المحرر موضوع: على المالكي أن يلعب بالمكشوف ويعلن قراراً نهائياً بعدم تمديد بقاء القوات الأمريكية  (زيارة 1078 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صائب خليل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 162
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
على المالكي أن يلعب بالمكشوف ويعلن قراراً نهائياً بعدم تمديد بقاء القوات الأمريكية

صائب خليل
12 آذار 2011

وضع المالكي لا يحسد عليه. كل شيء في هرج ومرج والرؤية مشوشة، وكل الإحتمالات (السيئة) قائمة للعراق.
وبالرغم أن المالكي انتصر مبدئياً في معركة الإنتخابات وتشكيل الحكومة، لكنه ارتكب ما يكفي من الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية والخطايا لتدمير فرصه وجعل انتصاره هشاً قلقاً ومعرض للسقوط، خاصة في ظرف شديد الدقة.
فأما الأخطاء التكتيكية، فربما لا يعبر عنها شيء أفضل من الحركتين الغير مبررتين بأي شكل: إغلاق النوادي وخاصة نادي اتحاد الأدباء والكتاب، والذي لا أتصور أنه تم بدون التنسيق معه أو مع مكتبه، وثم إغلاق مقر الحزب الشيوعي، والذان افقداه كمية مهمة من الدعم الحرج، وبلا مقابل. نعم كان العملان "قانونيان"، فليس من الضروري أن تكون الأخطاء غير قانونية، ومع ذلك قد تكلف كثيراً.

وأما الأخطاء الإستراتيجية فهي متعددة. أولها أن المالكي لا يبدو قد فهم الظرف الذي يعيش فيه ولم يدرك ما معنى رئيس حكومة تحت الإحتلال، وما يمكن أن ينتظره رئيس الحكومة من الإحتلال. متى يتعاون معه ومتى يضربه وكيف يضربه وكيف يجب أن يتصرف هو ليحمي نفسه وبلده.
كان جهل المالكي بالأمور واضحاً حين أحرج نفسه بالشكوى لبوش من "ظلم" بترايوس، لسبب ما تخيل أن "بوش" سيقف معه بوجه بترايوس، مثلما تخيل ثوار مصر أن "الجيش المصري" يقف بجانبهم ضد من أسسه ونظفه وطبخه. كلاهما كان يفكر بطريقة التمني: يتمنى شيئاً فيتصوره قد صار، ويقنع نفسه بأنه صحيح، وكلاهما اكتشف خطأه بعد دفع الثمن.
الخطر في النظرة الخاطئة للموقف العام هو أنك لن تستطيع أن تخطط بشكل سليم، ولن تستطيع أن تقرر مواقفك مسبقاً وتحسب الإحتمالات. عندما يتصور المالكي مثلاً، تصوراً تبناه الكثير من الذين يرفضون قراءة التاريخ أو "علم السياسة" في العراق، بأنه بالإمكان إقناع الأميركان بأن يحولونا إلى يابان أو ألمانيا بفضل استعمارهم، ويساعدونا على تأسيس بلد القانون الديمقراطي مقابل أن نوقع معهم عقود فائدة متبادلة يستفيدون بها من النفط ونستفيد من تكنولوجيتهم المتقدمة.
لو كان الأمر هكذا، لما كانت سمعة الإحتلال سيئة في العالم، بل لتقاتلت الدول على الإستعمار، لكن الأمور ليست كذلك.

جميع الخراف السمينة تود لو تصادق الذئب الذي يصقل اسنانه اللامعة ويحدها كل يوم، لكن الذئب بحاجة إلى الفرائس أكثر من حاجته إلى الأصدقاء. هل الولايات المتحدة فعلاً ذئب يصقل اسنانه كل يوم؟ حسناً، لا ندري إذن لماذا تصرف على "أسنانها" بقدر ما تصرف بقية دول العالم مجتمعة، 500 مليار دولار في العام فقط!!، إن لم نحسب المصاريف الإضافية الخاصة بالصناعة الذرية ومشاريع ناسا للفضاء.
وهل نحن "خروف سمين"؟ ومن له أن نخفي ثالث أكبر "إلية" في العالم؟
لكن الذئاب لا تأكل إلا عندما تجوع، فهل أن الذئب الأمريكي جائع؟
إنه لم يتضور جوعاً في حياته كما هو اليوم...إلق نظرة على معدته الخاوية هنا: (ساعة الدين الأمريكي) (*)

