المحرر موضوع: ليبيا: بين سندان الشرعية الدولية ومطارق الإحتلال..!  (زيارة 1338 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
ليبيا: بين سندان الشرعية الدولية ومطارق الإحتلال..!

باقر الفضلي

ما أشبه اليوم بالبارحة؛ فها هي الأحداث تكرر نفسها بعد ثمان سنوات، وها هو سيناريو الإحتلال الأمريكي يعيد نفسه من جديد، أما ضحية اليوم فهي ليبيا. فتحت ذريعة "حماية المدنيين" من بطش القذافي، تمكنت أمريكا وحلفائها كل من بريطانيا وفرنسا من تمرير مشروع قرارهم في مجلس الأمن بموافقة عشرة أعضاء وإمتناع خمسة عن التصويت، وبذلك ضمنت أمريكا وحلفائها الإستراتيجيين صدور القرار المرقم 1973 بتأريخ 18 /3/2011،  لتجد أيديها طليقة في تنفيذ خطتها لغزو ليبيا تحت تلك الذريعة المسنودة بالمظلة الشرعية للقرار المذكور..!!؟


 فالسيد ساركوزي المتدفق حيوية والأكثر إنفعالاً من زميليه السيدين أوبامو وكاميرون، بدا  أكثر تعطشاً من غيره، لتنفيذ قرار مجلس الأمن، فلم تنتظر طائراته الحربية سوى بضع سويعات قليلة من إصدار القرار، حتى باشرت طلعاتها العشوائية في سماء ليبيا هذا اليوم، باحثة عن أهدافها المرتقبة؛ ولا أدري كيف ستفرق قنابل السيد ساركوزي وصواريخ السيد أوباما التوماهوك الأمريكية وقاذفات التورنادو البريطانية، بين من هم من أتباع القذافي، وبين من هم من المدنيين المسالمين، فالجميع وفي مقدمتهم السيد سارركوزي رجل الساعة، قد حزموا أمرهم على "حماية المدنيين" الليبيين من بطش القذافي وجبروته، وكذلك هو حال السيدة كلنتون والسيد ديفيد كاميرون وتابعهما السيد حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر، حيث الجميع قد أخذتهم الحمية الإنسانية لحماية الشعب الليبي بعد عمر طويل، ناهيك عن الحمية المتوقدة  ناراً  للأخوة الأشقاء العرب الميامين..!!؟


 فأطراف التحالف الذي تقوده أمريكا، وبمشاركة بعض من ممثلي الدول الأفريقية والعربية وعلى رأسهم الأمين العم للجامعة العربية السيد عمرو موسى مرفوقاً بأربعة وزراء للخارجية العرب، قد حسمت الأمر في إجتماع باريس الإستثنائي يوم 19/3/2011، بوضع قرار مجلس الأمن رقم/1973 موضع التنفيذ، حيث وكما أشرت فيما تقدم، بأن طلعات مقاتلات التحالف الغربي _ الأمريكي العشوائية على الأجواء الليبية، قد بدأت على الفور بعد نهاية هذا الإجتماع مباشرة، لتكون حصيلة ضحاياها خلال اليومين الأولين من الغزو قد وصلت الى قرابة المائة ضحية من المدنيين ، بينهم الأطفال والنساء، وهذا ما أثار حفيظة وإنزعاج السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، والذي كان في مقدمة المناصرين للتدخل العسكري في مؤتمر باريس الإستثنائي، تحت ذريعة "حماية المدنيين" من البطش الليبي من خلال فرض حضر جوي على الأجواء الليبية، متناسياً ما يعنيه التدخل العسكري ومستغرباً أن تأتي النتائج بهذا الشكل..!!؟(*)     

