المحرر موضوع: الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث .. (1 ـ 2 )  (زيارة 2579 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
       الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث .. (1 ـ 2 )القسم الأول
بقلم : حبيب تومي / اوسلو
اتصور ( ابلحد بنو او عبدالأحد بنيامين ) وهو الأب المرحوم يوحنا جولاغ ، فارساً يمتطي صهوة جواده وهو يصول ويجول في مروج الأدب والتراث والتاريخ واللغة ، وهو المجرب العارف بأسرار الدروب والمنعطفات والشعاب .
 ظمأوه لا يرتوي فينهل من سحيق تراث آبائه وأجداده ، وهو يسبر غورها بمعوله دون كلل او ملل ، كانت الأصداء المرددة لشامخات قمم جبل القوش ووهاده وكهوفه ، وصخوره الشماء ، وديره العتيد دير الربان هرمز ، كانت هذه الأصداء تسحره وتلهمه ليشدو منتشياً مستلهماً مع


الأب يوحنان جولاغ ( 8 /12 / 1935 ــ 3 / 7 / 2006 )    
الطبيعة مع زهور الربيع
مع شقائق النعمان ، مع الفراشات الزاهية
مع النسيم المداعب لسنابل الحنطة في مروج القوش
 ومع ترانيم الطبيعة والبلابل والعصافير التي تصدح بأعذب الألحان
 متراقصة  بخفة وطرب في الصباحات المشرقة على الدير العالي ( ديرا علايا ) وعلى السفوح والروابي ،
مع الراعي وهو يسرح مع أغنامه ويعزف على الناي أعذب الألحان ،
 مع هذه الأغنية الخالدة ...  تتوطد الوشائج الحميمة بين  ( الأنسان ) وهو ، الأب يوحنان ، 
وبين ( الأرض ) وهي ، القوش ، وكنائسها ومعالمها ودروبها الضيقة ، ومع ضربات  ناقوسها ،
 وصدى السنين في عمق وديانها ، ووهادها وسمو ذرى جبلها ، والبسمة في محيا شبيبتها وشيوخها وأطفالها .. وأديرتها ومزاراتها .. وتمتد رابطة الألفة والمحبة بين الأب يوحنان جولاغ وبين الناس خارج تراب القوش ليغدو صديقاً حميماً لكل الناس للصغير كما الكبير ، في مدننا وقرانا ، بل صديقاً اليفاً لكل انسان عراقي .
                              الأب يوحنان وقصته مع الأرض الطيبة
إن الحديث عن الأب يوحنان جولاغ ذو فروع وأغصان  وشجون ولكن نقترح بدايتها في عشية الخمسينات من القرن الماضي .
السحب الماطرة اختفت من السماء ، ومع شحة الأمطار امحلت الأرض ، ونشفت الينابيع في اعماق الآبار .. القوش ظامئة ، وأهالي القوش ينظفون الآبار ويتعقبون الينابيع الضئيلة لتنظيفها وتوسيعها ، والشاب ابلحد جولاغ ( فيما بعد القس يوحنان ) يضع المعول على كتفه ويتوجه الى عين السقّا ( أيند سقّا ) ، او ( أيند دمحلّ دبي مزغلا ) ، والموضع عبارة عن ساقية  صغيرة يجري فيها الماء من ينبوع بالقرب من ( بستان بيت ملوكا ) المعروف ، والتقليد يشير الى ان هذا الينبوع كان مصدراً مائياً مهما لألقوش فيما مضى من الزمان ، وإن الحفر لمتابعة المصدر يؤدي الى زيادة كمية المياه المتدفقة ، وهكذا كان الشاب ابلحد جولاغ يحفر بهمة عالية . وعندما تنعقد قطرات العرق على جبينه يمسحه بكم قميصه الأيمن ، ثم لا يلبث بعد دقائق فيضطر الى مسحه بكم قميصه الأيسر ، وهو منهمك يواصل عمله في حفر وتنظيف المجرى المائي ، ويغمره الأمل ان يتدفق الماء بعد كل ضربة من معوله .
وعندما سردت له في آخر لقائي معه هذا الموقف وعن ذكريات الطفولة ، قال لي : وأنا ايضاً أذكر لك بعض الأشياء ربما تتذكرها ، ويضيف :
 في مغارة عاصية  حيث ينبغي على المرء للوصول اليها  ان يتسلق نفقاً  عمودياً ،  يبدأ في مغارة سفلى مخترقاً سقفها لبلوغ ارضية المغارة العليا ، في هذه المغارة  قرأت اسمك حبيب تومي مع تاريخ الكتابة  تحت عبارة تقول : ( الوحدة قادتني الى هذا الغار العاصي على البشر ) . ويقول الأب يوسف حبي عن هذه المغاور : إنها معلقة بصخور شاهقة ، تشبه الى حد بعيد اعشاش النسور . يصعد اليها المتمرس في تسلق الجبال فيلقى ذاته معلقاً بين السماء والأرض على علو مئات الأمتار ...       لقد أجرى الأب يوحنان احصائية لكهوف الدير وقام بحفريات في دير الربان هرمز ، وأراد الأطلاع على التواريخ والكتابات المحفورة او المكتوبة على جدران القلايات المنتشرة في وهدة الدير ، وسنتطرق على هذا النشاط  في مجريات هذا المقال   .