ليس هذا ذنب الذئب، فلا نستطيع أن نطالب أي حيوان أن يموت جوعاً، ولا يستطيع الذئب أن يعيش على الحشيش، لكن يمكننا أن نأمل من الخراف أن تكون أكثر انتباهاً وذكاءاً وأقل سقوطاً في تفكير الأماني، خاصة من كانت إليتها كبيرة وحركتها ثقيلة وقرونها مكسورة. فأي ذئب أبله ذلك الذي يصادق مثل هذا الخروف وينتظر أن ينجح في امتحان البقاء القاسي، الذي لا يسمح بأي ضياع للفرص؟
خروفنا لايحب أن يتعب أعصابه المنهكة بهذه الأفكار المخيفة، ويفضل أن ينظر بعيداً، إلى فرائس لا تشبهه لا بالحجم ولا بالشكل، إلى المانيا واليابان، لا إلى زملائه من الشعوب القريبة التي فرضت عليها "صداقة" ذلك الذئب، في مصر مثلاً. الذئب يريد حاكما مثل مبارك، يحبس له القطيع في الزريبة، ويحلب له الحليب ويأتيه باللحم كل يوم ويجعل الخراف تبات ليلها مرعوبةً في المقابر. ليس هناك سوى الحمقى من الذئاب التي تفضل راعياً "شريفاً"، أو قد يفكر أن يكون شريفاً، على "بايع ومخلص" يعرف كيف يخدم سيده بلا تردد أو أسئلة أو شكاوي، تلك هي الصفاة الخلقية الحسنى لمن يتقدم لتلك الوظيفة.
ومن بين المرشحين "المناسبين أخلاقياً"، يفضل الذئب ذلك الذي ليس له حزب يحاسبه، إلا اللهم إن كان الحزب عبارة عن عصابة صغيرة من أمثاله. فالحزب قد يضغط على العميل ويعرقل عمله، كما أنه في حالة اختلاف المصالح لا سامح الله، فأن العميل صاحب الحزب قد يرى نفسه قوياً بعض الشيء ليعترض وقد يقول لا عندما يرى موقفه في خطر. الذئب يريد جماعة لا تستطيع أن تقول لا أبداً، وليس هناك حدود لما يمكن أن تقوم به. جماعة ليس لها خطوط حمر، وليس لها طرق للتراجع، ولا تستطيع إلا أن تقبل، حتى لو كان في القبول هلاكها! الذئب الحكيم يفضل "المستقلين": المستقلين عن المبادئ، وعن الشرف وعن الشعب وعن أي حزب حقيقي. الذئب الحكيم يريد مخلوقات مثل مبارك وعباس والسنيورة ... وعلاوي والمطلك.
فما هي فرصتك يا مالكي لإقناع الذئب بأنك انسب "لصداقته" من علاوي أو المطلك أو عادل عبد المهدي او ربما مستقبلاً، مثال الآلوسي أو أياد جمال الدين؟ كيف ستقنعه أنه من الأفضل له أن تكون أنت على رأس السلطة وليس أي منهم؟
لا أمل يا صاحبي، حتى إن كان هذا طموحك، ويجب أن تدرك ذلك، فحتى لو أردت واستطعت أن تصير بأخلاقهم، فأن فرصتك تعيقها ارتباطاتك الحزبية، والناس التي تحبك وترى فيك أملاً، سواء كان هذا الأمل صحيحاً أم كان وهماً.

هذه هي الحقيقة الستراتيجية الأساسية التي يبدو لي أنها فاتت المالكي، كما فاتت الذين من قبله، كالجعفري. الرجل كان يناقش الأمريكان في الكونغرس ويثبت لهم أنه واع ونبيه ومثقف، دون أن يدرك أنهم كانوا يرون في ذلك عوقاً! الجعفري لم يكن يتصرف بوعي مكانه وما يحيط به وما يريده اللاعبون فيه، لذلك كان في الكونغرس كمن يعدد مثالبه دون أن يدري، فهل من غرابة إن جاءت كونداليزا رايس خصيصاً إلى العراق لرفع الستار النهائي عن حملة سريعة لإزاحته قادها بالنيابة عنها "صديقه" العزيز جلال الطالباني وأمثاله من المطيعين؟

الخطأ الإستراتيجي الثاني الذي ارتكبه المالكي هو أنه قرر أن يستعمل المراوغات والسرية اسلوباً للوصول إلى أهدافه، وأن يلعب على كل الحبال، تماماً كما يقال عن عبد الكريم قاسم. وإن نسينا العامل الأخلاقي، الذي ننساه بسهولة عادةً، فليس هناك من عيب حقيقي في كفاءة المراوغات والسرية للوصول إلى الهدف، لكن المشكلة هي أنك عندما تستعملها مع الإحتلال فأنك تلعب لعبتهم المفضلة وفي الملعب الذي خبروه أكثر من أي ملعب آخر.

