المحرر موضوع: اسباب إستقلال الكنيسة السريانية ـ الآرامية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 451 م  (زيارة 1713 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل henri bedros kifa

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 653
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 اسباب إستقلال الكنيسة السريانية ـ الآرامية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 451 م   

ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إستقلال(1) الكنيسة السريانية - الأرامية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 451 م ؟ لقد تَرددتُ كثيراً قبل أن أختار هذا الموضوع عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية , لأن المؤرخين مختلفين حول التسميات القديمة لهذه الكنيسة , وخاصةً حول التسمية المونوفيزتية والأسباب الحقيقية التي دفعت بهذه الكنيسة نحو الإستقلال والإنفصال عن الكنيسة الواحدة بعد مجمع خلقيدونيا 451 م .

نُلاحظ اليوم أن خلاف المؤرخين حول التسميات قد خَفّ كثيراً 0 ويصف المتخصصون في تاريخ هذه الكنيسة أنها \"مناهضة لخلقيدونيا\" (2) Anti-Chalcédonienne .

لا توجد اليوم دراسات تصف أبناء هذه الكنيسة بالهراطقة أو أصحاب الطبيعة الواحدة وذلك بسبب الدراسات العديدة التي تثبت \"ارثوذكسية\" أبناء هذه الكنيسة .

فما هي أسباب إنفصال أبناء هذه الكنيسة عن الكنيسة الانطاكية الأم ؟

يختلف رأي المؤرخين حول هذا الموضوع :
1-التيار العقائدي : يرى أن الخلافات العقائدية خاصة حول طبيعة يسوع المسيح , هي السبب الحقيقي لإنفصال هذه الكنيسة.
2-التيار القومي : يَرى أن الأسباب القومية أي الإنتماء إلى الشعب السرياني هو العامل الرئيسي لإنفصال السريان . أغلبية مؤيدي هذا التيار هم من المتخضصين في تاريخ الأمبرطورية البيزنطية , ويّدعون أن السريان إستعملوا الخلافات العقائدية كقناع كي يستروا مطاليبهم القومية وهي الإستقلال والإنفصال عن الإمبراطورية البيزنطية !
إلى الصراع الثقافي والعلمي بين الشعب السرياني والحضارة اليونانية 0 ففي تقريظة لمار أفرام , كتب مار يعقوب السروجي (3) :
أي : كان (مار أفرام) خطيباً مشهوراً فاق اليونانيين في كلامه .
أي : هذا الذي صار إكليلاً للإمة الأرامية جمعاء .

(1) إنني أُفضل تعبيير \"إستقلال\" على تعبيير \"إنشقاق\" .
(2) في أوائل وأواسط القرن العشرين إنتشر تداول تسميات \"مونوفيزتية\" \"أتباع سويريوس\" و\"يعاقبة\" إلخ ...
(3)AMAR, J.P., A metrical homily on holy Mar  Ephrem by Mar Jacob of Saroug in  PATROLOGIA ORIENTALIS  .     Tome 47 - N 209 (1995) p. 64 et 32 .                                                                                         
2-أغلب مؤرخي الكنيسة يؤيدون التيار العقائدي , ولكن المشكلة تكمن في إعتمادهم الكُلّي على المصادر اليونانية , التي لم تكن منصفة في حق الكنائس المناهضة لمجمع خلقيدونيا . في المصادر السريانية إشارات عديدة ...
ـ  فهل أهمل التيار العقائدي حساسية السريان ضد اليونانين ؟ أو لم يأخذها بعين الاعتبار ؟
ـ هل تناسى إنتماء أبناء الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا إلى الأمة الآرامية العريقة ؟
لم يعتمد التيار القومي المصادر السريانية , وبالتالي لم يقدم أي براهين تُثبت إن الشعور القومي السرياني هو العامل الرئيسي لإستقلال هذه الكنيسة .
مؤيدي هذا التيار يَدّعون بأن أغلبية السريان كانوا مناهضين لمجمع خلقيدونيا , وإن أغلبية اليونانيين كانوا مؤيدين لتعاليم هذا المجمع , أي أن الصراع لم يتوقف في الأمور الكنسية وحسب بل تحوّل إلى صراع قومي : \"السريان ضد اليونانيين\" .
فالمسألة التي ما برحت تنتظر جواباً تكمن في تحديد نوعية الصراع الذي أدّى إلى إستقلالية هذه الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا : هل هو صراع قومي أم صراع عقائدي ؟

