المحرر موضوع: القس يوحنان جولاغ ، تاج الحكمة ورمز الابداع  (زيارة 2015 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل دمان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 896
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
القس يوحنان جولاغ ، تاج الحكمة ورمز الابداع

بقلم : نبيل يونس دمان

     ▼ يا له من بون يفصل الموت عن الحياة ، والماضي عن الحاضر ، ففي الامس كان الفقيد يترنم بأشجى الاصوات ، واعذب الالحان ، وامضى الكلمات ، التي يبحث عنها ، فيجدها تتراقص امامه ، ليقتنصها ويرصّها في بنيان القصيدة ، او الفكرة ، او الموضوعة ، خزين من الكلمات ينتقي بليغها ومن لغة عريقة عراقة الارض ، واليوم يرقد على رجاء القيامة ، يلفـّه الصمت ، تحيط بوجهه الوضاء هالة المجد ، ينتظر في رقدته الابدية من الاجيال التي عرفته ان تطرب بذكراه ، كلما دار الحديث عنه ، فقد وُهِب قلبا ً عامرا ً بالمحبة والفرح .
كان اهالي القوش يصغون اليه جيداً في الستينات من القرن الماضي ، فتقع مواعظه وقعا ً عميقا ً في نفوسهم ، وفي الغالب كانوا ينظرون لبعضهم متعجبين من قدراته ومعرفته الدقيقة عن  حياتهم الاجتماعية ، كأنه يعيش في كل بيت .
رغم كل الآلام النفسية والجسدية التي عاشها ، في ظروف متقلبة شديدة الوطأة ، فإنه ظل متمسكا ً بأيمانِه ، أمينا ً لتـُراثِه ، هكذا مات الذي كان الدهر بأناشيده ينشد ، مات الذي كان يسقي شجرة الحياة بخميرة فِكره ، أيها الناس إبكوا الذي لم يصل الى مبتغاه ، في لم ّ شملكم ، واشاعة الفرح في حياتكم ، انه ليس كمن يأت ويذهب ، او ما يتناثر من الشهب والكواكب ، فيخفت بريقه بسرعة ، بل جاء وفي يده شيء غـَرسِه في الارض ، لينمو ويزدهر ويكون له الثمر الوفير، كان منارة لمن اراد ان يتبع خطاه ، تغنـّى بمآثر وطنه وبأمجاد شعبه ، بأرق مشاعر الحب والوفاء ، فلا تخلو من كل ذلك الأشرطة الصوتية التي سجلها ، بعرقه وتعبه ، وسهره الطويل ، وبحثه المتواصل ، في أمهات الكتب والميامر والأشعار، التي امدت قصائده بذلك البنيان المتناسق ، وذلك الصوت الأخاذ ، والأداء الجميل .
     ▼ ذهب الكاهن الورع الى حيث الراحة الابدية ، هناك تستقبله ملائكة الرب بالمصابيح والشموع ، راقصة بالطبول والدفوف ، فالدُنى ما كانت يوما ً دارَ قرار ٍ ، وعلى الدوام ستنظر الاجيال الى ذلك المعلم بإحترام ، ولن أبالغ القول بان القس يوحنان جولاغ هو واحد ممن ترك لنا إرثا ً وأثرا .
عرف عنه دفاعه عن بلدته ايام المحن ليس أدلـّها ، دعوة الناس للتجمع امام مركز شرطة القوش في ربيع 1969 ، لافشال مخطط السلطة في ايذاء البلدة وابنائها الأباة . وفي صيف نفس العام كان القس يوحنان على رأس وفد للمصالحة مع الجيران ، وقد عكّر الزمن مؤقتا صفو العلاقة التاريخية بينهم .
     ▼ كلما ودعنا رجلا ً عظيما ً أشرنا الى معاناته ، وخبايا آلامه ، ومكنونات حزنه ، لارتباطها الوثيق بملكة الابداع الذي اعتلى هامته بجدارة القسيس الراحل ، لم يسكن قصرا ً ولم يعشق منصبا ً، وكل القرائن كانت تشير الى امكانه ذلك ، لما جبل عليه من الذكاء وسرعة البديهة والكياسة ، وكما قال شقيقه صباح في رثائه ، بانه كيـّف نفسه ، مع الكبار كبيراً ومع الصغار صغيراً ، حتى يرضي الجميع .
مبكرا ارتبط ابداعه بتلك العوارض التي نوهنا عنها ، وفي  جسده السر في مقاومة ضروب الدهر ، فقد العديد من افراد اسرته ، وابتعد عن مسقط رأسه دون رغبته ، ووقع في اشكال بسبب حرصه على آثار نينوى العظمى .
كان اسم بلدته لا يفارق محياه ، وظل قلبه يخفق بحب ابنائها المنتشرين في بقاع الارض ، لقد ترك لنا في رحيله وجهة الى الاحياء ، بان يتذكروا مصير الانسان ، فينصتوا لعين العقل ، وصواب الحكمة ، في نشر المحبة ، وروح التعاون في الملمّات ، وان يتركوا الاحزان خلفهم ، ويغنـّوا لغدهم ، لأعقابهم ، فالحياة قصيرة ، والموت غادر ، يداهم البشر في أية لحظة .
     ▼ جاء الى اميركا في العام الماضي ، لم يبق فيها كثيرا ً ، وكأنه جاء يودع أحبته وأصحابه ، غادرها خوف ان تداهمه المنيـّة فيرقد تحت تربةٍ غريبة ، وهو القائل " انها الجنة ولكن معجونة بماء الجهنم " ،  فاسرع الخطى ليحتضن ارض العراق ، وتحتضنه تربتها التي منها انطلق واليها عاد ، ليلتحق بجنات الخلد حاملا ً رسالة ، ولايقاظ المهللين بمجد الرب ، ان يستمطروا رحمته على أرض الحضارات ، فتنتهي دورة العنف لصالح السلم ، والصراع لصالح البناء ، هل كانت تلك الجنات تنتظر عودة الاب يوحنان اليها ، ليشق بصوته فضاء السكون ، فيحرك المسبحين بإسمه ، لينصتوا الى عذابات الانسان ، بالتأكيد سيجلب الانتباه ، ذلك الخطاب الذي حمله معه ، في رحلته الابدية ، فيعود السلام والازدهار، الى بلاده بين النهرين الخالدين.
     ▼ عاد الطير المحلق عاليا الى وَكره الارض ، ومن جسده الممتزج مع ترابها ، سيُجبل مبدعون آخرون ، يرشفون مياهها ويتنسمّون هواءها ، لينطلقوا من جديد ، مادة وروحا ً ، عطاء وارتقاء ً ، فعمر الخليقة سلسلة من حلقات الابداع ، تكبر وتعظم باستمرار، وحتى يرث خالقها ما عليها .
     ▼ قد نكون قصرنا مع الراحل ، ليسامحنا فالظرف قاهر، والاحداث خطيرة ، فـَلم تدعنا نلتفت اليه ، ولكننا سمعنا صرخاته ، وما خالج قلبه ، كنا نامل ان نشيع في قلبه المتعب بالشيخوخة اذا صح تسميتها ، بالغبطة التي كان مسكونا ً بها في صباه وشبابه ، ليعذرنا الاب يوحنان وعزائنا انه باق ٍ خالد ، وتراثه حي يبعث من جديد ، في كل دورة من دورات الفلك ، وعلى ايدي النجباء من تلامذته .
    ▼ يألمني انني لم التق ِ به منذ مغادرتي الوطن قبل ربع قرن ، لكنني بعد سماعي شريطه الصوتي بعنوان ( الغربة ) والذي اعتبره قمة عطائه ، ارسلت له الرسالة التالية :
خيپوثيله مبرپشاله شمشه قويثـــــــــــــــــه
خايد ناشه گدامي لمايه ديلي بنهــــــــــــــرا
كد كمهرشي كصابي وكصاخه بگاوي صيرا
زونه جغيشا علمه تعيشه بلبح بيشــــــــــا
..........................
باثي زونه بنايخ علما بكيوه قريشــــــــــــــا
وناشه طاوه بعالي ريشح وبناپل بيشـــــــــا

