المحرر موضوع: العراق:إغتيال المثقفين كارثة وطنية..!  (زيارة 918 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق:إغتيال المثقفين كارثة وطنية..!

باقر الفضلي

المثقفون؛ هم الشموع التي تنير الظلام؛ وإن كان لدى الدول والشعوب ما تفتخر به وبإعتزاز على المستوى العالمي والإقليمي، وعلى مستوى الثقافة والتعليم والحضارة،  فليس لها غير كنز المثقفين؛ فالمثقفون هم طليعة الشعوب والأمم، وحملة مشعل الحضارة، وحافظوا تأريخ وأمجاد شعوبهم وأممهم وبلدانهم.. نعم المثقفون هم ثروة الأمة وعين الشعب المبصرة، وقلبه النابض، وبوصلته المرشدة، وأمله المنشود في المحن والشدائد..!

أكتب هذه المقدمة، وأنا إستذكر ثمان عجاف، أتين على الزرع والضرع، وطال بلائها نفوس الناس، فإبتلتهم بألد الخصام؛ فأهلكت الحرث والنسل، وعاثت في الأرض فسادا؛ فعم الجورُ والظلم، وسُفكت دماءٌ غزيرةٌ بغير حق، وأستُبيحت الأموالُ وإنتُهِكت الأعراضْ، وشُرِدَ مَنْ شُرِدْ ، وغُيبَ مَنْ غُيبْ.. وكان نصيبُ المثقفين العراقيين، من كل ذلك، ما لا يحده حد، ولا في نسبته، ما يبلغه عد..!؟

المثقفون؛ وهم الفئة النادرة بين سائر الفئات في المجتمع؛ الفئة الأقل عَدداً والأكثرُ عِددا، قد نالها من جحيم السنوات الثمان، ما فاق سائر الفئات الأخرى، وكانت خسائرها هي العظمى، وما أصابها من دمار وخسارة، يرقى الى مستوى (الكارثة الوطنية)؛ فلا عجب إن كان هناك ما يزيد كثيراً على 250 مثقفاً عراقياً من علماء وأكاديميين ورجال صحافة وإعلام، من نالتهم يد الإجرام والإرهاب، إذ أُزهِقَتْ أرواحُهم أوغُيبت أجسادُهم، وشُردت عوائلهم، كان آخرهم إغتيال الدكتورة إنتصار حسن التويجري مديرة مستشفى العلوية  للولادة في منطقة الكرادة في بغداد، وإغتيال البروفيسور الصيدلاني محمد علي الدين  مؤخراً في واسط بعد شهر من عودته الى الوطن بعد تحصيله العلمي الجديد، ليلحقه قبل أيام من ذلك مصرع الصحفي (الدكتور كمال قاسم محمد) ، ولم تتوقف عجلة التدمير للثقافة الوطنية العراقية، فكان آخر ضحاياها، العالم الدكتور عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية الدكتور الشهيد محمد حسن علوان بتأريخ 29/3/2011، وليلحقه هذا اليوم 8/4/2011 برصاص الغدر الكاتم للصوت، الشهيد الراحل طه جعفر،مدير قناة سومر الفضائية..!!؟؟


كل هذا وتعيدنا للذاكرة، جريمة إغتيال المناضل الوطني (الشهيد كامل شياع)، المستشار الثقافي في وزارة الثقافة الإعلام، والذي مرت الذكرى الثانية على إستشهاده يوم 23/8/2008، في وضح النهار بسلاح كاتم الصوت، ذلك السلاح الذي بات المحبب لنفوس القتلة المجرمين، والمجرب في تصفية رجال العلم والثقافة العراقية، وإسكات افواه رجال الإعلام والصحافة؛ كي تموت الكلمة الحرة، وتكمم أفواه الأخرين.. ذلك الموت المخيم على الرؤوس، والذي لا زال يحيق بهذه النخب الرائعة، كل يوم وفي أي ساعة أو في أية لحظة.. الموت الذي ما إنفك يسجل ضد مجهول، أما ضحاياه فتظل شموعاً وقناديلَ تشير بثقة الى القتلة المجرمين..!!؟؟   


لا أدري كيف سيكون بإمكان المرء أن  يعثر على وصف لصورة تراجيدية يمكنها أن تجمع كل هذا الألم والحزن، الذي حل بالعراق خلال تلك السنوات،  وأن تجسد حجم الكارثة التي حلت بثروة العراق العلمية والثقافية، التي من الصعب تعويضها مادياً ولا معنوياً أو روحيا..!!؟


يجري كل هذا في زمن يُفتقد فيه الشعور بالمسؤولية، ويغيب فيه الأمن والأمان، وتتنصل فيه الجهات الحكومية بما فيه راعي العملية السياسية المحتل، من كل إلتزام قانوني أو أدبي في توفير الأمن والسلامة لثروة الوطن الثقافية، وفي مقدمتها سلامة طلائع نخبه المثقفة؛ من الأكاديميين ومن رجال الصحافة والإعلام طبقاً للقوانين الدولية، ناهيك عن مراكز ومتاحف الثقافة الوطنية، التي غدت نهباً بيد السراق والطفيليين، لتباع نفائس التراث "خردة" في متاهات الأسواق السوداء العالمية..!!؟؟


لقد جسدت عمليات تصفية النخب المثقفة العراقية، أبشع جريمة وصفحة سوداء علقت في جبين الأحتلال الغاشم، وهو الآن يحزم حقائبه مهرولاً الى خارج الحدود، بعد أن ترك خلفه إرثاً كريهاً لن تقوى كل صلوات وتبريكات حلفائه ومريديه، على منحه بركاتها والصنع منه مثالاً  ل"لتحرير"، وسط برك الدم وأطلال الخراب والدمار لتراث الشعب وكنوزه التي لا تقدر بثمن ولا تعوض بمال مهما كان، ورغم كل ذلك الهوان الذي سببه الإحتلال الغاشم فلا زال هناك من يتشبث بتمديد بقائه والتمسك بأذياله..!!


نعم يظل الإحتلال مديناً للشعب العراقي بكل ما سببه لهذا الشعب والوطن، من كوارث فائقة بحق حياة الناس المسالمين، وبحق تراث البلاد، و كنوزها الوطنية الروحية منها والمادية.. ويأتي كل هذا في وقت لا زال فيه هناك، من يتشدق مفتخراً ب"التحرير"، ومن لا زال يحاول من إيجاد المبررات لتمديد بقاء قوات الإحتلال تحت مختلف الحجج والذرائع المهينة، متناسياً حجم الكوارث التي عصفت بأرث وتراث هذا الشعب المجيد..!!؟


 ومع جسامة ما يتحمله الإحتلال من مسؤولية قانونية وأخلاقية أدبية، بما حل بالعراق من الكوارث الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية عبر السنوات الثمان من الإحتلال، فإن هذا لا يعفي السلطات الحكومية من تحمل مسؤوليتها كاملة في تأمين السلامة والأمن والأمان للمواطنين العراقيين، وصيانة كنوزه وأثاره الوطنية والتأريخية، بما فيه كنوزه الثقافية التي يشكل فيها العلماء والمثقفون والإعلاميون، على مختلف مستوياتهم ، إرثاً لا يمكن الإستهانة به بأي حال من الأحوال؛ وبحكم مسؤوليتها الدستورية والقانونية والأدبية تظل تلك السلطات، مطالبة بالإجابة والكشف عن خفايا جرائم الإغتيال التي ما أنفكت تطال نخب الثقافة والإعلام ورجال السياسة والكوادر العلمية والعسكرية..!!
8/4/2011
__________________________________________