الإنفتاح والشفافية يسهل التنسيق مع الأصدقاء ويكسب المؤيدين المؤمنين بنفس الطريق، والسرية والتكتم تحرم الخصوم من الرؤية. لا يمكن عادة أن تكسب المنفعتين معاً وعليك أن تقرر أيهما أكثر أهمية بالنسبة لك.
من الطبيعي أنه للحصول على أكبر المكاسب، فعليك أن تعلن مواقفك وخططك ومعلوماتك لأصدقائك لكي يثقوا بك ويستطيعون التنسيق معك ويشعرون أنك معهم في مركب واحدة، وأن تمنعها عن أعدائك فلا يستطيعون أن يعرفوا ما تخبئه لهم من مفاجآت. لكنك طعباً لا تستطيع أن تخبر الكثير من أصدقائك، دون أن يصل الخبر إلى أعدائك. لذلك يختار المالكي ومن يفضل هذه الطريقة، أن يكون صامتاً يحيط تصرفاته وقراراته بغموض الأسباب أو يقدم أسباباً غير مقنعة للأكثرية.
المشكلة في هذه الطريقة مع خصم مثل الأمريكان وإمكانياتهم التكنولوجية هائلة التطور، هي أنهم يعلمون بكل كلمة تقولها أو تكتبها وأي نفس يدخل رئتيك أو يخرج منهما، وأنها تنقل بالنقل المباشر إلى غرف التحليل في "السفارة"  الهائلة، وإلى واشنطن وعلى الأغلب تل أبيب أيضاً.
هكذا نصل إلى النتيجة المقلوبة، فيصير خصومك عارفين بكل شيء، وأصدقاؤك يشعرون أنهم كـ "الأطرش بالزفة"! وخير دليل على ذلك هو أنك تجد أن جميع المبادرات تأتي من خصومك الذين حسبوا في هذه الأثناء كل رد فعل لك. وتأتي أفعالك كردود فعل تصد عن نفسها الهجمات المرة تلو المرة، دون أن تستطيع أن تتحرك أو تأخذ المبادرة والهجوم. في كل مرة يفكر خصم الأمريكان أنه "سيمرر" لهم الأمر هذه المرة إلى أن تأتي الفرصة الأنسب للرد. لكنه يفاجأ بأنهم قرأوا أفكاره، فمعظم خصومهم في العالم فعلوا نفس الشيء. لذلك فالأمريكان يستفيدون من "التمرير"، لكنهم يحتفظون بالمبادرة، ويوجهون له الضربة تلو الأخرى، ليكتشف متأخراً بأن "الفرصة الأنسب" لن تأتِ أبداً! لقد كان الجعفري قادراً على فضح الحقيقة الخطيرة بأن الإحتلال هو من يدير الإرهاب والتفجيرات، لو أنه أصر على التحقيق في حادثة البصرة، لكنه "مررها" لينتظر "الفرصة الأنسب"، ففرح الإحتلال بـ "التمرير" وحرصوا أن لا يحصل الجعفري على فرصة ثانية أبداً.

هكذا يكون الملعب مكشوفاً أمام خصومك ليخططوا كما يريدون، أما أصدقاؤك، فيديرون رؤوسهم حائرين يتابعون كرة التنس بينكما دون أن يستطيعون مساعدتك في شيء، ولا التنسيق معك، وفوق ذلك فأنك تثير فيهم عدم الثقة، والشك بالمستقبل. ولأنك تحتفظ بمعلوماتك لنفسك، فأن قراراتك تأتي بشكل مفاجآت لا يدرون أين يضعون انفسهم منها: بدون سابق إنذار، تأتي "مذكرة تفاهم" سرية موقعة ومنتهية!! تؤيد التفاوض مع البعثيين يوماً ثم تنقلب عليه تماماً في اليوم التالي! تعارض المعاهدة وتسخر منها، ثم تنقلب فوراً إلى تهديد الشعب ما لم يتم التوقيع عليها! تدخل البرلمان وتحصل بينك وبين أحدهم مشادة، فتقول له أنك تعلم عن إرتباطاته الإرهابية!

كيف يحسب الشعب، أو على الأقل ناخبوك، خطوتك القادمة يا سيادة رئيس الوزراء؟ كيف يطمئن، كيف تريده أن يقف معك بثقة؟ أين يذهب بالأسئلة التي تكاثرت في رأسه بلا جواب:
لماذا قال المالكي أنه كان يسهر على راحة منتظر الزيدي في السجن، بينما يقول منتظر أنه كان يعذب بالكهرباء في تلك الأثناء؟
ما قصة العصابة العجيبة ذات الثمانية ألاف عضو المتخصصة بقتل الكفاءات والتي تم إعدام مئتين منهم والحكم على 600 بالمؤبد (على ما أذكر).. بمن ترتبط.. من يمولها.. لماذا لا تعلن نتائج التحقيق؟
ما هي حقيقة أجهزة كشف المتفجرات المزيفة ولماذا لا نسمع قصة قابلة للتصديق عنها، هل هي أجهزة أم ليست سوى خدعة.. ولماذا يستمر مسؤولون عراقيون في الدفاع عنها حتى بعد أن تعترف حكومة الشركة بأنها عملية غش وخداع وتطردها من بلادها؟
من المسؤول عن تكرار قتل المتطوعين بعمليات إرهابية وبنفس الطريقة فيجمعون في صف انتظار ليأتي من يفجرهم، ولماذا بعد أن حدثت لأول مرة، لم يعط لكل مراجع ورقة لموعد في ساعة معينة في يوم معين لكي يمنع تجمعهم...كيف تتكرر هذه مرات ومرات ولا أحد يطير رأسه من المسؤولين عنها؟
ما قصة الأسعار المخفضة للنفط التي تذهب إلى الحكومة الأردنية رغم أن تلك الحكومة كانت أسوأ حكومة على الإطلاق في معاملة العراقيين حكومة وشعباً وكانت أقربهم إلى صدام قبل سقوطه وبعده؟ وهل يساعد مدين الجهة التي يدين لها بالمال، أم يبدأ بإيفاء دينه؟ هل العراقي أغنى من الأردني لكي يساعده؟... إن كان دعم للآجئين عراقيين فلماذا لا يقدم مثل هذا الدعم إلى سوريا وإيران، وفي كل منهما أضعاف ما في الأردن؟ لماذا لا يحتج أحد في الحكومة أو أي من النواب في أي من الأحزاب ولماذا لا يطرح أحد سؤالاً؟ كيف اتفقوا على هذه وهم مختلفين على كل شيء ويبحثون عن الزلات لبعضهم البعض في كل شيء؟

