المحرر موضوع: وداعا د. خوشابة يوخنا !  (زيارة 1703 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نصرت مردان

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 24
    • مشاهدة الملف الشخصي
وداعا د. خوشابة يوخنا !
« في: 00:24 18/03/2011 »
  وداعا د. خوشابة يوخنا  !


المرحوم الراحل الدكتور خوشابة يوخنا مع أفراد أسرته .
 

                                                                                                                       نصرت مردان

ربما كلمة الوداع هذه ، تأتي متأخرة بعض الشيء لأن صديقي الحبيب والعزيز دائما الدكتور خوشابة يوخنا قد غادرنا مأسوفا عليه في 29 / 10/ 2010 بمدينة كاليفورنيا ، وعذري في ذلك إنني لم أعرف بنبأ رحيله المفجع إلا مؤخرا ، على أثر اتصال شقيقه الأصغر أخيقار ( أخّو ) المقيم في كندا بي قبل أيام.
كما يرحل الطيبون والشرفاء عن دنيانا ، رحل العزيز خوشابة في أحضان الغربة التي ابتلعته رغما عنه. رحل طائر ( عرفة) مبكرا طاويا بين جناحيه سنوات من المسرة والخيبة والانكسارات والوجع الأليم.
رحل بصمت بعد أن خذله قلبه بعد أن حمل لسنوات طويلة من مهنته كمختص في أمراض القلب ، الشفاء والأمل والتفاؤل إلى قلوب الآخرين ، واشتعاله كشمعة أمل لهم  في الليل العراقي الطويل.
لو سألت الآن شوارع جمهوريتنا الحبيبة ( جمهورية عرفة) وكل أزقتها وأشجارها وبيوتها الأليفة المتعانقة ليلا ونهارا عن ابنها الحبيب خوشابة يوخنا ، ماذا ستقول ؟ غير الحديث عن ألفة أبنائها ومحبيها . ستتحدث طويلا عن تلك السنوات الدافئة التي جمعتنا في فردوس الحب والصداقات الجميلة ، تلك السنوات التي همسنا فيها للأشجار وللريح والبيوت وأشجار الكالبتوس ومياه ( الكهريز) البراقة الصافية وأسماكها الوديعة التي كانت تنظر لنا بإلفة ومودة أسماء حبيباتنا.
بدأت صداقتي مع الراحل العزيز خوشابة  منذ أن بدأنا نسكن في ( جمهورية عرفة ) قبل أكثر من نصف قرن لم ينقطع بيننا التواصل إلا برحيله لدراسة الطب في جيكوسلوفاكيا ، وانتقالي للدراسة في تركيا. وقد استمرت مراسلتي معه لسنوات . عند عودتي للعراق كنت دائم السؤال عنه ، وكان عند صديقي العزيز فرج نعمان المقيم في عينكاوة  الخبر اليقين عنه وعن كافة أصدقائي من المسيحيين الأعزاء الذي تفرقوا في الشتات. حيث أخبرني إن العزيز خوشابة يعمل طبيب متخصص في أمراض القلب في النجف أو كربلاء كما أتذكر ، وأنه قام بإجراء عملية قسطرة لابنته. 
علمتنا ( جمهورية عرفة) معنى النبل والتسامح والمحبة بلا حدود والود الجميل الذي يتسامى فوق سرطان الطائفية والمذهبية الذي يخيم على سماء الوطن مثل غراب أسود كريه .
لم نهتم يوما بلغة الآخر وديانته ومذهبه أو قوميته فالصداقة كانت فوق كل الاعتبارات ، لذلك كل سكان هذه الجمهورية الغالية كانوا يتزاورن في الأعياد الدينية والمناسبات السعيدة.
كان باب بيت عائلة الراحل خوشابة مفتوحا لأصدقائه ، وكان والده ووالدته وبقية أسرته يقابلون تلك الزيارات بروح عالية من كرم الضيافة ومن التقدير والاحترام . ولم يكن من الغريب في هذه الحالة ، أن يعكس خوشابة في صداقاته تلك المعاني الإنسانية التي تربى عليها في كنف والديه .
كان ودودا وحميميا ، لا تكاد البسمة  تفارق شفتيه ، شغوفا بالرياضة . ولم  تخلو أحاديثنا في الأمسيات
في الشوارع أو قرب حوانيت ( الكانتين) ، وبالضبط أمام دكان العم عثمان بائع الخضراورات والفواكه في النهار، والذي كان يتحول في الليل إلى محل لشرب المرطبات وتناول الهمبركر. نتحدث عن السياسة والرياضة والسينما، وكانت الحصة الكبرى في أحاديثنا الهامسة، حديثنا عن  افتناننا الباهر ببعض فتيات الحي من الآشوريات الفاتنات اللاتي كن يعشعشن في قلوبنا وأحاسيسنا ، كما يعشعش طائر جميل في عشه الدافيء.
كنت ومعي الصديق العزيز المرحوم موفق ناظم توفيق ، الذي غيبه الموت في الحرب العراقية ـ الإيرانية ، والدكتور عبدالأمير عسكر من أقرب أصدقاء العزيز خوشابة ، نحيط به كما يحيط السوار بالمعصم. كان  يغني لنا أغنية عبدالحليم حافظ التي اشتهرت في الزمن الجميل ( لا تكذبي ) ، وكنت أرد عليه بأغنية فريد الأطرش ( عدت يا يوم مولدي ). كنا نتبادل أسرارنا العاطفية ، ونلقي نكاتا نضحك لها ، لا تزال تحفظها شوارع ( جمهورية عرفة) ، ونتحدث عن أحلامنا التي كنا على يقين بأنها ستتحقق لا محال في المستقبل . 
رغم مرور مايقارب نصف قرن على سحر تلك الصداقات ، لا تزال صورة العزيز خوشابة براقة ، ساطعة  في ذاكرتي لا مكان فيها للموت والرحيل المفجع . بعيدة عن يد الزمن الغادر .
عندما تلقيت نبأ رحيله من شقيقه أخيقار ( أخّو) امتلأت ذاكرتي بالبروق ، وحملت لي العواصف شذرات من سنوات الصداقة التي جمعتني معه .
عزائي لعائلته ولأسرته الكريمة بالصبر والسلوان على فراقه الأليم ، ولتظلله في ليل الرقدة الأبدية رحمات اليسوع.