المحرر موضوع: ارامل العراق...اعداد تخطت المليون بين اليأس وانتظار المجهول.  (زيارة 4471 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل SANTA MIKAIL

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 106
    • مشاهدة الملف الشخصي
ارامل العراق...اعداد تخطت المليون بين اليأس وانتظار المجهول.


سانتا ميخائيل

لا يقتصر السواد على لون الثياب التي تتشح بها بلسم لكنه يمتد ليشمل حياتها كلها .. حياة يبدو الا مستقبل فيها سواء لها او لمئات الالوف من امثالها.
 بلسم (شيعية 36 سنة) قتل زوجها في فترة العنف الطائفي الذي ساد العراق بعد سقوط النظام في 2003، وفي الوقت الذي حزمت ام يوسف امرها فيه على ترك العراق بعد مقتل زوجها، تنتظر سناء وفاتن المجهول في بلد تضاربت الاحصاءات حول عدد ارامله مابين المليون و الثلاثة ملايين.

بلسم التي  تتشح بالسواد من قمة راسها لاخمص قدميها تقول " فقدت زوجي عام 2005 بعد 4 سنوات من زواجنا، قتل على يد مسلحين في عمليات القتل الطائفي التي اجتاحت البلاد، لااعرف لما قتل؟ ولكوني لم انجب اطفالا عدت لبيت ابي لان العادات لاتسمح ببقائي في بيت عمي( ابو زوجي) لوجود اولاد له غير متزوجين، اقوم الان برعاية ابي وامي، حاولت ايجاد عمل لكن لا امتلك المؤهلات المطلوبة للتعيين"، وتبتسم بمرارة قائلة " يعني لاواسطة لدي ولاانتمي لاي من الاحزاب ولااستطيع دفع رشوة، انا فقط خريجة جامعية".

وليس لديها أمل في الزؤاج وعندما سئلت عن ذلك  قالت بتشنج" يا زواج يابطيخ، هناك الملايين من الشابات العازبات ولايجدن عريسا، فكيف الحال بارملة مثلي قاربت الاربعين، هناك من يتقدم طمعا بالمكافاة التي حددتها الحكومة( في اشارة منها لمبلغ ال 10 ملايين دينار عراقي لمن يتزوج بارملة او مطلقة)، لكن انا لست سلعة، ولااعرف لماذا حكومتنا الرشيدة بدلا من عرض مكافاة على من يتزوج بارملة اومطلقة لاتمنح المال للاراملة لتتمكن من اعالة اطفالها؟ وماهي الضمانات ان من يتزوج بثانية لن يتزوج بثالثة شابة وصغيرة بعد الحصول على المكافأة؟".

و المثير للدهشة عدم وجود احصائيات دقيقة عن اعداد الارامل للان، وتضارب الارقام بين الاجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
حيث اخر احصائية رسمية اجريت عام 2008.

وهو امر تؤكده الوزيرة السابقة للدولة لشؤون المراة، ازهار الشيخلي، اذا تقول" لاتوجد احصاءات دقيقة وشاملة حول اعداد الارامل في العراق، الارقام التي تعطيها منظمات المجتمع المدني  والتي تصل الى 3 مليون، هي ارقام مبالغ فيها،  حسب الجهاز المركزي للاحصاء يبلغ عدد الارامل مليون ارملة، لكن هذا العدد يعتمد على عدد الارامل المسجلات في شبكة الرعاية الاجتماعية فقط ".

لكن المتحدث الاعلامي  للجهاز المركزي للاحصاء، عبد الزهرة الهنداوي، يقول" الاحصاءات التي اجريت عامي 2008-2009 ، اظهرت وجود 850-900 الف ارملة"، ويردف" الارقام التي تعطيها منظمات المجتمع المدني مبالغ بها، وهي ارقام تقديرية، لكن نحن اعتمدنا على مسوح ميدانية ينفذها الجهاز المركزي للاحصاء واعتقد انها اقرب للواقع من الارقام التي تقدمها هذه المنظمات. العام 2011 ربما قاربت الارقام المليون ارملة. التعداد العام للسكان والمزمع تنفيذه سيشير الى اعداد الارامل والايتام بطبيعة الحال.".   

لكن الناشطة النسوية وسكرتيرة جميعة الامل( منظمة غير حكومية NGO) هناء أدور تشير الى ان ارقام الجهاز المركزي للاحصاء المركزي"تميل للصحة " وتقول" حسب دراسة للجهاز المركزي للاحصاء اجريت عام 2008 اظهرت عدد الارامل بحوالي ال 900 الف، وانا باعتقادي هذه ارقام غير مقنعة لي، حيث الاحصاء به شيء من الصحة لكن ليس الصحة كلها، لان الاحصاءات الحكومية تميل لتقليص الارقام باتجاهات معينة ولاغراض معينة. باعتقادي الارقام الحالية تتراوح بين المليون والمليون ونصف".