خصومك، المصرّين على مخاصمتك، يعرفون الأجوبة بالطبع عن كل زاوية من هذه الأسئلة، وهم يقدمون لـ "ممثليهم" في الحكومة والبرلمان، كل المعلومات والإستشارات اللازمة لكي تنورهم، وتساعدهم في معرفة مكانهم واتخاذ قراراتهم وحسب الحاجة، بينما يغرق رفاقك في الظلام الدامس، يكمكشون بأيديهم بحثاً عن الطريق. لا أدري كم من رفاقك المقربين يعرف ما تعرف، لكن بالتأكيد، فأن الشعب لا يدري شيئاً، هذا إن حسبت الشعب من أصدقائك. إذن فالحديث الشريف "أستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" ليس مناسباً هنا ولم يكن يقصد به كتمان يقع على الأصدقاء دون الأعداء.
لعل التعلم من تجارب الخصوم من حكم الشعوب فهذا علاوي الذي وصف زميله السابق عزت الشابندر طربقة عمله واتخاذه قراراته بـ "أنك لا تعرف حتى ما يفكر فيه وما يدور في رأسه". وكانت النتيجة ألتي تعرفها لهذه المخاتلات، أن الرجل لا يستطيع أن يحتفظ لفترة طويلة بأية مجموعة تعمل معه، ومن يبقى معه هم ممن يرتضون لأنفسهم استلام الأوامر بالتلفون بلا مناقشة.
وأنت يا رئيس الوزراء، قد لا يكون الأمر معك بهذه الحدة، لكن من يستطيع أن يقول أنه يثق أنك لن تفاجأه في آخر لحظة مفاجأة غير سارة؟

ما العمل إذن؟ ليس هناك صعوبة في الجواب، ففي العاب الورق هناك العاباً مختلفة، في بعضها تخفى أكثر الأوراق، وفي أخرى تكشف أكثر الأوراق. وعندما تعرف أن خصمك وضع خلفك مرآة يرى فيها كل أوراقك "المخفية"، فلا يحتاج الأمر إلى دهاء لتقرر أن عليك أن تلعب معه على "المكشوف" لكي تتساوى فرصك مع فرص خصمك، أو على الأقل ليقل الفرق بينهما.

عليك أيضاً أن تتوقف عن التصرفات التي تثير الريبة والإحساس بالأسرار والظلام لدى الشعب، مثل الدعايات البائسة، صادقة كانت أم كاذبة (وهي على الأغلب كاذبة) مثل تلك القصة التي انطفأت فيها الكهرباء أثناء مقابلتك التلفزيونية! إن كنت تطالب الناس أن يصدقوا تلك القصة فلا تلومهم إذن إن صدقوا قصة صابرين الجنابي فهي ربما أقرب إلى التصديق من هذه القصة. المشكلة هي أنه حتى لو كانت قصة الكهرباء صحيحة، وجاءت في صدفة توقيت عجيب غريب لصالحك، فهي ليست في صالحك، ببساطة لأن رئيس الحكومة الذي لا يستطيع أن يؤمن لنفسه الكهرباء، شخص فاشل وليس "شعبي"، فخطورة ذلك كبيرة على البلد، كما أن رئيس حكومة يضطر إلى أن يتابع بنفسه إصلاح مولدة المنزل أو المكتب، مدير فاشل لأنه سيكون مشغولاً بالتوافه عن القرارات الهامة، وهو نوع معروف من الفشل الإداري في توزيع الأدوار يؤدي إلى ما يسمى "الإدارة المايكروية". وأهم من كل ذلك أن أحداً لن يصدق القصة حتى لو كانت صحيحة، إلا من كان قد أقسم مسبقاً أن يصدق كل ما يأتي منك، وهؤلاء ليسوا هدف الدعاية. لذلك كان عليك أن تمنع نشر ذلك اللقاء، إن كان حقيقياً، أما إن كان مزوراً فعليك أن تراجع نفسك وتطرد مدير دعايتك الأبله، ولا تستبعد تماماً أن يكون عميلاً سرياً يهدف إلى إسقاطك من خلال "أخطاء" متعمدة، فمثل هذه الحالات معروفة.

هذا في الإعلام، أما في السياسة فعليك ان تنتهج سياسة معاكسة لكل ما تقوم به الآن، حسب تصوري لما تقوم به الآن! أنت الآن تبدو كمن "يجمع الأوراق" على الآخرين ليستعملها في اللحظة المناسبة. تدخل إلى البرلمان، وحين يجابهك عضو برلماني بأسئلة صعبة، تفاجئه وتفاجئ العالم بأنك تخفي سلاحاً سرياً ضده، فتقول له أنك تعرف معلومات إرهابية تدينه! الحزب الشيوعي يغضبك، فإذا بك تستعمل ورقة تحتفظ بها، وهي كون مقره غير رسمي وأنه يمكن قانونياً للدولة أن تخليه!
الناس سيتساءلون: وكيف يخفي رئيس الحكومة معلومات إرهابية خطيرة؟ هل يحتفظ بها للإستفادة منها لنفسه، أم يفترض أن يستعملها لفائدة العراق وفور معرفته بها؟ إن كان إخفاؤها ضمن خطة لمصلحة العراق، فلماذا كشفها إذن، وفي اللحظة التي احتاج إليها في صراع شخصي مع خصم؟
وبالنسبة لإخلاء مقر الشيوعي، فلا يكفي أن الإخلاء قانوني ليبرر التصرف. الناس ستتساءل: لماذا في هذا التوقيت؟ لماذا تم استخدام استعراضي للقوة؟ لماذا قواتك الخاصة؟ هل خصصت هذه القوة لحل إشكالات وخلافات السكن أم هي قوات مدربة بشكل خاص للحماية؟ ولماذا هذا الحزب دون غيره، علماً أن لديه مقران فقط ولديه معاملة لتأجيل إخراجه لحين حصوله على مقراته المصادرة سابقاً؟ بيانات القوة العسكرية جاءت متناقضة وزادت الطين بله. مرة تقول أن اختيار المقرات جاء بسبب أولوية الحاجة إليها، ومرة ثانية تقول أنها فعلت نفس الشيء مع أحزاب أخرى.

