المحرر موضوع: حيثما تكثر الخطيئة هناك تزداد النعمة  (زيارة 1929 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حيثما تكثر الخطيئة هناك تزداد النعمة
قول جاء على لسان رسول الأمم بولس قبل ألفي سنة وربما كان له الأسباب التي جعلته يخرج بهذا الاستنتاج، أم كان لديه روح النبوة مكنته أن يستقريء الأحداث ليصل إلى هكذا نتيجة، فالأمر متعلق بنقيضان، فحيثما تتواجد الخطيئة تهرب النعمة، هذا هو المفهوم العام، وكذلك لدينا مقولة عامية في مجتمعنا عندما نقول (إذا ما تِخرَبْ ما تِعمَرْ) وقد يكون هذا المثل على درجة كبيرة من التشابه مع مقولة بولس الرسول، ولكننا في هذا المقال نحاول مزاوجة المفهوم عن الخطيئة والنعمة مع الخراب والإعمار وعلاقة ذلك بواقعنا العراقي المؤلم!!!
فعندما نستعرض أقوال الرب يسوع عن نهاية العالم فإنه يتدرج بالقول عن حصول ضيقات وحروب وقتل وترويع، ولكنه يستطرد أن كل هذا ليس هو النهاية، بل يمكننا القول أنه بداية النهاية، فلو تمعنا جيدا لما يجري في العالم سنجد أنها تتشابه مع ما تكلم عنه يسوع له المجد، ولكنها ليست النهاية، ونقول جازمين أنها ليست النهاية لأن الأمل موجود، وأن النعمة لابد قادمة طالما أن في الوقت بقية، وفي المفهوم الإيماني تأتي الضيقات عندما تزداد المعصية، وفي الضيقات تحصل الانحرافات ويحصل تشويه للمعنى الإنساني للإنسان، لأن ثوابت الإنسان تتعرض إلى زعزعة نتيجة ما يواجهه من ضغوطات نفسية ومادية وجسدية، وهكذا قد يصبح عاجزا عن مقاومتها، فمنهم من ينحرف ومنهم من ينتظر، أو يتغير، ومنهم من يصمد ويتمسك بثوابته ولا يقبل لنفسه الإنزلاق في دروب الهاوية.
وفي العراق منذ ربيع 2003 ولا نتطرق لما قبلها لأن ما نعيشه بعد هذا التاريخ أصبح أقوى وأشد شراسة من كلما عانيناه في عمرنا السابق، إن الوضع يمكن وصفه وكأن جهنم فاتحة فاها لالتهام المزيد، والوقود دائما حاضر، ودروب الشر تعجّ بالأشرار، وكأننا في فلم كرتوني عندما يصارع البطل تنينا متعدد الرؤوس وكلما يقطع رأسا تظهر عدة رؤوس جديدة!!!! هذا هو حالنا، فرغم ضعف الحكومة وصعوبة تطبيقها للقوانين، فإنها تحقق بعض الإنجازات التي من شأنها أن تضع حدا للشر وانتشاره، ولكن في المحصلة هذا الشر ينمو ويزداد، وإن كنا بعد السقوط نشهد أعمال خطف عادية مقابل فدية مالية أصبحت اليوم رمزية لما يطلبه الأشرار؛ فنجد تطورا اليوم في هذا النهج ليصبح منظما أكثر ويختار أهدافا مهمة ودسمة، فنحن نعيش في زمن يُخطف فيه وكيل الوزير ونائب في البرلمان ورئيس اللجنة الأولمبية!!! والحبل على الجرار، الأمر الذي جعلنا نتجرأ ونقول أن المستقبل قد يشهد خطف وزيرا أو رئيس وزراء!!! ومن سيبقى سوى رئيس الجمهورية، لنقرأ على العملية الديمقراطية التي تفاخر بوش بها وتعهد بتحقيقها في العراق، نقرأ على كل هذا السلام ونلعن الحظ الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه وكأننا نسير في طريق اليأس وفقدان كلي للأمل.