ولسناء قصة مأساوية اخرى، اذا اصبحت الفتاة الشابة التي تبلغ 18 ربيعا، ارملة وهي في ال 17 من عمرها، وتقول" تزوجت وانا في ال 17 وبعد اربع اشهر فقط اصبحت ارملة".
وتتساءل سناء( سنية) " هل تصدقين هذا الامر، فقدت زوجي بعد اربعة اشهر، كان سائق تكسي ، وسوء حظه جعله يقل احد الاعلاميين، تعرض الاعلامي للاختطاف وقتل الارهابيون زوجي ليس لانه شيعي او سني او كافر او عميل فقط لكي لايتعرف عليهم ، يعني فقط لانه كان في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ"
وتتابع الفتاة ذات البنية النحيلة والتي لاتزال ملامح الطفولة بادية على وجهها الذي اذبل محياه الحزن،" عدت لبيت ابي ، ماذا سافعل، انجبت طفلتي واهلي يعتنون بي ، لكون اهل زوجي قالوا صراحة لي ان لاقدرة لهم على تحمل مصاريفي مع طفلي".
وتعبر الشابة عن حزنها لفقدانها زوجها وكذلك حياتها التي انتهت قبل ان تبدا على حد قولها" البنات في عمري يتهيأن لدخول الجامعة وبداية حياة جديدة مليئة باحلام وردية ، وانا انتهت حياتي وماتت احلامي ، اصبحت ارملة، كم امقت هذه الكلمة".
   
ولاتختلف فاتن( 23 سنة- مسيحية) عن سناء في الخطوط العريضة لمأساتها بل في بعض التفاصيل الصغيرة، وتقول" بعد تخرجي ارتبطت بشخص احبه وسط دهشة وحسد المحيطين بي ، حيث زوجي كان شابا وعلى اخلاق حميدة وامكانيات مادية متوسطة، وخلال تحضيرنا للاحتفال بالسنة الاولى لزواجنا، خطف زوجي مني بانفجار استهدف الاسواق في بغداد الجديدة( وسط بغداد) نهاية العام الماضي، حصلت على جثة مشوهة وتعرفنا عليه من خلال اوراقه الرسمية"، تتمتم بعبارات غير مفهومة وكانها تنادي زوجها، وتقول" خطفوك مني، حرموني من فرحتي، ماذا فعلت لهم، الله ينتقم منهم ويحرقهم".
وعن حصولها علي اي مخصصات من الحكومة، تقول" حاولت التقدم للتمتع بالمخصصات، لكن الروتين والمعوقات ، كل مرة اذهب للدائرة واقضي اربع ساعات من الانتظار، وكل مرة يطلبون اوراق ومستندات، وللان وبعد سنتين لاازال بانتظار الراتب المخصص لعوائل ضحايا الارهاب، ولااعرف ان كان الامر يستحق التعب".

وتشدد الوزيرة الدولة بشؤون المراة، على ضرورة "حل جذري لمشكلة الارامل" من جانب الحكومة العراقية  وتقول " كان هناك بعض المعالجات الجزئية والتي فيها تعقيدات روتينية، يفترض توفير فرص عمل للمرأة ومنح قروض صغيرة ". ، وتأمل الشيخلي ان يتم تشريع قانون الضمان الاجتماعي  والذي سيشمل شرائح عديدة من الشعب العراق وبضمنها المراة بحيث تحصل على اعانة وهي المسالة التي ستحل جزء كبيرا من مشكلة الارملة ، لكن تبقى الاجراءات القانونية وقلة المخصصات التي تمنح للمراة مشاكل اخرى تواجهها الارملة والتي يجب ايجاد حل لها"
و تعتبر الشيخلي ان تخصيص الحكومة مؤخرا مكافاة مالية تقدر بعشرة ملايين دينار عراقي( حوالي 8500 دولار) لمن سيتزوج بأرملة، يعد " اهانة للارملة" وتتابع" هذا الامر ليس بجديد، ففي النظام السابق كانت توجد منح لمن يتزوج بارملة شهيد، وهذا ليس حلا، بل هو اهانة للارملة ولحرية اختيارها، فقد تجبر المرأة على القبول برجل تحت وطأة الحاجة والبحث عن معيل أوملجا" وحذرت الشيخلي من ان يؤدي الامر لبروز مشاكل اخرى اهمها "ظاهرة تعدد الزوجات، واحتمالية اضطرار المرأة للتخلي عن اطفالها لكون الزوج الجديد لن يقبل بهم او باعالتهم".
الوزيرة السابقة لوزارة الدولة لشؤون المراة، تشدد على "ضرورة تأهيل الارملة  لاندماجها في المجتمع واشعارها بذاتها"، كما تنبه لخطورة المشكلة ليس من حيث عدد الارامل بل من حيث الاطفال الايتام ايضا، وتقول" اذا كان عدد الارامل مليونا، ومعدل الاسرة العراقية 3- 4 اطفال، فهذا معناه عدد الايتام يترواح بين 3 - 4 مليون وهذه مشكلة اخرى".