ما الذي يتركه كل هذا من أنطباع عن المالكي؟ إحساس بالمخاتلة وعدم الراحة وعدم الثقة، في اللحظة التي يحتاج فيها إلى كل ثقة ممكنة. أنا من الناس لا أصدق أن توقيت الأمر وطريقة إنجازه مجرد صدقة، وأعتقد انها كانت عملية أنتقام من الحزب بإضهار واحدة من الأوراق التي كنت تخفيها عنه لحين الحاجة. قرأت اليوم خبراً يتحدث عن مشروع لتأخير استعادة الأراضي الزراعية المتجاوز عليها من قبل الفلاحين دعماً لهم في هذه الفترة، فلماذا لا يكون هناك تفكير بتأخير استعادة الأبنية المتجاوز عليها، خاصة من قبل الأحزاب الصغيرة التي لا تملك مكاناً آخر تذهب إليه؟ الأحزاب هي الجزء الأساسي في العملية السياسية الديمقراطية، وتستحق بالتأكيد من الحكومة أن تؤمن لها الحد الأدنى من ظروف العمل، فما هو الحدث العظيم الذي كان يتطلب إخراج حزب من مقراته خلال 24 ساعة؟ أليست ياترى ورقة ضغط حكومية على جميع الأحزاب الحالية؟ هل يفسر هذا تأخر تسوية الموضوع، وأن الحكومة ربما تفضل الإحتفاظ لنفسها بورقة ابتزاز على أن تحصل على ثمن الإيجارات؟ من حقنا أن نشك بالأمر.

سياسة تجميع أوراق الضغط، ولنسمها باسمها الحقيقي هنا، أوراق الإبتزاز، لا تجعل صاحبها محبوباً لدى الناس، وحتى إن لم يجرمها القانون فالأخلاق تفعل. لقد استعملتها أجهزة الأمن الأمريكية بكثرة في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات في الفترة الميكافلية، وما زالت تستعمل من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة، لكنها واحدة من الأسباب التي كره الناس الأجهزة الأمنية بسببها.

تلك أوراق إبتزاز، أما أوراق الضغط، فهي أوراق الإحراج، وحين تلعبها "على المكشوف" فأنك تكسب دون أن تخسر سمعتك كشخص شفاف مباشر. خذ مثلاً تدخل السفارة الأمريكية الوقح في الإنتخابات الأخيرة، وتعاون بعض السياسيين الذين ينقصهم الحياء معها للحصول على مكاسب بالقوة. يمكنك الآن فوراً أن تقترح على البرلمان التصويت على قانون يمنع السياسيين والجهات الحكومية من الإلتقاء بأية جهة أجنبية خلال فترة ما قبل وأثناء الإنتخابات وحتى الإنتهاء من تشكيل الحكومة، ويمنع على الجهات الدبلوماسية ان تلتقي بهم. وبالنسبة للزيارات المخجلة الذي قام بها عدد من هؤلاء إلى الدول الأجنبية، بعيدة وقريبة، وبشكل جعل العراقيين يخجلون من أنفسهم لتلك الإهانة، يمكنك أن تقترح على البرلمان، ما لم تكن تنوي الإستفادة من هذه الممارسات الضعيفة، سن قانون يمنع سفر المرشحين وقادة الأحزاب السياسية إلى الخارج خلال فترة الإنتخابات وما يحيط بها!

ماذا سيفعلون؟ إن قبلوا القانون كسبت موقفاً وكسب العراق قانوناً رائعاً، يزيد من اعتزاز العراقي ببلده وبمن أنجز ذلك القانون. وإن عرقلوه في البرلمان عليك أن لا تترك عراقياً واحداً لا يعرف من الذي عرقل ذلك القانون، ولماذا عرقله! هكذا توجه ضرباتك المباشرة إلى التآمر والمتآمرين بدلاً من انتظار ضرباتهم، وليس أن تحتفظ بحقيقة نتيجة التصويت لنفسك، لكي تستخدمها في يوم ما وتقول لأحدهم: "أنت صوتت ضد ذلك القانون".

