المحرر موضوع: نحو مراجعة ثقافية شاملة في العراق  (زيارة 952 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل muwaffaq alrefaay

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 16
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
نحو مراجعة ثقافية شاملة في العراق 

موفق الرفاعي
كما بدا للجميع فالشعب العراقي لم يكن مهيئا بعد لاستلهام الوعي التونسي الذي استفاد منه شباب مصر واليمن واقتصر دوره على التفاعل العاطفي دون تجاوز ذلك الى الفعل الخلاق.
كان واضحا منذ البداية وبالرغم من الارتباك المفتعل الذي ساد الأوساط السلطوية في العراق ان حركة الشباب غير قادرة على التصعيد.
ان نظرة سريعة على ما جرى منذ 25 شباط وحتى اليوم تكشف عن وعي لا يتجاوز بعض النخب المثقفة التي تدين بثقافتها الى فترة الخوف التي رافقت التحولات والمنعرجات الكبيرة في العالم منذ تسعينيات القرن الماضي وبقيت تتفاعل معها في الخفاء وفي احسن الاحوال فيما بينها بسرية ونجحت الى حد ما في انتاج وعي ثقافي متقدم رافق تلك المتغيرات.
هذه النخب التي بدت بعيدة تماما عن وعي ما جرى قبل وبعد الاحتلال ورافقها ذلك حتى الى ما قبل سنوات قليلة حين صحت على وقع مطارق الكهنوت الديني وهي تهشم واجهات الثقافة العالمة لتؤسس لـ(ثقافة) الانتظار والغيبوبة عن العصر. هذه النخب ينطلق بعضها اليوم بدافع الندم ومحاولة التكفير وعبور تلك المرحلة دون التوقف عندها من اجل الاعتذار للشعب الذي انساق وراء تحليلاتها الساذجة وهيأت الاذهان لتقبل التغييرات الخديجة، وتصحيح ذلك كله بشجاعة وجرأة.
ان قيادة الجماهير ليس بالسهولة التي تصورها او يتصورها البعض، فهي بحاجة الى نخب تعي صعوبة المرحلة وتعي ايضا استماتة الكهنوت الديني ومَن ورائه وإصرارهم على تدوير الجهل الذي من دونه لا يمكنهم العمل على بناء نموذجهم في الحكم الا من خلاله.
لقد كشفت الشعارات التي رفعت اثناء التظاهرات التي خرجت في عموم مناطق العراق عن تصورات هشة للمرحلة وان القيادات المثقفة لم تعِ بعد حجم الكارثة التي حاقت بالوطن.
فبدلا من المطالبة بإسقاط ما يسمى بالعملية السياسية التي (فصَّلتها) الادارة الامريكية السابقة وخاطها حاكمها المدني بريمر وارتدتها القوى المنضوية فيها، راحت تلك النخب تتبنى مطالب الفقراء والمعدمين والعاطلين عن العمل والاف الخريجين التي تلقي بهم الجامعات سنويا الى الأرصفة ومعاناة الناس من تدهور الخدمات وغياب البنى التحتية.
هذه المطالب لا تحتاج الى قيادات لتقودها ولا الى نخب تنظّر لها فالجموع قادرة بفعل غضبتها على الضغط - او هكذا تتصور- من اجل تحققها
فيما كان يجب على النخب الثقافية التي برزت لتقود الجماهير ان تبلور وعيا جماهيريا يتلخص في ان جميع ما خرجوا من اجله لا يمكن الاستجابة اليه او تحقيقه كون الداء ليس في نقص بالايدي الماهرة او الكفاءات التي تقع على عاتقها اصلاح ما دمر ولا في عدم وجود اموال لازمة او مستثمرين لاقامة المشاريع الاقتصادية ولا في غياب التخطيط العمراني ولا في عدم مقدرة مؤسسات الدولة على استيعاب الخريجين وحل مشكلة البطالة ، ولكن الداء في العملية السياسية التي لا يستطيع اي من اطرافها التمرد عليها او الخروج على قوانينها.. هذا لو اراد..!
العملية السياسية التي افرزت دستورا دبر بليل ليخدم مصالح فئات بعينها داخل تلك العملية وسنّت قانون انتخابات يصبح فيه من حاز على بضعة اصوات ممثلا للشعب ومُشرّعا باسمه وأسست لمحكمة اتحادية تفتي وفق رغبة الحكام ورهبة منهم وهيئات للاجتثاث وللنزاهة وللاتصالات تدار باوامر سلطانية فيما يشاع كذبا انها مستقلة تخضع لرقابة ممثلي الشعب.
انه السرطان بعينه والذي يتفشى في جسد الدولة العراقية كلما طال الزمن دون محاولة لاستئصاله او حتى إيقاف تمدده.
نحن في مواجهة كارثة بيئية ثقافية لوثت اذهان الناس لسنوات طويلة. على النخب الثقافية التي وعت متأخرة والنخب الثقافية الوطنية التي وعت ذلك منذ البداية سواء من كان منهم في الداخل او في الخارج البدء في العمل على مراجعة شاملة للوعي الثقافي النخبوي والا فسنجد أنفسنا في يوم ليس بعيدا مشلولين غير قادرين على مواجهة الكارثة.
ان تضافر الجهود جميعها ونسيان الماضي هو بداية واعدة لتصحيح جميع المسارات المظللة.