أولاً : أسباب إختيار الموضوع والمنهجية المتبعة . 
  قبل أن أتحدث عن تطور الدراسات حول الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا في القرن العشرين , أريد أن أشير إلى \"أهمية\" هذا الموضوع اليوم وإلى أسباب أختياره وأخيراً إلى المنهجية العلمية التي سوف أتبعها :

1- أهمية الموضوع :
أ-الموضوع يعالج بطريقة غير مباشرة رؤية الأباطرة البيزنطيين إلى الكنيسة . فألإمبرطورية البيزنطية هي واحدة إذن يجب أن تكون الكنيسة هي أيضاً واحدة (مفهوم واحد وإيمان واحد) .
فشل هذه النظرية سوف يجبر الأباطرة إلى إضطهاد المخالفين في الرأي مما سيؤدي إلى استقلال الأقباط والسريان والأرمن فيما بعد0
ب -لا يوجد حتى اليوم أي بحث علمي حول \"الأسباب الحقيقية\" لإستقلال الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 0 ولا نعرف هل الأسباب كانت قومية أم عقائدية ؟
ج-الموضوع يُلقي الأضواء على وضع المسيحيين في الشرق قبل دخول العرب إليه 0 ويساعدنا على \"فهم\" الأسباب التي دعت السريان , سنة 636 م  لفتح أبواب مدنهم وقراهم أمام العرب 0
د-لا يوجد اليوم أية دراسة علمية حول النتائج التي أفرزتها الإنقسامات الدينية في الكنيسة السريانية وفي الشعب السرياني 0
هـ-أخيراً سنحاول تصحيح المعلومات الخاطئة التي لا تزال \"منتشرة\" حتى اليوم حول التسمية السريانية والتسمية اليعقوبية والتواجد السرياني في الشرق وخاصةً الدور الكبير الذي لعبه البطريرك سويريوس 0

2- أسباب إختياري لهذا الموضوع :
أ-المشكلة مطروحة منذ سنة 1916 عندما ربط \"وودوارد\" - كما سنرى في القسم الثاني- بين الإنشقاقات الكنسية والحركات القومية 0 بعد دراسات عديدة وإستناداً إلى النصوص السريانية وجدت  \"حلاً علمياً \" لهذه المشكلة .
ب-الرد العلمي على المؤرخين المتخصصين في تاريخ الأمبرطورية البيزنطية(4) الذين ما برحوا يؤكدون أن الأسباب القومية هي المحرك الرئيسي لإستقلال السريان 0 يجب \"الرد\" على هذه الإدعاءات التي تزوّر تاريخنا المسيحي الشرقي 0
ج-إن إنتمائي إلى هذه الكنيسة السريانية يدفعني لإيجاد الحلول العلمية الموضوعية للمشاكل المطروحة 0

3- المنهجية العلمية المتبعة :
أ-المنهجية هي ضرورية لكل بحث علمي 0 فنحن لم ولن نتأثر بالآراء التي لا تقدم البراهين المسندة إلى نصوص علمية 0 سنرى في القسم الثاني بعض كبار المؤرخين الذين أيّدوا التيار القومي بدون أن يقدموا البراهين العلمية 0
ب-سوف نعتمد على المصادر السريانية لمعرفة \"الأسباب الحقيقية\" 0 اللغة السريانية ليست عائقاً كوني أُجيد اللغة السريانية الفصحى 0 لقد وجدت بعض المصادر السريانية المنشورة ككتاب \"حياة القديسين الشرقيين\" للمؤرح يوحنا الأفسسي (5) وخاصة حياة يوحنا برافتونيا (6) التي تلقي أضواء جديدة على تاريخ الكنيسة السريانية في هذه المرحلة 0
ج-للوصول إلى أهدافنا المرتجات , قسمّنا الموضوع كما يلي :
-القسم الأول : من هم السريان ؟
أولاً أود أن أعرّف بالآراميين وهم أجداد السريان , والتسمية السريانية وأخيراً أن أوضح معضلة الانتشار السرياني في الشرق 0