سياسة الخصوم بالإستفادة من "التمرير" او التساهل دون دفع ثمنها، سياسة أمريكية إسرائيلية بامتياز، وتمتد من خلال الإستشارة إلى ممثليهم في السياسة العراقية، ويفترض أن المالكي أو اي سياسي آخر، قد أدرك ألآن أن هذه سياسة ثابتة، لذلك فأن أي توقع برد إيجابي على اي تساهل، هو وهم أصبح يعتبر حماقة في عالم السياسة. ما يجب أن ينتظره ويحسب حسابه لكل تساهل، هو أن يقوم المقابل باستغلال التساهل، وأن يعد المالكي نفسه لفضح ذلك الإبتزاز بصراحة وأكبر قوة بهدف فضح الخصم تماماً وتبرير وقف الشراكة معه.
اليوم حذر عضو مجلس النواب عن دولة القانون سامي العسكري من إن إستمرار رئاسة مجلس النواب بنهجها الحالي في تعطيل التشريعات والقوانين قد تؤدي باعضاء المجلس الى الطلب بإقالتها. ويلجأ الخندق المقابل للحكومة في هذا الأمر إلى تخصيص الوقت للخطابات الفارغة المطولة، وهي بالمناسبة طريقة مقتبسة من الكونغرس الأمريكية وتسمى الـ "فيليبستر" تستطيع فيه الأقلية عرقلة مشروع أي قانون بمناقشات لا نهاية لها. وقد أضطر الكونغرس لاحقاً إلى تعديل الدستور لكي يحدد إمكانية استخدام ذلك اللغم لتعطيل القرارات في البلاد.
خطوة سامي العسكري تتجه في الإتجاه الصحيح. فاللعبة القديمة في عرقلة القوانين تعود من جديد، وبنفس اللاعبين ويمكننا أن نرى ذلك أيضاً من خطاب رئيس الحكومة الأخير في البرلمان، فقال:
"ولايخفى عليكم وعلى الشعب العراقي أهمية القوانين التي مازالت معطلة حتى اليوم ومنذ الدورة السابقة لمجلس النواب ، مثل قانون الاحزاب و قانون الانتخابات وقانون المحافظات  وقانون النفط والغاز ومشروع الحكومة الالكترونية  وقانون حماية الصحفيين  وقانون وزارة الداخلية ، وقوانين مهمة اخرى مثل قانون التقاعد.." (**)

يجب أن يكون الإحراج المكشوف هو السلاح الأكثر استعمالاً أمام هذه الأساليب. وبالطبع ليس فقط أمام رئيس البرلمان، بل أيضاً أمام نواب رئيس الجمهورية، والذين أخذوا على عاتقهم هذه المهمة غير الشريفة، مثل عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي. يجب توقع هذه العرقلة والإستعداد لفضحها بأكبر وضوح ممكن وبطريقة لا تداري ولا تخشى إحراق السفن معهم، فليست هناك أية سفن على الإطلاق.

و الآن؟ أمام العراق اليوم قضية في غاية الخطورة، وأتمنى أنها لن تتم بالطريقة المخاتلة المعتادة في السياسة العراقية، وأن يتم التعامل معها بشكل شفاف صريح جريء مفتوح ومواجه: قضية سحب القوات الأمريكية. فرغم أغلب التأكيدات الأمريكية (وليس كلها) بالنية بسحب القوات من العراق، فأن تصوري من خلال مراقبة الأحداث ومنطق الأمور والتاريخ أيضاً، فأن الأمريكان يرغبون بشدة في الإبقاء على قواتهم في العراق، فذلك هو التفسير المعقول الوحيد على إصرارهم على توقيع المعاهدة. المؤشرات كثيرة. وزير دفاعنا المنتهية ولايته صرح قبل فترة أن العراق سيحتاج إلى القوات الأمريكية إلى عام 2016. ومعلوم أن العبيدي الذي كان يهدد العراقيين بالقراصنة إن لم يوقعوا المعاهدة، بوق أمريكي مباشر، وهو لم يكن سـ "يسود وجهه" بمثل هذا التصريح لولا قصد الإستقادة منه لتهيئة القبول بالتمديد على الأقل. وقبل يومين قرأت تقريراً كتبه جورج فريدمان ينبه فيه إلى أن أخطر ما تمر به المنطقة العربية ليس الثورة الليبية وإنما ما يجري في البحرين، ليتوصل بعد تحليل مطول إلى أنه إن سقطت الحكومة البحرينية أو ضعفت كثيراً، فأن إيران ستكون قادرة على الضغط على المملكة السعودية التي لن تجد نفس مستوى الدعم العسكري والمعنوي الذي يوفره تواجد أسطولها الخامس في البحرين مع حكومة قوية مؤيدة لها في البحرين، فإذا انسحب الأمريكان من العراق أيضاً، فسيكون الضغط شديداً على أصدقاء أميركا، وأنها قد لا تكون قادرة على مواجهة متطلبات تطورات السياسة في المنطقة، كما ان إعادة قواتها إلمنسحبة لن يكون سهلاً من الناحية السياسية. في النهاية يصل إلى أنه على الحكومة الأمريكية أن تنتبه لما يحدث في البحرين وأن تفكر في تأجيل انسحابها من العراق.
وفي مقابلة مع "الحياة" الندنية، سؤل الجعفري عن أحتمال طلب تمديد بقاء القوات فأجاب بعد أن حاول التهرب من السؤال:

"هذا شأن يقرره أصحاب الاختصاص والخبرة في الشأن العسكري وهو ليس قصيدة شعر أو مقالة صحافية يمكن أن يحدد صاحبها متى تصدر، ويجب أن نسأل خبراء عسكريين عن الوقت المتبقي لاستكمال بناء قواتنا، ونحن بأسرع وقت نريد أن تخرج القوات الأميركية، لكن يجب أن نعقلن أداءنا وأن نصغي لأصحاب الاختصاص، فعندما نطالب بخروج القوات الأجنبية يجب أن نؤمن غطاء امنياً لأبناء بلدنا، والذي يحسم هذه المعادلة أصحاب الاختصاص، ولا مانع من الاستعانة بخبراء عرب، والقوات العراقية على وشك استكمال بناء نفسها." (***)

هذا الكلام الذي يبدو بريئاً ومنطقياً، كلام خاطئ وخطير للغاية. إنه خطير لأنه ببساطة دعوة لأميركا للتدخل في تشكلية الحكومة ولإثارة المشاكل. فعندما تعلم أن "أصحاب الشأن العسكري" هم من سيقرر مسألة تمديد بقاء القوات، فهي دعوة صريحة لك لأن تعمل على أن يكون "اصحاب الشأن" هؤلاء من جماعتك، ليقرروا الأمر كما تريد. أليس محتملاً أن هذا الصراع الطائل حول من يشغل منصبي وزيري الداخلية والدفاع، على الأقل جزئياً، عائد إلى الإصرار الأمريكي على تنصيب من تضمن أنه سيقول "نعم" لتمديد القوات؟ الا يكون معقولاً أن التنسيق للتظاهرات الحالية المستمرة، له علاقات أمريكية (إضافة إلى الناس المحتجة بحق من أجل الخدمات والإصلاح) تهدف إلى الضغط على المالكي لكي يقبل بمن تصر "ألعراقية" و المجلس الأعلى على تنصيبهم في تلك المراكز، أو بعضها، على الأقل فيما يتعلق بوزارة الدفاع؟ بشكل عام، عندما تكشف نواياك لطريقة اتخاذك القرار لخصومك، فأنك تدعوهم صراحة للتأثير عليه وترشدهم إلى الطريق اللازم لذلك، ومن هنا خطورة تصريح الجعفري.

لكن إضافة إلى خطورة قول الجعفري، فهو خاطئ. فالسياسي هو الشخص الذي يجب أن يقرر مثل هذا القرار وليس العسكري. السبب الاول هو أن العراق ليس في معركة لكي يمكن للعسكري معرفة ما يحتاجه بالضبط لحماية نفسه، بل الأمر يعتمد تماماً على تقديرات سياسية مستقبلية لأحتمال حدوث مثل تلك المعركة ومع من وإلى أية درجة وما هي البدائل السياسية الممكنة لتجنبها إن عرفنا الأسباب المحتملة لها وهل ستكون على نطاق واسع أم مجرد مناوشات أو تهديدات ومناورات.. الخ.. كل هذه أسئلة سياسية وليست عسكرية، ومن يقرر أجوبتها يفترض أن يكون السياسي وليس العسكري.
إضافة إلى ذلك، وبفرض معرفة أجوبة كل تلك الأسئلة، فأن مفهوم "الإستعداد الكافي" مفهوم مائع وهلامي تماماً. فإذا أردنا أن ننتصر بسرعة فأن ذلك يتطلب قوة أكبر بكثير مما إذا كان هدفنا الدفاع والصمود فقط، وحتى الدفاع تختلف متطلباته إن كنت تريد أن تضمن أن لا تسمح لأية قوة عسكرية بدخول بلادك أم أنك تعتقد أن تلك القوة حتى إن دخلت فلن تستطيع البقاء بسبب المقاومة الداخلية. الموضوع كله هلامي، وأي حديث عن حدود واضحة بأية درجة كانت لمستوى الجيش والتسلح اللازم للعراق هو أقرب الى الخداع منه إلى الحقيقة. لقد صمدت كل من حماس وحزب الله أمام إسرائيل، فهل انتظرتا أن يصبح لديهما جيش يعادل الجيش الإسرائيلي قبل أن تتصرفا؟ أستطيع أن أجزم بأن تصريح العبيدي عن عام 2016 قد قيل كيفما اتفق ولا يستند إلى أية دراسة.
إن القاء الكرة في ملعب "الخبراء العسكريين" قد لا يكون إلا محاولة للتخلص من المسؤولية عن الموضوع وهذا مؤشر خطير أيضاً. هذا يدفع المرء إلى التفكير بأن الساسة العراقيين قد بدأوا البحث عن الحجج اللازمة للتخلص من القضية والقاء عاتقها على العسكريين. لكن من ناحية أخرى لو كان الأمر كذلك لما اختلفوا مع العراقية التي تمثل الجانب الأمريكي حسب تقديري، على من سيتولى وزارة الدفاع مثلاً، لذلك أفترض أن المالكي على الأرجح، يريد فعلاً أنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق.

هذا العام سيكون أخطر عام في مستقبل العراق، فإن ثبتت القواعد فإننا نورث الأجيال القادمة مشكلة قد يكون حلها فوق طاقاتهم. لننظر إلى اليابان التي يمتع الميالون للإستسلام للضغط الأمريكي انفسهم بالنظر إليها كمثال، فمثل ما يحدث في كوريا الجنوبية يتظاهر الكثيرين في اليابان سنوياً مطالبين برحيل القوات الأمريكية عن بلادهم، فلا يوجد أي منافق يستطيع القول أن اليابان تتعرض للخطر وأن وجود القوات يحميها. وأخيراً وصل الضغط الشعبي لإزالة القواعد الأمريكية حداً أنه قلب الحكومة اليابانية المستقرة منذ نهاية الحرب، وجاء بالرجل الذي وعد الشعب بإنهاء وجود القواعد. لكن الرجل جاء فرأى أن الأمريكان ركزوا رماحهم في قلب اليابان حتى استحال قلعها، فقدم استقالته، وذهب في سبيله خجلاً، وبقي الياباني يحس بمهانة وجود جيش على أرض بلاده لا مبرر له ولا يستطيع منه فكاكاً.