 لقد أشرت في مقالتي السابقة الموسومة ( ليبيا: بين الثورة والتثوير)(**)، الى مخاطر التدخل الأجنبي ، وما يمكن ان يجره من ويلات لا تُعرف حدودها، على الشعوب التي تعاني الأمرين من تسلط حكامها الإستبداديين، والتي لم تجد من فسحة ممكنة لفك قيودها بسبب شدة قسوة الإستبداد، لما يمكن أن يفرضه ذلك التدخل من تحكم بمشيئة تلك الشعوب، ثمناً لفك قيودها، وما يمكن أن يعرضها لحالة من الشلل والإنقسام والتجزئة في وحدة تراب أراضيها ومن التمزق في نسيجها الإجتماعي، من خلال فرض الهيمنة الكاملة على مستقبل مسيرتها الإقتصادية، وربطها بعجلة مصالح دول التدخل الأجنبي نفسها، وخططها المرسومة سلفاً وبحماسة لهذا التحكم..!!؟


فهكذا كانت هي البداية؛ مسيل من الدماء ومزيد من الضحايا، وعلى الشعب الليبي أن يسترخص الأمر، وأن يلزم الصمت، فالتكنلوجيا الأمريكية والأوروبية، تعمل ما وسعها الحال لتقليل نسبة الأصابات بين المدنيين، حسب إجابة السيدة ( ميشيل فلاورنوي) مسؤولة الأمور السياسية في البنتاغون على أسئلة قناة العربية في 20/3/2011، حيث أن الأمر برمته، ينحصر في تدمير الآلة العسكرية للقذافي بهدف "حماية المدنيين" وما يستتبعها، في أضعف الأحوال، البنية التحتيه للإقتصاد الليبي، أما حدود الزمن لتنفيذ "المهمة الدولية"، وعلى حد تعبير السيدة المذكورة، فالزمن هنا بلا حدود، والقذافي وحده من يحدد متى يمكن وقف نزيف دماء الليبين، وفقاً لرأي وزيرة البنتاغون السياسية..!!؟


لقد أثارت دماء المدنيين الليبيين المسفوكة من قبل دول التحالف بقيادة أمريكا خلال يومين من بدء العمليات العسكرية ضد ليبيا، فزع السيد أردوغان رئيس الوزراء التركي، الذي عجل بطلب وقف تلك العمليات فورا:  [[ قائلا 'كم سيبلغ عدد من سيقتلون ويذبحون؟ لا يمكننا أن نلزم الصمت ونبقى مكتوفى الأيدى حيال هذا الوضع'، من دون التطرق مباشرة إلى الضربات العسكرية.]](***)


هذا وفي نفس الوقت، فقد  أثارت فيه نتائج بدايات اليومين الأولين من العمليات العسكرية، حفيظة كل من موقفي روسيا والصين، فطالبتا بوقف تلك العمليات على الفور وأعربتا عن الأسف لشن دول التحالف الغربي_الأمريكي الغارات الجوية على ليبيا، وهو لعمري موقف مهما بدا فيه بعض من التعقل ما يبعث على الأمل، إلا أنه من الجهة المقابلة عكس موقفاً لعبت فيه المصالح الخاصة دورها الفعال، ما يضعه في خانة النفاق السياسي، فحيث إن كلا الدولتين عضو دائم في مجلس الأمن، فمن البدهي بإمكان أي منهما وقف تمرير قرار مجلس الأمن، وذلك بإستخدام حق الفيتو لا الإكتفاء بالإمتناع عن التصويت وهو أضعف الإيمان، إن لم يكن جاء في الحسابات الخاصة التوافقية لمصلحة أصحاب القرار، في وقت كانا أقرب من يعلم لماذا أجهدت كل من فرنسا وأمريكا وبريطانيا أنفسها بالسعي الى تمرير القرار بهذه السرعة، ناهيك عن علمهما الأكيد بالغرض المقصود من وراء ذلك التمرير..!!؟   