تحذير كررته  الناشطة النسوية هناء أدور، واصفة الامرب" الامراض الاجتماعية المزمنة"، وتضيف" اذا بقيت الارامل والايتام دون مصدر مالي ودون رعاية صحية واجتماعية وتعليمية فبلا شك ستتفاقم المشكلة مستقبلا".
وحملت أدور" الفساد والتلاعب" مسؤولية عدم نجاح برنامج شبكة الحماية الاجتماعية ، وقالت" برنامج الحماية الاجتماعية لم يستوعب الا النزر اليسير من الارامل، فبوجود التلاعب والفساد والامور التي فاحت رائحتها على الساحة ادت الى حرمان الارامل الفقيرات حقا من التمتع باعانات شبكة الحماية".
وتتفق ادور مع الشيخلي في ان الاعانة المالية ليست الحل الجذري لمشكلة الارامل، وتقول أدور" ليس الامر في منح الاعانات المالية فقط، بل يجب تمكين هؤلاء الارامل اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا ليكن قادرات على اعالة انفسهن دون الاعتماد على الاخرين، منح الاموال فقط باعتقادي امر خاطىء.".

وعن اوضاع الارامل في العراق تقول مديرة مؤسسة المدى الثقافية والاعلامية والناشطة النسوية، غادة العادلي" تجربة المراة في العراق لاتشبه اي تجربة اخرى لذا نعمل الان على موضوع ابراز دور هؤلاء النسوة في التعايش مع هذا الواقع وتصارعهن من اجل خلق قواعد ايجابية للانطلاق  منها لتجاوز محنهن دون الاعتماد لا على المنظمات ولا على الحكومة التي تتصدق على الارملة وابنائها بمبلغ مئة الف دينار عراقي ( تقريبا ال 90 ولار) في افضل الحالات".
وعن اعدادهن تقول" اما بخصوص الارقام المعتمدة فهي في بعض التقارير تصل الى اكثر من ثلاثة ملايين وفي البعض الاخر بحدود المليون امراة،ونضطر الى اعتماد تقارير وزارة التخطيط لانها اقرب الى الواقع".

وفي الوقت الذي تستمر المنظمات المختصة والناشطات النسويات بمطالبة الحكومة العراقية لاخذ اجرءات تحد من معاناة الارامل من جهة ولتفادي الاثار التي ستنجم مستقبلا عن تجاهل مشاكلهن، حزمت
ام يوسف( 41 سنة- مسيحية)، امرها بالهجرة مع اطفالها الثلاثة من العراق والالتحاق باهلها في استراليا.
وتقول " تزوجت بعد ان تعديت الثلاثين من عمري، وارتبطت بشاب لم اكن احلم بمثله لفتاة ثلاثينية، لكن لم تكتمل فرحتي، في السنة السادسة لزواجنا، وبعد ترقى و اصبح مديرا عاما في احدى شركات القطاع العام، تلقى تهديدات لترك المنصب لانه لايجوز لمسيحي ان يتولى منصبا ويصبح مسؤولا على مسلمين، لم يكترث للامر ورفض الانصياع لتوسلاتي والحاح اخواته في الخارج بمغادرة العراق، وكان يقول دائما العراق بلدي ولن اترك مجرمين يجبرونني على الهجرة، وخلال عودته من العمل قام ملثمون باطلاق النار عليه وقتله في حين لم يصيبو سائقه باي اذى!".
وتشير لابنتها ذات العام ونصف وتقول"  كنت حاملا بابنتي ولم يتسن لزوجي ان يعرف ان كان الجنين ولدا ام بنتا، ما ذنبها ان تحرم من ابيها وبأي حق وبأي دين او مذهب يتم ذلك؟لااريد شيئا من العراق، ساحمي اولادي من مصير مماثل لابيهم، الحكومة لاتستطيع او لاتريد حمايتنا، رفضت التقاعد وكذلك مخصصات الحكومة لضحايا الارهاب، اموال الدنيا لن تعوضني عن زوجي ودمه الذي ذهب هدرا، كل مااريده ترك العراق باقرب وقت".

حاولت معرفة ان كان لدى بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، والموجودة في العراق منذ 2003 وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500 ، احصاءات حول اعداد الارامل في العراق، فطلبوا مني ارسال رسالة حول الطلب مع التعريف بشخصيتي واسباب طلب الاحصاءات،وصلني رد بانه سيتم تزويدي بها في حال وجدت وباسرع وقت، ولم استلم اي شيء.

وبالرغم من انه ومنذ 2004  تشكل النساء 25% من اعضاء البرلمان العراقي، الا انه وللان لم يتم تشريع اي قانون يخص النساء بشكل عام او الارامل بشكل خاص!.

لكن موخرا صدرت عن الحكومة العراقية بادرة تجاه الارامل تمثلت في اقرار مجلس الوزراء في التاسع من اذار الحالي ، إدراج طلب تقدمت به وزارة الدولة لشؤون المرأة بتخصيص درجات وظيفية للنساء بنسبة لا تقل عن (25%) ضمن الدرجات الوظيفية المخصصة لهذا العام.
ومشروع القرار هذا يجب ان يمر في البرلمان العراقي وان تتم مناقشته والتصويت عليه، وتحويله للجهات المختصة لتطبيقه، وطبعا لن يكون امام الارامل العراقيات غير الانتظار والصبر لحين ان ينظر الله في امرهن...