 الى ابونا الموقر يوحنان جولاغ المحترم
تحية صادقة

     ان قلمي ليعجز عن التعبير عن نبضات الحب والاعجاب بذلك الذهن المتنور المتفتق الذي أجهر بالأبيات أعلاه ، وبذلك الصوت الدافئ القوي النبرات ، والمشحون بالعواطف ، والمنساب من فم كأنه الشهد ، اي زهو يمتلكني وانا اصيخ السمع الى كلماتك ايها الاب العزيز بعد ان فارقتنا قسوة الاقدار لعقود من السنين ، لكن صوتك عبر الشريط المسجل اعاد تواصلنا وارجعني سنين الى باحة الكنيسة وانا اسمع صوتك ، او في لقاءاتي معك طالبا في الندوات الدينية في اواسط الستينات ، او في لقاء طويل معك واذا تذكر لساعات في بيتكم صيف عام 1972.
     ان صوتك الذي وصل عبر البحار والمحيطات اسكرني بحب الوطن والتربة الغالية والقوش الحبيبة ، وجعلني اعيد سماعه مرات ومرات دون تعب او ارتواء . في شريط الفيديو الذي صوره نجيب عيسى كولا ، سمعتك ، ورايتك بوسامتك ، ولحيتك البيضاء المهيبة . شكرا من الاعماق ، لن انسى كلماتك تلك ، وكأنها موجهة لي ولكل فرد مغترب وساحتفظ بالشريط كأغلى هدية ، وسيرافقني اينما حللت ، وحتى التقي بك واجلس معك واتطلع لسماع ومعرفة المزيد عنك ، وبتقديري تمتلك الكثير ، يقينا ان ثروة الادب التي ليس في الفانية أثرى منها ، تخلد الانسان وتجعل مكانته متميزة في عجلة الزمن .
 تحية لك ولوالدتك ، وإخوتك .
ودمتم لنا ولمدينتكم الأبية القوش .... والسلام .
 تلميذك نبيل دمان
 2- 11- 1994.