-القسم الثاني : معارضة مجمع خلقيدونيا 451 - 518 م 0
من المهم جداً أن نعلم أن المعارضة كانت حول المفاهيم المسيحانية الايمانية والعقائدية 0  أن الصراع في هذه الفترة كان حول تفسير قانون الوحدة 482 م الخاص بالإمبرطور زينون ، كان مطابقاً أو مغايراً لتعاليم مجمع خلقيدونيا ؟

(4) MASPERO(J) , VASILIEV (A.A) , STEIN (E) et STRATOS (A.N) …..                               
Jean D’Ephèse , vies des saints orientaux dans Patrologie Oriental Tome 19 . (5)       
Vie de Jean Bar Aphtonia , Ed et trad NAU (F) dans la bibliographique Orientale ,Tome 2  (6)


4-القسم الثالث : الإضطهادات ضدّ مناهضي خلقيدونيا وبداية الإستقلال الذاتي 518 - 538 م .       
لقد حاول الإمبرطور يوستان الأول 518-527 م فرض تعاليم خلقيدونيا بالقوة على مطارنة الشرق وإجبارهم بقبول منشور البابا هورميزدا حول الإيمان . هذا الإضطهاد العنيف لاقى مقاومة شديدة من قبل مناهضي مجمع خلقيدونيا . (عندنا أسماء 52 مطراناً فضّلوا التخلي عن كراسيهم وعدد كبير من الأديرة حيث أُجبر الرهبان على التشرد ... ) .
وهنا نؤكد أن الإضطهاد لم يكن لأسباب قومية , وفي المقابل المقاومة لم تكن قومية بل حول العقيدة المسيحانية . هذا \"الإضطهاد\" سوف يكون السبب الرئيسي الذي سيدفع بالبطريرك سويريوس بالسماح لرسامة الشمامسة والكهنة إلى جانب الكهنة الخلقيدونيين , أي الخطوة الأولى نحو بداية الاستقلال الذاتي . وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن البطريرك سويريوس المناهض لمجمع خلقيدونيا كان يونانياً ، وفي المقابل كان أفرام الآمدي بطريرك أنطاكيا الخلقيدوني 527 - 544 م  \" سريانياً \" , وهو الذي لعب دوراً كبيراً في طرد البطريرك سويريوس من القسطنطينية سنة 536 م وهو نفسه أيضاً الذي قام بالإضطهادات العنيفة في شتاء 537 م .

-القسم الرابع : الإستقلال التام وتحوّل الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا إلى كنيسة سريانية وطنية 538 - 636 م .

المطران يعقوب البرادعي يعيد تنظيم الكنيسة سنة 553 م ( رسامة خليفة لسويروس سنة 557 م ) .       إن سياسة الإضطهادات الدينية التي مارسها الأباطرة البيزنطيون نجحت في إستمالة سكان المدن ، وفشلت في القرى والأرياف ، مما سيسمح للكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا بالإنتشار في المناطق البعيدة عن المدن أي بين أبناء الشعب السرياني .
المُلفت أن الإحتلال الفارسي لسوريا بين سنتي 614 و 628 م سوف يوقف الإضطهادات البيزنطية وسيسمح لأبناء هذه الكنيسة السريانية بالإستقلال التام .
تُرى ماذا سيكون موقف أبناء هذه الكنيسة من الجيوش العربية التي ستحاصر مدنهم بعد سنة 636 م؟

 هنري بدروس كيفا
قنشرين