتكم الموقرة، والتي تعاني منها جموع الشعب، وفي مقدمتها البطالة وسوء الخدمات أو إنعدامها، وحالة السكن المزرية بالنسبة لآلاف المواطنين من المهجرين والنازحين، وغيرها من صنوف المعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون؛ فهل كان ينبغي أن يقف الحزب الشيوعي العراقي، الى جانب المتظاهرين المحتجين على سياسة حكومتكم، التي تأخرت كثيراً في معالجة الوضع المزري للناس وعلى جميع الصعد الأمنية منها أو الإقتصادية والإجتماعية، أم يقف الى جانب موقف حكومتكم المُنتقد من قبل الأغلبية الواسعة من الجماهير..؟!!


الأمر لا يحتاج الى كثير من النباهة أوالحصافة، في معرفة الإتجاه وتحديد الموقف الصائب في إلتزام موقف الجماهير المتظاهرة والمحتجة، وهي صاحبة الحق فيما تقول وما تطالب، ولا يضير بعد ذلك ما يقال عن تحذيرات من متصيدين في المياه العكرة، أو من منتهزين لإختراق المظاهرات وحرف توجهها، أو من أرهابيين قد يستغلوا المظاهرات على عكس ما تريد..الخ، فالجماهير كانت واثقة مما تريد وتعلم جيداً أن أقدامها تقف على أرض صلدة يدعمها الدستور، وتجيزها حالة المعاناة التي تعيشها خلال سنوات جاوزت المعقول في شدتها وقسوتها، تقابلها حالة من الضنك الشديد التي تعيشه تلك الجماهير، دون أن تلمس لها من حلول مقنعة تبيح كل هذا التحمل والمعاناة القاسية..!


أقول نعم؛ كان ينبغي على الحزب الشيوعي العراقي، وكما عودنا في طول حياته السياسية، أن يقف الى جانب الجماهير الكادحة في مطاليبها المشروعة، وأن يحتضن نضالها لا أن يقف الى جانب الموقف الخاطيء للحكومة ، التي واجهت مظاهرات المحتجين بواسائل العنف والتعسف، وإراقة الدماء،  وهي تدافع عن نهجها غير الصحيح أمام جموع الشباب المحتجة، فهل ما أقدمت عليه الحكومة أخيراً بغلقها مقرات الحزب، كان مجرد ردة فعل لموقف هذا الحزب من دعمه للمظاهرات الشعبية الإحتجاجية، أم إنه في الحقيقة بداية نهج جديد في موقف القوى المتنفذة من القوى الديمقراطية، بل ومن الديمقراطية نفسها كنهج في الحكم، ولعل الموقف السلبي من حرية التعبير ومن الحقوق المدنية للجماهير كان بمثابة مؤشرات واضحة على السلوك اللاديمقراطي التي تنتهجه سلطات المحافظات وفي مقدمتها مجلس محافظة بغداد على سبيل المثال..!!؟


فإن كانت مقرات الأحزاب السياسية، تعبر عن صورة شكلية للوجود الديمقراطي في البلاد، بإعتبارها تمثل العلنية السياسية، وفي أفضل الأحوال يمكن أن يُدعى بأنها تعكس الحالة الديمقراطية التي يحاول أركان "العملية السياسية" من القوى المتنفذة، التبجح بوجودها، وهو في جوهره لا خلاف عليه، ولكن ما أقدمت عليه الحكومة العراقية في إجرائاتها الأخيرة من غلقها لتلك المقرات، ومنها مقرات الحزب الشيوعي العراقي وحزب الأمة العراقية، لا يجد تفسيره إلا في التنكر لتلك الحالة "الديمقراطية" على صوريتها، بل ويمثل من الناحية الإخرى تنكراً للأحكام والنصوص الدستورية والقوانين الصادرة بموجبها، وينذر عملياً بخطورة النتائج التي تترتب عليها، من تكريس للتمهيد بالإنفراد بالسلطة، وتهميش الآخر، والتحول في النتيجة الى وضعية الإستبداد التي أرهقت كاهل الشعب العراقي لعقود طويلة، والتي كان من ضحاياها نفس القوى السياسية الحالية التي تتحكم اليوم بمقاليد "العملية السياسية" بعد إسقاط النظام الديكتاتوري عام/2003..!!؟؟


ومع كل ما تقدم فإن الفكر السياسي لا يمكن أن تحدده أو تضعف من فعاليته بين الجماهير، إجراءات التضييق على الحريات بما فيها غلق المقرات، وهي في وضعها الحالي، لا تمثل إلا عملاً إستفزازياً موجه ضد التوجه الديمقراطي للعملية السياسية، ممثلاً بمكوناته الحقيقية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي ذو التأريخ السياسي المجيد، أما ما يقال من قبل الحكومة، من تبريرات  تتعلق بالغلق، وإختزالها في إشكالية عائدية المقرات نفسها، ففي تقديري فإنه حتى وإن صح ما جاء في تفسير الحكومة لأسباب عملية الغلق، فإن الأمر كان بالإمكان معالجته طبقاً للطرق القانونية والقضائية، إلا أن الأسلوب والطريقة التي نفذت بها الحكومة إجرائاتها، توحي بأن الغلق ليس هو المقصود بالذات، بقدر ما تعكسه تلك الإجراءات الأمنية، من موقف سياسي سلبي واضح المعالم في مواجهة الحزب الشيوعي العراقي، وهذا ما تفضحه ظروف الحدث وملابساته، التي ترتبط بواقع ما يحيط بالمشهد العراقي والعربي الحالي وموقف الحزب من هذه الأحداث، وهو في جوهره لا يعكس غير توجه ضد الديمقراطية نفسها، ولكن بأسلوب غير مباشر..!!؟


وبقدر ما يستنكر المرء ويدين ويرفض الأجراءات الأمنية البوليسية للحكومة، والتي إستهدفت مقرات الحزب الشيوعي العراقي وغيره من مقرات الأحزاب الأخرى والأمر بغلقها؛ فمن البدهي القول بأن ما أقدمت عليه الحكومة القائمة، إنما يمثل خطوة في الطريق الخطأ، ولها من التداعيات السلبية على مجمل "العملية السياسية"، ما لا تحمد عقباه، بل ويلقي الكثير من الظلال على مستقبل النهج الذي  تسير عليه القوى المتنفذة في دست الحكم؛ ولا يسع المرء إلا التضامن مع موقف الحزب الشيوعي العراقي في دعمه للمظاهرات الجماهيرية الإحتجاجية، في نفس الوقت الذي يدعو فيه الى وقف مثل تلك الأعمال الإستفزازية والتراجع عنها؛ لكونها من حيث النتيجة، تتعارض كلياً مع أهداف العملية السياسية في بناء حياة سياسية تعددية ديمقراطية في إطار دولة مدنية، تؤمن بالتبادل السلمي للسلطة التي نص عليها الدستور..!!؟
8/3/2011