 وارسل الجواب التالي :
     عزيزي نبيل

     ببالغ السرور والاعجاب قرات رسالتك الاخوية المشحونة بمشاعر النبل والتعلق الصميم بالوطن والاصدقاء والمعارف الذي حالت ظروف الزمان بينكم وبينهم ، عسى ان يجتمع الشمل يوما ما بعناية الرب القدير ، لان الشجرة ما دامت خضراء فجذورها عميقة في التربة الاصلية مهما قطعت منها اقلام وشتلت في تربة اخرى :
أرا كلـّه خا بيثيلا دبرناشوثـــــا
بسيمتيلا إن لا ثوابا نوخرايوثا

      هذا هو واقع الحياة للكثير من ابناء آدم في هذا الزمان ، واينما يحل البشر فهم في ارضهم ، في بيتهم ، مع فارق الغربة الثقيلة والمؤلمة ، ثم يدور الزمان ويدور كما تدور الارض حول الشمس ، وقد يلتئم الشمل بعد الفراق والبعاد ، او يكفي ان تكون القلوب والافكار ملتحمة متحدة ، فهي تقرّب الابعاد وتقلـّص المسافات والله كريم .
      اشكرك قلبيا على مشاعرك الصادقة وتعابيرك الاخوية مع ما فيها من مديح لست اهلا له ، لانني حين اتكلم او اكتب شيئا ما ، فانما اعبر عما يجيش في قلبي من حب وتعلق بحياة الناس جميعا ً ، وخاصة بحياة معارفي واهلي واصدقائي ، لكن امنيات الانسان لا تتحقق جميعها ، لاننا بشر لنا حدود في الزمان والمكان ، لكن القيم التي يحملها الانسان لا حدود لها ، فهو يتالم حين لا تتحقق امنياته الانسانية بالعيش الكريم والكرامة لجميع الناس بدون فرق بين هذا او ذاك ، حياتنا في الارض طريق الجلجثة على خطى السيد المسيح المنتصر على كل ما في حياة الانسان من سلبيات وشرور. حفظكم الرب بعنايته القديرة ودمتم سالمين .
 اخوكم القس يوحنان
 الموصل - كنيسة مار اشعيا - 21/ 11/ 1994
     ▼ انجز العديد من الاعمال الكتابية ، الترجمة ، والاشرطة الصوتية ( الكاسيت ) التي يمكن ذكر بعضها مثل : قصة يوسف الصديق ، وجنفياف ، يزداندوخت ، وقافلة الموت ( كروان دموثا ) ، والاخير كان شبه فلسفي ، يدور حول تبادل الاتهامات بين الافراد والموت بشكل جدلي متقن ، في ذلك الاسهاب ألهب يوحنان جولاغ مشاعر المستمعين، وهو يتحدث عن قصة كارثية ، في غرق خمسة من شباب وشابات البلدة ، في بحيرة الثرثار عام 1980.
     ▼ صبرا وسلوانا ً لأهل بيته ، لكل من عرفه ، او سمع به ، وهو المكلل بهامة الرفعة والمتجذر بقوة الايمان ، دعوه ينظر من عليائه اليكم ، في حركتكم المستمرة الى الامام ، مضيفين للأدب والثقافة والفنون ، مفاخر الدنيا ومباهج الحياة .
      ▼ يا نينوى ويا كنيسة مار اشعيا ، يا القوش ويا كنيسة مارﮔورﮔيس ، أبْكوا جميعا ً الأب الشاعر ، وأذرفوا له الدموع .
قرْي يا ماثي پقـْيناثه          وْطلوبْ تـَه رابي رَحْماثـَه
تـَدْ شـَمي كُل نـَثياثـَه          مَحرا وزومارَه خاثــــــَــه
شِتقـَه مْخيلِه لْبرياثه          وصْميري وَردي وْحيواثه
وْكُل طـْير ِه دِشْمَيّاثه          پْخيلي مِخْ ناشِد ما ثــــــَه
مْسُكيرْ رابي مْأيناثـَه          ولـَخـّـازيلي نـَشْواثــــــــَـه
طاواثِح ْ گو مَسّاثـَــه          وشِمِّحْ كْمَبهـِر كْثوياثـــــَه
شِشْو زاگِه بأيداثــــَه          ومْخو صَنـّوجِه بأيتاثــــَه
ياعْلمايِـِه وبْـني ماثه          مْپـَشْطول ِ بـِصـْلاواثــــَــه
گو بيبونِه د حقلاثــَه          گو قالِه د كـَلـْكـَلياثــــــــَـه
علوييله بكُل يوماثــَه         مْدار ِ لـْدار ِ وگهاثــــــــَــه
يا بـَئايِـِدْ حَقــّوثَــــــَه         كـْليل ِ دَرقــُل أودوثــــــَـــه
لَـَياذيوَه ﭽـْو زْدوثــَه         طالِحْ كْشَكلـَه مَلكْوثـــــَـــه

▼ ملاحظة : آخر البيتين في القصيدة من نظم الشاعر الصديق سعيد يوسف سيبو .

nabeeldamman@hotmail.com
USA
July 14, 2006[/b][/size][/font]