                                         ولكن ماذا عن القس يوحنان ؟
هو أبلحد برد بنو ( بنيامين ) جولاغ ، وأمه شَكري بنت جرجيس ياقي ، عمذ يوم 8/ 12 / 1935 ، ورحل الى الدار الأبدية يوم 4 / 7 / 2006 م .
 انهى دراسته الأبتدائية في مدرسة القو ش ، ولم تتوفر حينذاك مدرسة متوسطة في القوش وبدلاً من ذلك دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي في مدينة الموصل وكان ذلك عام 1951 م ، لكن في سنة 1957 اختير لبعثة دراسية الى فرنسا ليكمل دراسته في معهد ( سان سولبيس ) بباريس ، إلا انه في نهاية السنة الدراسية يقرر العودة الى الوطن وإكمال دراسته فيه . وفعلاً غادر فرنسا ووصل الى العراق بنفس التاريخ الذي غادر فيه العراق قبل سنة . وسوف يواصل دراسته في الموصل وسيرتسم كاهناً يوم 9 / 6 / 1961 على يد البطريرك مار بولص شيخو . وهنا يشمر الأب يوحنان جولاغ عن ساعديه ليبدأ المشوار الطويل ماسكاً قلمه بيد ، وباليد الأخرى معوله .
في منعطفات نهير بيندوايا ينساب الماء برشاقة ويصدر خريراً لذيذاً يطرب اسماعنا ، ومثل انسياب هذا النهير ، كانت الألحان والترانيم تنساب بعفوية من حنجرة الأب يوحنان ، وبصوته الرخيم  لتجد لها مستقراً دافئاً في قلوبنا لتبقى جذوراً مغروسة هناك ابد الدهر .
يباشر الأب يوحنان عمله بصفة معلم في المعهد الكهنوتي في بغداد ولمدة سنة واحدة وبعدها أي في سنة 1962 يعين الأب يوحنان كاهناً في مسقط رأسه القوش .
 ويفيدنا الأستاذ بنيامين حداد في كتابه : سفر القوش الثقافي عن الأب يوحنان جولاغ فيقول : انه عمل محاضراً للتعليم المسيحي في مدرسة القوش الأولى للبنين للسنوات 1963 ـ 1965 . كما اشترك في الدورات الصيفية لتعليم اللغة السريانية والتعليم المسيحي 1962 ـ 1972 . وفي 25 آب ينتقل للخدمة الكهنوتية في كنيسة مار اشعيا في الموصل ومكث فيها الى يوم رحيله الى الدار الأبدية .
 من اشهر اعماله الشعرية قصة جنفياف بواقع 517 مربعاً بالوزن السباعي وقصة يزداندوخت  الشريفة الأربيلية بواقع 1070 مربعاً بالوزن السباعي وهي مستوحاة من نصها العربي للمطران يوسف الصائغ الصادرة عام 1934 ، ووضع لحناً لقصة يوسف الصديق ( يوسب مصرايا ) والتي نظمها اسطيفان رئيس . ونظم قصيدة حزينة لمناسبة حادث غرق مجموعة من شباب القوش في بحيرة الثرثار ،  لقد وضع الحاناً شجية لهذه القصائد فأصبحت قصائد مغناة في اشرطة التسجيل ، يتداولها الناس في بيوتهم وفي مناسباتهم الأجتماعية وطبقت شهرتها الأفاق . وله قصائد أخرى في مختلف المواضيع الأجتماعية والثقافية  والدينية .
من ناحية اهتمامه بالجانب الأجتماعي فقد عكف على كتابة بعض المسرحيات التي تتناول نقد حالات اجتماعية سائدة بالأضافة الى إخراج المسرحية ، ومنها  مسرحية الغرسة النامية ( شتلا بقياما ) وفكرتها تدور حول الأبن الضال الذي يفقد مسيرته الصحيحة ثم يعود الى جادة الصواب ومثل الأبن الأستاذ نوئيل عوديش وقام بدور الأب الأستاذ نوئيل قيا بلو وعرضت المسرحية عام 1973 .