اليوم كل من في العراق هو في طريقه لمصير مجهول، القتل في كل مكان، والخطف طال حتى رجال الدين والمسيحيين منهم خاصة، فهؤلاء لم يسلموا مع أنهم دعاة السلام والمحبة والصلاة من أجل المبغضين ومفروض عليهم أن يحبوا اعدائهم... حتى هؤلاء الرجال وبهذه المواصفات بدأت يد الإرهاب تصل إليهم وكأن الشر يريد أن يخنق حتى هذه فسحة الرجاء التي يبثها هؤلاء الرجال فينا، فقد وصل السيل الزبى!!! أين بوش وأزلامه؟ أين الذين يتحدثون عن الديمقراطية وعن العراق الجديد؟ وإن كانوا غير مؤهلين، فلماذا ذبحوا العراق ويقدمون أهله يوميا قربانا على مذابحهم، ألم يحن الوقت لتتوقف حنفية الدم الذي ينزف من أجساد العراقيين من خلالها، الشوارع تخضبت بالدماء الزكية والرعب في كل مكان، فماذا بقي بعد؟ ألم تفرغ مناطق كثيرة في بغداد من ساكنيها؟ ألم يَهْجر الآلاف بيوتهم ومدنهم بحثا عن الملاذ الآمن ؟ فمتى تتحرك الضمائر؟ ومتى ترف القلوب وتنزعج لنزيف الدم هذا؟ ومتى يصبح للإنسان العراقي قيمة ولو حتى رمزية ليتوقف الشر من زحفه نحو حصد المزيد من البشر؟!!!!!!!
وهنا نعود لعنوان مقالنا لنقول كل هذا أليس كافيا لنقول إن الخطيئة وصلت إلى حدها الأعلى وإن الخراب قد حلَّ، فهنا لتكون المقولة صحيحة علينا أن ننتظر حلول النعمة أو حدوث الإعمار، وهذا لو نظرنا إليه من الزاوية المادية البحتة فسنجد أنها تقودنا نحو الكفر وفقدان الأمل بربنا لأنه قد نسانا وأهملنا وجعلنا وقودا للمحرقة، وحتى محارق النازية لليهود لم تكن ببشاعة ما يشاهده ويعانيه أبناء العراق. وفي المقابل إن نظرنا من زاوية إيمانية لما يحدث نجد أن الأمل والرجاء يجب أن يكون موجودا وفي صدورنا، وأن يكون لدينا الإيمان بأننا نستطيع تغيير الواقع باتجاه انحسار الشر وانتشار النعمة، فلو كان لدينا هذا الإيمان وبمقدار حبة خردل لكنا نأمر الجبال لتنتقل وتنتصب في البحر وتطيعنا، وبهذا الإيمان نستطيع أن نقف في وجه الشر كما وقف القديس أسطيفانوس أمام راجميه لينتشر بعدها الإيمان المسيحي، فصمودنا أمام الشر هو الذي يضع حدا له، ولكن لابد من التضحيات، لكنها ستكون بداية النهاية لتعيش الأجيال الأخرى بأمان وتنعم بالنعمة... وهنا لا أقصد أن نواجه الشر بالشر، بل نستمر بمواجهته بالخير إلى أن يتيقن الأشرار أنه عاجز عن أن يهزم الخير.
عندها ستزداد النعمة ويحصل الإعمار ويتقوى الأمل وينتصر الرجاء، ولكن الثمن لن يكون بسيطا، فقط ينقصنا التسلح بالإيمان وأن نصلي ولا نمل، فهذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة، فيا رب أنظر إلى عبادك فقد أسرهم الشرير ويحاول أبعادهم عن الحضيرة، فكيف تسمح لمن افتداهم ابنك القدوس أن يهلكوا، فهلم يا معين فعبادك يستصرخون الضمائر فليس غيرك من يسمع النداء، ألهمَّ أستجب. آمين.
عبدالله النوفلي