فالقرار بحيثياته المعلنه يشوبه عدم الوضوح وتنقصه بعض التدقيقات في أمور معينة، كما في الإستخدام المنهجي للمرتزقة على سبيل المثال، أو ما يمكن أن ينسجم مع منطوق المادة/39 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن تطور حالة النزاع بين المتنازعين أو ما إذا كان قد وقع حقاً تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاًً من أعمال العدوان ، كما ويغلب عليه الإستعجال ولم يتضح بالتحديد الغرض من إصداره، بقدر ما يمنح الفرصة أمام دول التحالف الغربي_الأمريكي بقيادة امريكا، من إستخدام القوة المسلحة والتدخل العسكري بالشأن الليبي، لكون القرار قد صدر وفقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبهذا الصدد أيضاً، فقد وضعت دول التحالف القرار  موضع التتنفيذ، بصورة إستباقية من حيث تسلسل أحكام الفصل المذكور من تدابير تدرجية في حالة النزاع بين الدول، متجاوزة بذلك أحكام نصوص الميثاق الأخرى من الفصل السابع، وهما نصي المادتين 40 و 41 ، منتقلة بصورة مباشرة الى تفعيل نص المادة 42 من الفصل المذكور، التي تتعلق بالتدابير التي تجوز لمجلس الأمن أن يتخذها، بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة". طبقاً لنص المادة 42 أعلاه ، ومن هنا يمكن القول بأن أحكام الفصل السابع من الميثاق المحددة من المادة/39 حتى المادة/51 تختص بالنزاع بين الدول  فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان..!!



نخلص مما تقدم الى تأكيد حقيقة ما أشرنا اليه في مقالتنا السابقة حول نفس الموضوع، مع التنويه الى أن ليبيا قد وجدت نفسها الآن على مفترق طرق حادة، أقل ما فيها خطر الحرب المدمرة، التي تقودها دول التحالف الغربي _ الأمريكي بقيادة أمريكا والمعززة بالدعم المعنوي واللوجستي من قبل دولتي قطر والأمارات العربية، بما فيها نفقات الأعمال العسكرية على حد قول السيدة  ( ميشيل فلاورنوي) الى قناة العربية..!!؟


 فالأمر في حقيقته  إبعد كثيراً من كونه يستهدف  "حماية المدنيين"، بقدر ما تعنيه تلك التصريحات المتكررة وحتى بشكلها المثبته به في قرار مجلس الأمن المصاغ من قبل دول التحالف الغربي – الأمريكي نفسها،  بكونها عبارة عن ذرائع خادعة للرأي العام، وكما أشرت في المقالة السابقة، وبأنها تستند في مسوغاتها على واقع الأوضاع الحرجة التي تعيش في ظلها شعوب المنطقة من جهة، وشمولية الأنظمة الحاكمة وغياب الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحرية التعبير من الجهة الأخرى...!!؟


فليس بعيداً عن واقع الحال كيف تتحول "الشرعية الدولية" وفقاً لمصالح الدول الكبرى، الى سلاح ذي حدين، فهو ميسر فيما إذا جاء في خدمة مصالحها، وطريقه سيكون مسدوداً إذا ما جاء لخدمة مصالح الشعوب، ولعل تجربة الفلسطينيين مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والموقف الأمريكي منها، يمكن إعتباره مثلاً مفيداً بهذا الإتجاه..!!؟


ومن هذه الحقيقة فليس أمام المرء إلا إستنكار وشجب الأعمال العدوانية المسلحة ضد الشعب الليبي وضد الدولة الليبية بإعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة، من قبل قوات التحالف الغربي – الأمريكي بما تمثله تلك الأعمال من تدخل صارخ في الشؤون الداخلية للدول، وإن كانت تجري تحت غطاء الشرعية الدولية وفقاً لقرار مجلس الأمن المرقم/1973 في 18/3/2011 الذي يقف وراء تمريره ثلاثة من الأعضاء الدائميين، وهم كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولعل في قصة تمريره في مجلس الأمن، الكثير من الدلالة على مصالح من يقف وراءه كآلية للتدخل في شؤون ليبيا الداخلية، قبل أن تكون في مصلحة الشعب الليبي رغم جميع الذرائع المطروحة كأسباب لهذا التدخل؛ فمتى ياترى باتت الدول التي تفخر بتأريخها الإستعماري لقرون من الزمن مثل فرنسا وبريطانيا على سبيل المثال، محررة للشعوب المظلومة اليوم..؟؟!!
20/3/2011
____________________________________________________________________
(*)  http://www.amad.ps/arabic/?action=detail&id=45710
(**)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=251199
              (***)       http://www.amad.ps/arabic/?action=detail&id=45713