 المسرحية الأجتماعية الأخرى كانت تحت عنوان مهر العروس ( نقدي دكالو ) ، وعالجت المسرحية مصاعب الزواج بسبب المهور والتي كان يتبارى الألاقشة بدفع اعلى المهور ، وكان ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً على المتزوجين حديثاً ، وقد حسمت هذه المسألة في حينها فقد حددت الكنيسة الحد الأعلى للمهر بـ ( 150 ) ديناراً فقط . وله ايضاً مسرحية رابي عوديشو ، التي مثل فيها المرحوم الشماس أيليا سكماني ، كما كتب المسرحية الأجتماعية ( بختا جرتا ) المرأة ( الزعلانة ) وغيرها من المسرحيات .
أهتم المرحوم الأب يوحنان جولاغ بالترجمة فترجم الى الكلدانية الدارجة ( السورث ) ، حيث ترجم رسائل بولس الطقسية والقداس الكلداني الى السريانية المحكية ثم الى العربية ، وكذلك  مزامير داود ، وطقس الزواج والمعمودية والدفنة ، وتراتيل طقسية كلدانية تعد بالمئات ترجمها الى السريانية الدارجة والى العربية ، لقد ترجم كتاب تاريخ يوسف بوسنايا الى اللغة العربية وطبعه سنة 1984 في بغداد وترجم ايضاً من الفرنسية الى العربية منها :  الآباء المخلصيون ويسوع المسيح في انجيل لوقا ، وأنجيل القديس متي وغيرها ( للمزيد راجع حداد ، بنيامين : سفر القوش الثقافي ص 246 ـ 247 ) .
                          الأب جولاغ والمواقع الأثرية  البداية في دير الربان هرمزد
لقد بدأ الأب يوحنان جولاغ بالأشتراك مع الأب ( ثم المطران ) يوسف توماس بالكشف الموضعي على الصوامع القديمة في وهدة دير الربان هرمزد وتبين لهما ان معظم هذه الصوامع قد تهدم وطمرتها الأتربة والصخور بفعل الأمطار والزلازل والعوارض الطبيعية ، وتوصلا ايضاً الى ان سكن الرهبان في عهد الربان هرمزد وبعده بسنين عديدة كان في الجهة الشرقية من وهدة الدير ، ثم امتد هذا الأستيطان الى معظم انحاء الوادي العريض لتبدو صوامع الرهبان للقادم من بعيد وكأنها قفير نحل مبثوثة في ثنايا وصخور هذا الوادي الشديد الأنحدار  ، وكانت نتائج الكشف تشير الى إن عدد هذه الصوامع يربو على الثلاثمائة .                                     
                                         
 


                              نتائج التنقيب في ضريح الربان هرمز
 الآثار هي البراهين الشاخصة لانجلاء ركام الأسرار عن الماضي ، وهكذا عكف الأب المرحوم يوحنان جولاغ الى بلوغ المرام بإجراء التنقيب في الدير في صيف عام 1973 وهو يورد لنا ما توصل اليه في هذا الموضع ( ضريح الربان هرمزد ) إذ يقول :
الى يسار ضريح الأب دنبو باب مرتفع عن أرضية الهيكل بدرجة واحدة ، عرضها 70 سم بارتفاع 180 سم ينفتح على دهليز قليل الضوء مستطيل الشكل شرقاً وغرباً طوله 80 , 7  متر وعرضه 90 , 1 متر ينتصفه شمالاً ضريح الربان هرمزد . لقد قمت في صيف عام 1973 بالكشف عن محتوى هذا الضريح وحدي ـ بعد سماح من رئاسة الدير ـ فوجدت هيكلاً عظمياً كاملاً مغطي بطبقة من تراب رمادي اللون . والضريح بناء صغير بشكل مذبح مائل الى الأسفل ، مكون من حجارة منقوشة ولون بعدة ألوان ، وفوق قوس حجري مزين بكتابة كلدانية تقول : هنا يرقد أبونا الجليل ، نور المشرق الساطع ، ربان هرمزد المظفر ، في القرن السابع للمسيح .
حبيب تومي / اوسلو
يليه القسم الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المصادر
1 ـ بنيامين حداد : سفر القوش الثقافي ، مراجعة عمانوئيل شكوانا ، مطبعة المشرق 2001 بغداد
2 ـ مسودة مقال : دير الربان هرمزد في جبل القوش : القس يوحنان جولاغ .
3 ـ الأب الدكتور  يوسف حبي : دير الربان هرمزد ، بغداد 1977
4 ـ نوئيل قيا بلو : مار ميخا النوهدري ومدرسته ، مراجعة بنيامين حداد ، بغداد  1988
5 ـ حبيب تومي : القوش دراسة انثروبولوجية اجتماعية ثقافية ، راجعه بنيامين حداد وعمانوئيل شكوانا ، بغداد 2003
6 ـ الأب الدكتور يوسف حبي : دير مار ميخائيل ، بغداد 1991
7 ـ تاريخ يوسف بوسنايا : يوحنا بن كلدون ترجمة وتعليق القس يوحنان جولاغ ، بغداد 1984
8 ـ المهندس صباح جولاغ في فرنسا

 [/b]