في عام 1972، استلم غوف ويتلام (Gough Whitlam)  السلطة في استراليا بعد أن فاز حزبه "حزب العمل" ولأول مرة منذ 23 عاماً بالإنتخابات، وقام باعادة القوات الإسترالية التي كانت تشارك في حرب فيتنام آنذاك وإطلاق سراح المحتجزين من الجنود الذين رفضوا الخدمة هناك. إكتشفت حكومة ويتلام أسراراً خطيرة عن أعمال الـ (CIA) الأمريكية في بلادها وتعاون أجهزة الأمن الأسترالية معها خاصة في التآمر على حكومة اليندي في تشيلي، فأمر الرئيس ويتلام بالتوقف فوراً عن هذا "التعاون"، (لكن الأمن الأسترالي استمر في ذلك حتى الإطاحة بالندي). كل هذا جعل حكومة ويتلام تحاول أن تعرف مدى تغلغل الـ (CIA) وبقية المؤسسات الأمنية الأمريكية في موسساته الأمنية، وحاولت إبقاءها عند الحدود المقبولة دولياً، فكانت النتيجة إسقاط الحكومة المنتخبة الأسترالية! من يريد الإطلاع على تفاصيل أكثر حول القصة أشيره إلى مقالي: "لنتعلم الحكمة من الذين وقعوا معاهدات قبلنا" (****) (مقالة رقم 163 حالياً)

إن وجود القواعد الأجنبية، عبارة عن رصاصة في جسد ذلك البلد، إن لم يتم إخراجها بسرعة صار ذلك مكلفاً لاحقاً، وستبقى شوكة ضغط على خيارات الشعب وغصة تمنع الإحساس بالكرامة لدى المواطن وشق من الشك بينه وبين حكوماته، ونظرة سلبية من جيران البلد، هي خليط من الخوف والإحتقار للبلد المضيف للقواعد. هذه هي النتائج النفسية الأكيدة والثابتة للقواعد على شعب البلاد مهما تم تجاهلها.
وبالنسبة للعراق، كما هو الحال مع أستراليا واليابان، فهذا أكبر بكثير وأخطر بكثير من أي تهديد عسكري محتمل في الوقت الحاضر، حيث لا توجد أية مطالبات بأراضي أو أية أسباب مباشرة للإحتراب بين دول المنطقة، بل أن تواجد مثل هذه القوات هو السبب الأكبر لإحتمال إثارة ذلك الإحتراب.

في تصوري أن كل هذه العوامل تشير إلى أن الخطوة الصحيحة الآن هي أن يعلن المالكي بأقرب وقت ممكن، أي فوراً، أنه لا ينوي، وتحت أية ظروف أن يمدد بقاء القوات الأجنبية! فمثل هذا التصريح حين يعلن وينتشر، ويسعد به الناس القلقون، قد يكون بحد ذاته رادعاً لأية مؤامرات. فأية محاولة لإستبدال الحكومة، إن كان هدفها التمديد، سوف تكون مكشوفة تماماً، وبشكل قد يتردد في الإقدام عليه حتى الأمريكان وعلاوي إن اعتبروا أن كلفة ذلك ستكون كبيرة وأنها لن تنتج حالة مستقرة. كما أن مثل هذه الخطوة ستعطي أفضلية إنتخابية لفريق المالكي في حالة إسقاط الحكومة وإعادة الإنتخابات، لأن الشعب سيزداد إصراراً على انتخابه لحماية العراق من التمديد. مثل هذا الإعلان سوف يغير جميع الأوراق الموضوعة على الطاولة لصالح الحكومة الحالية، وربما يعطيها فرصة أفضل لتحقيق الإصلاحات التي يطالب بها الناس.
يجب أن يدرك المالكي إن السياسة التي تعتمد السرية وتجميع الأوراق ضد الأخرين وترك الأبواب مفتوحة للمراوغة وتجنب إحراج الخصم علناً، سياسة عفا عليها الزمن وهي سياسة فاشلة بالذات أمام الإحتلال الذي يجيدها ويستفيد منها أكثر منه بكثير، وأن تغييرها إلى سياسة صريحة مباشرة يشعر الناس من خلالها أنهم يرون ما يحدث بوضوح وثقة ويفهمونه، سيكون نقطة تحول إيجابية كبيرة للغاية في العراق، خاصة في هذه المرحلة الحرجة. يجب عدم الإنتظار فكل يوم يتأخر ذلك التغيير، يمنح المقابل فرصة للمبادرة بتوجيه ضربة إضافية استباقية يخشى أن تكون حاسمة.

(*)  http://www.usdebtclock.org
(**) http://www.pmo.iq/ArticleShow.aspx?ID=123
(***)http://www.markazaliraq.net/?state=news&viewId=6065
(****) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/index.htm